مجلة الرسالة/العدد 228/الأديان والمذاهب في الحبشة

مجلة الرسالة/العدد 228/الأديان والمذاهب في الحبشة

مجلة الرسالة - العدد 228
الأديان والمذاهب في الحبشة
ملاحظات: بتاريخ: 15 - 11 - 1937



رحل الأستاذ محمد تيسير ظبيان الكيلاني صاحب جريدة

الجزيرة بدمشق إلى بلاد الحبشة فدرس أحوالها دراسة

مستفيضة ثم وضع في ذلك كتاباً يوشك أن يصدر. وقد خص

الرسالة بهذا الفصل من فصوله ننشره لحضرته شاكرين

لما لم يكن لبلاد الحبشة حتى هذه الأيام إحصاء رسمي صحيح يمكن

الاعتماد عليه في تقدير عدد المسلمين وغيرهم من أتباع الديانات

الأخرى فأننا نكتفي فيما يلي بنشرة زبدة ما حصلنا عليه من

المعلومات المختلفة والروايات المتنوعة في هذا الموضوع

إن الأديان الرئيسية الموجودة في الحبشة هي:

الوثنية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام، وقد تضاربت الأقوال في تقدير عدد مسلمي الحبشة فمن قائل إنهم لا يزيدون عن ثلاثة ملايين، ومنهم من يقدرهم بخمسة ملايين، ومنهم من يرفعهم إلى أكثر من ذلك؛ وكل هذا من قبيل الرجم بالغيب

أما من جهتي فمنذ ألقيت عصا تسياري في تلك البلاد أخذت أوجه كل اهتمامي إلى تلك الناحية فرحت أتغلغل في مختلف الأوساط الحكومية والشعبية حتى وفقت والحمد لله للحصول على النتيجة الآتية وهي لعمري نتيجة بحث واف وتمحيص دقيق

الإسلام

إن الإسلام هو أكثر الأديان انتشاراً في بلاد الحبشة ولاسيما بعد أن ضُم إليها مقاطعتا (الصومال الإيطالي والإرترية.) والمسلمون (كما أكد لي موظف مصري مسؤول) كانوا يؤلفون في المئة خمسة وخمسين من مجموع السكان؛ أما الآن بعد أن زالت الأسباب التي كانت تمنعهم من الظهور وبعد أن ضمت منطقة الصومال الإيطالي وجميع أهلها مسلمون، والإرترية وكثرة سكانها من المسلمين أيضاً، فاعتقد أنهم يؤلفون ستين في المئة (على الأقل) من مجموع السكان. نعم لا أنكر أن بعض المناطق ولا سيما منطقة امهرة أكثر سكانها من المسيحيين، ولكن المناطق الأخرى يتفوق فيها العنصر الإسلامي على غيره كما سيأتي

والغريب المدهش أن الديانة الإسلامية تنتشر من تلقاء نفسها بسرعة خارقة في الأوساط الحبشية (وخصوصاً في المناطق الوثنية) رغم سياسة القهر والعسف التي كانت متبعة ضد المسلمين ورغم قلة الوسائل الموجودة لدى هؤلاء لنشر ديانتهم والتبشير بها بالنسبة للديانة المسيحية التي كانت البلاد الحبشية تموج برسلها ودعاتها وبعثاتها التبشيرية المنظمة ومن ورائها الحكومات الكبرى تؤيدها والأموال الوفيرة تغدق عليها والحكومة المحلية نفسها تشد أزرها وتسهل مهمتها

حقاً إنه لسر غريب انتشار الدين الحنيف بسرعة البرق في تلك الأصقاع، وإقبال الأحباش على اعتناقه رغم جميع الصعوبات التي كانت تعترض سبيله وتقف في طريقه، ولا غرو فمظهر المسلم (وإن كان إسلامه ضعيفاً وناقصاً) جذاب يسحر القلوب ويستهوي النفوس؛ فهناك التقوى والصلاح ومكارم الأخلاق والنظافة والشهامة والتواضع والوفاء. . . الخ

ولست أرى من وراء ذلك الحط من قدر الديانات الأخرى اليهودية والمسيحية. كلا، فإنها ديانات سماوية أيضاً، ولكن الأحباش كانوا يتمسكون بقشورها ويتركون لبابها؛ فهم كانوا بذلك أقرب إلى الوثنية

