مجلة الرسالة/العدد 191/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 191/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 03 - 1937



وثيقة فرعونية عن المعاملات الشخصية

اقتنى متحف شيكاجو أخيراً وثيقة مصرية قديمة يرجع عهدها إلى ما قبل الميلاد بنحو مائة عام، أعني إلى أواخر عهد البطالسة تدل على أن المصريين القدماء كانوا يجرون في القروض الشخصية على قواعد وأوضاع اقتصادية صارمة. وإليك خلاصة ما نصحت عليه الوثيقة المذكورة التي حل رموزها الدكتور ناتانيل ريش العلامة الأثري، على لسان المقترض:

(أنا العبد انسناكومني التابع لمقبرة زيمي، قد اقترضت من المرأة نخوتسي 22. 5 إردباً من القمح. وأتعهد برد هذا القرض مع أداء مثله بصفة ربح ليكون المجموع 45 إردباً.

(وأن يكون الأداء من قمح حسن لا غش فيه، ويكال بنفس الكيل الذي استعمل في القرض، كما أتعهد بأن أحمل القمح المذكور إلى منزل المرأة نخوتسي متحملا نفقات الإرسال، وذلك في آخر يوم من الشهر التاسع من السنة التاسعة دون طلب امتداد الميعاد، فإذا لم استطع أن أؤدي القمح في الميعاد المذكور فأتعهد بأن أدفع في الشهر التالي عن كل إردب ستين قطعة من الفضة

(ولا حق لي مادام هذا الإيصال في يد نخوتسي أن أدعي الوفاء كله أو بعضه، هذا مع إقراري بأن كل ما أملكه الآن أو أملكه في المستقبل يكون رهناً لذمة نخوتسي حتى أؤدي الدين كاملا، فإذا اضطرت نخوتسي إلى مقاضاتي من أجل الوفاء فإني أتحمل كل ما يترتب على ذلك من التعويضات، هذا مع اعترافي باتباع كل ما يأمر به وكيل نخوتسي في كل وقت بلا معارضة ولا ممانعة).

نقول: فهل يستطيع رجل القانون المعاصر أن يكبل المدين لمصلحة الدائن بأوثق من هذه القيود؟

ذكرى بوشكين عميد الشعر الروسي

احتفلت حكومة جمهورية اتحاد السوفيت، وروسيا كلها، في اليوم الحادي عشر من فبراير بالذكرى المئوية لوفاة الشاعر بوشكين أعظم شعراء روسيا الحديثة، وأطلق اسم الشاعر بهذه المناسبة على متحف الفنون الجميلة في موسكو، وعلى مسرح لننجراد كما أطلق اسمه على عدة من الشوارع الهامة في العاصمتين، وأطلق أيضاً على مدينة (دتسيكو زيلو) التي نشأ فيها الشاعر وتلقى تربيته. ويعتبر اسكندر سرجيفتش بوشكين في الواقع شاعر روسيا القومي كما يعتبر شكسبير شاعر إنجلترا، وجيته شاعر ألمانيا. وكان مولد الشاعر سنة 1799 في موسكو، ولما انتهى من دراسته القانونية في عين وظيفة بوزارة الخارجية، وفي سنة 1822، ذهب إلى جنوب روسيا وزار القوقاز، وألهمته هذه الزيادة موضوع روايته الشعرية الشهيرة (سجين القوقاز)، ثم أخرج قصيدته الرائعة (ثناء نابليون) وكتاباً شائقاً في حياة النور. واتهم بوشكين في تلك الآونة في عدة مؤامرات سياسية، ولكنه استطاع أن يفلت من العقاب نظراً لمكانة أسرته. وفي سنة 1824 استقال من وظيفته لخلاف بينه وبين رؤسائه وتفرغ للكتابة والنظم. وأخرج في العام التالي مأساته الشهيرة (بوريس جودونوف) وهي القطعة الخالدة التي حررت المسرح الروسي من نفوذ المسرح الفرنسي، ودفعت التأليف المسرحي في روسيا إلى وجهة قومية جديدة، وفي سنة 1828، ظهرت (بولتاوا) وهي قصة شعرية عن أيام بطرس الأكبر، ثم وصف شائق لرحلته الثانية في القوقاز، وعاد بوشكين إلى سلك الوظائف سنة 1831، وكتب تاريخاً للثورة القوقازية التي وقعت يومئذ، ثم أخرج بعد ذلك قصته الرائعة (ابنه الكبتين)، ثم قصيدة (أوجين أونجين) وهي في نظر النقدة أبدع ما نظم. وهي مزيج من الفكاهة والتهكم والقصص، يبدو فيها أثر اللورد بيرون واضحاً جلياً، وهو أثر يبدو في كثير من قصائد بوشكين الأخيرة. وفي فبراير سنة 1837 وقعت بين بوشكين وبين البارون ذايتس الذي اقترن بأخت زوجته تاتاليا جورشاروف مبارزة جرح فيها بوشكين جرحاً أودى بحياته، وبذلك انتهت حياته القصيرة الباهرة.

