مجلة الرسالة/العدد 198/النقد

مجلة الرسالة/العدد 198/النقد

ملاحظات: بتاريخ: 19 - 04 - 1937



إسماعيل المفترى عليه

تأليف القاضي بيير كربتيس

وترجمة الأستاذ فؤاد صروف

لأستاذ كبير

المستر بيير كربتيس القاضي السابق بالمحاكم المختلطة مؤرخ محقق، كتب في تاريخ مصر كتبا قيمة اعتمد في إخراجها على مصادر ووثائق أكثرها لم ينشر بعد، رجع إليها في دار المحفوظات المصرية بتصريح من جلالة الملك الراحل.

ويقول لنا الأستاذ صروف إنه يوشك أن يصدر في تاريخ مصر كتابا آخر. وليس القاضي كربتيس أول رجال الولايات المتحدة الذين كتبوا عن مصر، بل إن للكثيرين منهم على التاريخ المصري فضلا كبيرا. ويمتاز هؤلاء المؤرخون ببعدهم عن التأثر بالمصالح والعواطف السياسية. ولذلك تراهم ينظرون إلى الحقائق نظرة المحايد المحقق الذي يبحث ويتحرى ولا يهمه بعد ذلك لجأت نتيجة البحث وفق ما يحب أم لم تجئ؛ ومن أجل ذلك كانت كتبهم جديرة بأن تلقى من الكتاب المصريين المؤلفين منهم والمترجمين ما تستحقه من العناية.

ولكن يؤسفنا أن نرى هؤلاء المؤلفين والمترجمين لا يعتمدون إلا على مصادر من نوع واحد، ويغفلون المصادر الأمريكية مع أنها من أهم المراجع وأصدقها، ومع أن أصحابها بحكم مراكزهم كانوا ملمين بالشئون المصرية وكان لبعضهم يد في تصريفها.

لذلك اغتبطنا حين أخرج الأستاذ صروف ترجمته لكتاب إسماعيل الخديو المفترى عليه، ونرجو أن نرى في القريب ترجمة لكتاب (إبراهيم) وأخرى لكتاب (فارمن) وثالثة (لماكون) ورابعة (لإدون ده ليون) وغيرهم من الكتاب المنصفين

وهذا المقام الذي نضع فيه المؤرخين الأمريكيين هو الذي حملنا على قراءة الترجمة العربية لكتاب كربتيس بعد أن قرأنا الأصل الإنجليزي منذ عامين أو أكثر.

ومن أجل هذا أيضا رأينا من الواجب علينا أن نبدي رأينا في الترجمة لأن موضع الكتاب جليل، يفتح في التاريخ المصري فتحا جديداً. ولأن المؤلف قاض نزيه وكاتب كبير، ولأن المترجم من الكتاب المعروفين، ولأن دار النشر الحديث قد بذلت في إخراجه من العناية ما يجعلها جديرة بالثناء العظيم.

وقبل أن نبدأ بالنظر في هذا الكتاب يحسن بنا أن نضع أمام القراء المبادئ الأساسية التي سنسترشد بها في نقدنا، والتي نرى لزاما على كل مترجم أن يراعيها إذا شاء أن تكون ترجمته دقيقة أمينة سليمة.

(1) فأول ما يجب على المترجم أن يكون ملما بموضوع الكتاب الذي يترجمه، وإلا دفع في الخطأ من حيث لا يدري؛ ذلك بأن لكل علم ولكل فرع من علم مصطلحاته الخاصة التي يجب أن يعرفها المؤلف والمترجم. ويصدق هذا على التاريخ كما يصدق على العلوم الطبيعية والرياضية. ففي التاريخ معان وضعت لها مصطلحات اتفق عليها، وأصبح المؤلفون والمترجمون في غير حاجة إلى اختراع ألفاظ جديدة للتعبير عنها، بل أصبح من واجبهم أن يتقيدوا بها إن وجدت، وإلا وقعوا في الفوضى والاضطراب. وقد توجد في الكتاب المترجم أغلاط مطبعية وغير مطبعية، وأسماء الأشخاص وأماكن محرفة وغير محرفة، ولا يستطيع المترجم أن يثبتها على حقيقتها إلا إذا كان عارفا بها أو كان في استطاعته الرجوع إلى المصادر التاريخية التي تمكنه من تحقيقها. وتعريب الأسماء من اللغة الإنجليزية يحتاج إلى كثير من العلم والدقة، وإلا خرج الكتاب مشوها بعيدا عن التحقيق التاريخي قليل القيمة غير مطابق للأصل المترجم.

