مجلة الرسالة/العدد 194/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 194/البريد الأدبي
العيد المئوي لوزارة المعارف
تحتفل وزارة المعارف العمومية في التاسع والعشرين من مارس الجاري بمرور مائة عام على إنشائها، وستنظم بهذه المناسبة حفلات رياضية وتمثيلية، ويقام معرض للتعليم والتربية تستعرض فيه مراحل التعليم وتطوراته في مصر مدى قرن، ويوضع كتاب ذهبي يتضمن تاريخ التربية والتعليم في هذا القرن إلى غير ذلك مما ترى وزارة المعارف أن تتخذه للاحتفاء بعيدها المئوي. والواقع أن المناسبات والاحتفالات المئوية في تاريخ مصر الحديث قليلة، ومن الواجب أن يعتني بشأنها وأن يحتفي بها كلما سنحت، تجديداً للذكريات القومية، وشحذاً للهمم، وتوطيداً لبناء المستقبل.
وقد مضت مائة عام كاملة منذ أنشئ (ديوان المدارس) في سنة 1837) أنشأه مصلح مصر الكبير محمد علي، بعد أن أنشأ من قبله عدة من المدارس العالية والخصوصية، وأوفد عدة بعوث علمية إلى أوربا، وبدأت ثمار هذه السياسة المستنيرة تتفتح، ويتسع نطاق التعليم والتربية. وكان ثمة قبل إنشاء ديوان المدارس هيئة تشرف على التعليم تسمي بمجلس شورى، فرؤى أن ينظم مكانه (ديوان المدارس) الذي اصبح فيما بعد وزارة المعارف، واشترك في تنظيم الديوان المذكور عدة من رجال مصر المثقفين الذين تلقوا العلم في أوربا، وانتخب لرآسته مصطفى مختار بك أحد خريجي البعثات فكان أول رئيس أو وزير لديوان المعارف المصرية؛ وشكل للإشراف على أعمال الديوان مجلس مؤلف من عدة من النوابغ الذين يرجع إلى رأيهم في شؤون التربية مثل رفاعة بك الطهطاوي، وكلوت بك وغيرهما؛ وقام المجلس المذكور بوضع لائحة لنظم التعليم، وقرر إقامة عدد كبير من المدارس في مختلف أنحاء القطر، منها عشرات من المدارس الابتدائية الأميرية، في معظم المراكز ومئات المدارس الأولية أو الكتاتيب، وبذا وضعت أسس النهضة التعليمية في مصر الحديثة
ومما يؤثر بالفخر أن التعليم كان يومئذ في جميع المدارس على اختلاف درجاتها وأنواعها مجانيا، وكانت الحكومة تتولى الإنفاق على التلاميذ، وتعنى بإطعامهم وكسوتهم، وتجري عليهم بعض الرواتب المالية، وكان عدد تلاميذ المدارس الأميرية يومئذ يبلغ نحو العشرة آلاف
وتقلب في الديوان المعارف عدة من رجالات مصر الأفذاذ مثل علي باشا مبارك، تولى سنة 1888، وبذل في تنظيم التعليم جهداً عظيما، ولا تزال آثار هذه الغرس زاهرة إلى يومنا
ووقعت وزارة المعارف مدى حين تحت سيطرة الاحتلال، وأخمدت روحها الإصلاحية أيام دانلوب ومعاونيه؛ ولكنها بدأت تتنفس في عهد الاستقلال؛ ولكنها وا أسفاه ما زالت مضطربة الأوضاع والنظم، ولم توفق إلى أن ترسم لها حتى اليوم سياسة ثابتة للتعلم
الصور الهزلية في الفن المصري القديم
أصبحت الصور الهزلية من أبرز نواحي الفن المعاصر، تتخذ أداة للتعبير اللاذع عن وقائع الحياة العامة، وأحوال الأشخاص وتصرفاتهم، وأضحت سلوة الألوف من القراء تثير ابتسامتهم ومرحهم. وقد عرف المصريون القدماء فن الصور الهزلية، وألفوا فيه متنفساً للنقد اللاذع والسخرية العميقة. وتوجد لدينا نقوش وصور هزلية تدل على مبلغ ما انتهى إليه الفراعنة من الافتنان في هذا الباب. فمثلا توجد نقوش على البردي ترجع إلى إلفي عام قبل الميلاد، سطرت بها قصص عجيبة كقصص ألف ليلة وليلة من مناظر سحرية وشياطين وحيوانات تلعب أدوار مدهشة، وتوجد صور هزلية مسلية في كثير من أوراق البردي المحفوظة في تورينو ولندن، ويبدو فيها شغف المصريين بهذا النوع من تصوير الحياة العامة؛ فالأمراء والوزراء وأكابر الزعماء يمثلون في صور حيوانات مختلفة ترمز إلى معان هزلية. مثال ذلك صورة رسمت بها قطة تسير مضمومة الذراعين إلى جانب ثور مبجل (يمثل كبير البلاط)، وهما يسيران معا للمثول في حضرة خصي قد صور في صورة حمار؛ أو صورة لفرقة الموسيقى الملكية مؤلفة من تمساح يبكي تأثرا، وحمار يعزف على القيثارة، وأسد يعزف على العود؛ أو أسد (يمثل فرعون) وحمار (يمثل وزيره) يلعبان الشطرنج معا؛ وهكذا. وكان للفنانين المصريين شغف بتمثيل مناظر الحياة العامة في صور مضحكة لاذعة، فمن ذلك صورة ذئب يقود الغنم، وهرة تحرس الطير، وكلاهما رمز لفساد الحياة العامة؛ وهذه الصورة التي ترجع إلى بضعة آلاف من السنين تدل على مبلغ ما وصل إليه فن التصوير الهزلي لدى الفراعنة في القوة والروعة. وعلى أن الفراعنة كانوا أيضا في هذا الميدان أول الأساتذة والمبتكرين
كتاب جديد عن الاشتراكية الوطنية
ما زالت الاشتراكية الوطنية أو النظم التي تعيش في ظلها ألمانيا الحاضرة مثار كثير من الجدل، وقد ظهرت إلى اليوم عنها تصانيف كثيرة بين الخصومة والتأييد، ولكن روحها وغاياتها الحقيقية ما زالت موضع الغموض والحدس
وقد ظهر أخيراً بالفرنسية كتاب جامع عن الاشتراكية الوطنية ربما كان أقوى وأوفى مؤلف ظهر من نوعه؛ وعنوانه: (طغيان الفاشستية الألمانية) بقلم الآنسة جريته شتوفل ويمتاز الكتاب، بالوضوح والترتيب، وينم عن دراسة عميقة وفهم شامل للنظم التي تعيش في ظلها ألمانيا الحاضرة. وقد استهلته المؤلفة بمقدمة تاريخية، ثم تناولت سلطات الدولة الأساسية بالتعيين والشرح، ففي شخص (الزعيم) (هتلر) تجتمع كل السلطات، فهو رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وهو المتصرف المطلق في جميع نواحيها الإدارية والقضائية والعسكرية، وهو المشرع الأعلى؛ وهو يفوض سلطانه إلى وزراء، ليسوا إزاءه سوى موظفين أصاغر، وأما الريخستاج (البرلمان) فهو أسم على غير مسمى، فهو لاحق له أن يقترح أو يعارض، وليس عليه إلا أن يوافق ويؤيد، والحزب (حزب النازي) يندمج في الدولة، وهو مجمع الشعب، ولا يقوم نظامه حسب قول هتلر الأعلى (السلطة والنظام والمسئولية والخضوع)؛ ومن أدلة هذا الاندماج أن نفس الرجال يديرون الحكومة والحزب معا، ورجال الحزب هم الذين يستولون على الوظائف، وشعار الاثنين واحد وهو (هايل هتلر). بيد أن الحزب لم ينجح في كسب الجيش، ولكن الجيش في يد (الزعيم)
وقد قضت الاشتراكية الوطنية على نظام ألمانيا الاتحادية واستأثرت الحكومة المركزية بكل السلطات، أما النظام النقابي، فيقوم على حشد العمال في جبهة الاشتراكية الوطنية، وتنظيم جميع المهن والحرف في طوائف تحشد في نفس الجبهة. تحدثت المؤلفة بعد ذلك عن الخلاف بين الكنيسة والدولة وعن النظرية الآرية ومراميها الحقيقة، وعن سياسة الاضطهاد الديني والجنسي التي تضطرم بها الآن ألمانيا الهتلرية. وهذا الطغيان الهتلري لا يقوم إلا على الإرهاب والعنف، والقضاء خاضع لخدمة الدولة، والتشريع الجنائي ليس إلا أداة للكفاح لا تعرف الرافة أو العدالة، وتقضي محاكم الشعب دون تحقيق، وتسير في قضائها تحقيقا لأهواء الحزب والزعماء. والخلاصة أن القضاء والبوليس والجيش والهيئات الحزبية تعمل كلها لسحق أعداء النظام وخصومه. ومع أن كل الحريات قد سحقت، فإنه توجد معارضة كامنة. والدولة النازية هي أتم وأوفى أداة للطغيان في عصرنا؛ بيد أنها بوسائلها العنيفة في الكفاح والقمع تنافي كل المبادئ والاعتبارات الأخلاقية والإنسانية
هذه هي الصورة التي تقدمها إلينا المؤلفة عن النظام الهتلري، وهي تقدمها إلينا في عرض بديع حقا مدعم بالأدلة والوثائق والإحصاءات. ويرى النقدة أن كتابها هو أقوى وأوضح بحث من نوعه ظهر حتى اليوم
حرب نيكوبوليس الصليبية
