مجلة الرسالة/العدد 262/فأصبحتم بنعمته إخوانا

مجلة الرسالة/العدد 262/فأصبحتم بنعمته إخوانا

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 07 - 1938



لأستاذ جليل

إلى حضرة الدكتور محمد حسن البرازي

الأستاذ في الجامعة السورية

يا سيدي، إن قولي: (المرء بفضله وفصله، لا بزخرفه وأصله، والأمة إنما هي بلغتها وأدبها وعقيدتها ومصلحتها) وتمثّلي بحديث الهمذاني وجميع ما رقمتُه في تلك القطعة من (الكلمة) - هو إعلان حقيقة قالوها، وليس في شاهدي من كلام (البديع) إزراء بأصلٍ ما، أو استصغار قبيل إن ظن أحد إن ذلك فيه

ولم أنعَ في (كلمتي) - كما لاح لأخي الدكتور - علي مُعْتز إلى الفرنسية نخوته حين قال: (أنا فرنسي، أنا فرنسي، أنا ابن الغول) إنّ له أنْ يقول وينتخي كما يقول الإيطالي والجرماني والبريطاني وغيرهم مزهوين. والمكتوب هناك هو شرح حال. وأرى أن أذكر في هذا المقام أن الأمة الألمانية في تلفيقها وتأليفها إنما هي مثل الفرنسيس وغيرهم من الأمم، وكان صاحب مجلة جرمانية قد اعتزم قبل (الحرب الكبرى) على أن يبحث عن عناصر الجرمان بحث العلماء المحققين فمنعته وزارة الحرب من ذلك

ألمانية نقية صافية خالصة مروَّقة مصفَّقة ما كانت ولن تكون

والسلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب (خرَّيج الملك نور الدين محمود بن الشهيد رضي الله عنهم أجمعين) وسادتنا الأيوبيون ملوك العرب لا أعدهم - ونحن في هذا الشكل من البحث - أكراداً، بل هم عرب، بل هم أعرب من يَعْرُب ابن قحطان. وقولي في البرازيين الكرام، في بلاد الشام مثل قولي في الأيوبيين، ولا أقصد بما أقول تفضيل عربية على كردية، أو تفضيل كردية على عربية، فلست في حديثي هذا من (المفضلة).

وبعد فنحن نتلهى في غيبة السلطان الأعظم (أعني الإسلامية) بهذه المسماة (جنسية وقومية ووطنية) ومشابهما من الفتن الأوربية، فإذا جاء القرآن، إذا جاء محمد، إذا جاء الإسلام، الإسلام الصحيح خرست العربية المصرية، وخرست الأعرابية الجزَرية، وخرست الكردية، وخرست الشامية والعراقية، وخرست البربرية والمغربية والغربية، وخرس الهندية والفارسية والصينية والحاوية والتترية

(إنما المؤمنونَ اخوة)

(واعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا َتفرَقوا، وذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم، فأصبحتم بنعمته إخوانا، وكنتم على شَفا حُفرةٍ من النار فأنقذكم منها، كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون)

قل: نار الضلال والتعادي، نار الجنسيات والقوميات والوطنيات والعصبيات والطبقات

قال الدكتور البرازي في (مقاله): (دين الإسلام عالمي) وهذا أظهر من الشمس، وهذا واضح بّين مثل ضياء القرآن المضيء الباهر

(إنْ هو إلاّ ذِكرٌ للعالمين)

(قُلْ: يا أيها الناسُ إني رسول اللهِ إليكم جميعاً)

ومن الأفاكيه التي تُروى للإطراف والتفكيه قول (طائفة من اليهود يقال لهم: العيسوية - وهم أتباع عيسى الأصفهاني - إن محمداً رسول الله صادق مبعوث إلى العرب وغير مبعوث إلى بني إسرائيل) وقد ذكر ابن حزم هذه الطائفة ومقالتها في كتابه (الِفصَل في الملل والأهواء والنحل) قال: (العيسوية هم أصحاب أبي عيسى الأصبهاني كان باصبهان، وبلغني أن اسمه كان محمد بن عيسى، وهم يقولون بنبوة عيسى ابن مريم ومحمد () ويقولون إن عيسى بعثه الله (عز وجل) إلى بني إسرائيل على ما جاء في الإنجيل وإنه أحد أنبياء بني إسرائيل وإن محمداً نبي أرسله الله بشرائع القرآن إلى بني إسماعيل وإلى سائر العرب كما كان أيوب نبياً في بني عيص، وكما كان بلعام نبياً في بني مواب بإقرار من جميع فرق اليهود، ولقد لقيت ' من ينحو إلى هذا المذهب من خواص اليهود كثيراً)

وفي (الفرق بين الفرق) للبغدادي: (وقوم من شاذ كانية اليهود حكوا عن زعيمهم المعروف بشاذ كان أنه قال: إن محمداً رسول الله إلى العرب وإلى سائر الناس ما خلا اليهود. وأنه قال: إن القرآن حق، وإن الأذان وإقامة الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج الكعبة - كل ذلك حق، غير أنه مشروع للمسلمين دون اليهود)

قلت: إن الله (عز وجل) يقول: (وأرسلناك للناس رسولا)

(وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)

فهل ترى هذه الطائفة أو تري يَهودُ أنهم ليسوا من الناس. . . وليسوا من العالمين. . .؟؟

الإسكندرية

(* * *)