حول التاريخ الألفي للأزهر

كتب كاتب في جريدة الجهاد الغراء مقالا يستعرض فيه قصة اللجنة التي أنشئت منذ ثلاثة أعوام لكتابة تاريخ شامل للجامع الأزهر لمناسبة عيده الألفي الذي تقرر الاحتفال به عند حلوله في أوائل سنة 1359هـ؛ وذكر الكاتب أن اللجنة المذكورة قد عقدت بضعة اجتماعات، وأن لجنة فرعية من بعض الأعضاء ألفت لوضع برنامج لتاريخ الأزهر، ثم لم يسمع بعد ذلك شيء عن اللجنة ولا عن أعمالها وما ذكره الكاتب عن اللجنة صحيح في مجموعه، بيد أن هنالك بعض حقائق غابت عنه ولا بأس من ذكرها بهذه المناسبة، ذلك أن إنشاء هذه اللجنة كان نتيجة للقرار الذي اتخذته مشيخة الأزهر في عهد شيخه السالف بالاحتفال بالعيد الألفي للأزهر؛ فلما تغيرت المشيخة بعد ذلك بقليل، رأى فضيلة الشيخ الحالي أن يرجئ جميع الأعمال الخاصة بالعيد الألفي لأنه في رأيه لا يزال ثمة فسحة كبيرة من الأجل، وبذا تعطل عمل اللجنة دون حلها، هذا في حين أن اللجنة كانت قد قطعت بالفعل مرحلة تذكر في سبيل إنجاز برنامجها، وكانت اللجنة الفرعية التي ألفت لوضع برنامج العصر الفاطمي قد وافقت على البرنامج الذي وضعه أحد أعضائها الأستاذ محمد عبد الله عنان، ووزعت مواده بالفعل على بعض أعضاء اللجنة العامة، وأنجز بعض الأعضاء ما عهد إليهم بكتابته وفي مقدمتهم الدكتور حسن إبراهيم حسن، والأستاذ عنان، ثم وقفت اجتماعات اللجنة واجتماعاتها عند هذا الحد

وقد ظهرت أثناء مباحث اللجنة ومناقشاتها حقائق تلفت النظر؛ من ذلك أن أقطاب المشيخة قد لمحوا أكثر من مرة إلى أن التاريخ المراد وضعه للأزهر يجب أن يكون في مجموعه وفي روحه نوعاً من التاريخ الرسمي، وأنه يراد أن تخص منه عصور معينة دون غيرها، وأن العناصر السياسية أو المذهبية التي يحفل بها تاريخ الأزهر يجب إلا تمثل فيه، وكانت هذه التلميحات والرغبات داعية دهشة أعضاء اللجنة (المدنيين) ولاسيما المتخصصين منهم في التاريخ، وقد علقوا عليها بأكثر من مرة بأنه يجب إذا أريد أن يوضع تاريخ ألفي للأزهر فيجب أن يكون تاريخاً بالمعنى الصحيح، وعلى هذا سارت اللجنة الفرعية في عملها

وثمة حقيقة أخرى كانت موضع النضال، وهي أنه ظهر خلال المناقشة أن المشيخة تريد أن تنتفع بجهود العلماء المتخصصين في التاريخ، لينسب المؤلف فيما بعد في مجموعة إلى (مشيخة الأزهر)؛ ولكن هذه النقطة كانت موضع الاعتراض الشديد إذ أصر الأعضاء المدنيون على أن ينسب كل فصل إلى صاحبه على طريقة المؤلفات العلمية الأخرى

هذه بعض حقائق عن لجنة التاريخ الألفي للأزهر تجدر إذاعتها؛ وإذا كان لنا أن نعلق على هذا الموضوع بشيء، فهو أن تأليف اللجان الحاشدة ليس وسيلة لكتابة التاريخ، وأن كتابة التاريخ الصحيح قد أصبحت في عصرنا علماً حقيقيا لا يستطيع أن يضطلع به إلا المتخصصون فيه

هذا وإنا لنأمل أن يكون لمشيخة الأزهر في عهدها الجديد في هذا الموضوع نظرة أوسع آفاقاً، وأوفر سداداً وتوفيقاً

الذكرى السنوية الأولى للزهاوي

ستقيم وزارة المعارف العراقية حفلة تأبينية للشاعر الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي ببغداد يوم الجمعة 12 مارس سنة 1937، دعت إليها نفراً من كبار الأدباء في البلاد العربية، ثم أرسلت لجنة التأبين إلى جمهرة أخرى من الكتاب هذا الكتاب:

وبعد فإني أتشرف بإخباركم بأن حفلة تأبينية كبرى ستقام في بغداد يوم الجمعة المصادف 12 مارس1937 إحياء للذكرى السنوية الأولى لوفاة شاعر العرب الكبير الفيلسوف الحكيم السيد جميل صدقي الزهاوي الذي خدم الأدب العربي مدة نصف قرن

ولما كنا نعتقد بأن حضرتكم ترغبون في الاشتراك في رثاء الفقيد الطيب الذكر نرجو أن تتكرموا بما تجود به قريحتكم في هذا الشأن ليتلى في الحفلة التأبينية أو يثبت في الكتاب المزمع نشره تخليداً لذكرى الراحل الكبير. . .

تأبين الزهاوي في وزارة المعارف ببغداد