لعل أكبر الحوادث في تاريخ الشرق والغرب هو تلك الحروب التي اصطلح المؤرخون على تسميتها بالصليبية ودامت عدة قرون، تجلى فيها كثير من ضروب الفروسية والشجاعة مما يرى فيهما القصصيون مادة خصبة لهم. وقد كانت هذه الحروب ولا زالت ميداناً لكبار البحاث المؤرخين، ولكنها مع ذلك لا تزال بحاجة للدرس والتمحيص. ومن الوقائع الشهيرة في تاريخ العالم الإسلامي موقعة (نيكوبوليس) التي وصل فيها الأتراك إلى قلب أوربا، وأصبحوا على أبواب المجر، وهي مع مالها من أهمية قصوى لم يؤلف فيها أحد المتخصصين في تاريخ العصور الوسطى كتاباً قائماً بذاته، حتى قام بذلك أحد الشبان المصريين الذي اختارته جامعات لندن وليفر بول بإنجلترا، وبون بألمانيا أستاذاً بها، ذلك هو الدكتور عزيز سوريال عطية، فقد أفرد لها كتاباً خاصاً ألم فيه بما مهد لهذه الحرب. ويذهب المؤلف إلى أن الحروب الصليبية لم يكن بدء قيامها أو ختامها ما تآلفنا عليه، بل هناك عدة حروب قبلها وبعدها كان الدافع لأوربا فيها على امتشاق الحسام عصبيتها الدينية ضد الإسلام. ولقد أصدرت إحدى دور النشر الكبرى بإنجلترا هذا الكتاب القيم للدكتور سوريال. وبلغ من أهميته أن قرظه أعلام التاريخ في إنجلترا وفرنسا وألمانيا والمجر وأثنوا على صاحبه الثناء الجم، فقالت جريدة التيمس في ملحقها الأدبي: (إن هذا الكتاب دراسة رائعة عن الظروف السياسية والمالية في نهاية عصر الفروسية في أوربا) وختمت الديلي بوست تقريظها له بقولها: (إن مثل هذا الكتاب يكتبه أحد أبناء مصر لشيء يفخر به جميع المصريين. . . إن نهضة مصر في طريقها) وقالت مجلة معهد الدراسات الشرقية بلندن: (إن هذه الإضافة العظيمة الرائعة للتاريخ هي من غير شك نتيجة بحث عميق وميل قوي للموضوع. . وإنه لينبغي لكل مؤرخ أو باحث لهذه الفترة أن تكون لديه نسخة منه)
وقالت جريدة الجارديان: (. . . تقرير شامل يعتمد على المقارنة الدقيقة لمراجع كثيرة) ووصفه الأستاذ وليم ميللر في مجلة التاريخ الإنجليزي بأنه (كتاب دسم) كما أثنى على مؤلفه وموضوعه كثير من المجلات الأخرى كجريدة الحربية، والجيش الجريدة الأسيوية. وقالت مجلة الثقافة الإسلامية الإنجليزية بالهند: (أن تعمق الدكتور عطية في هذا الكتاب لا يوفيه المديح حقه، وإن التعاليق التي كتبها وإضافته لهي بحث جديد يضاف إلى دراسته النقدية لهذه الفترة) وقالت مجلة (إن الدكتور عطية ملم بكل نواحي الحروب الصليبية، وكتابه قائم على المصادر والمعاصرة لها بل والنادرة أحياناً. . . وإنا لننتظر منه الكتاب الشامل الأكبر في المستقبل) كما امتدحته مجلة (بلغاري) ومجلة الدراسات الشرقية الألمانية فقالت: (إن هذا الكتاب أوفى ما كتب عن هذه الناحية، وأن مؤلفه ليعد حجة في هذا الموضوع) ومع أهمية هذا الكتاب، وتقدير أقطاب التاريخ له ومصرية مؤلفه فأنه لم يترجم بعد.
تمثال شيخ البلد
قرأت بعدد الرسالة الأخير مقال الدكتور الفاضل أحمد موسى في الفن المصري القديم فاستوقفتني تلك العبارة من كلامه عن تمثال (شيخ البلد) المعروف بالمتحف المصري:
(وتمثال شيخ البلد تجده واقفًا في شيء من اليقظة وضخامة الجسم التي يجب أن تتوفر فيمن يقوم بالشياخة الخ)
وقفت متسائل: هل عرف النظام الإداري القديم شيخ البلد كما تعرفه مصر الآن من أقصاها إلى أقصاها؟ وبالتالي هل عرفت هوية صاحب هذا التمثال وعرف عمله في الدولة؟ أم أن الحقيقة هي ما قرأناه في كتب التاريخ من أن عمال الحفر لما أخرجوا هذا التمثال من مكانه راعهم ما وجدوا من شبه قوى بينه وبين شيخ بلدهم فأطلقوا على التمثال (شيخ البلد) ثم لزمته التسمية ولم يغيرها علماء الآثار لما لم يعرفوا حقيقة صاحبه ولم يجدوا به من النقوش أو الكتابات ما يبوح بسره وينم عن جلية أمره؟
وهل الدكتور الفاضل أن يميط اللثام عن حقيقة التمثال المذكور خدمة للعلم والتاريخ فنكون له شاكرين؟
(م. ح بأسيوط)