مجلة الرسالة/العدد 223/من أساطير الإغريق

مجلة الرسالة/العدد 223/من أساطير الإغريق

مجلة الرسالة - العدد 223
من أساطير الإغريق
ملاحظات: بتاريخ: 11 - 10 - 1937



يوم القيامة. . . أو طيش فيتون

للأستاذ دريني خشبة

عاد الفتى الساذج فيتون إلى أمه الحسناء الهيفاء كليمين، بعينين مغرورقتين، ونفس مكلومة، وفؤاد خافق متصدع، فجرى بينهما هذا الحديث:

- مالك يا حبيبي! لماذا تبكي؟

-. . .؟. . .

- لا. لا. . . فيتون يبكي؟ هذا عجيب! أيكون أبوك أبوللو وتبكي؟!

- أبوللو أبي؟ كذب، كذب!

- كذب؟ وكيف يا فيتون! أمك كذابة؟

- لا. لا. عفواً يا أماه! أنت لا تكذبين، ولكن ربما يكون كلامك سخرية بي!

- ولم أسخر بك يا بني؟

- الأولاد في المدرسة يغمزونني في أبي، وكلما حلفت لهم أن أبى أبوللو ضحكوا!

- دعهم يضحكوا يا فيتون. ماذا يضيرك؟

- يضيرني أنني لم يعد لي وجه أريق ماءه بينهم، لابد إذا كان أبوللو أبي أن ألقاه

- تلقى أبوللو؟

- ولم لا؟ أليس الأبناء يلقون آباءهم؟ فلم لا ألقى أبي؟ أأنا بدع من الناس؟

- لست بدعا، ولكن أبوللو في بلاد بعيدة. . . إنه في الهند!

- ولم لا أذهب إلى الهند لأرى أبي؟ صفى لي الطريق بحق الآلهة عليك يا أماه

- أذهب إلى الأرض التي تشرق من أفقها ذُكاء. فهناك ترى أباك

وذهب إلى الهند التي تقع في مشرق الشمس مباشرة؛ وكان عند شاطئ المحيط قصر باذخ منيف، لا يبلغ البصر مداه، ولا يدرك الطرف أوله ولا آخره. . . وكان مع ذاك قائماً على عماد رفيعة من ذهب ركبت فيها ماسات كبيرة ذات سناء وذات لآلاء. وكان سقفه العظيم المطعم بالعاج المصقول يلمع، ويكاد سناه يذهب بالأبصار؛ أما أبوابه فصيغت من الفضة الخالصة ونقشت فيها أبهى الرسوم؛ وافتنّ فلكان فصور فوق الجدران بالرسم البارز الأرض والبحر والسماء بما فيها من قُطّان؛ فأقام في الأرض غابها وأدغالها ومدنها وأنهارها وجبالها ووديانها. . . حتى آلهتها. وأبرز في البحر عرائسه المائسات الفاتنات، فجعل منهن سابحات يتواثبن فوق الموج، وجالسات على النؤي يمشطن شعورهن الداكنة التي تحكي خضرة البحر، وراكبات على ظهور السمك وحيوان الماء يتلاعبن ويتضاحكن. . . وجعلهن ذوات صور متشابهات وغير متشابهات، دليلاً على حذقه وجليل قدرته؛ وجعل فوق هذا كله صورة السماء بكل بروجها الإثني عشر، بحيث جعل منها ستة إلى اليمين، ومثلها إلى اليسار. . . خَلْقَ فلكان، ومن أحسن من فلكان خلقا؟!

