مجلة الرسالة/العدد 223/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 223/البريد الأدبي
ترجمة جديدة لجان جاك روسو
كتبت حياة جان جاك روسو فيلسوف النفس والطبيعة مراراً وتكراراً؛ وحتى لم تحرم العربية من ترجمة لروسو وتحليل لنظرياته وكتبه بقلم الدكتور هيكل بك، ولكن الباحث في حياة روسو يجد فيها دائما من الجديد والطريف ما يشجع على استعراضها وتصويرها. وقد صدر أخيراً بالألمانية كتاب جديد عن حياة روسو عنوانه (الأحلام والدموع) ? بقلم الكاتب النمسوي هانز يوليوس فيلي تناول فيه حياة المفكر من ناحية جديدة هي ناحية العاطفة والمشاعر؛ وربما كانت هذه الناحية من حياة روسو هي أخصب وأدق ناحية في شخصية ذلك الذي أراد أن يصوغ الحياة طبقا للعاطفة والمشاعر الإنسانية. والواقع أنك إذا حاولت أن تحكم على شخصية روسو من أعماله وحوادث حياته فقط، فان مثل هذا الحكم لا يمكن أن يتفق مع خلال هذه العبقرية العظيمة، بل يتنافى مع كل ما فيها من الاضطرام والسمو؛ وإذا كان روسو هو ذلك الروح المضطرم الذي يرتفع بالفكرة الإنسانية إلى أسمى مواطنها، وإذا كان هو مؤسس المذهب (الرومانتيكي) وإذا كان قد نفذ بتأثيره الساحر إلى عبقريات مثل جيته وشلر، فإن في جوانب حياته الخاصة ما يلقي حجابا على عبقريته وسمو خلاله، فهو، وهو الذهن الحر، يأبى مدى ثلاثة وعشرين عاماً أن يسبغ على شريكة حياته وأخلص النساء إليه - تيريز ليفاسير - شرف الزوجية، ويقول لنا إنه تزوجها رغبة ودون إرادة؛ وهو المؤسس لمذهب جديد من التربية، يرغم زوجته على أن تبعث بأولادها الخمسة إلى ملجأ اللقطاء؛ وهو رجل النفس والعاطفة يطأ بقدميه أقدس وأعمق عواطف زوجه، وهو في جميع أعماله وتصرفاته ينم عن أثرة عميقة لا تتفق مع النظريات الإنسانية والأخلاقية السامية التي يبشر بها في كتبه؛ على أن مواطن الضعف الشخصي والشهوات الشخصية لا يمكن أن تكون مقياساً للحكم على عبقرية ما من نواحيها العامة، وقد كان روسو عبقرية لا شك في عظمتها، فيجب أن يحكم عليه من هذه الناحية العامة ليس غير
هذه الصور كلها يقدمها إلينا يوليوس فيلي بقوة وإفاضة، ويقف بنا طويلا عند حياة تيريز وشخصيتها الساذجة، إلى جانب حياة المفكر الأثرية، وهو يرى في تيريز شخصية إنسانية تحمل على الاحترام والعطف، ويرى أنها كانت مثالاً للتضحية، وهو على العموم يصور لنا روسو رجل النفس والعاطفة قبل كل شيء
على مثال نوبل
رفع ألفرد نوبل المثري العظيم، بهبته الطائلة التي رصدت جوائز لأقطاب التفكير والسلام في أنحاء العالم، اسم أمته - السويد - إلى السماكين؛ وفي كل عام توزع جوائز نوبل العظيمة إلى مستحقيها بين آيات التقدير والإعجاب للمحسن العظيم. واليوم يتقدم مثر سويدي آخر هو المالي الكبير اكسل فنرجرين، ويوقف من ثروته الطائلة مبلغ ثلاثين مليوناً من الكرونات على الأعمال والمباحث العلمية، والجهود العقلية التي تفيد الإنسانية كلها بوجه عام. وقد نظمت هذه الهبة العلمية على مثل هبة كارينجي المشهورة، وسيبدأ تنفيذ ما فيها في حياة الواهب على يد مجلس مؤلف من الواهب وزوجته وخمسة آخرين من بين رجالات السويد المشهورين. وقد استطاع المحسن الجديد أن يحرز ثروته الطائلة كسلفه العظيم نوبل من بعض المخترعات الصناعية. وهو يعنى عناية خاصة بالمشاريع العلمية والفكرية؛ وقد اشترى أخيراً الجريدة السويدية المشهورة (نيا دا جلجت الهاندا)، ووقفها للدعوة إلى التفكير المستقل وإلى معاونة الحركة الفكرية وتشجيعها
