مجلة الرسالة/العدد 261/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 261/البَريدُ الأدَبيّ
مؤتمر دولي للقوانين ودعوة الأزهر للاشتراك فيه
تلقى صاحب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر كتاباً من جامعة جوهانبرج يقول إن فريقاً من علماء القانون ومن أعضاء مؤتمر القوانين الذي عقد في السنة الماضية في هولندا واشترك فيه الأزهر فكروا في إقامة مؤتمر عالمي للقوانين يشترك فيه جميع الهيئات والجامعات التي فيها دراسات قانونية ويشترك فيه كذلك كبار علماء القانون والتشريع في العالم كله
ثم جاء في كتاب الجامعة أنها ترجو أن يستطيع الأزهر المساهمة في العمل لنجاح هذا المؤتمر بإبداء الملاحظات والاقتراحات التي يرى إبداءها على فكرته وموضوعاته وأن يساهم بقسط من المعاونة الأدبية فيه
ثم قال إن أبحاث المؤتمر ستشمل جميع القوانين والتشريعات والمبادئ التي تؤدي إلى تقدم البشرية وتقارب قوانينها ومن التشريعات التي تضمنت قسطاً كبيراً من المبادئ القانونية السامية في الشريعة الإسلامية
أندريه موردا في الخالدين
من أنباء باريس الأخيرة أن الكاتب الفرنسي أندريه موروا انتخب عضوا في الأكاديمية الفرنسية في المقعد الذي خلا بوفاة (رينيه دوميك) رئيس تحرير مجلة العالمين والذي كان سكرتيراً دائما للأكاديمية
وأندريه موردا ابن صاحب مصانع كبرى للنسيج في مدينة (روان) وهو اليوم يتولاها أيضا فتدور المصانع على خير وجه يدر المال، وتدور المطابع في باريس بكتبه فتدر المال والمجد
لفت اندريه موروا الأنظار بقصة (صمت الكولونيل برمبل) إذ نجد فيها خلاصة تجاربه واتصاله بالإنكليز في أثناء الحرب عندما كان ضابط اتصال نظرا لتضلعه في اللغة الإنكليزية، هذا التضلع الذي ما لبث أن ظهر أثره في كل كتبه بعد ذلك إذ جعل أكثرها لتاريخ حياة أبطال الإنكليز في الأدب والسياسة مثل بيرون وشللي ودزرائبلي كما كتب حياة تورجنيف والماريشال ليوتي، فضلاً عن (محاورات في القيادة) و (صور إنكليزية) و (مطالعات في ديكنز) ثم محاظراته في جامعة اكسفورد التي لفتت إليه جميع الأنظار.
هذا وقصص موروا من أروج القصص الأدبية والجمهور يتهافت عليها في كافة أنحاء المعمورة. ومن خير ما وصفه به صديقه أندريه بيلي قوله: إنه الذكاء، وطيبة القلب، والحساسية، والاستعداد الدائم للفهم والعطف. . . ليس فيه من التعالي أو التغالي شيء. وكان نجاحه العظيم السريع جاء مفاجئاً بحيث لم يتبينه هو ذاته ولم يقدره قدره!)
وأندريه موروا صديق عزيز لمصر، زارها أكثر من مرة ويحمل لها كل مودة، وفي نيته أن يخصص كتاباً من كتبه.
العربية الفصحى في تدريس المواد
أذاعت وزارة المعارف على حضرات المراقبين والمفتشين ونظار المدارس الكتاب التالي: -
كثرت الشكوى من ضعف التلاميذ في اللغة العربية الصحيحة في تدريس المواد، ولهذا توجه وزارة المعارف نظر حضرات المفتشين ونظار المدارس إلى مراقبة تدريس المواد التي تلقى باللغة العربية سواء أكانت علمية أم أدبية، ووجوب إلقائها بلغة عربية سليمة، والبعد عن استعمال العامية حتى تتمكن في نفوس التلاميذ ملكة اللغة الفصحى ويسهل عليهم الحديث والكتابة بها. وفي مكنة الأساتذة أن يبسطوا أسلوب اللغة الفصحى حتى تكون في متناول جميع التلاميذ على اختلاف أعمارهم وثقافتهم
الثقافة الإسلامية في المدارس الثانوية
يهتم وزارة المعارف بتعزيز برامج التعليم في المدارس الثانوية ببرنامج مفصل عن الثقافة الإسلامية، يدرس في السنتين الرابعة والخامسة، وقد عهد معالي الوزير إلى لجنة مؤلفة من بعض مفتشي اللغة العربية بالوزارة وكبار رجال التعليم وضع هذا البرنامج بحيث يمكن البدء بتنفيذ في السنة الدراسية القادمة