وهكذا كان قصر الشمس آية من آيات الفن عجبا، ومع هذه الأبهة البالغة والعظمة الأخاذة، فقد تقدم فيتون غير هياب، ودخل في غير وجل، وكان يلمح اللمحة من الرسوم الجميلة والتصاوير الساحرة، ثم يسلك في سبيله قدما حتى كان في البهو الأعظم الذي يستوي في صدره أبوه، على عرش ممرد ناصع، تنعكس منه أضواء لامعة خاطفة، تبهر النظر، وتُخَسّي الأبصار. وسار الفتى مسافة قليلة، ثم وقف مكانه عَشِيّاً من شدة الخطف والإيماض، ولم يدر أيان يذهب؛ وكان أبوه متشحاً بوشاح فضفاض أرجواني، وعن يمينه وعن يساره وقفت الأيام والشهور والسنون، ثم الساعات في صفوف منظومة متلاحقة؛ ثم وقف الربيع - وتمثله هنا امرأة - وفوق رأسه إكليل جميل من الغار والزهر؛ ومن بعده وقف الصيف، وقد نضا جيب قميصه عن صدره، وقبض على حزمة من سنابل القمح الناضجة بيمينه؛ ثم همَّ الخريف متهالكاً على نفسه، وعلى قدميه أثارات من عصير العنب. . . أما الشتاء بدأ شيخاً وقوراً جلل الشيب رأسه، وتراكم الثلج والبرد على شعره الناصع

وقد لمح أبوللو ولده فيتون حيث سمر مكانه، وقد خطفت الأضواء بصره، وأخذه المنظر العجيب الذي سحره عن نفسه، فيهتف به ويباركه ويقول:

- فيتون! فيم قدمت يا بني! لأمر ذي بال، ليس من ذاك بد؟

- أوه! يا نور السموات والأرض يا فوبوس: يا أبي إن أذنت لي أن أناديك بهذا النداء! إن كنت حقاً ابنك فزودني ببرهان أقدمه للناس حين أقول إني أنا ابن أبوللو

- برهان؟

- اجل، هب لي من لدنك برهاناً يثبت أبوتك لي، فلقد استهزأ بي التلاميذ، وفضحوني في بنوتي لك. لابد من دليل، هل تسمع؟ لا بد من دليل!

- لا عليك يا بني! لك ما أردت. على أنه كان ينبغي أن تصدق كل ما قالت لك أمك؛ وأنا من جهتي لست أنكرك، فأنت ابني وأنا والدك، والآن سل ما شئت فأني مانحك أيّاً ما تريد

- صحيح يا أبي؟

- أولا تصدق ما أقول؟

- بلى، ولكن ليطمئن قلبي!

- صحيح يا بني، وأقسم لك بهذه البحيرة المقدسة التي يحلف بها الآلهة

فيلتفت فيتون حوله ليرى البحيرة، ولكنه لا يجد لها أثراً

- وأين هي تلك البحيرة يا أبتاه!

- ولد ظريف يا فيتون! أنا ما رأيتها قط، ولكنا نحلف بها في كل أمر جلل يا بُني!

- إذن هب أن أسوق محفة الشمس يوماً واحداً بدلاً منك

- وي! فيتون! أي طلب هذا؟

- لابد!

- محال يا ولدي! أنت حدث، ثم أنت بشري من بني الموتى! سل ملء الأرض ذهباً أمنحك ما تريد!

- كلا، كلا. . . لابد أن أسوق محفة الشمس من المشرق إلى المغرب ليراني سفهاء التلاميذ، وليتأكدوا أنني ابن أبوللو!!

- إنها ستحرقك وتحرق التلاميذ إخوانك قبل أن يروك!

- لا. . . لن تحرقني، أنت قادر على أن تجعلني أحتمل كل شيء! ألَسْتَ إلهاً!

- بلى، ولكن. . .

- لكن ماذا؟ لابد، محال أن أسألك شيئاً آخر!

