مجلة الرسالة/العدد 212/تولية محمد علي باشا الكبير

مجلة الرسالة/العدد 212/تولية محمد علي باشا الكبير

مجلة الرسالة - العدد 212
تولية محمد علي باشا الكبير
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 07 - 1937



صفحة مصرية نبيلة

وضع الأستاذ المؤرخ القصصي الكبير محمد فريد أبو حديد قصة سينمائية عن قيام حكم محمد علي باشا الكبير سماها (ابنة الملوك) وعهد إلى الأديب يوسف تادرس الناقد المسرحي بكتابة (السيناريو) وفي هذه المناسبة السعيدة ننشر من مناظرها هذا المنظر الذي يصور كيف نصب الشعب المصري محمد علي باشا والياً عليه بحكم إرادته ومحض اختياره

المنظر: قاعة في قصر محمد علي باشا بالأزبكية. محمد علي باشا في ملابس الولاية واقف وأمامه أدهم أحد ضباط الأرنؤود.

أدهم:. . . وبعد قليل وصل السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي فلقيا عناء كبيراً في اختراق الكتل البشرية المجتمعة في ساحة بيت القاضي والطرق المؤدية إليها فقد كان عددها يعدو الأربعين ألفاً.

محمد علي: (في دهشة) أربعون ألفاً؟!

أدهم: أجل يا مولاي وقد بلغ بهم الحماس حداً لا مثيل له. . . كانوا يضربون على الدفوف ويهتفون من أعماق قلوبهم: (عايزين الحاكم اللي نرضاه) (عايزين الباشا بتاعنا)

محمد علي: (يبتسم) وبعد!

أدهم: صعد السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والعلماء والأعيان إلى القاضي. . . حاولت الدخول فلم أستطع ولكني علمت أن كلمة الجميع اتفقت على خلع خورشيد باشا لأنه ظالم مستبد.

محمد علي: وهل انفض الاجتماع على هذه النتيجة؟!

أدهم: الاجتماع لم ينفض بعد. . . لقد غادرتهم مجتمعين وجئت مسرعاً لأتلقى تعليمات مولاي.

محمد علي: لا بأس سيقفنا الشيخ عبد المنعم على ما دار في الاجتماع. . . قل لي يا أدهم ماذا يقول الناس عني؟

أدهم: إنهم في حيرة يا سيدي. . . يقول البعض إنك ستسافر في الأسبوع القادم إلى ج لتقوم بأعباء الولاية، ويقول آخرون إنك تخشى السفر ولن تبرح القاهرة

محمد علي: (يبتسم ويهز رأسه)

أدهم: مولاي! أتسمح لي أن أسألك سؤالا؟

محمد علي: سل يا أدهم.

أدهم: كيف قبلت منصباً كهذا؟

محمد علي: لا يرفض المرء ترقية مهما كانت. . . لقد كان هذا المنصب وسيلة إلى الرتبة التي ساوتني بخورشيد. . . إنه اعتراف من الباب العالي بجدارتي لمنصب الولاية

أدهم: أتترك مصر إلى جدة؟! تغادر هذه الجنة الزاهرة إلى تلك الصحراء القاحلة!؟

محمد علي: ومن قال لك إني راحل أيها الغبي؟

أدهم: مولاي. . . لقد أحس رجالك بحيلة خورشيد لإقصائك عن القاهرة فتوسلوا إليك أن ترفض السفر فأبيت. فهل لي أن أتساءل. . .؟!

محمد علي: (مقاطعاً بإشارة من يده) لا نتساءل. . . لنترك كل شيء إلى الظروف. وما قدر فسوف يكون

(يدخل سرور ويؤدي التحية)

سرور: سليمان أغا وضابطان يطلبون الأذن على مولاي

محمد علي: (يبتسم) أدخلهم. وإذا جاء الشيخ عبد المنعم فأخبرني توا. (يخرج سرور) إذهب الآن يا أدهم وتسقط الأخبار في القلعة فلعلك تحمل إلينا شيئاً جديداً.

(يخرج أدهم - يدخل سليمان أغا وضابطان من الأرنؤود ويؤدون التحية)

محمد علي: خيراً.

سليمان أغا: جئنا يا مولاي لنعرف ماذا استقر عليه رأيك.