(2) كذلك يجب أن تكون الترجمة كالأصل من غير زيادة ولا نقص، ولسنا نرمي بذلك إلى الترجمة الحرفية التي يتقيد صاحبها بالألفاظ فيحتم على نفسه أن يأتي لكل لفظ بما يقابله ولكل عبارة بمثلها مساوية لها في الطول وعدد الكلمات: ليس هذا هو المقصود بل المقصود أن يعبر المترجم عن جميع المعاني الواردة في الأصل المترجم بلغة سليمة وأسلوب صحيح، والأمانة في الترجمة تحتم على المترجم أن لا يحذف من الأصل شيئاً إلا إذا اضطر إلى ذلك اضطراراً، ويجمل به مع ذلك أن يذكر سبب هذا الحذف في هامش الكتاب أو في المقدمة إن شاء.

(3) ويتفرع من هذا مبدأ ثالث عظيم الأهمية يتوقف عليه جمال الترجمة وسلاسة الأسلوب، ذلك أن اللغة الإنجليزية تكتب جملا منفصلة قليلة الروابط اللفظية مع أن الفقرة الطويلة تعبر في الغالب عن معنى واحد شامل مرتبط الأجزاء متسلسل الجمل. والفقرات كذلك مرتبط بعضها ببعض. لكن هذه الروابط روابط ملحوظة غير ملفوظة في كثير من الأحيان، ويتوقف إدراك المعنى على فهم هذه الروابط بين الجمل والفقرات، وتختلف اللغة العربية في ذلك عن اللغة الإنجليزية، فالعبارة العربية تحتاج إلى الروابط اللفظية بين الجمل، ومتانة الأسلوب تستدعي حسن الانتقال من فقرة إلى فقرة، وإلا كان هذا الأسلوب مفككا غير فصيح وبعيدا عن الذوق العربي، وكل خطأ في فهم هذه الروابط والتعبير عنها يفسد الأسلوب ويغير المعنى. وربما كان ذلك أصعب شيء في الترجمة، وهو الذي يجعل الكتب المترجمة ركيكة الأسلوب أجنبية في حقيقتها، وإن كتبت بألفاظ عربية. والمترجم القدير هو الذي تقرأ كتابه فلا تشعر أنه مترجم، بل تحس بأنك تقرأ كتاباً عربياً فصيحاً.

(4) وثمة مسألة أخرى ترتبط بالمسألة السابقة وهي الأمثال والتشبيهات ونحوها، وهل تترجم بلفظها أو بمعناها. ونحن نرى أن يترجم معناها. واللغة العربية غنية بالأمثال والحكم والتشبيهات، ولا يعجز الأديب المطلع عن العثور لكل تشبيه أو مثل إنجليزي على ما يقابله في اللغة العربية، فإذا لم يجده فلا ضير عليه أن يترجمه بشرط ألا تكون الترجمة عسرة الفهم ولا بعيدة عن الذوق العربي السليم.

(5) وكثيرا ما يقصد المؤلف أن يؤكد بعض المعاني تأكيداً خاصاً لأهميتها في نظره، وكثيراً ما يسبغ على بعض المعاني ثوباً روائياً أو شعرياً يقتضيه غرضه، وواجب المترجم القدير في مثل هذه الأحوال ألا يغفل عن ذلك في الترجمة ليكون أميناً على معاني المؤلف وروحه معا.

تلك أهم المبادئ التي سنبني عليها نقدنا لترجمة الأستاذ فؤاد صروف وبقدر انطباقها على الترجمة يكون حكمنا عليها وموعدنا بذلك العدد القادم إن شاء الله

الغنيمي