مجلة الرسالة/العدد 222/صاحب النحلة السنانية

مجلة الرسالة/العدد 222/صاحب النحلة السنانية

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 10 - 1937



رسالته، دهاؤه، بيانه

لأستاذ جليل

ذكر العلامة الأستاذ محمد كرد علي مقاله المحقق: (ابن العديم وتآليفه) في (الرسالة) الغراء - الجزء 220 في 14 رجب 56 - سنانا الإسماعيلي (صاحب النحلة السنانية أو الحشيشية) وروى أبياتاً من شعره، وأشار إلى رسالته إلى السلطان صلاح الدين. وقد رأيت أن أنشر تلك الرسالة الأنيقة لنفاستها، وقد نقلت - كما قال ابن خلكان - من خط (القاضي الفاضل) وما قولك في شيء يعجب عبد الرحيم البيساني فينسخه بنفسه؟ ثم أورِدُ ما أملاه صاحب (شذرات الذهب) من أنباء سنان هذا وفيه حديث عجيب في الكيد أو الدهاء ما بلغ دهاة مناكير مبلغه، ولا سمع السامعون شبهه. ثم أروي (بياناً) لسنان إلى جماعته لجلالة قيمته في تاريخ النحل وقد عثر عليه العرباني (م. ستان جوارد) ونقله إلى الفرنسية. و (البيان) يبين لنا أن (أبا الحسن راشد الدين) قد ادعى دعوى الجماعة في الألوهية أو حاولها، ولم يشأ أن يحتكرها في القاهرة محتكرون، ويستبد بها فاطميون - كما يقولون - أو عبيديون، وهو قد عرف من (أسرار الدعوة. . .) ما عرفوه. . . وما حل في مصر حل مثله في الشام. . .

الرسالة

يا للرجال لأمر هال مُفظِعهُ ... ما مر قط على سمعي توقّعهُ

قام الحمام إلى البازي يهدده ... وكشّرت لأسود الغاب أضبعه

أضحى يسد فم الأفعى بإصبعه ... يكفيه ما قد تلاقي منه إصبعه

يا ذا الذي بقراع السيف هددني ... لا قام مصرع جنبي حين تصرعه

إنا منحناك عمرا كي تعيش به ... فإن رضيت وإلا سوف ننزعه

وقفنا على تفاصيله وجمله، وعلمنا ما هددنا به من قوله وعمله، فيا لله للعجب من ذبابة تطن في أذن فيل، وبعوضة تعد في التماثيل. ولقد قالها من قبلك قوم آخرون فدمرنا عليهم وما كان لهم من ناصرين. أو للحق تدحضون، وللباطل تنصرون (وسيَعْلمُ الذين ظلموا أَيَّ مُنقلَبٍ ينقلبون). وأما ما صدر من قولك في قطع رأسي، وقلعك لقلاعي من الجبال الرواسي، فتلك أماني كاذبة، وخيالات غير صائبة، فإن الجواهر لا تزول بالأعراض، كما أن الأرواح لا تضمحل بالأمراض. كم بين قوي وضعيف، ودني وشريف! وإن عدنا إلى الظواهر والمحسوسات، وعدلنا عن البواطن والمعقولات، فلنا أسوة برسول الله في قوله: ما أوذي نبي كما أوذيت. ولقد علمتم ما جرى على عترته، وأهل بيته وشيعته، والحال ما حال، والأمر مازال، ولله الحمد في الأولى والآخرة، إذ نحن مظلومون لا ظالمون، ومغصوبون لا غاصبون (وقل جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا) ولقد علمتم ظاهر حالنا، وكيفية رجالنا، وما يتمنونه من الفوت، ويتقربون به إلى حياض الموت. قل (فتمنوا الموت إن كنتم صادقين. ولن يتمنوْه أبداً بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين) وفي أمثال العامة السائرة: (أوَ للبط، تهددين بالشط) فهيئ للبلايا جلباباً، وتدرع للرزايا أثواباً، فلأظهرَنَّ عليك منك، ولأفنينهم فيك عنك. . . فتكون كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه (وما ذلك على الله بعزيز) فإذا وقفت على كتابنا هذا فكن لأمرنا بالمرصاد، وأقرأ أول (النحل) وآخر (صاد)

الخبر

وفي سنة (588) توفي راشد الدين أبو الحسن سنان بن سلمان مقدم الإسماعيلية، وصاحب الدعوة بقلاع الشام. وأصله من البصرة، قدم إلى الشام في أيام نور الدين، وأقام في القلاع ثلاثين سنة، وجرت له مع السلطان صلاح الدين وقائع وقصص، ولم يعط طاعة قط، وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج، وكان (سنان) قد قرأ كتب الفلسفة والجدل

