مجلة الرسالة/العدد 239/ليلى المريضة في العراق

مجلة الرسالة/العدد 239/ليلى المريضة في العراق

ملاحظات: بتاريخ: 31 - 01 - 1938


للدكتور زكي مبارك

- 8 -

. . . ومضيت أعود ليلى مرة ثانية، بعد أن قبْلت الصورة التي أدفع بها وحشة الليل في بغداد، وبعد أن قرأت الرسائل المعطرة التي وردت من مدينة. . . وكذلك أعددت قلبي للرفق واللطف، وأنا في عالم الطب كالبلبل في عالم الأغاريد، لا أطرب إلا بعد مناجاة الأحلام، ولا يطرب إلا بعد أن تضوع من حوله أرواح الأزهار. فهل تعرف معنى ذلك تلك الإنسانة التي بلغ بها العناد أن تصرح بأنها لن تفتضح في حبي إلا يوم يظهر أنها دفعتني إلى الخلود؟ رباه! ما أصعب تكاليف الخلود! ولكن كيف ألقى ليلاي؟

إنني أخافها أشد الخوف؛ فقد بدت لي في المرة الماضية على جانب من الوعورة، ولا يبعد عندي أن تكون حمقاء، فان الجمال يورث أهله بعض خصال النزق والطيش؛ وأنا والله على استعداد لمقابلة الشر بالشر، فان رمتني بالحمق رميتها بالجنون، ولكنّ ذلك لا يقع بدون جزاء، فقد تفسد العلائق بين مصر والعراق

فراقك صعب، سيدي! كذلك قالت ليلى منذ ليال

فما الذي يمنع من الأدب؟ وهل كُتب عليّ أن أظل دهري شقيَّا لا أعرف غير الرجس؟ مالي لا أجرب الحب العذري مرة واحدة في حياتي؟ مالي أحرم قلبي أطايب العفاف؟ آمنت بالله! وهل كنت فاسقاً حتى أفوه بمثل هذا القول؟

إنك يا ربي تعلم كيف ابتدأت وكيف انتهيت. إنك يا ربي تعلم أني أشرف مخلوق سوته يمناك، مع استثناء الأنبياء؛ ولكني طبيب جنى عليه الأدب فسار في بقاع الأرض أنه من الفاسقين

كيف ألقى ليلى؟ تلك هي النقطة، كما يقول لافونتين!

ألقاها بالتجارب التي أفدتها في باريس، فقد وردت مدينة النور أول مرة في سنة 1927 وكنت سمعت أنها مدينة تموج بالهوى والفُتون، فكان أكبر همي أن أعيش فيها عيش المجانين بعد أن عانيت الأمرين من عيش الجفاف في شارع الحمزاوي وعطفة الجمالية!

ودخلت السربون، سقاها الغيث وجعل الله لها لسان صدق في الآخرين، فكانت عيني لا ت على الأساتذة، وإنما كانت تقع على الطالبات، وهن في دروس الأدب أكثر من الطلاب. والفتيات هناك يفهمن وحي العيون، وكان يتفق أن تلقاني فتاة بعد المحاضرة فتقول: من فضلك يا سيد، هل عندك مذكرات عن دروس المسيو شامار؟ فأجيب: نعم، يا آنستي! فتقول: هل تتفضل فتعيرني إياها لأنسخها ثم أردها إليك؟ فأقول: وهل لمثلي أن يرفض ما تطلب هاتان العينان! فتنظر الفتاة إليّ نظرة سخرية وتنصرف!

وحدث مرة أن قالت لي فتاة ريَّا الجسم كأنها من دمياط: هل لك يا سيد أن تتفضل فتعيرني مذكراتك عن دورس المسيو مورنيه؟ فقلت: لك ذلك يا آنستي، ولكني لن أعود إلى السوربون إلا بعد يومين. فهل أستطيع أن أراكِ غداً عندي في الساعة الخامسة لأقدم إليك المذكرات؟ فأجابت بالقبول بعد أن استفهمتْ عن أسم الشارع ورقم البيت

وما كاد يحين الموعد حتى كانت المائدة مجهزة بأطيب ما تعرف فرنسا من ألوان الشراب. ثم مضت ثوان ودقائق وساعات، ولم تحضر الفتاة، عليها وعلى أمها اللعنات!