وهكذا تنافس السويد أمريكا في رصد الهبات العلمية، وتحرز من هذه الناحية ظفراً بعد ظفر؛ وسيكون لهبة فنرجرين من الأثر المعنوي العظيم ما لهبة سلفه نوبل؛ وستكون دعامة جديدة في صرح التقدم العلمي والإنساني
إحياء النحو لإبراهيم مصطفى
جاء في مجلة الآداب الشرقية التي تصدر بالألمانية عن هذا الكتاب بقلم طاهر خميري ما يأتي: -
الكتاب يقتصر على معالجة إعراب الاسم في العربية جاعلاً هدفه إبدال القواعد الكثيرة المبنية على نظرية العامل بأخرى أقل منها عدداً وتقوم على أساس من طبيعة اللغة (ص 195)
والمؤلف إذ أغضينا عن استثناء واحد (ص 43) يستعين بمصادر عربية فقط وأساس الفكرة أن الضمة علم المسند إليه والكسرة علم الإضافة بينما الفتحة لا تدل عل شيء بل الحركة الخفيفة التي تهرع إليها اللغة مادام الأمر لا يدور حول إسناد أو إضافة (ص 50). أما تفاصيل هذه النظرية فيناقشها المؤلف في صورة واضحة ملزمة وإن لم تكن كل أجزائها في نسق واحد من الإقناع
فالمؤلف مثلا - على حق كل الحق إذ يتخذ من إغفال علامة النصب في كل من جمعي المذكر والمؤنث السالمين (ص 111) مؤيداً لنظريته السالفة وإن كان الطريق مفتوحاً أمام احتمالات أخرى؛ ولكن ليس كذلك حكمه بأن اسم إن كان ينبغي له حقاً أن يرفع لولا أن النحاة ضلوا في هذه النقطة (ص 64)، هذا الحكم الذي يبنيه على مستثنيات قليلة يحوم حولها الريب وعلى نظائر لا صلة لها بما نحن فيه
كذلك كان المنتظر أن كل بحث حول علامة النصب يتخذ له من المفعول به نقطة ارتكاز ولكن مما يلفت النظر أن المؤلف أعرض عن ذلك إعراضاً تاماً
ومما يدعو إلى السرور أن باب الاجتهاد في النحو العربي قد فتح أخيراً على يد مؤلف عكف على موضوعه سبع سنين صدق فيها الاعتكاف (أنظر المقدمة) يحدوه الأمل في أن يشيد بناء النحو العربي من جديد، ولهذا لا يسعنا إلا أن نتجه إليه شاكرين
هذا ولما كان المؤلف يعتزم إخراج جزء آخر في الفعل وقد أكد هذا العزم فصرح بأن عنده مبادئه وتخطيطاته كاملة، كان لنا ألا نسد الطريق أمام كلمة أخيرة
وإنه من الضروري الذي لا مفر منه في عمل من هذا القبيل ألا يغفل عن متابعة الخطوات الأخيرة في مباحث علم اللغة العام فان هذا - مثلا - كان حرياً بلا شك أن يحفظ من زلل كثيرة في استنباط نتائج قد يؤدي إليها كون تغير المعنى بمساعدة الحركات من خصائص اللغة العربية (ص 45) اهـ
عقد مؤتمر عالمي في القاهرة للبحث في مسائل الشريعة
الإسلامية
كانت الجامعة الأزهرية قد اشتركت في مؤتمر تاريخ الأديان الذي عقد أخيراً في مدينة لاهاي، وقد رفع المندوبون الأزهريون إلى فضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر تقريراً ضافياً ضمنوه المناقشات والقرارات التي اتخذها المؤتمرون فيما يتعلق بالبحوث الإسلامية التي تقدمت إلى المؤتمر
وقد عني فضيلة الأستاذ الأكبر بدراسة هذا التقرير، واجتمع مراراً بحضرات المندوبين الأزهريين وكان معهم الأستاذ عبد الرزاق السنهوري بك عميد كلية الحقوق ومندوب الجامعة المصرية في هذا المؤتمر. وعلى أثر هذه الاجتماعات اتصل فضيلة الأستاذ الأكبر بالدوائر الرسمية المختصة وتحدث معها فيما كسبت من النتائج العملية في هذا المؤتمر وما أفادته الجامعتان المصرية والأزهرية من الاشتراك فيه.