محمد علي: لقد أعلنتكم برأيي وإني مصر عليه.

سليمان: مولاي! ولكن مصلحة جنودك ورجالك لا يمكن إغفالها.

محمد علي: تطلبون إلي أن أخالف أوامر الباب العالي؟! إنكم تطلبون المستحيل. . . لقد قبلت المنصب والرتبة فلابد أن أرحل إلى جدة.

سليمان: وكيف تتركنا؟! ومن يهتم بنا إذا تخليت عنا؟. .

محمد علي: إن خورشيد باشا صاحب الأمر في البلاد وتستطيعون أن. . .

ضابط (1): نحن لا نقبل أن يتحكم خورشيد فينا.

ضابط (2): ألا من سبيل لتحقيق أمنية رجالك يا مولاي؟!

محمد علي: لا أظن، فأنها تتعارض وأوامر الباب العالي.

سليمان: يؤلمني يا سيدي أن أصرح بأن رجالك قد قر رأيهم على أن يحولوا بينك وبين السفر.

محمد علي: أجاد أنت فيما تقول؟!

سليمان: أجل يا سيدي سنمنعك بكل الوسائل.

محمد علي: كيف؟

ضابط 2: سنلجأ إلى القوة إذا أدى الأمر إليها.

محمد علي: وإذا صممت أنا على السفر؟

ضابط 1: تعرض نفسك للخطر.

محمد علي: إن ذلك تهديد!

سليمان: سيدي. . . إن خورشيد هو الذي سعى لإبعادك ليتحكم فينا ويستبد بنا.

ضابط 2: إنه لا يريد بنا الشر فحسب، بل بك أيضاً. . . إنك تدرك خديعته وتعرف أن سفرك الخطر كل الخطر ومع ذلك تصر على رأيك. . .

محمد علي: إذا نزلت على رغبتكم كنت في نظر السلطان ثائراً وحق لخورشيد باشا أن يلقي القبض علي ويرسلني إلى الأستانة.

سليمان: لن يستطيع هذا. . . إننا قوة كبيرة في البلاد. . . ثق يا سيدي أنه لن يصل إليك إلا على أجسادنا

محمد علي: (يبتسم ويقول ساخراً) وإذا بدأت الحرب وقفتم في وجهي بين يوم وآخر وجعلتم تطالبونني بالرواتب أليس كذلك؟! لا. لا. . . لن أقبل.

سليمان: مولاي. . . إننا لا نفكر الآن في الرواتب؛ نحن ننظر إلى كياننا، إلى الخطر الذي يهددنا. . سنكون طوع أمرك فهل تعطينا كلمة؟. .

محمد علي: لا أستطيع أن أفكر في الأمر إلا إذا وثقت من شيئين: ألا يطالبني الجنود برواتب الآن، وألا يوقفوني مواقف حرجة فيما بعد.

سليمان: لك ذلك يا سيدي. لن تكون الرواتب مصدر قلق لك

محمد علي: (ساخراً) أحق هذا؟!

ضابط 1: أجل يا سيدي ولنقسم بين يديك

(يدخل سرور ويؤدي التحية)

سرور: مولاي. . . الشيخ عبد المنعم.

محمد علي: (لسرور) ادخله حالا (لسليمان أغا) لا أستطيع أن أعطي كلمة الآن. . . وسأرسل إليكم كلمتي في المساء؛ وعليكم أن تكونوا على استعداد.

سليمان: حسن يا سيدي

(يؤدي الثلاثة التحية ويخرجون)

(يدخل الشيخ عبد المنعم مسرعاً)

عبد المنعم: مولاي. . . إنهم في أثري إلى هنا.

محمد علي: من؟

عبد المنعم: السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي والأعيان وأولاد البلد.

محمد علي: وماذا حدث؟. . .

عبد المنعم: أوه يا سيدي. لقد كان يوماً عظيما. . . احتشدت الألوف. . .

محمد علي: (مقاطعاً) عفواً يا سي الشيخ أعرف كل هذا، أريد أن تقص علي ما دار في الاجتماع. أريد النتيجة فحسب.