وفي ذات يوم قالت إحدى زميلاتي في الدرس إنها تجيد الرقص، فقلت إني لا أحسن منه غير (الحنجلة)، ورجوتها أن تعينني على إتقان ذلك الفن الجميل، فأجابت جواباً كله إغراء.

ولكنني اشترطت أن يكون ذلك في غرفتي حتى لا يعرف أهل باريس أنني رجل (غشيم)

وانتظرت، ثم انتظرت، ثم انتظرت، ولم تحضر الراقصة الحسناء!

ولم تمض أسابيع حتى شاع في جميع أروقة السوربون أني فتى ماجن خليع، فكنت ألقي أطيب التحيات ولا يجيبني مجيب. والشيطان يشهد أني كنت في ذلك العهد أعظم مغفل عرفته باريس

ونظرت فرأيت فتياناً أقل مني فتوة وجاذبية يعيشون في ظلال الحب عيش الملوك، فعرفت أنهم يحسنون ما لا أحسن من فن الغرام، وللغرام فنون

ولكن أين أذهب؟ لقد ضاع حظي في كلية الآداب، فهل أذهب إلى كلية العلوم؟ وكيف وهي أيضاً من السوربون؟ فلم يبق إلا أن أذهب إلى كلية الطب لأقيم فيها تجارب الحب من جديد، بعيداً عن جو الأراجيف الذي خلقتُه خلقاً بفضل الغفلة والجهل

وكانت فرصة عرفت فيها قيمة الشر في خَلْق الرجال. فلولا الحب ما عرفت كلية الطب؛ ولولا الطب ما شرفتني الحكومة المصرية بمداواة ليلى المريضة في العراق

أقول إني ذهبت إلى كلية الطب بعد أن صقلتني التجارب، وبعد أن عرفت أن من العيب أن أخيب في باريس وأنا شاعر سنتريس؛ فلم تمض أيام حتى كنت في تلك الكلية فتى الفتيان. وبيان ذلك أني كنت أخفي عواطفي كل الإخفاء، فكنت ألقى الفتاة فلا أحدثها عن عينيها وخديها وشفتيها ونهديها - وما أجمل نهود الفتيات في باريس! - وإنما كنت أسارع فأتحدث عن حدائق الحيوانات في القاهرة وأقول إنها أجمل ما يعرف العالم من حدائق الحيوان. فان اعترضت إحدى الفتيات وفضلت حدائق الحيوان في لندن تحمست وقلت إن هذا مستحيل، لأن مصر هي البلد الوحيد الذي يطيب فيه العيش لأنواع الحيوان!

وما كنت أكتفي بهذا، بل كنت أخترع أسماء وهمية للباحثين والمفكرين، فكنت أقول إن بلدنا هو الذي نبغ فيه فلان وهي أسماء تحلى بها بعد ذلك بعض الناس!

وفي أثناء تلك الأحاديث الوهمية تجول عيناي في أعطاف الفريسة الحسناء، فان بدا لها أن تعترض علي ما تقول عيناي، أنكرت ما تقول عيناي، وهل كنت مسئولاً عما تقوله عيناي؟ وما هي لغة العيون؟ وهل للعيون لغة؟ إنْ هذا إلا اختلاق!

وما زلت أوغل في المداهنة والنفاق حتى تقدمت إحدى الفتيات وقالت: ما أجمل عينيك يا مسيو مبارك! فتكلفت الغضب وقلت: أنا اكره المزاح! فطوقتني بذراعيها وقالت: أنا أحب الشبان العقلاء! فقلت: وأنا أحب المجانين من الفتيات؟ وكانت لحظة ستنصب لها الموازين يوم يقوم الحساب!

