مجلة الرسالة/العدد 223/الفن الهندي

مجلة الرسالة/العدد 223/الفن الهندي

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 10 - 1937



للدكتور أحمد موسى

العمارة

- 2 -

قلنا إن من أهم النماذج الفذة للعمارة الهندية مجموعة معابد إيللورا الصخري، لأنها شاملة لكلا الطرازين البوذي والبراهمي ومبنية على سفح الجبل الجرانيتي؛ فضلاً عن كونها جميلة التكوين رائعة النقوش والزخارف. واهم هذه المجموعة مما يمكننا تناوله بشيء من التنويه هنا معبد كايلاسا الذي نحت في الصخر ثم فصل منه فأصبح كأنه قائم بذاته، ويبلغ ارتفاعه ثلاثين مترا، وصحنه مقسم إلى خمسة أجنحة فصلت عن بعضها بقوائم، وحوائطه الخارجية مليئة بالمنحوتات التمثيلية بلغت كلها غاية الدقة؛ وعلى المدخل يوجد فيلان كبيران على اليمين واليسار؛ وهذا يذكرنا مع الفارق بما كنا نراه على مدخل المعابد المصرية كالمسلتين اللتين اعتاد المصريون إقامتهما عند مداخل معظم معابدهم

وأعقب ذلك الفن البنائي الهندي اتجاهاً جديداً في مرحلة أسماها مؤرخو الفن المرحلة البراهمية الحديثة، وأهم معابدها التي ساروا في تشييدها على نمط الطراز البوذي، لا من النحت في الصخر فقط، بل أيضاً من حيث الوضع التكويني والإنشائي بالذات، فضلاً عن تشييدهم المعابد قائمة بنفسها. أما من حيث الطراز الفني فقد اختلف الإجراء والاتجاه في شمال الهند عنه في جنوبها، وهذا مقبول بالنظر إلى بعد الشقة بين الشمال والجنوب وكانت صفة معابد الشمال أنها أقيمت مكعبة الشكل في مجموعها التكويني، قد توسطها صحن مربع أو ما يقرب من هذا الشكل، وتعلوه قبة مربعة الجوانب السفلى الملاصقة للحوائط ومنتهية في آخرها بالتقاء الخطوط الزّاويّة، فكانت بذلك أشبه بهرم مقوس الأضلاع

وقبل الوصول إلى الصحن وبالقرب من المدخل عملت ردهة تؤدي إليه على نفس الطراز. أما المظهر الخارجي العام للمعبد فكان كثير التعاريج والأضلاع المتشعبة وواجهاته مغطاة بالتماثيل وكلها من الحجر الرملي. ويوجد كثير من طراز هذه المعاب مقاطعة أوريسا في الشمال الشرقي

وقد توسعوا في التصميم الكلي للمعبد بإضافة مبان ملحقة به، لها قباب ينطبق عليها الوصف السابق؛ وأقيمت المعابد على هذا النحو في مقاطعة راجا أو راجبوتانا

وخير الأمثلة التي يمكنني أن أسوقها مما يستحق الإعجاب كثيراً معابد كاجوراو وتبلغ الأربعين عدّاً معظمها راجع إلى القرن العاشر بعد المسيح، وهي تعتبر بحق المثل الفنية للعمارة الهندية إجمالا، وتبلغ مساحة المعبد الواحد مساحة كتدرائية مسيحية، ولم يتركوا أي معبد دون شحنه بالزخارف والمنحوتات على واجهاته وبداخله

وتعتبر مجموعة معابد دجانيا (طريقة دينية معينة) من الدرجة الأولى في الفن الهندي. منها معبدان قائمان على قمة جبل أبو (ش3) يرجع تاريخهما إلى القرنين الحادي عشر والثاني عشر وهما مبنيان من الرخام الناصع، ويحيط بالصحن ستون حقلا حملت سقفها على أعمدة عديدة رائعة

أما المعابد الجنوبية فأبرزها دون نزاع أسموها الباجودا وهي عبارة عن مجموعة مبان متجاورة أحيطت بأربعة حوائط من جهاتها الأربع، وفي واحدة منها وجد المدخل (جوبورا) بتكوين ذي طراز نموذجي للفن الهندي أسفله بناء مربع وأعلاه سقف على هيئة هرم مدرج ناقص، أي أن قاعدته العليا مسطحة وقد بلغت درجاته الخمس عشرة. وفي داخل البناء ردهات وصالات ذات أعمدة خصص بعضها للحجاج (تشولتري)، ولميختلف المكان المقدس (فيمينا) في شكله الكلي عن النمط الذي ساروا عليه في إنشاء المدخل إلا أنه مربع الأرضية

وعلى ذلك تميزت المعابد الجنوبية عن الشمالية بهرمها المدرج وصالاتها وردهاتها ذات العمدة ومبانيها التي عملت من الآجر.

ولعلنا نسجل هنا أهم ما أقيم في المرحلة الزمنية المنحصرة بين القرن العاشر والقرن السابع عشر من روائع هذا الطراز، فباجودا تانجورا بمدخلها البالغ طوله 61 متراً وباجورا سرينينجام وطول واجهتها كيلو متر تقريباً، وباجودا شيللا بروم ومادورا كل هذه تجل عن الوصف، ولا تدع مجلا للشك بأن الفن الهندي - وإن كان الدرس المفصل به عسيراً بالنظر إلى الأطراف النائية لهذه البلاد - من أهم الفنون الشرقية التي يجب علينا العناية بها والفات النظر إلى ما فيها من جمال وروعة

احمد موسى