مجلة الرسالة/العدد 228/رسالة الفن

مجلة الرسالة/العدد 228/رسَالة الفَنّ

ملاحظات: بتاريخ: 15 - 11 - 1937



الفن الهندي

النحت والتصوير

للدكتور أحمد موسى

- 3 -

وبلغت الثروة الفنية في النحت الهندي مبلغاً عظيماً من الكثرة والاتقان، وذلك بالنظر إلى ما بقي منها من المعابد والمباني الأثرية الكثيرة التي كان الدافع إلى تشييدها الرغبة الأكيدة في خدمة العقيدة الدينية

وقد انقسمت منحوتات الهنود إلى قسمين أولهما النحت نصف البارز الذي بلغ حيناً درجة التجسم الكامل لولا التصاقه بالأرضية الموجودة تحته، وثانيهما النحت الكامل المعروف بالتماثيل

ولما كانت المنحوتات والتماثيل قد أنشئت للمعابد وما إليها بقصد تنسيقها وتجميلها، فإن معرفة تطور النحت الهندي معرفة صحيحة تكاد تكون غير ممكنة بالنظر إلى السبب السابق التنويه به في المقال الأول

وقد شملت المنحوتات والتماثيل المناظر الخيالية والدينية، ولكنها كانت في جوهرها بعيدة عن الاقتباس من الطبيعة. ثم حاول الفنان الهندي أن يصور الحقيقة في منحوتاته فسار متجها إلى المناظر الحربية، وإلى مناظر حياة بوذا في منحوتات نصف بارزة وجدت في توبا سانتشي

أما بقية المنحوتات البوذية بوجه عام فكانت دينية وقصصية نحتت على الحوائط الداخلية والخارجية للمعابد، وكان من بينها ما تم عمله بحالة فائقة من الدقة التي تدعو للإعجاب. وقد بلغ ارتفاع بعض التماثيل حوالي ثلاثين متراً وهذا ارتفاع هائل شابهوا فيه المصريين بعض الشبه

وسار النحت البراهمي نحو القصة والدين، إلا أنه كان أكثر تعمقاً وأبعد خيالاً؛ فأظهر لنا في وضوح حياة الآلهة والأبطال فضلا عن بعض مناظر لحيوانات خرافية ولراقصات ومغنيات خصصن لخدمة المعابد برقصهن وغنائهن

ولعل الطابع المميز لهذه المنحوتات أنها كانت لا تمثل الحقيقة الخالصة في مجموعها، وهذا يخالف بالطبع ما سبقت مشاهدته من منحوتات الإغريق (راجع الرسالة: أكروبوليس أثينا - النحت) ولم تكن هذه الظاهرة لتمنع من تمتعها بقسط كبير من الحياة وجمال التكوين. فالآلهة التي نحتت بحيث كان لها ستة أيد كانت وجوهها وملامحها دقيقة الإخراج، بدت عليها مظاهر العظمة الدينية. هذا فضلاً عن الدقة والعناية في سير خطوطها التحديدية ولاسيما في الأشكال التي مثلت المرأة عندما عُني الفنان بإظهارها رشيقة

وتناول النحت الهندي ناحية أخرى جديرة بالتسجيل، وهي ناحية المناظر الدراماتيكية، منها قطعة مشهورة اسمها (تطاحن الآلهة)، وأخرى اسمها (أحلام الوصول) وهما وإن كانتا من المناظر الدينية، إلا أنهما أقرب إلى تمثيل النفس الفنية، وما يمكن أن تسبح فيه من خيال، وقد تمكن الفنان من إخراجهما بقوة تمثلت في إظهار فهمه للطبيعة وما يدور فيها من مظاهر الحياة

وتكاد تكون مجموعة معبد إيللورا (راجع المقال السابق) وكدشوارو من خير ما تركه الفن الهندي في النحت

أما التصوير فكانت غالبية مرسومة على حوائط المعابد، إلا أنه مع الأسف لم يبق منه شيء كثير من القطع الكبيرة

ويغلب على الظن أن أروع مصورات هندية هي تلك التي على حوائط معبد أدشونتا (القرن الخامس بعد الميلاد)، وتمثل بوذا والاحتفالات الدينية، وبعض مناظر الحروب والصيد، وكانت خالية من قواعد وأصول الرسم المنظور، ولكن هذا لا يمنع من اعتبار خطوط التحديد جيدة لدرجة أكسبت الأجسام شيئاً كثيراً من الروعة والحياة

أما الألوان فكانت قوية اختارها الهنود جذابة للنظر لما غلب عليها من دقة الاختيار وحسنه. ويتلخص التطور الذي طرأ على فن التصوير الهندي في أن المساحات المشغولة به كانت كبيرة، ثم أخذت في الصغر حتى أصبحت تقرب من تلك التي تعلق على الحوائط في أيامنا هذه، بل إن الكثير منها رسم في مساحة الكتب العادية هذه إلى أنها كانت شاملة في أول أمرها لعدة أشخاص ثم خصصت للتعبير عن الجمال أو مواقف الغرام بين رجل ومعشوقته

ولعلنا بالنظر إلى الصورة المنقولة عن حائط معبد أدشونتا نلاحظ حرص الفنان على صدق المحاكاة بالرغم من بساطة الخطوط، فالتسعة الرؤوس تكاد تكون متشابهة من حيث الملامح والتكوين. أنظر إلى الشعر وإلى العيون والحواجب والشفاه تر أنها كلها لجنس واحد من الناس

وقد أجتهد الفنان في تصوير الأيدي مختلفة الأوضاع؛ فتراه جعلها قابضة مرة على عقد وأخرى مشيرة، وثالثة منبسطة على كتف

وهذه الصورة وإن كانت بسيطة بالنسبة إلى غيرها؛ إلى أنها تعطي فكرة صادقة عن روح التصوير الهندي

أحمد موسى