وفي ظلال هذا الروح الطيب مضيت لعيادة ليلى، وقد صممت على الخوض في أحاديث لا تتصل بالحب. وما قيمة التجارب إن لم تنفع وأنا في ديار الاغتراب؟

دخلت على ليلى في ليلة مطيرة غاب فيها القمر وغابت النجوم، فتفضلت حرسها الله ومدت يديها الناعمتين لمعاونتي على دَرَج السلالم، فشعرت كأن خيوطاً من نور تجذبني إلى العِلِّية، وقد تكلفت التعب والضعف لأرى كيف تجذبني تلك الأنامل الرقاق. وكانت لحظة سحرية لا يعرفها إلا من أسدلت عليه الستائر في ليلة قمراء بالقصر الذي يعرفه القلب في الشارع رقم. . . بالضاحية. . . إحدى ضواحي القاهرة الفيحاء

رباه! إن القاهرة نعمة من نعمك على عبادك، فاجعلها عامرة أبدا الآبدين، واجعلها إلى يوم القيامة عروس الشعر والخيال، بل احفظها واجعلها شقيقة الفردوس يوم يلقى المخلصون جزاء ما يعملون! رباه! إن القاهرة هي الشاهد على أن اللغة العربية خليقة بالسيطرة في عالم العلم والمدنية. رباه! إن القاهرة من أجمل ما خلقت من المدائن فاجعلها كنانتك واحفظها من السوء حتى أعيش فيها عيش السعداء، وحتى يعيش فيها أبنائي وأحفادي وأحفاد أحفادي عيش النّضرة والنعيم، على وفاق وسلام مع جميع الأقطار العربية

كانت ليلى في زينتها، وكنت في عقلي!

وكان في نيتي أن أثير الجدل حول (قضية الأخلاق) التي اشتجرت فيها أقلام الخولي وعزام والزيات؛ وكنت أنوي أن أقرر أن المنافقين ينجحون باسم الأخلاق، فكيف لا ينجح بها الصادقون؟ وكنت أحب أن أقول أيضاً إن الثورة على الأخلاق كالثورة على الدين، فالذين يثورون على الدين لا يبغضونه من حيث جوهره، وإنما يحاربون الأبالسة الذين يسترون سوآتهم بتكلف الغيرة على الدين. وكذلك يثور على الأخلاق من يؤذيهم أن يغار المنافقون على الأخلاق. وكان من شهوة النفس أن أعلن في حضرة ليلى أن أهل البلادة يسترون تخلفهم بالأخلاق، فإذا رأوا رجلاً قوي القلب مُشرق العبقرية، أسرعوا فاتهموه بضعف الأخلاق لينفض الناس من حوله ويخلو لهم الميدان. ومن أجل هذا كان من النادر أن يمر بهذه الدنيا رجل عظيم بدون أن تطول في تجريحه ألسنة المتخلفين والمنافقين. وهل سلم الأنبياء من ألسنة الناس؟

كان في نيتي أن أصول وأجول في حضرة ليلى، فأعظم لذة في الدنيا أن يعذب لسانك، وتقوى حجتك، في حضرة امرأة حسناء. والكلام في هذا الموضوع يسهل عليّ بفضل ما أضعت من العمر في دراسة علم النفس وعلم الأخلاق، وبفضل ما ابتلاني الدهر من معاشرة أهل الرياء

ولكن ليلى ابتدرتني وقالت:

هل قرأت العدد الأخير من مجلة الرسالة؟

وما كادت شفتاها تفصحان عن هذا السؤال حتى كاد قلبي ينخلع، فقد تذكرت أنني رجعت عن عزيمتي في طيّ هذه المذكرات وأرسلتها جميعاً إلى الزيات. وهل أخاف ليلى أكثر مما أخاف سعادة الأستاذ محمد العشماوي بك الذي أوصاني بالاعتصام بالعقل يوم سفري إلى العراق؟ وما وجه الخوف؟ إن مذكراتي بريئة من العبث، وأنا أعيش في بغداد عيش النساك، وإن لم يكن لي فضل في هذا التنسك، فإن الحفلة التي كرمني بها أدباء بغداد جعلتني ممن يشار إليهم بالبنان، ولم يبق من ميادين الهزل غير تذكر الأحلام القديمة، أحلام القاهرة وباريس

ثم تشجعت فقلت: ماذا في مجلة الرسالة؟

فقالت: إن الأستاذ سعيد العريان يتحداك

فبلعت ريقي، وحمدت الله. وهل يؤذيني أن يتحداني كاتب من الكتاب؟ يرحم الله الأيام الماضية حين كان الأدباء يتهيبون المرور في طريقي، وحين كانت مقالاتي في جريدة البلاغ كالسيف المصلت على رقاب الكتاب والشعراء والمؤلفين. يرحم الله الأيام الماضية حين كان أعاظم الرجال يسرهم ويشرفهم أن أهجم عليهم في جريدة البلاغ. ولكن وا أسفاه! أنا اليوم أعيش في قفصين من الفولاذ. وهل كان الدكتور طه حسين يمزح حين قال: تذكر يا صديقي أنك أصبحت موظفاً في حكومتين، وأن مركزك دقيق؟

