مجلة الرسالة/العدد 222/الأزهر وطريق إصلاحه

مجلة الرسالة/العدد 222/الأزهر وطريق إصلاحه

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 10 - 1937



ربط حاضر الأمة بماضيها

للدكتور محمد البهي قرقر

ليست فكرة إصلاح هذا المعهد العظيم حديثة النشأة؛ وليست كل محاولة لإصلاحه كانت ناجحة؛ وليس كل من قام بأمر الإصلاح كان فيه موفقاً. ولا أريد هنا أن أسرد الأدوار التي مر بها الإصلاح، وعدد الخطوات التي أخفق فيها المسعى، والأخرى التي كان له فيها بعض النجاح؛ إذ كل باحث في أمره يوقن أن الخطوة الأولى التي كانت موفقة فيه هي التي خطاها الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده، وأنه هو الذي يعتبر أول مصلح كانت له فكرة، وبجانبها شخصية ذات إرادة مستقلة، وبسببه حافظ الأزهر على حياته، وإن كانت حياة الهرم الذي تعوزه زيارة الطبيب الحاذق من وقت إلى أخر. وبالرغم من وهن هذه الحياة كان ما قام به الأمام هو دور المصلح وداعية البطولة في زمنه

استمر الأزهر بعد ذلك في حياته التي يحس فيها بضعف، تارة يشتد إذا لم يجد في طبيبه صفة المهارة - وكثيراً ما كان ذلك - وطوراً يخف إذا واتاه القدر بمن يواسيه أكثر ممن يطببه. تغيرت فيه عدة مناهج واستبدلت نظم بأخرى باسم الإصلاح؛ ومع ذلك لم يتم إصلاح أو لم يتكون أساسه، لأن الإصلاح الذي يجب أن يكون، وبعبارة أخرى الذي يحمل عليه قانون الوجود الحالي المبني على تنازع البقاء وحياة الأصلح ليس علاجاً مؤقتاً وإنما هو إيجاد حياة من نوع أخر، حياة فتوة لها قوة ممانعة ومقاومة وقوة كفاح وهجوم. ظل أمره كذلك حتى هيأ القدر له، وشاء أن يكون تلميذ الإمام، رجلا من أولئك الذين لهم عقول مستقلة بعيدة المدى في التفكير، ولها قوة إرادة في التنفيذ في صمت ورزانة. فأول خطوة ضرورية رآها للإصلاح أنه عمل على إشعار الأمة بالأزهر واتصال الأزهر بالأمة، فحياته إذن يجب أن تكون من نوع حياة الأمة، ومصر أمة ناشئة فتية

أيدت هذا العمل عقلية أخرى من هذا الطراز - وعقول الإصلاح دائماً متفقة متجانسة - ولكنها أشعرت الأمة هذه المرة بصورة أخرى هي أن لا غنى للأمة المصرية ولا للعالم الإسلامي عن الأزهر. ولكن كيف يؤدي رسالته الوطنية والعالمية في القرن العشرين؟

تنبهت الأذهان وعني الكتاب والباحثون في الشئون الاجتماعية والعلمية بهذا الموضوع ودونوا لهم آراء في ذلك وآسف أني لم أطلع عليها. وقد يجوز أن يكون هؤلاء قد عالجوا الموضوع من نواح عدة، وأظهروا رغباتهم الإصلاحية لهذا المعهد التاريخي الكبير في صور يرون فيها مهمته في العصر الحديث. ربما يكون بعضهم قد تناول مثلا تحديده كمدرسة عالية لفئة خاصة من الأمة يجب عليها قبل الالتحاق بها استيفاء شروط مخصوصة ودراسة إعدادية على نمط خاص أو غير ذلك من التنظيم والمناهج

