مجلة الرسالة/العدد 266/تيسير قواعد الإعراب

مجلة الرسالة/العدد 266/تيسير قواعد الإعراب

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 08 - 1938



لأستاذ فاضل

- 3 -

ألقاب الإعراب والبناء

جعل النحاة للإعراب ألقاباً هي: الرفع والنصب والجر والجزم، وجعلوا للبناء ألقاباً هي: الضم والفتح والكسر والسكون، وقد رأت جماعة وزارة المعارف أن هذه التفرقة دعت إليها الدقة في الاصطلاح بدون حاجة إليها، ولهذا رأت ألا يكون هناك فرق بين ألقاب الإعراب وألقاب البناء.

ولا يخفي أن ما ذهبنا إليه من إنكار البناء في العربية لا تتأتى معه هذه التفرقة، ولكن لا بد فيما ذهبنا إليه من أن يبقى الرفع والنصب والجر والجزم ألقاباً للإعراب، وتبقى الحركات من الضم والفتح والكسر وما ينوب عنها والسكون وما ينوب عنه علامات لهذه الألقاب. ولا شك أن ما تذهب إليه هذه الجماعة من أن يكون لكل حركة لقب واحد غير جدير بالاعتبار، لأن هذا قد يمكن في الإعراب بالحركات، أما الإعراب بالحروف فلا يتأتى فيه ذلك، لأنا إذا جعلنا الرفع عبارة عن حركة الضم لم يمكن أن نجعله عبارة عن حرف من الحروف التي تدل عليه، كالواو في جمع المذكر السالم، وكالألف في المثنى. ومن الإعراب بالحركات ما لا يتأتى فيه ذلك أيضاً، وهذا كما في جمع المؤنث السالم في حالة النصب، لأنه ينصب بالكسرة، فلا بد أن تكون الكسرة في ذلك علامة لا لقبا، لبعد ما بين اللقب والعلامة فيه. وإذا كانت جماعة وزارة المعارف قد وجدت من السهل ألا تفرق بين النصب والفتح في مثل - رأيت إنساناً - فإنه يصعب عليها ألا تفرق بين النصب والكسر في مثل - أكلت تفاحاتٍ

الجملة

رأت الجماعة أن تجري في النحو على إصلاح علماء المنطق فتسمى جزأي الجملة موضوعاً ومحمولاً، والموضوع هو المحدث عنه في الجملة، وحكمه الضم عندها إلى أن يقع بعد إن أو إحدى أخواتها، والمحمول هو الحديث أو المحدث به 1 - ويكون اسماً فيضم إلا إذا وقع مع كان أو إحدى أخواتها

2 - ويكون ظرفاً فيفتح

3 - ويكون فعلاً أو مع حرف من حروف الإضافة أو جملة ويكتفي في بيان إعرابه بأنه محمول

وترى الجماعة أنها بهذا كله يسرت إعراب الجملة وقللت إصلاحاتها وجمعت أبواب الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ واسم كان واسم إن في باب الموضوع، وجمعت أبواب خبر المبتدأ وخبر كان وخبر إن في باب المحمول، وخففت عن المعلمين والمتعلمين برد باب ظن إلى الفعل المتعدي

ونحن نرى أن كلاً من تقليل الاصطلاحات وتفصيلها قد يكون يسراً في العلم وتدوينه، وقد يكون يسراً فيه، فيجب أن يصار إليهما بقدر ما تدعو إليه الحاجة فيهما، وإلا كان الإجمال غموضاً في العلم وكان التفصيل حشواً لا فائدة فيه، وهذه الأبواب التي جمعت في باب واحد ذات أحكام كثيرة مختلفة، فمن الواجب أن يقتصد في جمعها، وقد يؤدي الإسراف في تقليل اصطلاحاتها إلى عكس ما نرجوه منه