وقد علمنا أن الآراء انتهت إلى أن في الشريعة الإسلامية من مسائل التشريع الجنائي والمدني والتجاري ما يصح أن يؤلف قواعد ذات صبغة قانونية يمكن الأخذ بها في مختلف التشريعات الحديثة كالوقف والوصية والميراث وشروط البيع والشراء والإيجار إلى غير ذلك من مختلف المسائل الشرعية ذات الصفة العامة
ثم رؤي أن كثيراً من التشريعات الحديثة اقتبست أحكام بعض هذه المسائل وجعلتها جزءاً من القانون العام، وان من الإنصاف أن نسمع آراء علماء القانون في هذه المسائل حتى يمكن تمحيصها وتكون ملائمة لروح هذا العصر
لذلك استقرت الآراء على عقد مؤتمر عام في مدينة القاهرة يدعى إليه مندوبو الجامعات والهيئات العلمية في العالم لتعرض عليه هذه المسائل للبحث فيها ولتقرير صلاحيتها لتكون أساساً ومصدراً في التشريع الحديث
وقد تقرر أن تقوم مشيخة الأزهر بالاشتراك مع الجامعة المصرية بالدعوة إلى هذا المؤتمر، وجرت بحوث في كيفية تأليف اللجنة التحضيرية التي تبحث هذا الموضوع وتحدد الموضوعات الإسلامية التي تعرض على المؤتمر وتعين الزمان والمكان لانعقاده. وقد انتهت هذه البحوث إلى أن تؤلف هذه اللجنة من بعض علماء الأزهر وبعض رجال القضاء الشرعي ورجال القانون وستنظم هذه لدعوة جميع البلدان الإسلامية
تعديل التقويم الغريغوري
طلبت سكرتيرية لجنة المواصلات في عصبة الأمم إلى الحكومة المصرية موافاتها برأيها فيما يتعلق بالتقويم الغريغوري واقتراح تعديله وقد رأت وزارة المعارف أن تساهم في هذا الأمر مساهمة جدية فأحيل الموضوع إلى أحد كبار موظفيها المبرزين في المسائل التاريخية لبحثه ووضع تقرير عنه
ونذكر في هذا المقام أن في أوربا وأمريكا هيئتين علميتين تسعيان لتعديل التقويم الجريجوري وتبذلان الجهد لدى لجنة المواصلات والمرور بالعصبة لتحقيق أغراضهما وغايتاهما. وقد رأت هذه اللجنة أن الموضوع خطير لاتصاله بحياة الشعوب والأفراد جميعاً، فوجهت الدعوة إلى الأمم الممثلة في العصبة وغير الممثلة، فتألفت من مختلف الممالك والأقطار هيئات محلية ولجان أهلية لدراسة هذا الموضوع واقتراح الوسائل التي يمكن أن ينفذ بمقتضاها؛ حتى إذا ما استجمعت اللجنة الآراء والمقترحات في أنحاء العالم، تقدمت إلى العصبة لدراسة الموضوع جملة في اجتماعها
وقد لخصت لجنة المواصلات الفكرتين الأوليين اللتين تشير بهما هاتان الهيأتان العلميتان في أوربا وأمريكا
فالاقتراح الأول يرمي إلى جعل عدد شهور السنة 12 شهراً ويوماً واحداً في السنين البسيطة ويومين في السنين الكبيسة. وأن يسمى اليوم الأول (يوم السنة) ويكون عقب شهر ديسمبر، ثم يسمى اليوم الثاني (اليوم الكبيس) ويكون عقب شهر يونيو