ولا أريد أن أبحث الآن: كيف يكون الأزهر معهداً نظامياً كمعاهد الحكومة العالية، لأني لا أبغي أن يكون الأزهر على هذا النمط الآلي، وإنما أريد أن أبحث: كيف يتحول الأزهر إلى جامعة علمية حديثة مع الاحتفاظ بصبغته الماضية التي خولت له أن يكون هو المدرسة الوطنية الوحيدة في مصر في الوقت الحاضر بحكم اعتمادها على ثقافة الأمة الموروثة، والتي منحته صفة روحية باعتبار أنه المكان الأول في العالم الإسلامي للعناية بالدين ونشره، ثم كيف يكون الطريق العملي لذلك، إذ كثيراً ما كتب دعاة الإصلاح وكثيراً ما حاول القائمون بأمره أن يصلحوه، ولكنها كانت كتابة يغلب عليها الخيال، ومحاولة كان أساسها تقليد نظم مدارس أخرى: مدارس وزارة المعارف التي هي في نفسها أيضاً بناء مرقع رعوي فيه تقليد رسوم متباينة؛ وهذه المحاولة كادت تخرجه عن الغرض الذي يجب أن يكون له الأزهر والذي كان له منذ قرون مضت

وغاية الأزهر (أولا) تهذيبية علمية وطنية، لأنه يقوم بتربية جزء عظيم من أبناء الأمة ويعده فوق ذلك لتولي عدة مصالح في الشعب، لا يمكن تعويضها فيها، لها قيمتها في إصلاح نواحيه الخلقية والاجتماعية، وبالأخص في رعاية الأسرة التي هي الدعامة الأولى في بناء الأمة. و (ثانياً) دينية عالمية لأنه المرجع الأول لحل المسائل الدينية التي لها ارتباط وثيق بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية لأمم العالم الإسلامي والتي يتوقف تقدم تلك الأمم أو تأخرها بنسبة كبيرة على فهم الروح الدينية (الفقهية) أو عدم فهمها لهذه المسائل الحيوية

ومن يفكر أو يحاول أن يحمل غيره على أن يعتقد أن غاية الأزهر روحية بالمعنى الكنسي، فمبعث تفكيره هذا التقليد السلبي الذي طغى على النواحي العقلية في مصر الحديثة، ومنشأ محاولته جهل أو تجاهل بالتاريخ أو سوء فهم للإسلام وللأزهر ولأثره في تكوين النهضة الوطنية، أو هو نفسه لا يقيس الوطنية إلا بمقياس العاطفة، وما كانت العاطفة في يوم من الأيام إحدى الدعامات في بناء راسخ!

ولكن الأزهر الآن يؤدي مهمته كما كان يؤديها في الغابر من تلقين ما للماضي من ثقافة؛ وربما يدَّعى أن هذا التلقين وحده لا يعد الناشئة للكفاح في الحاضر ولا يقرب فهم المسائل الدينية والاجتماعية من ضوء الواقع الحالي، فذلك التلقين لا يفي لهذا بالغاية من وجود الأزهر، لأنه أداء جزء من مهمة يجب أن يتصل به تواً أداء البقية وهي ربط الحاضر بالماضي. وهذا هو الطريق العملي، فيما أظن، لتحقيق غاية الأزهر التهذيبية والدينية

ربط الحاضر بالماضي ليس معناه ضم ثقافة أجنبية جديدة على حدة إلى ثقافة الماضي، وإضافة علوم حديثة مستقلة إلى ما كان للأمة في الأزمان الغابرة، وإنما هو السير في البحث العلمي على أثاث الثقافة الموروثة، ولكن في ضوء مقتضيات العصر الحاضر. وهذا السير يتطلب التخصص في العلوم المختلفة ولكن في موضوعات الفن الواحد. فمثلا في الفقه يجب أن يكون هناك أساتذة فنيون في موضوعاته مزودون بثقافة أخرى لها ارتباط وثيق بالموضوع المتخصص فيه. فيجب أن نرى أساتذة في الفقه الجنائي، وهو يشمل على سبيل التقريب: الديات وفرض مبدأ التعويض المالي. التعزير بالحبس. القصاص. إعفاء الوالي من إقامة الحد إذا رأى المصلحة العامة في ذلك. . . وأساتذة في الفقه المدني والتجاري، وهو يشمل على سبيل التقريب: عقود البيع، نظرية الربا وربط الفائدة. الرهن. الايجارة، الشفعة. عقود الشركات المختلفة. مبدأ الضمان والكفالة. الهبة. الوصية. . . وأساتذة في فقه الأحوال الشخصية، وهو يشمل على سبيل التقريب: عقد النكاح، حقوق الأسرة. النفقة، الإرث، نظرية إثبات النسب والتبني وعلاقة ذلك بالمجتمع وتكوين الأسرة. نظرية الحضانة الفردية وارتباطها بنظرية قيام الدولة بالعناية بالأطفال إجبارياً لشقاق في العائلة أو طروء جنون على أحد الزوجين أو مشاكل ذلك. . . وأساتذة في الفقه الإداري والسياسي، وهو يشمل على سبيل التقريب: معاملة الأجانب ونظرية الأقلية في اعتبارها هيئة منعزلة لها احترام عاداتها ما لم تخل بنظام الأكثرية وعليها ضريبة (الجزية) للقيام برعايتها وحفظ مصالحها. مبدأ الجهاد. قوانين الأسر والعتق. مبدأ الشورى في نظام الحكم الداخلي. مبدأ التفويض للوالي. الاستقلال في السياسة الخارجية (نحو العدو مثلاً) وإعلان الحرب

