مجلة الرسالة/العدد 213/رسالة الفن

مجلة الرسالة/العدد 213/رسالة الفن

ملاحظات: بتاريخ: 02 - 08 - 1937



رفائيل

الفنان أبداً

للدكتور أحمد موسى

- 2 -

أما في الغرفة الثانية (1512 - 1514) فقد صور مناظر دينية ومناظر قصصية، تناول في الأولى العلاقة بين الكنيسة والخالق، وتحرير الكنيسة الفاتيكانية من أعدائها بواسطة البابا يوليوس الثاني. وفي الثانية مثل طرد هيليودورس من معبد أورشليم بفارس هبط من السماء. ولعل من أجمل تصاويره (الفرسكو) تلك التي مثلت صد اتيلاس عن روما سنة 452 بقوة ليو الأول، وإدماج ذلك في محاربة الفرنسيين وطردهم من إيطاليا بعد مذبحة نوفارا سنة 1513. أما القطعة التي مثلت تحرير بتري من السجن بواسطة الملاك فهي أيضاً لا تقل روعة عن سابقاتها.

وتبين صور السقف أربعة مناظر للعهد القديم (بحالة سيئة الآن)، الأول يهوا وموسى، والثاني فداء إسحاق. والثالث ظهور يهوا لنوح، والرابع حلم يعقوب.

وفي الغرفة الثالثة (1514 - 1517) سجل عصر البابوين ليو الثالث والرابع.

أما القطعة التي مثلت مأساة احتراق بورجو بالحي الفايتكاني ومحاولة البابا ليو التاسع إخمادها، وسيره في التصوير على الخط الإغريقي الرائع الذي مثل حرق ترويا فإنها من أعظم ما أنتجه رفائيل.

وفي الغرفة الرابعة ترى من أبرز فيها المذبحة الهائلة بين قسطنطين الأكبر وماكنتيوس، والتي لم يتم تلوينها إلا بعد وفاة رفائيل بواسطة تلميذه رومانو

وله من الأعمال العظيمة غير ما ذكرنا زخرفة وتحلية بعض الأماكن والمسالك المقببة بالفاتيكان، وقد قام بهذه المهمة الفنية تلبية لطلب البابا ليو العاشر؛ فعمل بالدور الأرضي وبالدور الأعلى كثيراً من المناظر الدينية وبخاصة تلك التي تنتمي إلى العهد القديم، صور منها على السقف اثنتين وخمسين قطعة مساحة كل واحدة 13 4 أمتار كلها بالفرسكو، كما رسم كثيراً من النقوش والزخارف العربية وغيرها ووصل في ذلك إلى غاية الإتقان مع وضوح اتساع خياله وروعته. ولم يقم بالعمل جميعه بمفرده، كما كان الحال عند ميكيلانجلو، بل استعان بتلامذته في التنفيذ بعد وضعه التصميم بنفسه. ومن بين هؤلاء التلاميذ من هو جدير بالذكر حقاً أمثال رومانو، وبين، وبيرينودل باجا، وكالدارا

وله كرتونات مصورة بالماء (1515 - 1516)، جعلها لتغطية الأجزاء السفلى لحوائط الفاتيكان في أيام الأعياد الرسمية، هي أشبه بتلك التي تراها في القصور إلى منتصف القرن التاسع عشر وكلها تشمل مناظر دينية من أهمها عودة بولس، وتحرير بولس من سجنه، وبطرس يستلم مفاتيح السماء من يسوع، وشفاء الأعرج، وموت أنانياس، ومعاقبة كليماس بالعمى، وبولس وبرنابا في ليسترا، وبولس يعظ في أثنيا؛ والسبع الأخيرة من هذه القطع الكرتونية موجودة بمتحف ساوث كنسنجتين بلندن

وله قطع جمعها للنسيج وعرضت في الفاتيكان لأول مرة في 26 ديسمبر سنة 1519 بالكابيلا سكستينا لمناسبة (يوم استفان) وهذه كلها جمعت منذ حوالي مائة وعشرين سنة (1814) في مكان خاص بالفاتيكان. ولهذه القطع أمثلة موجودة بمتحف برلين ودرست منذ سنة 1723

وإذا كنا لم نذكر للآن سوى الأعمال التي كلفه البابوات القيام بها، فإنه قام بغيرها للأفراد أمثال أوجستينو شيجي وهو أحد رجال المال الذي طلب إليه تحلية كنيستين في روما ففي الأولى المسماة (القديسة ماريا ديللا باسا) صور رفائيل سنة 1514 الكاهنات الأربع في أروع ما يمكن إخراجه من جمال الخلقة وحسن التكوين والروعة الإنسانية. أما الثانية المسماة (القديسة ديلل بوبولو) فإنه علاوة على وضعه تصميم الصحن، وضع الرسوم التخطيطية التي رسمت بعدئذ على باطن القبة. وهذه الرسوم تمثل خلق السبعة الكواكب التي أخرجها الفنان الويسيو ديللا باسا بالفسيفساء سنة 1516.

وفي هذه السنة نفسها صور على حائط الردهة الصغرى بفيلا فارنيزينا صورة (انتصار جاليتيا) ووضع تصميم الرسوم التي أخرجها تلميذاه رامونو وبيني والتي مثلت مناظر عشق (آمور وبسيشه) لسقف الردهة الكبرى.

ومهما يكن من شيء فإن خيال هذا الفنان العظيم وقدرته على الخلق الرائع الذي يذهب بالمتأمل إلى ملكوت السمو ويحرك لسانه بالتسبيح بقدرة الله، كل هذا لم يتمثل على أشده إلا في تصوير العذراء التي أفنى روحه وتفاني بكليته في إخراج صورها على أقصى ما يمكن لعقل إنساني أن يتصوره من الجمال.

هذا بيان أساسه المنطق والمقياس الصادق. ولا أثر للمبالغة فيه ولا إلحاح رغبة في تجليته على صورة تستأثر بإعجاب القارئ، فقد يحوم مثل هذا الكلام حول فنان آخر، أما رفائيل فيكاد نطاق القول يضيق عن تناول حقيقته ووصفه.

وفي هذا المجال العظيم صور رفائيل. وأظهر نهاية مقدرته ونبوغه. وقد لجأ بعض المصورين إلى تصوير المادونا ودسّ ما صوره بين مخلفاته، ولكنا - خصوصاً في الوقت الحاضر - بعد تقدم علم التصوير الفوتوغرافي، لإثبات الصور الحقيقية من المقلدة لاسيما بعد إمكان الكشف عن طبقات اللون على سطح اللوحات واتجاه الفرشاة، لا نقع فيما وقع فيه بعض مؤرخي القرن الثامن عشر والتاسع عشر.

وقد اجمع مؤرخو الفن على أنه لم يوجد ولن يوجد فنان بعد رفائيل يستطيع أن يخرج ماريا والطفل بهذه العظمة والقوة والجمال الذي أخرجهما به، أما حنان الأم ومحبتها لطفلها وكمال الانسجام الإنشائي في وضعهما فهذه صفات تلتصق بما صوره رفائيل.

أما الطهارة التي تجلت والعفة التي تمثلت في وجه العذراء. فهذه عسيرة على غيره من رجال الفن مهما كبر اسمهم.

أحمد موسى