والذي نراه في ذلك أن يلحق باب كان وأخواتها وباب إن وأخواتها بباب المبتدأ والخبر، فتجمع هذه الأبواب الثلاثة في باب واحد، ويعرب اسم كان وخبرها مبتدأ مرفوعاً وخبراً منصوباً، ويعرب اسم إن وأخواتها مبتدأ منصوباً وخبراً مرفوعاً لأن الإعراب فرع المعنى ودليله، وهذه الصيغة الإعرابية المشهورة لا يمكن أن تدل على معنى في جملة كان وأخواتها وجملة إن وأخواتها، بل هي صيغة لا معنى لها في ذاتها، إذ لا يمكنك أن تفهم معنى لكون اسم كان وأخواتها اسماً لها، ولا لكون خبرها خبراً لها، وكذلك الأمر في إن وأخواتها، فصاحب الخبر في قولك: كان زيد قائماً - هو زيد لا كان، وموقعه في هذه الجملة موقع المبتدأ المخبر عنه، فأصدق شيء في إعرابه أن يقال إنه مبتدأ، وأن يقال فيما بعده إنه خبره لا خبر كان، وليست كان في جملتها إلا قيداً فيها، لأنها تقيد الخبر بمفادها وهو الزمان الماضي، فكأنك قلت في ذلك المثال - زيد قائم في الزمان الماضي

وأمر ذلك في إن وأخواتها أظهر منه في كان وأخواتها، لأن قولك - إن زيداً قائم - لا تفيد إن فيه إلا تأكيد ثبوت الخبر للمبتدأ، فلا يزال المبتدأ فيها مبتدأ على معناه وإن تغيير إعرابه، ولا يزال الخبر خبراً له بإعرابه الذي كان له

وليست منزلة هذه الأدوات من المبتدأ والخبر إلا كمنزلة أدوات الشرط من فعل الشرط وجوابه. وأنت حينما تعرب فعل الشرط لا تقول إلا أنه فعل الشرط، ولا تقول إنه فعل الأداة، وكذلك تقول في الجواب إنه جواب الشرط، ولا تقول إنه جواب إن وأخواتها، فإذا أضيف الشرط أو الجواب في بعض الأحيان إلى هذه الأدوات فان ذلك لا يكون إلا على ضرب من التجوز، لما لها من علاقة المجاورة والعمل فيهما، ولا يدل على أمر حقيقي في معنى الجملة

فهذا هو الذي نراه في اختصار هذه الأبواب، قد راعينا فيه ما يجب من مطابقة الإعراب للمعنى، ولم نقصد فيه الاختصار لذاته كما قصدته هذه الجماعة

وعلى ما ذهبنا إليه في ذلك يكون المبتدأ هو الاسم المحدث عنه في الجملة الاسمية، فيشمل ذلك اسم كان واسم إن، ويكون الخبر هو الاسم المحدث به في الجملة الاسمية، فيشمل ذلك خبر كان وخبر إن. وقد ذهب الكوفيون إلى أن المنصوب بعد كان وأخواتها حال لا خبر؛ ويمكن على هذا أن يكون المرفوع بعدها فاعلا لها، ويكون حكمها في ذلك حكم سائر الأفعال، ولا يكون هناك داع إلى تقسيم الأفعال إلى تامة وناقصة

ولا نرى بعد هذا كله في ذلك الموضوع إلا أن يلحق باب النائب عن الفاعل بباب المفعول به وغيره مما ينوب عن الفاعل، فيكون لنا مفعول به مرفوع في نحو - قُضيَ الأمرُ - ومصدر مرفوع في نحو - فإذا نُفخ في الصور نفخة واحدة - وظرف مرفوع في نحو - سهرت الليلة - وهذا الإعراب أولى من الإعراب المشهور في ذلك، لأن إعراب ذلك نائب فاعل لا يقوم على أساس قوي، إذ ليس في ذلك إلا حذف الفاعل للعلم به أو نحوه مما يحذف لأجله، والمفعول بعد حذف الفاعل باق على مفعوليته، ولا معنى لدعوى نيابته عن الفاعل، بل قد يحذف الفاعل ولا يجود ما ينوب عنه، نحو - سُقط في أيديهم - وهم يذهبون في هذا إلى نيابة المجرور، ولكنه تكلف ظاهر، وليس من اللازم أن ينوب شيء عن الفاعل عند حذفه، كما لا يلزم هذا في حذف المبتدأ ونحوه

(يتبع)

أزهري