مجلة الرسالة/العدد 21/نداء لسكرتيرة المتطوعات

مجلة الرسالة/العدد 21/نداء لسكرتيرة المتطوعات

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 11 - 1933



أخواتي: أقسم الشباب أن يمضي جهاده بعزيمة قوية وهمة فتية يريد لمصر هناءً موفوراً، ورخاء سخياً، ويسراً عريضاً، فهلا ساهمت معهم بوطنيتك وأيدتهم بإخلاصك ووفائك؟ إن الشروع لا يطلب إليك أكثر من أن تؤمني بعقيدة الجهاد في سبيل مصر: ترتدين الرداء المصري الصميم، وتدعين للصانع والتاجر المصري في الوسط الذي تعيشين في أفقه، وتوزعين الدليل الوطني أيام العيد: وتحفين بالموكب في مهرجان مصر، التي نعيش من أجلها، ونجاهد في سبيلها. ولقد حرصت لجنة المتطوعات على أن تعمل بعيدة عن الأفق الذي يجاهد في حدوده إخواننا الشبان، رعاية لتقاليد البلاد، وصونا لسمعة المجاهدات وحرصا على صفاء الجو الذي نناضل في أفقه. . فهيا إلى العمل وليكن شعارنا الذي نفاخر به: (مصر للمصريين)

سعاد حسن

. . . بل مصر مصرية!

بقلم الآنسة مي

(مصر للمصريين). هذه الكلمة أقرأها لكم كاتبين، أيها الشبان، وأسمعها منكم محدثين. وإنها لكلمة جميلة خصيبة عادلة، لكن ما هو أجمل منها وأخصب وأعدل هو الغرض الذي ترمون إليه في حركتكم الوطنية الاقتصادية: جعل مصر مصرية! المعلوم عن مصر أنها بحكم موقعها الجغرافي بلد دولي حتما. فهي بمقتضى ذلك تفتح بابها لكل شعب، وترحب بكل حضارة، وتستسيغ كل صناعة، وكل ثقافة تجد في مغناها ضيافةً وانتشاراً. ولما كان لكل مقام مقال، فان مصر لم تعدم من ينعى عليها موقفها ذاك. والشعراء، الشعراء البررة القساة، كم استوحوا هذا الموضوع فنمَّقوا المراثي يعرضون فيها جيوش المصائب والمحن الضاربة في هذا البلد الأمين، ويشهدون العالمين (باللغة الفصحى!) على ما معناه أن: (مصر بنت طيبة، ولكنها مظلومة قضاء وقدراً)!. . . ولكم بكى الباكون من جراء وقع هذه البلاغات الشعريات (. . . جمع بلاغة شعرية!) وإن لم يبكوا بدموع تُمسح بالمناديل فلا أقل من زفرات ملتهبة تتسرَّب من القلوب المحروبة حيث الشفاه تردد قول الشاعر: (مص بنت طيبة، ولكنها مظلومة قضاء وقدراً!). . .

فتيان مصر، فتيان الحياة الجديدة في مصر! بحركة واحدة قمتم انتم قومة رجل واحد. قمتم لأنكم بحميتكم الأبية، وبشبابكم الحار، وبوفائكم البصير، أدركتم أن سلاسل القضاء والقدر كثيرا ما يحبكها المرء لنفسه، وأن البلاد كثيرا ما يهمل أبناؤها أمرها فيكونون لها ظالمين! أمصر ميدان لشتى الصناعات والثقافات والحضارات؟ إذن لتستفيدوا من كل أولئك. وما كان في نظر المتشائمين موضوع رثاء وحسرة ينقلب بين أيديكم موضوع جذل وأريحية وميدان خير عميم! تأخذون من كل قوم ما عندهم من ابتكار ونظام وتدبير، فتطبقونه على قومكم بمقدار ما يتناسب وحاجاتكم. وما انتم بذلك إلا مماشون سنن التاريخ.

فما من صناعة أو ثقافة أو حضارة إلا اقتبست شيئا مما سبقها أو استلهمت شيئا مما يحيط بها. ما هو الفرق بين مصر وبين غيرها من البلدان القوية؟ أول فرق ظاهر أن البلدان القوية تستهلك ما تنتج، وتدفق على غيرها من الأقطار ما يفيض عن حاجتها، في حين أن مصر تنتج قليلا وتستهلك كثيرا مما يقدمه لها المنتجون. وهذا هو النقص الذي قمتم تعالجون! أو تذكرون قول الاسكندر قبل أن يقدم على فتح الأمصار القريبة والبعيدة؟ قال: (أريد أن أرث عن أبي فيليب بلدا صغيرا فقيرا مرتبكا ليكون لي الفخر بان أجعله بلدا فسيحا غنيا تضرب الأمثال بقوانينه وأنظمته وعظمته) أنتم ورثتم عن آبائكم بلدا عظيما غنيا ما زال في حاجة إلى تنظيم في بعض نواحيه. ولتكونوا فخورين بهذا الوطن وخصائصه، ولتكونوا فخورين بحاجته اليكم، وبما لا يروقكم فيه. ولتكونوا فخورين لأنكم وجدتم في هذا العهد الذي تستطيعون أن تقوموا فيه بالخدم اللاَّحَّة! كذلك تسبرون غور مقدرتكم، ومبلغ تأثيركم، وتعرفون مقدار قيمتكم الأدبية أفرادا وجماعة!

عيدكم عيد الوطن، وعيد نشاط الوطن. صيحوا بأصواتكم الفتية بوجوب توزيع إنتاجه من كل نوع وكل صنف وكل فصيلة، اهتفوا في قومكم أن اجعلوا أثوابكم مصرية، وأثاثات منازلكم مصرية، وزينات حياتكم مصرية، لتهيئوا وسائل العمل والرفاهة لملايين الأيدي المصرية. ردِّدوا أن خذوا عن الآخرين، واقتبسوا، وحصّلوا، على أن تمصِّروا كل ما تحصلون وتقتبسون وتأخذون، فينقلب كل منكم اسكندراً خلاّقاً في بابه!

فتيان مصر، فتيان الوادي الأخضر! عيدكم رأس سنة جديدة، بل هو مطلع عهدٍ جديد! هو مطلع العهد الذي تسعون فيه إلى تمصير حاجاتكم. فلا يكفي أن تكون مصر للمصريين، بل يجب أن تكون مصر مصرية!

ولكم الفضل، بلفت البلاد إلى هذا الشأن الخطير. إن لتربة بلادكم هذه خاصَّة سحرية في تحويل كل غريب عنها إلى جزء منها. فكم ذا تصبح هذه الخاصة فعالة إذا ما أنتم عالجتموها بما نراه منكم من ذكاء وإدراك وهمة وحماسة وحيوية! عيشوا تحقيقاً للرجاء الذي يجعل واديكم دائم الخضرة، ويجعل عَلَمَكم دائم الخضرة! ولتعش مصر مصرية!