- يا بني إن ليس في طوقك، إنك ضعيف صغير، والعمل الذي تطلب أن تتولاه شاق حتى على الآلهة، إني أقوم به والرعب يملأ قلبي، وأنا من أنا يا فيتون. . . إن سيد الأولمب نفسه الإله الأكبر، جوف، جل سناؤه، وتقدست أسماؤه، لا يستطيع أن يسوق عربتي الملتهبة ذات اللظى يوماً أو بعض يوم، فما بالك أنت؟ إن الثلث الأول من الطريق صعب المرتقى لأنه يميل قليلا قليلا عن خط العمود؛ وخيلي ترقى مزالفه في صعوبة ليس بعدها صعوبة؛ والثلث الثاني عال شديد العلو، لأنه يرتفع فوق قمة العالم، حتى لأجزع أنا نفسي من أن أنظر إلى أسفل تقية للدوار يأخذ في رأسي حين أرى إلى البحر المتمرد والبطاح الشاسعة والجبال الشم تزدلف من تحتي؛ أما الثلث الأخير فحدور شاق كمهاوي الجبل إذا وقفت عليه فوق شَعَفَتِهِ، ولذا فهو يقتضي الحذر وَحصْر البصر؛ حتى إن تأثير الواقف في نهايته ليتلقاني، يرتعد من الخوف عليّ، والرثاء لي، خشية أن أتردى في هاوية اللانهاية. هذا، ولا تنس السماء التي تجري فوقي لمستقر لها، بكل ما فيها من كواكب وأجرام، فإذا غفلت لحظة، أو أخطأت قيادة العربة، جرفتني في دورتها إلى حيث لا أعلم أين تذهب أو تستقر بي. ثم تدبر معي قليلا يا فيتون، إذا أنا سمحت لك بقيادة العربة، فماذا يصيبك من الهلع حين تنظر إلى السُّفل فترى الأرض تلف، والسباع تهمهم في الأدغال، والناس يكظون المدن، والآلهة تطل من قصور الأثير، والأشباح تسري حواليك كالسمادير؟ ماذا من الروع يعتريك يا ولدي؟ هل تستطيع أن تكبح جماح الخيل أو حتى تملك ألاّ يفلت العنان منك؟ إنك ستمر بين قرني الثور أمام الحوت، وعلى مقربة فكي العقرب وذراعي السرطان. . يا بني! هل تستطيع أن تقود الخيل التي تنفث اللهب من مناخرها وأفواهها وسط هذه الدُّنى الدائبة؟ اختر لنفسك يا بني ولا تجعل الناس يقولون أهلكه أبوه)

وتشبث فيتون وركب رأسه، ولم يشأ أن ينكل قيد شعرة؛ فلم يسع أبوللو أن ينطلق به حيث عربة الشمس! العربة العظيمة المطهمة، المصنوعة كلها من الذهب الخالص، وقليل من الفضة المزركشة بالآلي والجوهر، وأحجار الماس التي تعكس أشعة الشمس جميعاً فتضاعف أضواءها، وتزيد كثيراً في لآلائها

وتقدمت ربة الفجر ففتحت أبواب المشرق، ونضرت بالورد طريق أبوللو؟ ثم أخذت النجوم تثب كالحمائم قِبَلَ المغرب وفي أثرها نجمة الصبح فريدة كأنها الورقاء

وتلفتت أبوللو إلى الساعات المنتشرة عن جانبيه، فأمرهن أن يسرجن الخيل، فأطعن، وقصدن إلى إسطبل الكبير حيث وجدن الخيل قد التهمت كفايتها من العلف المقدس، فوضعن في أفواهها اللجم، وأسرجتها بكامل عدتها

وتناول أبوللو وجه ولده فنصحه بطيوب إلهية، وضمخه بدهن كريم، ثم قطر في عينيه قطرات من ماء أولمب، كي يقوى الفتى على تحمل الحرارة الفائقة، والصبر لضوء الشمس القوي؛ ثم وضع على رأسه الصغير هالة النور الربانية، وأشار إليه فاستوى على العربة العظمى التي تجر الشمس، فتنير أقطار السموات والأرض، وقال يوصيه:

- (أي بني! ها قد استويت على عربة أبيك التي ما قادها من قبل أحد غيره، ولا يقدر عليها أحد سواه! أي بني فاشدد إليك أعنة الخيل، وتجنب أن تلهبها بهذا السوط، فهي قد مرنت على الطريق وهي لا تبطئ حتى تحتاج إلى أن تساط. أي بني ولا تنحرف عن شمالك أبداً، وظل منتهجاً سبيل الاستواء الذي هو الدائرة الوسطى من الدوائر الخمس؛ وأحذر أن تعلو إلى الدائرة العليا أو أن تسفل إلى الدائرة السفلى؛ وسترى أثار رحلاتي من قبل، فسر على دربها تصل إن شاء الله. أي بني ولا ترتق معارج السموات فتصيب مساكن الآلهة، ولا تهو قريباً من الأرض فتجعل كل ما فيها جرزاً، بل خذ الطرق الوسطى أبداً، فإن خير الأمور أوساطها. . . فإذا أفلتت الأزمة من يديك، فظل حيث أنت، ولا تذهب مذاهب شتى في رحب السماء. وسأتولى أنا بعد ذلك إنارة الأرض والسموات. أي بني وما دمت قد اخترت لنفسك برغمي، فلا أقل أن تعي نصيحتي والسلام عليك)