عبد المنعم: وقف السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي ومن ورائهما العلماء والأعيان أمام منصة القاضي، وعرض السيد عمر مظالم الشعب فكان الجميع لساناً واحداً على خلعه

محمد علي: وما السبب الذي بني عليه قرار الخلع؟!

عبد المنعم: السبب أنه حاد عن سنن العدل وسار بالظلم فأصبح خارجاً على الشريعة.

محمد علي: وبعد؟

عبد المنعم: تحدث العلماء وأصحاب الرأي في اختيار وال جديد واقترح السيد عمر مكرم اسم مولاي فقال الشيخ الشرقاوي: (إننا لا نستطيع أن نجد خيراً منه) وقال آخر: (إنه رجل ذكي محب للخير) وتبارى العلماء والتجار في ذكر مناقب مولاي.

محمد علي: ألم يعترض أحد؟

عبد المنعم: لم يعترض أحد على شخصك يا مولاي ولكن البعض رأى في التعيين دون الرجوع إلى الباب العالي افتئاتاً على حقوقه

محمد علي: وماذا قال السيد عمر؟

عبد المنعم: ثار وصاح قائلا: (أي حقوق؟ يجب أن يكون للشعب رأي في اختيار حاكمه. . . كفانا ما لقينا من حكامهم

محمد علي: (يبتسم) يا له من رجل جريء! - فما الذي كان؟

عبد المنعم: نزل الجميع عند رأيه في النهاية وقرروا أن يجيئوا إلى هنا ليعرضوا عليك الولاية

(تسمع ضجة وجلبة صادرة من بعد تقترب شيئاً فشيئا)

عبد المنعم: أتسمع يا مولاي؟. . إنهم قادمون

(يسير محمد علي إلى نافذة ويطل من خلف الستر وينصت قليلا ثم يلتفت إلى الشيخ عبد المنعم)

محمد علي: اذهب الآن. . . لا أحب أن يراك أحد هنا وتستطيع أن تدخل معهم

عبد المنعم: حسناً يا سيدي. . (يخرج)

(يعود محمد علي ليطل من خلف الستر. ترتفع أصوات الشعب ويسمع هتافات مختلفة وضرب بالدفوف)

(يدخل سرور ويؤدي التحية)

سرور: السيد عمر مكرم والعلماء يا سيدي

محمد علي: أدخلهم يا سرور

(يخرج سرور وبعد لحظة يفتح الباب على مصراعيه ويدخل السيد عمر مكرم ثم الشيخ الشرقاوي وكثير من العلماء والأعيان)

السيد عمر: السلام عليكم يا سيدي

محمد علي: عليكم السلام ورحمة الله. . .

(يتقدم محمد علي ويصافح الجميع)

محمد علي: تفضلوا. . . (يشير إليهم بيده فيجلسون) خيراً يا سيد عمر؟ لعل ما جئتم من أجله خير؟

الشيخ الشرقاوي: إنه خير بإذن الله يا سيدي

السيد عمر: سيدي. . . لقد خلعنا خورشيد باشا من الولاية على البلاد واخترناك والياً علينا وجئنا نعرض الأمر عليك

محمد علي: أيسمح لي صديقي أن أوجه إليه سؤالاً؟!

السيد عمر: تفضل يا سيدي

محمد علي: هل من سلطتكم أن تعزلوا الولاة وتقيموا غيرهم؟

السيد عمر: أجل يا سيدي. . . (إن للشعوب طبقاً لما جرى به العرف قديماً ولما تقضي به أحكام الشريعة الإسلامية الحق في أن يقيموا الولاة ولهم أن يعزلوهم إذا ما انحرفوا عن سنن العدل وساروا بالظلم لأن الحكام الظالمين خارجون على الشريعة. .)