وسيشمل هذا البرنامج بحوثاً مهمة تدور حول التاريخ الإسلامي في أزهى عصوره، والبطولة الإسلامية والسيرة المحمدية الشريفة
حول نظرية التطور عرض الأستاذ علي الطنطاوي في نقده لشعر الأستاذ العقاد في الجيبون لنظرية التطور وذكر أنها لم يؤيدها العلم، وكنا نود لو يرشدنا الأستاذ الفاضل إلى عالم يحترم علمه يدحض هذه النظرية التي غزت جميع المعارف البشرية وبها سهل تعليل كل نظم الحياة. أما إذا كان اعتماد الأستاذ على ما ينشر في الصحف الرخيصة من أخبار مشعوذي العلم الذين يعارضون النظرية ظناً منهم أنها تعارض الدين، فهذا تملق رخيص لعقلية جمهور القراء لأن خصومها لا يعدون بعض جهلة القساوسة الذين يرون فيها الخطر الداهم على مذاهبهم، في حين أن الطبقة المستنيرة من رجال الدين في إنجلترا يرون فيها ما يؤيد دعواهم الدينية، لذلك نرى المطران انج أبرز شخصية في الكنيسة الإنجليزية يعترف بها، ويعظ بها في كنيسته، والنظرية ليست حديثة كما ذكر الأستاذ طنطاوي فقد بصر بها فلاسفة الإغريق والعرب حتى جاء دارون وجمع شتات الأدلة العلمية ونشر كتابه أصل الأنواع 1858، فكان أول بحث مؤيد بالأسانيد العلمية في هذا الموضوع تلاه أبحاث كثيرة من علماء آخرين أيدوا وجهة نظر دارون، مثل هكسلي وولاس وهيكل والثير ارثر كيث. ومن المفيد أن أذكر أن ابن خلدون كان مغرقاً في إيمانه بالتطور فقد قال إن الجماد يتحول إلى نبات والنبات إلى حيوان والحيوان إلى إنسان
أما اعتراض الأستاذ على معالجة فنون العلم شعراً فهو اعتراض ليس له وجاهة لأن نظرية التطور علم وفلسفة، فهي رغم حقائقها العلمية لها جانب فلسفي يبعث على التأمل، وقد عاش في القرن الماضي بإنجلترا شاعر لا يحضرني اسمه الآن أطلق عليه شاعر التطور لأنه عالج فلسفة التطور شعراً. وقد نظم المرحوم الزهاوي شعرا عن التطور أعجب به كل من قرأه
والدليل على أن لها فلسفة أن سبنسر بنى فلسفته على نظريات التطور فأطلق عليه فيلسوف التطور. وما يقال عن نظرية التطور يقال عن كل علم من أن له جانباً فلسفياً، وعلى ذلك لا يمنع أن يعالج الدكتور ناجي نواحي الطب شعراً. وقد قرأت للعلامة ماكنزي كتاباً في الفسيولوجيا ختمه ببحث فلسفي بديع عن الموت لو وضع في قوالب الشعر لكان تحفة فنية رائعة. وقد نشرت مجلة طبية فرنسية بباريس تدعى فيلسفون منذ أعوام شعراً لطائفة من أطباء فرنسا عن تأملاتهم في الحياة من الوجهة العلمية يعد بحق نوعاً جديداً في الأدب الفرنسي. وقس على ذلك المهندس والرياضي، ما دام وراء كل علم جانب فلسفي للتأمل. وبديهي أنني لا أقصد أن توضع حقائق العلم في قوالب الشعر كما وضعت قواعد النحو في ألفيه ابن مالك، لأن هذا ليس من الشعر في شيء
كامل نصيف
عضو بالمعهد الفلسفي البريطاني بلندن
الحلاج
جاء في (قصة الكلمة المترجمة) في الجزء الماضي: (لكنه قاله في (الرسالة) قبل ذلك: (وكذلك قوله الكل (أي قول ابن القارح) إدخاله الألف واللام مكروه) (قاله) صوابه قال - أعني أبا العلاء - وقولي ابن القارح خطأ، صوابه الحلاج. وقد وردت (الكل) في أبيات له رويت من قبل في (رسالة الغفران) قال الحلاج:
ياسرَّ سرٍ يدق حتى ... يجلّ عن وصف كل حيْ
وظاهرا باطنا تبدي ... من كل شيء لكل شيْ
يا جملة الكل لستَ غيري ... فما اعتذاري إذن إليْ
قال أبو العلاء: (قولهإلىْ) عاهة في الأبيات، إن قيْدَ فإلتقييه
لمثل هذا الوزن لا يجوز عند بعض الناس، وأن كَسَر الياء
من (إلىْ) فذلك رديء قبيح. وأصحاب العربية مجمعون على
قراءة حمزة: (وأنت بمصرخيِّ) بكسر الياء، وقد رُوى أن أبا
عمرو بن العلاء سئل عن ذلك فقال إنه لحسن تارة إلى فوق
وتارة إلى أسفل، يعني فتح الياء في مصرخي وكسرها،
والذين نقلوا هذه الحكاية يحتجون بها لحمزة ويذهبون إلى أن
