مجلة الرسالة/العدد 253/المسرح والسينما

مجلة الرسالة/العدد 253/المسرح والسينما

مجلة الرسالة - العدد 253
المسرح والسينما
ملاحظات: بتاريخ: 09 - 05 - 1938



جولات ومطالعات في المسرح والسينما

بقلم محمد علي ناصف

اللغة العربية في السينما

اقترح بعض حضرات النواب المحترمين سن قانون يقضي بوجوب استعمال اللغة العربية في مختلف الشركات والمتاجر التي تنشأ في مصر سواء كان أصحابها أجانب أم مصريين. وهذا واجب مشكور أعتقد أن إهماله هو إهمال لكرامتنا ونسيان لقوميتنا وإلغاء لأبسط قواعد استقلالنا

وليس يخفى أن مثل هذا القانون المقترح يحتاج إلى خطوات أو مهلة محدودة يتم في نهايتها تنفيذه. ولكن هناك نواحي أخرى لا يحتاج الأمر فيها لرعاية لغة البلاد واحترامها إلى مثل هذا الإمهال، كالسينما مثلاً

فالأفلام الأجنبية التي تعرض بمصر وترد إليها من عدة أمم مختلفة، تعرض هذه الأفلام بداهة بلغتها الأصلية، ولكنها تصحب بترجمة على نفس الشريط بلغة ثانية. المفهوم بداهة وعقلاً أن هذه الترجمة تكون بلغة البلاد التي تعرض فيها الأفلام. فالفلم الإنجليزي مثلاً حين يعرض بفرنسا تصحبه ترجمة فرنسية والعكس. والفلم الألماني يشهده الجمهور الإيطالي بترجمة إيطالية والعكس

ولكننا مع الأسف الشديد والعجب الأشد نختلف عن الأمم جمعاء؛ فالترجمة التي تصحب كل فلم أجنبي يعرض بمصر تكتب بإحدى لغتين إما الفرنسية وإما الإنكليزية كأنما هذه الأفلام لا تعرض للمصريين، وكأن المصريين الذين يدفعون - شعباً - إلى أصحاب هذه الدور ويتسامحون - حكومة - مع الشركات المنتجة فلا تقيدها بضرائب مرتفعة ولا بنسبة تحدد من إنتاجها ولو بحجة حماية الإنتاج المحلي كما تفعل دول كثيرة؛ وفي مقابل هذا الكرم لا تكون إلا الإساءة وإلا الإهمال

وما من أحد يستطيع أن يصف هذا الأمر إلا بأنه إساءة وإهمال. فأي عذر تتعلل به هذه الشركات أو أصحاب هذه الدور الذين ينتفخون على حسابنا ومن أيدينا؟ إن العذر الوحيد الذي قد يقوم نصف قومة في مثل هذه الحالة هو أن تكون لغة البلد غير معروفة إلا لدى قلة لا تستأهل جهداً خاصاً، ولكن شيوع العربية على ألسنة الملايين وبين كثير من الشعوب ينفي مثل هذا العذر. ولقد رأينا بعض الأفلام القليلة النادرة المترجمة إلى العربية على نفس الشريط فكانت مؤيدة لوجهة نظرنا في هذا الموضوع وهي الوجهة التي قدرها أصحاب هذه الأفلام من حيث ضمان مصلحتهم المادية فضلاً عن مصلحتهم الأدبية في اكتساب احترامنا وودنا

هناك حقاً لوحة صغيرة من القماش توضع بأحد جانبي الشاشة لعرض ترجمة عربية ركيكة مقتضبة نسميها ترجمة على سبيل المجاز؛ وكثير من الدور لا تكلف نفسها وضع هذه اللوحة فتكتفي بانعكاس الترجمة على الحائط.

ولكن هذه الوسيلة الحقيرة لا تجدر مطلقاً بلغة البلاد لغة الدين والعرش والحكومة. هذه الوسيلة الثانوية جديرة بأية لغة أخرى يشاؤها صاحب الفلم، أما لغة البلاد ففوق مشيئته ولها المكان الأول، وإلا فنحن في غنى عنه وهو ليس في غنى عنا. ولقد اجتمعت في هذه الوسيلة كل النقائص؛ فهي تجهد بصر المتفرج باضطراره أن يتتبع الصورة والترجمة في اتجاهين بدلاً من اتجاه واحد، كما أن الترجمة كثيراً ما تتخلف عن الصورة أو تتقدمها لأن لكل منهما جهازاً خاصاً - فيضيع بذلك كثير من الفائدة على متتبع الفلم، هذا فضلاً عن نقص الترجمة وعدم الاعتناء بها

إننا لن نسكت بعد عن هذه المهزلة ونرجو ألا يسكت عنها كذلك أولو الأمر ورجال الصحافة. وكل امرئ يهمه احترام نفسه وبلاده.

الأديب والمخرج

في حديث عن شئون المسرح والسينما للأديب الإنجليزي وليام جراردي مؤلف كتاب الشهر (إبريل)

' يرى الأديب أن الوضع الصحيح لمخرج المسرحية أو الفلم أن يكون نفس المؤلف لأنه أقدر من أي إنسان آخر على اختيار الممثلين لشخصياته التي خلقها وعرف صفاتها وللمناظر التي رسمها وتمثل مشتملاتها ودقائقها وللجو الذي ابتدع فيه الحوادث. وهذا رأي له رونقه وبريقه ولكنه يفتقد الحقيقة في كثير من نواحيه.

فالإخراج فن آخر غير فن التأليف. وهو ليس مقصوراً على اختيار الممثلين ورسم المناظر وحبكة الجو. ولكنه يشتمل على أمور كثيرة لا يستطيع اكتناهها أي فرد بينما قد يستطيع القارئ العادي أن يفهم ما كتبه وما تمثله المؤلف من كل سطر ومن كل شخصية من شخصياته، وقد لا يعوزه تصور الجو الحقيقي للحوادث وكذا تعرف الممثلين الذين يليقون بشخصيات المؤلف. وكثير من المخرجين يخلقون من أعمال المؤلف حياة أخرى هي في الواقع أقوى من الحياة التي تدب بين سطور كتابه وإن كنت لا أنكر أن كثيرين من المخرجين يمسخون بعض المؤلفات لأسباب شتى بعضها يخرج عن طاقة الإخراج

وبعض المؤلفين يخرجون مسرحياتهم أو أفلامهم بأنفسهم ولكن أكثر هؤلاء ليسوا في المرتبة الأولى بين الأدباء أو المخرجين وندر من يوفق منهم في كلتا العمليتين

محمد علي ناصف