الشرقاوي: ولقد انحرف خورشيد عن العدل وسار بالظلم، لذلك أجمعنا على عزله واختيارك مكانه فإننا نتوسم فيك العدالة وحب الخير وبعد النظر

محمد علي: ولكن خورشيد باشا لن يقبل القرار

السيد عمر: سواء علينا قبوله أو رفضه. . . فإن إرادة الشعب فوق إرادته

محمد علي: وإذا رفض النزول من القلعة؟

السيد عمر: نرغمه بالقوة

محمد علي: وإذا لم يرض الباب العالي أن يسلم لكم بحق اختيار الحاكم

السيد عمر: لا يهمنا سلم أم لم يسلم. . . يجب أن يخضع لرأي الشعب ويختار الحاكم الذي نرضاه

محمد علي: ولكن الأمر خطير. . . فهل قدرتم مبلغ خطورته

السيد عمر: أجل يا سيدي. . . الشعب يتمسك بحقه كاملاً ولن يقبل التفريط فيه وإن كلفه ذلك حياته

الشرقاوي: أجل. . . لن نقبل التفريط في حقوقنا وفيما تفرضه الشريعة علينا السيد عمر: البلاد مصرة على تنفيذ إرادتها ولو أدى الأمر إلى استعمال القوة

محمد علي: أما من سبيل إلى الرجوع؟. .

السيد عمر: (مقاطعاً) عفواً يا سيدي. . . لقد جرب الشعب المصري في السنين الماضية أكثر ما يجربه شعب من المظالم والمتاعب وقد صحت عزيمته على ألا يرضى بحاكم (يشير بيده إلى محمد علي باشا) إلا الذي اختاره

العلماء: أجل. أجل. لا نرضى إلا به

السيد عمر: هل تقبل يا سيدي ثقة هذا الشعب الذي أحبك واختارك دون غيرك والياً عليه؟

محمد علي: إنني عالم بما في قبولي من خطورة، عالم به تماماً ولكنني أمام إجماع الشعب ونزولاً على رغبة ممثلي الأمة الكريمة لا يسعني إلا القبول

الشرقاوي: شكراً يا سيدي. . .

محمد علي: وإنني أشعر بثقل الحمل الذي تريدون وضعه على عاتقي

السيد عمر: نحن على يقين من أن الله سيعينك وأنت بلا شك عالم بما تمتلئ به قلوبنا من الآمال

محمد علي: أسأل الله أن يوفقني إلى تحقيقها بمؤازرتكم ومعونتكم

السيد عمر: سيطلع علينا عهد جديد بإذن الله تبطل فيه المظالم وتقام فيه الشرائع والأحكام

محمد علي: لن يبرم أمر إلا بمشورتكم ومعونتكم إن شاء الله

(يتناول السيد عمر مكرم والشيخ الشرقاوي صرة من أحد العلماء ويخرجان منها ملابس تشريفه وهي عبارة عن جبة عليها كرك ويقفان ثم يتقدمان إلى محمد علي باشا الذي يقف فيلبسانه الجبة بين سرور العلماء)

السيد عمر: مولاي. . . لقد اختارك الشعب لأنه رأى الخير في اختارك ولن يرضى بديلا منك. نسأل الله تعالى أن يسدد خطاك ويديم الملك فيك وفي بيتك

العلماء: (يقفون ويرفعون أكفهم بالضراعة) آمين. . .

محمد علي: أشكرك يا صديقي وأشكر السادة العلماء وأصحاب الرأي في البلاد. . . إنني سعيد بثقة هذه البلاد العزيزة وأسأل الله أن يعينني على خدمتها ورفع لوائها حتى تعيد مجدها الغابر وتصبح سيدة الأمم.

العلماء: (رافعين أكفهم بالضراعة) آمين.

(تسمع ضجة من الخارج عند باب القاعة ويرى حجاج الخضري يحاول الدخول ولكن الجنود يمنعونه ويمسكون به وسرور ينهره)

سرور: لا. لن تدخل.

حجاج: دعني. . . أريد أن أكلم الباشا.

محمد علي: دعوه. . . دعه يا سرور

(يترك الجنود حجاجاً فيتقدم خطوة نحو الباشا)

حجاج: مولاي. . . الشعب يريد أن يرى الوالي الذي اختاره

السيد عمر: أجل يا سيدي. . . يحسن أن تطل عليهم من الشرفة

(يسير محمد علي إلى الشرفة ويفتحها ويخرج ليطل منها وإلى جانبه السيد عمر وخلفه الشرقاوي وعندما يظهرون للجماهير ترتفع أصواتهم بالهتاف كالرعد)

أصوات: ينصر الله الوالي. ينصر الله مولانا عمر. ينصر الله الباشا.

(ستار سريع)