لقد قرأت كلمة الأديب العريان، ولكن لابد من التجاهل لتعيدها ليلى على مسمعي، فإن الهجوم عليّ يعذُب ويطيب حين أسمعه من ليلى. وهل كانت رخامة الصوت إلا عند ليلى، ليلى التي زعموا أنها مريضة في العراق، مع أن في صوتها من الحلاوة ما يهد رواسي الجبال؟

وقرأت ليلى:

(ولقد سرني والله أن تُعْنى وأنت في العراق بدفع تهمة العقوق عن أدباء مصر؛ وإنها لعاطفة وطنية نبيلة أعرف كل العرفان ما يدفعك إليها وأنت بعيد)

- أعيدي يا ليلى

- ولماذا؟

- أعيدي يا ليلى، ففي مصر إنسان يشهد بأني أعرف معنى الوطنية! وهل كنت في حاجة إلى من يشهد لي بصدق الوطنية؟ عشنا وشُفْنا!

- ولكنه يتهمك بعد ذلك بمصانعة أهل العراق!

- أنا أصانع أهل العراق؟ وهل صانعت أهل مصر حتى أصانع أهل العراق؟ لقد جنت عليّ الشجاعة ما جنتْ فلم أتهيب ولم أتوجع، وتركت الجبناء يتمتعون بمناصب كنت بها أحق، فكيف جاز لأديب مصري أن يتهمني بالمصانعة في معاملة أهل العراق؟

اسمعي يا ليلى. إن هذا الأديب نسى أن مجلة (الرسالة) لها في العراق قراء يعدون بالألوف، ونسي أن كلمته قد تؤذيني، وهذا الأديب الطيب القلب نسي أيضاً أن أهل العراق لن ينتظروا شهادته في عبقرية زكي مبارك، ونسي كذلك أنني لا أحتاج إلى إسناد يتفضل بها كاتب يجعل الرافعي إمام الأدباء. فأنا أعيش في مصر والعراق بفضل الله وبفضل عزيمتي، وإن كنت لا أنكر أن في مصر إخواناً كراماً يجعلون سيرتي مسك الختام في كل حديث

اسمعي يا ليلى. إن أدباء مصر لا يعرفون عواقب ما يكتبون. أليس من البلاء أن أنفق أوقات الفراغ في الدفاع عن مصر والمصريين؟ أليس من البلاء أن يكون من واجبي أن أنتقل في الأندية والمجتمعات لأصحح الأغلاط التي ارتكبها الكتاب المصريون؟ إن مصر ليس لها مطامع في العراق، ولكن ما الموجب لحرمان مصر من مودة أهل العراق؟ إن العراقيين يروننا إخوانهم أهلاً وسهلاً! فبأي حق يستبيح ناس في مصر أن يفوهوا بكلمات ينفر منها أدباء العراق؟

إن مصر تنفق ألوف الدنانير لتؤسس صداقات ومودات في الأقطار الأوربية والأمريكية، فكيف يغيب عنها أن تنفق الكلمات الطيبات لتؤيد ما يربطها من العلائق بالأقطار العربية؟

هل يعلم أدباء مصر - ولا سيما أعدائي - أني أدفع عنهم السوء في العراق؟

اسمعي يا ليلى. إن أهل بلدكم يقولون إن زكي مبارك لا يزال يحافظ على مصريته. وهذا حق، ولكنني أتشبث بمصر في سبيل اللغة العربية، فاللغة العربية هي الرباط الوثيق الذي سيكون في المستقبل أساس ما سيعرف الشرق العربي من قوة البنيان

وكنت وصلت إلى حد من التأثر انزعجت له ليلى. فقالت: هوِّن عليك يا صديقي!

فنظرت إليها نظرة الطفل المكروب إلى أمه الرءوم ثم قلت: ليلى، إنها سنة واحدة أقضيها في العراق!