ومن خصائص هذا الاقتراح أن يجعل الشهر 31 يوماً ليناير وأبريل ويوليو وأكتوبر، و30 يوماً في الشهور الأخرى. وبذلك يكون مجموع شهور السنة الاثني عشر هو 364 يوماً. ومن مزاياه أيضاً أن تبدأ السنة بيوم (أحد) وأن تبدأ شهور يناير وأبريل ويوليو وأكتوبر بيوم (الأحد) وشهور فبراير ومايو وأغسطس ونوفمبر دائماً بيوم (أربعاء)، وشهور مارس ويونيو وسبتمبر وديسمبر بيوم (جمعة)
أما الاقتراح الثاني فيرمي إلى جعل السنة 13 شهراً وأن يكون عدد أيام الشهر 28 يوماً، على أن يضم إليها يوم واحد في السنين البسيطة وفق الاقتراح المتقدم. أما الشهر الثالث عشر فيكون موقعه عقب شهر يونيو ويسمى (الشهر الوحيد)
ومن مزايا هذا الاقتراح أن يجعل الشهور متساوية في عدد الأيام والأسابيع وأن يجعلها جميعاً مبتدئة بيوم واحد هو يوم (الأحد). ويذهب أصحاب هذا الاقتراح إلى أن فوائده كثيرة متعددة من النواحي الزراعية والمالية والاقتصادية والحسابية والتعليمية وهي تلخص فيما يلي:
1 - جعل كل شهور السنة متساوية الأيام، ويجعل الأيام ثابتة لا تتغير، وبهذا يمكن معرفة تاريخ أي يوم إذا عرف موضعه في أي أسبوع من أسابيع الشهر، وكذلك يمكن معرفة اسم اليوم إذا عرف تاريخه
2 - توحيد الأيام، فيسهل تنظيم الأعمال الخاصة والعامة، كصرف الأجور ومعرفة أيام الأسواق والمواسم والأعياد والإجازات وافتتاح الدراسة وانتهاؤها. الخ
3 - تقسيم الشهر إلى أربعة أسابيع متساوية، فيسهل تطابق الحسابات الأسبوعية والحسابات الشهرية، ويرتفع الخطأ الذي ينشأ عادة من اختلاف الشهر وأسابيعه
4 - تسهيل مقارنة الإيراد والمنصرف في كل شهر في الشئون التجارية والمالية والمنزلية
5 - لما كانت أجزاء الأسابيع تلغي وفق هذا النظام، فإنه يسهل وضع الإحصاءات، إذ يعطي مقياساً ثابتاً لإيرادات الحكومة وصادراتها ووارداتها
هذا هو تلخيص الاقتراحين. وستبدأ الوزارة في دراستهما ولما كان هذا الموضوع لا يعني الحكومات وحدها، بل يتصل بحياة الهيئات والجماعات والأفراد فإن الوزارة ترحب بكل ما يبدي من الرأي في هذا الموضوع
إلى صديقي الأستاذ علي الطنطاوي
تتعب نفسك يا صديقي وتتعب المنطق معك إذا حاولت أن تجادل من يفهم أن ما ينشر في (الرسالة) بغير إمضاء يجب أن يكون لرئيس تحريرها، ثم يعين الاسم على هذا الفهم، ويقيم المناقشة على هذا الأساس. ومن بدائه الصحافة كما تعلم أن ما ينشر في الصحيفة من غير إمضاء إنما ينسب إليها لا إلى شخص بعينه؛ ورئيس التحرير مسئول، ولكن مسئوليته ليس معناها في اللغة ولا في الاصطلاح أنه يكتب ما لا يمضيه غيره. فأعف قلمك يا صديقي من مثل هذا الجدل، وأجره بما عودت قراءك المعجبين بك من ملهمات الحق والخير والجمال
الزيات