مجلة الرسالة/العدد 26/الحبس=الإعدام

مجلة الرسالة/العدد 26/الحبس=الإعدام

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 01 - 1934



للأستاذ حسن جلال

من أنباء الصحف اليومية:

(أن المدعو محمد فضل الله الحمري دخل ذات ليلة بيته فوجد أحد أصدقائه ويسمى محمد خليفة الكاجاوي مع زوجته فأخرج مديته وأغمدها في صدره فقضى عليه لساعته، فقبض عليه رجال البوليس وحقق معه، ثم أحيل إلى المحاكمة الجنائية وشكلت له محكمة وطنية برياسة المستر بمفري المفتش بمديرية غرب كردفان وعضوية الشيخ بانقا مهيدي والشيخ الشرقاوي حماد عبد الكريم، ولما سئل الجاني اعترف بجريمته وقال أنه ارتكبها عامدا بسبب ما أثار حفيظته من تلك الفعلة الشنيعة التي ارتكبها المجني عليه، فأصدرت المحكمة أخيرا حكمها وهو يقضي بإعدام القاتل محمد فضل الله الحمري.)

والذي يلفت النظر إلى هذا الخبر أن مثل هذه الفعلة الشنيعة إذا قابلها الزوج في مصر بمثل ما قابلها به (المدعو) محمد فضل الله الحمري لا تصدر المحكمة - أخيرا - حكمها عليه بالإعدام بأي حال من الأحوال، لان المادة 201 من قانون العقوبات المصري تنص على ما يأتي:

(من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزنى بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة في المادتين 198 و200

أما المادة 198 المشار إليها فهذا نصها.

(من قتل نفسا عمدا من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالإشعال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. .) والمادة 200 نصها كالآتي:

(كل من جرح أو ضرب أحدا عمدا أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالإشعال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع. . .)

والمفهوم من مقارنة هذه المواد أن الأصل فيمن قتل نفسا عمدا ولكن من غير أن يكون قد بيت النية على قتله بل يكون القتل قد جاء مثلا نتيجة مشادة أو مشاجرة أو نحوهما - الأصل فيمن فعل ذلك أن يكون جزاؤه الإشعال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. كما أن الأصل فيمن ضرب أنسانا ولم يكن يريد قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته يكون جزاؤه الأشغ الشاقة أو السجن. .

بيد أنه روعي بعد ذلك أن الشخص الذي يفاجئ زوجته بين أحضان رجل آخر فيعتدي على غريمته بالقتل أو بالضرب الذي يفضي إلى موته لا يمكن أن تعتبر جريمته مثل جريمة غيره. ولوحظ أن الظروف الخاصة بهذه الجريمة تبرر وقوعها نوعا ما، ولذلك خفف الشارع على مرتكبها في العقاب وجعل جزاءه الحبس بدل الأشغال الشاقة أو السجن. .

على أن هناك نصا آخر في قانون العقوبات المصري تصح الإشارة إليه في مثل هذا المقام وذلك هو نص المادة 57:

(لا عقاب على من يكون فاقد الشعور أو الاختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة في العقل وإمالغيبوبة ناشئة عن عقاقير محددة أيا كان نوعها إذا أخذها قهرا عنه أو على غير علم منه)

وأول ما يتبادر إلى الذهن أن الرجل الذي يفاجئ زوجته وشريكها في حالة تلبسهما بالجريمة المنكرة فيقتلهما لابد ان يكون قد فقد شعوره نوعا ما، فلماذا لا تطبق عليه المادة 57 ويعفى من العقاب بتاتا؟

والجواب على ذلك أن المادة 57 قيدت فقدان الشعور المنصوص عنه بقيدين. فما لم يكن فقدان الشعور بسبب (الجنون) أو بسبب (العقاقير المخدرة) فلا يقبل كظرف مانع من العقاب وعذر الشارع في هذا التقييد واضح، وهو الإعفاء من العقوبة لو جعل نتيجة مطلقة لفقدان الشعور لوجد الدفاع عن المتهمين ما يقوله دائما في كل جريمة قتل لأثبات أن المتهم ما أٌدم على فعلته إلا بعد أن افقده الشر شعوره إما لاحتدام الخصومة بينه وبين غرمائه، وإما لأن المنهم حصل له من الاستفزاز ما لم يعد يدرك معه ما يفعله، وإما لغير ذلك من الأسباب

ولسنا الآن بصدد البحث في المادة 57 ولكننا ألممنا بها لما لها من المساس بموضوعنا من قريب أو من بعيد.

ولنعد إلى المقارنة بين مركز الزوج في حكم القانون المصري وفي حكم القضاء السوداني، فقد رأينا أن الفعلة الواحدة لا تذهب بصاحبها في مصر إلى ابعد من الحبس بينما هي في السودان قد ساقت صاحبها فعلا إلى المشنقة، هذا هو الذي أردنا ان نوجه نظر القارئ إليه ليتمعن فيه ويستخلص لنفسه منه ما شاء

أما الأسئلة التي تهاوت على رأس كاتب هذه السطور عند مطالعة الخبر في الصحف فهذا بعضها:

1 - ماذا كان يجب على الزوج أن يفعل بدلا من أن يغمد مديته في صدر (صديق الطرفين)؟!

2 - إن كان لابد من ارتكاب جريمة قتل (حتى يسلم الشرف الرفيع من الأذى) فمن هو أحق الثلاثة بالمدية تغمد في صدره؟

أهي الزوجة الخائنة، أم هو الصديق الغادر، أم هو الزوج الخائب؟

2 - هل يمكن أن يكون الزوج (غير فاقد الشعور) وفي حالة (جنون) فعليه إذا ما وقعت عينه على هذا المشهد؟

3 - هل يكونمن المستحسن إعادة النظر في أمر العقوبة التي يجب توقيعها على الزوج القاتل في مثل هذه الأحوال؟

5 - هل يفهم من حكم المحكمة السودانية الوطنية أن الزوجة في السودان هينة على زوجها وعلى المجتمع إلى حد يجعل غيرة الرجل عليها أمرا غير معقول. وذياده عن نكبة شرفه فيها أمرا غير مقبول؟

الخ. . . الخ. . . . .

حسن جلال