فقالت وهي تتنهد: ستبقى عندنا طول حياتك.

فأجبت: على شرط أن تعفوني من هفوات الكتاب المصريين الذين أحمل جرائرهم صباح مساء

فقالت ليلى: وعلى شرط أن تنسى مصر الجديدة والزمالك!

فقلت: ذلك إليك يا ليلى!

فصوبت إلي عينين عاتبتين، فعرفت أنها تبغض التشبيب

ما أجمل ليلى حين تعتب بعينيها! إن ليلى جميلة يا بنى آدم، وإنها لخليقة بأن تنسيني من في مصر الجديدة ومن في الزمالك، إن حِاز لقلب مثل قلبي أن يعرف العقوق

- ليلى!

- نعم يا مولاي!

- ليلاي!

- لست ليلاك!

- معذرة يا ليلى، فأنا طبيب جنى عليه الأدب. وهذه عبارة شعرية سبقت إلى اللسان

- ماذا تريد أن تقول؟

- أريد أن أقول. . . أريد أن أقول إني سأعيش في بلدكم سنة واحدة، أعني أنني سأفارقك بعد أشهر معدودات

- هذا وعيد؟

- لن أعيش في بلدكم إلا إذا عينتني الحكومة المصرية واعظاً في بغداد

- واعظ؟ ما هذا الكلام؟ هل جننت؟

(وقد انتشيت من هذه العبارة لأن المرأة الجميلة لا تصف الرجل بالجنون إلا إذا ارتفع بينه وبينها التكليف)

- ما جننت، وإنما أقول إن المصريين والعراقيين يحتاجون إلى من يرعى العلائق بين البلدين فلا ينشر خبر في جرائد العراق عن مصر، ولا ينشر خبر في جرائد مصر عن العراق، إلا بعد أن يمر على رجل حكيم يفهم عواقب ما تنشر الجرائد والمجلات

- وأنت ذلك الرجل الحكيم؟ آمنت بالله!

- اسمعي يا ليلى. إن المحررين في الصحف يحتاجون إلى لجام من العقل والذوق

- دع هذا، وحدثني عما تعرف من أسرار ليلى المريضة في لبنان - تريدين (فلانة) التي قيل إنها كانت تحب الرافعي؟

- نعم! وهذه أهم نقطة تعنيني في كلمة الأديب العريان

- وأنا أريد أن أمن على مصر وأدباء مصر فأقول إني قضيت في بغداد سنة كسبت لوطني فيها ألوفاً من الأصدقاء

- أنت تمن على وطنك، والمن على الوطن لا يليق بكرام الرجال

- وماذا أصنع إذا كان وطني لا يعرف غير من يمنون عليه؟! وهل يعرف وطني أني أكتب في كل أسبوع أكثر من تسعين صفحة وأشتغل أكثر من سبع عشرة ساعة في كل يوم؟ هل يعرف وطني أني أهتم بالمصريين المقيمين في العراق أكثر مما أهتم بنفسي؟ هل يعرف وطني أني أزور كلية الحقوق مرتين في كل يوم لأطمئن على صحة الدكاترة عزمي وفهمي وسيف؟

- ومن هؤلاء؟

- هم أساتذة في القانون لا في الطب، وهم من أبناء القرن التاسع عشر

(وكانت غلطة فظيعة، فإنه لا ينبغي أن تعرف ليلى من المصريين أحداً سواي)

- حدثني عن ليلى المريضة في لبنان

- كانت ليلى المريضة في لبنان زميلتي في الدرس يوم كنا طالبين في الجامعة المصرية؛ وكنت أتقرب إلى قلبها باغتياب الأساتذة، فأزعم أن الكونت دي جلارزا لا يفهم الفلسفة، وأن الشيخ المهدي لا يعرف أسرار الأدب، وأن الشيخ الخضري لا يدرك حقائق التاريخ، وأن إسماعيل بك رأفت يجهل الجغرافيا ووصف الشعوب!

- يظهر أنها طالبة شقية!

- كانت أشقى من ليلى المريضة في دمياط

- أنا لا يهمني إلا الوقوف على أسرار ليلى المريضة في لبنان

- إنتظري، إنتظري، إن الله مع الصابرين

(للحديث بقية وبقية)

زكي مبارك