وفي الفلسفة والأخلاق يجب أن يكون هناك أيضاً فنيون في موضوعاتها المختلفة على هذا النمط، فأخصائيون في فلسفة الإسلام، وتشمل على سبيل التقريب: محافظة الإسلام على وحدة الأمة والرغبة في عدم تصدعها. نظرية الإيمان بوحدة الخالق. تفضيل صلاة الجماعة. ضرورة الاجتماع كل أسبوع في مكان واحد لا فرق بين غني وفقير ورفيع ووضيع لتجديد عهد الإخاء وهو الغرض من صلاة الجمعة. ضرورة اجتماع أغنياء مسلمي العالم في أول مكان للدعوة الإسلامية كل عام لتذكر عهد النشأة والاستمرار في التمسك بالعقيدة والعمل على نشرها، وهو الغرض من الحج. العمل على إشعار ذو النفوذ المالي بوجوب العطف على الفقراء إبقاءً لمالهم في أيديهم وقمعاً لثورة نفسية بين الطبقات المعدمة ربما تتبعها ثورة أخرى اجتماعية (بلشفية) تقلب نظام الحكم في الأمة وتنزع رؤوس الأموال من أيدي أصحابها. . وهو الغرض من الزكاة. وأخصائيون في الفلسفة الإسلامية، وتشمل على سبيل التقريب: لا حكاية ما قال ابن سينا وتبعية ابن رشد لأرسطو طاليس وأمثال ذلك مما ينقل فحسب، وإنما قبل كل شيء بيان منزلة الفلسفة الإغريقية، وهي الفلسفة الإلهية وعلاقتها بعلم (التوحيد) الإسلامي، ثم مقدار نصيب الإسلام من هذا العلم. ثم بيان مساهمة العلماء الإسلاميين ومساهمة الثقافة الإسلامية في خلق فلسفة إسلامية وتكييفها. . . وأخصائيون في أخلاق الإسلام والأخلاق الإسلامية: وتشمل على سبيل التقريب: المبادئ الخلقية التي جاء بها الإسلام. مقارنة ذلك بالنظريات الأخلاقية الإسلامية التي أشتغل بها علماء الإسلام والتي قد لا يمت بعض مبادئها إليه بصلة إيجابية. مقارنة ذلك أيضاً بالنظريات الخلقية الحديثة. دراسة المبدأ الخلقي ونظرية اعتباره المطلق أو المقيد. . .

وهذا التخصص ليس تبويباً جديداً أي صورياً فحسب، وإنما هو أبحاث علمية مستقلة يجب على من يقوم بها دراسة ما يشبهها في الثقافات الأخرى حتى يتكون مبدأ المقارنة والاستنتاج، ثم يتبعه مبدأ التطبيق العملي، وهما من عوامل التقدم في البحث العلمي، لأن حكاية ما قيل فقط لا يسمى بحثاً فضلا عن وصفه بالعلمي. فأستاذ الفقه الجنائي مثلاً يجب أن يدرس علم النفس الجنائي: الذي هو مختص ببحث أنواع الإجرام النفسي، ثم بحث التشريع الجنائي الحديث وكيفية بنائه على التجارب النفسية بوساطة هذا العلم. وأستاذ الفقه المدني والتجاري عليه أن يلم بالنظم الاقتصادية الحديثة. وأستاذ الفقه السياسي ينبغي أن يلم بالتاريخ الاقتصادي والسياسي وبفلسفة الحرب وفلسفة مبدأ حكم الأقليات