ورد فيتون على أبيه السلام. . . وانطلق من أبواب المشرق وطفقت الخيل الصافنات تنفث اللظى فتموه السحب بالذهب، وتسابق أنفاس النسيم التي تهب هي الأخرى رخاءً من أبواب المشرق

وعجبت الخيل بعد شوط قصير من هذا الحمل الخفيف الذي لا عهد لها به؛ وعجبت أكثر حين أحست بالعربة تتأرجح خلفها كالزورق الذي ليس له صُبرَةٌ تثبت به في مهب الأعاصير

وجمحت الخيل. . . وانطلقت في غير طريقها المعهود. . . ولأول مرة ارتفعت حتى كادت تتلمس الدبين الأكبر والأصغر، فثار ثائرهما من لفح الحر؛ ولأول مرة كذلك تحرك الثعبان المنحوى فوق نجم الشمال حين أحس الدفء فنفث سمه الذعاف، وفرت من طريقه الكواكب. . . ونظر فيتون تحته، فرى الأرض تلف كالخذروف فريع قلبه، وزلزلت نفسه، وسقطت من يديه أعنة الخيل فجرت به في السفل حتى اقتربت من الأرض. . . ونظر وراءه. . فرأى أنه لم يقطع من الثلث الأول إلا أقله؛ ثم نظر أمامه فوجد أكثر الطريق وأوعره، فزادت حيرته واسقط في يديه، وترك كل شيء للقضاء والقدر. . . وضاعف ربكته نسيانه أسماء الجياد. . . وحدث أن ارتفعت هذه فجأة. حتى كانت قاب قوسين من فكي العقرب، ذلك الهولة المخيف الذي أوشك يبتلع العربة بمن فيها. . وشدهت ديانا ربة القمر حين رأت عربة أخيها تتخبط في الآفاق، وتصطدم بالكواكب، فتحدث الشهب، وتحرق العوالم السماوية: (ترى ماذا أصاب أبوللو؟ مسكين! لا بد انه نام. على كل حال سيستيقظ!) ولكن العربة هبطت فجأة حتى صارت في سماء الأرض، وحتى صارت الأرض منها على مدى رمية سهم. . . فما هي إلا لحظات حتى شبت الحرائق في كل الأرجاء. . . هاهي ذي الغابات العظيمة تشتعل. . . وهاهي ذي ألسن النيران ترقص في كل فج. . . وهاهي ذي الوحوش تجري هنا وهناك ثم تسقط في كل البقاع. . . والمدن! المدن العامرة الآهلة. . . إنها تحترق بمن فيها من شيوخ ضعفاء ونساء وولدان. . . أما الشباب! فوا أسفاه على الشباب! إنهم يجرون كالجان إلى البحار والمحيطات والأنهار والينابيع! وهاهم أولاء يقذفون بنفوسهم فيها. . . ولكن! وا أسفاه! إن مياه البحار والمحيطات والأنهار والينابيع تغلي وتفور، ويعب عبابها بالحمم، فالشباب يستجيرون فيها من الرمضاء بالنار! لقد بادت أمم بتمامها، واختبأت أمم في الغيران والكهوف وشقوق الأرض والجبال. . أما الطيور فقد خربت أوكارها ووكناتها، ولم يسلم منها إلا ما لاذ بأفحوص أو أدحى. . . ومسكينات عرائس البحار! لقد شحبت ألوانهن، وذوي جمالهن وغُصْنَ في الأعماق مع السمك يلتمسن الماء البارد، ولجأت أسراب منهن إلى البحار الجنوبية، وآثرن أن يعاشرن البنجوين.! أما قمم الجبال العالية التي ظلت منذ الأزل مجللة بركام الثلج، فقد خلت حللها الناصعة، وحلت عمائمها المخملية، وصارت تلتهب. . . فهذه طوروس الشماء، وتلك القوقاز العاتية، وهاتيك الألب المزهوة. . . كلها تهب. . . كلها تقذف بالحمم. . . حتى أولمب مثوى الآلهة، لقد غدا كومة عالية جداً من النار.