قال المنتجب: أرسلني السلطان إلى سنان مقدم الإسماعيلية ومعي القطب النيسابوري، وأرسل معنا (تخويفاً وتهديداً) فلم يجبه بل كتب على طرة كتاب السلطان: (الأبيات في الرسالة المتقدمة) ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة (هي تلك الرسالة) مضمونها عدم الخوف والطاعة، فلما يئس صلاح الدين منه جنح إلى صلحه، ودخل في مرضاته

قال اليونيني في تاريخه: إن سناناً سير رسولا وأمره ألا يؤدي رسالته إلا خلوة، ففتشه السلطان صلاح الدين فلم يجد معه ما يخافه فأخلى له المجلس إلا نفراً يسيراً فامتنع من أداء الرسالة حتى يخرجوا فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين فقال: هات رسالتك، فقال: أمرت ألا أقولها إلا في خلوة فقال: هذان ما يخرجان

قال: ولِمَ؟

قال: لأنهما مثل أولادي

فالتفت الرسول إليهما وقال: إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلانه؟

قالا: نعم، وجذبا سيفيهما. فبهت السلطان، وخرج الرسول وأخذهما معه فجنح صلاح الدين إلى الصلح وصالحه. ودخل في مرضاته

البيان

(بسم الله الرحمن الرحيم: فصل من اللفظ الشريف للمولى راشد الدين عليه السلام، وهو أفضل البيان تقوتي بربي لا إله إلا هو العلي العظيم. أيها الرفقاء، غبنا عنكم غيبتين: غيبة تمكين وغيبة تكوين؛ واحتججنا عن أرض معرفتكم، فضجت الأرض، وتقلقلت السموات، وقالت: يا باري البرايا الغفور، فظهرت بآدم، وكانت الدعوة حواء، فحوينا على قلوب المؤمنين الذين ضجت أرض قلوبهم شوقاً إلينا، فنظرنا في سماء نفوسهم رحمة منا، فمضى دور آدم ودعوته، ونفذت رحمة منا في الخلائق حجته. ثم ظهرت بدور نوح فغرقت الخلائق في دعوتي، فنجا بدعوتي ولطفي من آمن بمعرفتي، وهلك من الخلائق من أنكر حجتي. ثم ظهرت في دور إبراهيم على ثلاث مقالات: كوكب وقمر وشمس فخرقت السفينة، وقتلت الغلام، وأقمت الجدار جدار الدعوة فنجا بلطفي ورحمتي من آمن بدعوتي؛ وخاطبت موسى بخطاب ظاهر غير محجوب للسائل هرون، ثم ظهرت بالسيد المسيح فمسحت بيدي الكريمة عن أولادي الذنوب فأول تلميذ قام بين يدي يوحنا المعمداني، وكنت بالظاهر شمعون، ثم ظهرت بعلي الزمان وسترت بمحمد، وكان المتكلم عن معرفتي سلمان، ثم ذر أبو الذر الحقيقي في أولاد الدعوة القديمة بقيام قائم القيامة حاضراً موجوداً فما تم لكم الدين حتى ظهرت عليكم براشد الدين فعرفني من عرفني وأنكرني من أنكرني، وأنا صاحب الكون وما خلت الدار من أفراخ القدم. أنا الشاهد والناظر، ولي الرحمة في الأول والآخر، فلا يغرنكم تقلب الصور؛ تقولون فلان مضى وفلان أتى، أقول لكم أن تجعلوا الوجوه كلها وجهاً واحداً، ما يكون في الوجود حاضراً موجوداً صاحب الوجود! لا تخرجوا عن أمر ولي عهدكم من عربها وعجمها وتركها ورومها فأنا المدبر، ولي الأمر والإرادة. فمن عرفني باطناً قد تمسك بالحق، ولا تكمل معرفتي بغير ما أقول. عبدي اطعني واعرفني حق معرفتي أجعلك مثلي حياً لا تموت وغنياً لا تفتقر، وعزيزاً لا تذل. اسمعوا وادعوا تنتفعوا. أنا الحاضر وأنتم الحاضرون بحضرتي. أنا القريب الذي لا أغيب، فإن عذبتكم فبعدلي، وأن عفوت عنكم فبكرمي وبفضلي، أنا صاحب الرحمة وولي الغفر والحق المبين، والحمد لله رب العالمين، وهذا بيان)

هذا بيان راشد الدين وقد نشر أمثاله من رسائل العبيدين بعد حين

(قارئ)