وبواسطة هذا يتسنى لهؤلاء الأساتذة لا بيان مزايا الدين الإسلامي فحسب في هذه الموضوعات مثلاً، بل حمل الأمم الإسلامية على الاعتماد في تشريعها الحديث في كل أنواعه على مبادئ الفقه الإسلامي، ثم في الوقت نفسه رد حملات العلماء الأجانب على الإسلام التي سببها الجهل أو الرغبة في إبعاد المسلمين عن أتباع دينهم باسم (خدمة العلم) و (حرية البحث) حتى يدب فيهم ضعف الشقاق، بين المصمم على أتباعه وبين الواهم في التخلي عنه، بين (الرجعي) و (المجدد) وبين (القديم) و (الحديث). وما خدمة العلم هنا إلا الرغبة في السيادة واستمرار سيطرة (الحضارة الأوربية) على الشرق الإسلامي

وعلى هذا النمط في التخصص يسير الأمر في العلوم الأخرى. وبخاصة تجب مراعاة هذه القاعدة بدقة في قسم الوعظ والإرشاد. ففضلا عن أن تتبع فيه دراسة أساليب التبشير الحديث يلزم دراسة نفسيات الشعوب الإسلامية المختلفة وعاداتها ولغاتها. وبناء على هذه الدراسة الأخيرة ينشأ التخصص والتوزيع، فيجعل: قسم للوعظ والإرشاد للشعب المصري: فالنوع الحملي منه: يتولى قبل كل شيء بحث نفسية المجرمين ونوع الأجرام الذي يرتكب بكثرة بمساعدة الإحصائيات الرسمية لذلك، ثم دراسة أسلوب الوعظ الذي يمكن أن يؤثر في مثل هذه النفسية ويحملها على الإقلاع أو التقليل من هذا الإجرام. . .

والنوع الثقافي الأخر: يتولى الأعداد لتهذيب شعبي مبني على البساطة، وكيفية الخطابة في المساجد، وإعطاء دروس للشعب فيما هو في حاجة إليه من الثقافة الخلقية والواجبات الفردية والجمعية

ويجعل قسم للوعظ والدعاية: لشعوب الشرق الأدنى

ويجعل قسم للوعظ والدعاية: لسكان الشرق الأوسط والهند وجاوة

ويجعل قسم للوعظ والدعاية: لشعوب البلقان

ويجعل قسم للوعظ والدعاية: لسكان السودان والحبشة وجنوب أفريقيا

ويجعل قسم للوعظ والدعاية: لسكان أمريكا الجنوبية وفي كل قسم من هذه الأقسام تدرس فضلاً عن لغة الشعب، القواعد الخلقية التي يسير عليها، والمذهب الفقهي السائد فيه. وبناء على هذه الدراسة تحدد موضوعات الوعظ الديني التي تجب دراستها في كل قسم، لأن الغاية من الوعظ هي حمل الشعب بطريقة التأثير في نفسه على اتباع قواعد خلقية معينة يقتضيها النظام العام لحفظ وحدة الأمة وبغية سعادتها. والغاية وإن كانت واحدة فأن الطرق إليها مختلفة لضرورة اختلاف النفسيات التي تخضع في تكونها إلى الوراثة والتربية الأولى والمجتمع فيما بعد، وهذه العوامل ليست متشابهة في كل أمة

هذا فضلا عن دراسة نفسيات هذه الشعوب وثقافتهم هي في نفسها دراسة إسلامية يرجى من ورائها تعارف الأمم الإسلامية وتزايد الرابطة بينها

وبهذه الأهمية أصبحت دراسة علم النفس التجريبي اليوم، ومن خصائصه وصف النفسيات المختلفة للأفراد والأمم، العامل الأول في السيطرة على النفوس إما لغرض إصلاحها أو بغية استعمارها. ولم يعن الأوربيون بدراسة النفس الشرقية على ضوء التجارب والسلوك الشخصي وكذا بقية الأمم الضعيفة وإنشاء المعاهد المختلفة لدرس ثقافاتهم وأديانهم ولغاتهم حباً أفلاطونياً في العلم وغراماً خيالياً بالبحث، وإنما عنوا بها رغبة في السيطرة والاستعمار العسكري أو التجاري

