مجلة الرسالة/العدد 21/البعث

مجلة الرسالة/العدد 21/البعث

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 11 - 1933



للأستاذ توفيق الحكيم

حوريس: انهض، انهض يا أوزيريس!

أنا ولدك حوريس. . .

جئت أعيد إليك الحياة،

جئت أجمع عظامك.

واربط عضلاتك،

وأصل أعضائك. . .

أنا حوريس الذي يكون أباه.

حوريس يعطيك عيونا لترى،

وآذانا لتسمع، وأقداما لتسير،

وأيادي لتعمل. . .

ها هي أعضاءك صحيحة،

وجسدك ينمو،

ودماؤك تدب في عروقك.

إن لك دائما قلبك الحقيقي،

قلبك الماضي!

الميت: إني حي، إني حي!

(كتاب الموتى)

وحوريس ليس إلا الشباب، يعيد الحياة إلى ماضيه الميت. نعم هو الشباب الذي يكون أباه الوطن. وقد أعطاه بالفعل عيونا يرى بها غابره العظيم في حريته، وحاضره الذليل في قيود الغرباء، وآذاناً يسمع بها ضحكات السخرية من أفواه الجبناء الذين جاءوا يستغلون رقاده ويستلبون خيراته. كما أعطاه أقداما يسير بها كي يثبت لهم أنه حي، وأيدياً يعمل بها على تشييد الصرح المهدوم. إن أعضاء الوطن صحيحة لم ينقص منها عضو. وهاهو ذا جسده يتحرك وينمو، والدم يجري في شرايينه. والشباب على رأسه يصيح: (إن لك دائم قلبك الحقيقي. . قلبك الماضي!. .) ويخيل إلى أنى أسمع الوطن من كل جانب يلبى النداء ويجيب الشباب الأبناء: (إني حي، إني حي!)

إني دائما أومن بان مصر لا يمكن أن تموت. لأن مصر منذ الأزل ظلت تعمل وتكد آلاف السنين لهدف واحد: مكافحة الموت. ولقد فازت مصر ببغيتها. وكلما ظن الموت أنه انتصر. قام حوريس من أبنائها يصيح: (انهض، انهض أيها الوطن! إن لك قلبك الحقيقي دائما. . قلبك الماضي) وإذا الموت يتراجع أمام صوت داو من أعماق الوطن: (إني حي، إني حي!) لست أعجب الآن لصيحات الشباب ومشروعات الشباب، فهي صيحات حوريس يوقظ أباه. إنما عجبي لأدراك الشباب أن أقوى مظاهر اليقظة هي: النهضة الاقتصادية: هي الدماء السخية التي تجري في جسد مصر قانية قوية. مرحى للشباب! هذا الابن الحق. لقد فهم سر الحياة، كما فهمها حوريس. وبارك الله في عيد الوطن الاقتصادي، فهو اليوم الذي سيردد فيه الوطن، وهو ناهض على قدميه. . وهو ملوح بيديه، صوته الخالد: (إني حي، إني حي!)