أبا عمرو أجاز الكسر لالتقاء الساكنين، وان صحت الحكاية عنه فما قالها إلا متهزئا على معنى العكس، وهذا كما يقول
الرجل لولده إذا رآه فعل فعلا قبيحاً: ما أحسن هذا!: وهو يريد
ضد الحسن)
الإسكندرية
(* * *)
سؤال إلى الأستاذ سيد قطب
تقول في العدد (259) من الرسالة، إن العقاد (يعني بالحياة النابضة في ضمائر الأشياء، قبل الحياة الظاهرة على سطوحها، ويعني بالحياتين معاً قبل العناية بأشكالها وصورها، ويلتفت للخوالج النفسية قبل أن يلتفت إلى الصور الذهنية، ويعني بهاتين قبل العناية ببهارج الأسلوب وزخارف الطلاوة)
1 - فهل هناك حياة نابضة في ضمائر الأشياء غير الحياة الظاهرة على سطوحها؟ أو ليست الحياة واحدة في الضمائر والسطوح، وفي الأفئدة والقلوب، وفي الجوارح والأعضاء؟ وإذا كان للحي الواحد حياتان كما تقول، فما حدّ كل واحدة منهما، وما هو وصفها الذي تختلف به عن أختها؟
2 - وهل الحياة الظاهرة على سطوح الأشياء - على حد تعبيرك أنت - غير أشكال الحياة وصورها؟ وما هو الفرق بينهما وكيف تكون العناية بهذه قبل تلك؟
3 - وما هو الفرق (العلمي) بين الخوالج النفسية والصور الذهنية؟ وهل تعني بالصور الذهنية المحاكمات العقلية أم تعني بها ما يسمى بتداعي الأفكار، والخيال المرجع، في علم النفس؟ وما معنى قولك: أدب ذهن، وأدب نفس؟
4 - وهل تريد من قولك أن العقاد يعني بهذا قبل عنايته بالأسلوب والطلاوة - أن من كانت له هذه العناية بالحياة النابضة، والخوالج النفسية، كان شاعراً ولو جاء بأسلوب ركيك، ولغة مرذولة، وعيّ فاضح؟ هذا ما نحب أن تبينه لنا، فما فهمنا والله ما تريد منه. وإن في كل فقرة لك لمجالاً لمثل هذه الأسئلة حين تتكلم فلا نفهم عنك، وتأتي بألفاظ لا نعرف لها مدلولاً، وأنت بين شيئين: إما أنك تذهب بنفسك علواً حتى ما يتعلق بك قارئ، وإما أنك لا تدري بالضبط) معاني ما تقول. . .
(دمشق)
ع. . .
بين الرافعي والعقاد
جاء في بحث الأستاذ سيد قطب عن العقاد والرافعي في (الرسالة رقم 260) ما اعتبره الأستاذ تناقضاً بين تلخيص الرافعي لرأي الفيلسوف شوبنهور في الجمال وبين رأي الفيلسوف الحقيقي
وبرجوع القارئ إلى ذلك البحث وتدبِّره لا يذهب مع الكاتب فيما ذهب إليه من وجود ذلك التناقض. ولعل الأستاذ قطب يقرنا على ذلك
فقد قال شوبنهور ما نصّه: (إن الأشياء (تسرنا) كلما قربت من عالم الفكرة وابتعدت عن عالم الإرادة) وقال الرافعي فيما اعتقده رأياً للفيلسوف (إن الأشياء (تحزننا) كلما ابتعدت عن عالم الفكرة واقتربت من عالم الإرادة)، ثم قال (وإنها (تفرحنا) كلما ابتعدت عن عالم الإرادة واقتربت من عالم الفكرة)
فإنه واضح من مراجعة الكلام بأنه لا تناقض بين قولي الرافعي الأول والثاني فهما رأي واحد لا تناقض في مضمونه. ولعل الأستاذ قطب قد اعتبر عكس الألفاظ في شقي القول أساساً للتناقض وقد غاب عن خاطره أن (تحزننا) عكس (تفرحنا).
ثم نحن لا نجد (مسخا) لرأي الفيلسوف لأن الرافعي لا يناقض في أي من قوليه رأي الفيلسوف (وهما ينطبقان عليه تمام الانطباق)
ونحن إن أخذنا على الأستاذ قطب عدم تدبره في الحكم في هذه الحالة فنحن نأخذ على الأستاذ الرافعي، رحمه الله، عدم وثوقه بترجمة الأستاذ العقاد مع أنه انتهى في تلخيص رأي الفيلسوف إلى ما ترجمه العقاد وليسمح لنا القارئ إن نحن طالبنا الكاتبين عن أدب الرافعي والعقاد ألا يتخذوا من عبارات وألفاظ مستهجنة (جاءت معبرة عن حالة عاطفية) أساساً يدعمون به حكمهم على كل من الأديبين الكبيرين. ونحن ندعوهم إلى بحث شخصيتهما الأدبية في مخلفاتهم التي تركاها وهم أكثر ما يكونان سكونا وهدوءاً فيجيء حكمهم نزيهاً معتبراً في نظر القراء ويسلمون من كثير من المهاترات التي تصيبهم بين الحين والحين
فلسطين
علي كمال