وإذا كان التخصص في الموضوعات الفنية يحتاج إلى الاتصال بالأوساط العلمية الأخرى، الأجنبية عن الأزهر، فإن التخصص في أقسام الوعظ أشد احتياجاً إلى الاتصال بالشعوب الإسلامية المنتشرة في بقاع الأرض ودراسة أحوالها النفسية والشعبية لبناء الوعظ على أساس متين تكون من ورائه الفائدة محققة، وتتقوى بذلك رابطة مصر العلمية والأدبية بالأمم الإسلامية الأخرى، وهي رابطة يجب أن تحافظ عليها لأنها سبب عظمة مصر فيما بينها وتعلق تلك الشعوب بها

وبهذا يكون للأزهر صلة حية بالشعب إذ يصبح المدرسة العالية لثقافة وطنية مؤدية لمقتضيات العصر الحاضر، ومعهد البحث للتشريع الوطني الحديث؛ وفي الوقت نفسه يقوم برسالته الروحية في بقية العالم الإسلامي، ومن ورائها يؤدي رسالة مصر الأدبية في الخارج. وما هذه المنزلة العالية التي تتمتع بها مصر اليوم في الشرق إلا لهذه الصلة الروحية واعتقاد أن مصر تملك أكبر مكان للدراسات الإسلامية كما تملك مكة المكرمة أول مكان للدعوة إلى الإسلام. ولولا الأزهر لما نالت مصر تلك المنزلة بين الأمم الشرقية، فهي تمثل سياسياً تقريباً في كل بلدان العالم الأخرى التي لا تتصل بالإسلام اتصال تدين، وتنفق على ذلك مبالغة جسيمة، ومع هذا فمصر الحديثة صاحبة النهضة التي لا تقل شأناً عن نهضة كثير من بلدان أوربا الجنوبية والشرقية مازالت هنا في أوربا هي مصر الأفريقية

إن الأزهر قارب أن يبلغ ألف سنة، وتلك مفخرة لم تصل إليها إحدى الجامعات العالمية بعد، والعالم يريد أن يرى رؤية محسوسة مبلغ التطور الذي وصل إليه والذي هو مقياس نهضة مصر العلمية الوطنية، لا التقليدية، ويعرف أي القواعد يسير عليها في بحثه، وأية نظرية يأخذ بها في تأدية رسالته، بعدما وقف بالبحث عند طريقة القرون الوسطى زمناً طويلاً وبعدما كان في حيرة من أمر رسالته، حيرة سببها عدم معرفته بها

إن مصر اليوم والعالم الإسلامي يشهد بما لفضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ المراغي من عمل جدي ملموس في إصلاح هذه الجامعة العالمية ويعترف بقدرته على إتمامه اعترافاً مرجعه الاقتناع بأن له شخصية مصلح في التاريخ الحديث، وما أقل وجودها في العالم وأندرها في مصر وأشدها ندرة بين الأزهر. كل يعقد عليه أملاً كبيراً، أمل البناء والتشييد في الإصلاح. كل يرتقب ثورة فكرية، وانقلاباً إصلاحياً له حدثه التاريخي؛ فالوقت تأخر، والحاجة ماسة، والعقول متهيئة لهذا الانقلاب، والنفوس ملت هذه التعديلات الصورية

مولاي المراغي: إذا كان المصلح الأول والوحيد قبلك وهو الأستاذ الأمام، قد حافظ على حياة الأزهر فحسب، ولم يتركه لك فتياً بل سلمه إليك كهلا يعاني ألم الضعف، فإن ذلك ما أمكنه وأمكن زمنه معه أن يؤديه للأمة والتاريخ؛ ولكنك أنت في زمن توفرت فيه وسائل الإصلاح وانبثقت روح الشباب والتجدد في كل شيء، فمهمتك من هذا النوع، ولها حباك القدر بتلك الشخصية، وبتأديتها ستكون موضوعاً للتاريخ والبحث

محمد البهي قرقر

دكتور في الفلسفة وعلم النفس وعضو بعثة الإمام الشيخ محمد

عبده