ولقد كانت الصحراء اللولبية فراديس يانعة ولكن فيتون المجنون حولها إلى رمال وكثبان، ولولا أن أدخل النيل رأسه في كثيب مهيل منها لجف ماؤه، وتبخر في السماء كله، ليجري في كوكب آخر! وهكذا فعل الفرات وأخوه، وكذاك صنع الكنج والسند. . . فشكراً لكل الأنهار التي ضنت بنفسها من أجل سعادة البقية الباقية من النوع البشري! يا له يوم قيامة؟! لقد ضجت الآلهة في الأرض، وكلما حاول نبتيون الجبار إله البحار أن يخرج رأسه من اليم ليجأر بالشكوى إلى أخيه كبير الآلهة، خاف وذعر أن تحرقه الشمس الهوجاء التي يسوق عربتها فيتون. . ولولا أن جازفت أمنا الأرض فبرزت من المحيطات وهتفت بجوف العظيم، لأصاب من بقي العذاب الأليم. . . لقد قالت له: (يا جوف العلى؟ يا رب الأرباب! إصغ إلي، واستجب لدعائي! ما هذا الذي نامت عيناك عنه فذهب بزرعي وضرعي؟ أهذا جزاء خصوبتي وما تهب عبادك من حَبّ وأبٍ وعنبٍ وقضبٍ وحدائق غُلب؟! أهكذا تكون عاقبة إخلاصي في مكافأة عبادك الذين يقيمون لك الهياكل ويبنون باسمك الصوامع والمعابد؟ ماذا من القرابين يا رب الأرباب يذبح باسمك بعد أن يهلك كل ما عليَّ من قطعان وأسراب ورعال؟ ثم هذه العوالم التي ما أنشأتها إلا بعد عناء وجهد! كيف تدع هذه الشمس الرعناء تأتي عليها جميعاً، وتصير كل شيء في ملكك إلى هيولي؟ استيقظ يا جوف واستمع، وأدركنا بلطفك هذه الساعة التي نحن فيها أشد ما نكون في حاجة إليك. آمين!)

وهب جوف من سباته العميق على جؤار ربة الأرض؛ وأبصر فرأى ما حل بالعالم الجميل من تدمير ووبال. . . فألم وتصدع. . . ونظر إلى عربة الشمس ينتفض فوقها غلام يافع عرف فيما بعد أنه فيتون بن أبوللو فهاج وماج، واخذ صاعقة من أكبر صواعقه وأقتلها، ثم أحكم تسديدها إلى الراكب المجنون. . وأرسلها تقصف وتعزف. . . وتهز الأفلاك. . . فأصماه وأرداه!!

وسقط الغلام الأحيمق من عُلْوِ العالم يتقلب في نهر إريدانوس المتدفق في سهول إيطاليا. . . حيث مات. . . واستراحت الدنيا كلها منه! وعادت الشمس إلى ربها. . . أبوللو المسكين. . . فهو يجري بها إلى اليوم لمستقر لها!!

أما كليمين البائسة، فهي إلى اليوم تبكي ولدها. . . وقد بكته معها أخواتها، وكن في كل صباح يذهبن إلى النهر الذي سقط فيه فيسكبن دموعهن، حتى رثت لهن الآلهة، فسحرتهن إلى أيكات ثلاث من شجر الحور، فهن حانيات على النهر منذ ذلك اليوم حنو المرضعات على الفطيم

وكلما سكبن دموعهن حارت إلى كهرمان كريم وحزن سيكنوس، صديق فيتون، على خدن صباه، فجمع رفاته وبنى لها قبراً من الرخام تظله الشجرات

دريني خشبة