قال لي الأمير عبد الله أبا جفار سلطان جما في أثناء حديثه معي: إن هذه الديار ديارنا ونسبة الأحباش إلى المسلمين نسبة واحدة للعشرين، ولاسيما في بلاد هرر والعروسي والفوارغي وجمار غوما ولمو وجيده؛ فهذه البلاد ليس فيها أثر للمسيحية؛ وأغلب أهالي برنا وواللو ودارا وحفات والدناكل مسلمون. وإذا قدرنا سكان الحبشة حسب الإحصاءات الصادرة عن القناصل والدوائر المسؤولة بعشرة ملايين (بما فيها الصومال والإريترية) فلا يقل عدد المسلمين فيها عن ستة ملايين إن لم يكونوا أكثر من ذلك

وأكثر المذاهب الإسلامية انتشاراً المذهب الشافعي. وليست للمسلمين مع الأسف مدارس عامرة وجمعيات خيرية وأدبية كما هي الحال في مختلف الأقطار الإسلامية إذا استثنينا جمعية الإشفاق الإسلامي التي تألفت في أديس أبابا في عهد الحكومة السابقة، وكان في مقدمة أعمالها تأسيس المدرسة الإسلامية التي سيأتي ذكرها

وليس بين المسلمين علماء واقفون تماماً على أسرار الشريعة الغراء إلا في مقاطعتي جما وواللو؛ ويظهر أنه يوجد في جما نهضة إسلامية لا بأس بها سيأتي ذكرها بمناسبة مقابلتي لسلطانها الأمير عبد الله

الدين المسيحي

ويأتي في الدرجة الثانية من حيث الانتشار الدين المسيحي، وكان دين الحكومة الرسمي وأكثر المذاهب المسيحية انتشاراً:

(المنوفيزية) وقد بثها البطريرك ثيودوسيوس الإسكندري في القرن السادس واتخذ ملوك الحبشة هذا المذهب مذهباً رسمياً

وكنيسة الأحباش قائمة تحت إدارة نائب بطريرك الأقباط المعروف هناك باسم (أبونا) وكان له نفوذ كبير وسلطة واسعة تخوله خلع الملك (النجاشي)

ومن المذاهب المسيحية المنتشرة أيضاً المذهب الكاثوليكي وله مبشرون كثيرون ومرسلون عازاريون وكبوشيون

أما المذهب البروتستانتي فقليل الانتشار

الدين اليهودي

يعرف اليهود في الحبشة باسم (فلاشة) وهم يقيمون في الأقاليم الشرقية، ويقال إنهم متحدرون من القبائل اليهودية الأولى التي توغلت في تلك الجهات. ولا يزيد عددهم عن الخمسين ألفاً، ويوجد منهم في أديس أبابا نحو مائة شخص، وهم يعيشون عيشة مستقلة لا يختلطون بأحد من الأحباش، ولا يتزوجون من غير أبناء دينهم، ويشتغلون بالزراعة وصناعات النسج

العقائد الوثنية

إن العقائد الوثنية على اختلاف أنواعها منتشرة في بلاد الحبشة، ولاسيما في الجهات الغربية، والإرساليات الأجنبية تتصل بالوثنيين وتحاول التأثير عليهم. ويعبد أكثرهم الأشجار (وأخصها شجرة الجميز) والأنهار والأحجار والشمس والبهائم والنار. وقد أخبرني شاب حبشي اسمه جرجس إبراهيم أن طائفة منهم تقطن (الفامبيلا) على حدود السودان، وهم يعيشون في العراء دون أن يستروا أجسامهم، ولهم طريقة خاصة في العبادة، وذلك أنهم يجتمعون في كل عام أمام النيل الأزرق ويرقصون ثم يقدمون له ذبيحه كقربان

ولم أستطع أخذ فكرة صحيحة عن عدد الوثنيين في الحبشة ولكنهم لا يقلون على كل حال عن مليون ولا يزيدون عن مليون ونصف

عادات وثنية غريبة

قيل لي انه توجد قبائل في جهات - ووللأغا - لا تدين بدين أبداً ولها عادات غريبة جداً، منها أن الرجال لا يقتربون من نسائهم إذا كن حبالى، ويضطر الزوج في هذه الظروف أن يبيت خارج الغرفة أو المنزل الذي تبيت فيه زوجته. ولا يحق له أن يأكل معها وهو مجبر أن يحضر لها كل يوم حيواناً يصطاده وإذا أخفق فلا يحق له دخول القرية

وتمتاز هذه القبائل بصلابة الأجسام وصحة الأبدان وسلامتها من الأمراض

الدروز الأحباش

توجد طائفة في بعض مقاطعات الحبشة تسمى (بالدروز) وهي منتشرة بنوع خاص في جهات - غلامو وسيدامو - وعقيدتهم على ما قيل لي خليط من الإسلام والمسيحية واليهودية ولهم أخلاق وعادات شاذة وهم يشتغلون بالنسيج والحياكة

محمد تيسير ظبيان