مجلة الرسالة/العدد 266/فتاوى شرعية

مجلة الرسالة/العدد 266/فتاوى شرعية

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 08 - 1938



معضلات العصر

للأستاذ الجليل محمد بن الحسن الحجوي

وزير معارف الحكومة المغربية

- 1 -

إن أهم ما اهتم به النبيون والمرسلون صلوات الله عليهم أجمعين ثم الفلاسفة الأقدمون والمتأخرون؛ والعلماء المؤلفون، معضلات عصورهم التي تهم الفكر العام. وعليها يتوقف تحسين حال مجتمعهم وإن كان في غفلة أو إغفاءة عنها في بعض الأوقات.

ففي عصر نبينا العربي عليه صلوات الله وسلامه، كان أهم معضلة هي الوثنية وفساد المعتقد وتنوعه في جانب الله؛ وعن ذلك ينشأ تشتت الأفكار، وفداحة الجدل. ثم رداءة حال العرب بل العالم من حيث افتقاره إلى شريعة منظمة تكون رابطة متينة للمجتمع تذهب بها فوضى الحقوق والأخلاق، وتنتظم بها الأحوال وتتناسق الأعمال.

وهكذا النبيون قبله، ما من رسول إلا وقد جاء بحل أهم المعضلات، وأعقد المشكلات؛ وكذلك الفلاسفة اليونانيون وغيرهم ما كانت فلسفتهم إلا لحل مشكلات عصورهم، يعلم ذلك من يتتبع موضوعات مؤلفاتهم المتنوعة.

ثم كان علماء هذه الأمة الكريمة على ذلك، فتجد أكثرهم يؤلف في النوازل التي تنزل أو يتوقع نزولها بعد المعضلات. وبالنظر في كتب الفتاوى والأحكام يتبين ذلك، بل لا تجد كتاباً في فن إلا والقصد منه سد فراغ وكفاية حاجة من حاجات المجتمع في نظر مؤلفه.

بناء على هذه السنة جعلت هذه الأوراق أجوبة على أسئلة ثلاثة وردت عليّ من عالم نبيل من علماء أشقودرة (ألبانيا) يطلب مني الجواب عنها وهي:

1 - لبس البرنيطة 2 - قبض مرتب بدون عمل 3 - مفتريات أهل الطريقة التجانية.

وهذا نص السؤال، ويليه الجواب:

(صاحب الفضيلة والسماحة والأيادي الجليلة، لا زالت أعماله مشكورة، وآثاره مبهورة، الأستاذ الكبير الإمام الشيخ محمد ابن الحسن الحجوي الثعالبي الجعبري وزير م الحكومة المغربية. بعد إتحافكم درر التحيات السنية، وغرر التسليمات البهية، أعرض أن كثيراً ما يجول في عقولنا ويخطر ببالنا الترامي إلى أعتابكم الشريفة سائلين منها حل مسائل يكون الناس فيها ما بين كفر وضلال، وكثر فيها القيل والقال، حتى افترق الناس فريقين في أكثر البلاد خصوصاً في بلادنا الألبانية وأشقودرة، إلا أن الشواغل التي كثرت لديك من المسائل العلمية التي توجه إليك من جميع الأطراف قد منعتنا من السؤال عنها، لكن عندما اشتد الخلاف فيها الآن بحيث صار لا يمكن أن يدفعه أحد غيرك في اعتقادنا ما وجدنا مناصاً من أن نطلب ونرجو من فضيلتكم أن تضع هذه المسائل في مقدمة المسائل التي تعني بها عناية كبيرة لما لها من شأن عظيم وهي:

مسألة البرنيطة أو القبعة

كان ملك ألبانيا قد أصدر أمراً لكل رجل موظف له مرتب شهري أن يلبس البرنيطة وإلا يعزل عن الوظيفة والمأمورية؛ فهل يجوز لذاك المأمور الموظف أن يلبس البرنيطة تبعاً لأمر الملك أو يترك الوظيفة والمعاش ويقبل العزل؟ وكذلك قرر مجلس وزراء ألبانيا أن يلبسن البرنيطة جميع الصبيان الذين يداومون بالتحصيل في المدارس والمكاتب، فهل يجوز أيضاً لآباء وأولياء هؤلاء الصبيان أن يلبسوا البرنيطة الصبيان أم يقبلوا طردهم وإخراجهم من المدرسة ويتركوهم بدون تحصيل ولا تعليم خصوصاً في هذا الزمان؟ يعني هل يعد التحصيل والمعاش ضرورة للبس البرنيطة أم لا؟ وغير الموظفين والمأمورين من العوام قد تركهم الملك مخيرين إن شاءوا لبسوا لباس القوم الأرناءودي مع الطربوش الأبيض كما هي عادة أهالي أشقودرة وألبانيا. هؤلاء الذين تركهم الملك مخيرين هل يباح أو يكره أو يحرم عليهم لبس البرنيطة أو يكفر لابسها إن لبسها بالاختيار. ثم إن القلنسوة التي ذكرها الفقهاء في الكتب الفقهية بقولهم: من وضع قلنسوة المجوس على رأسه قيل يكفر وهو الصحيح، وقيل لا يكفر. ما المراد بهذه القلنسوة؟ أهي التي جعلوها علامة على خدمة دينية أو الدخول في الدين كطيلسان اليهود وجبة القسيس وما يلبسه صبيان النصارى وبناتهم حين الدخول في التكليف الديني، أم تشمل كذلك القلنسوة التي لم يقصد منها الدلالة على الدين، وإنما هي لباس أمة صادف أن كان كلها أو معظمها غير مسلمين بحيث يلبسها النصراني واليهودي ومن كان يولد من تلك الأمة، بها وكذا يلبسها المسلمون في هذا الزمان، يعني ما الفرق بينهما؟

المسألة الثانية:

رجل ألباني أو بغدادي أو شامي مثلاً في دار يأخذ مرتباً شهرياً سياسة من الحكومات المتجاورة مثل إيطاليا أو فرنسا: أو فرَّ وخرج من دار سياسة أيضاً إلى دار أخرى ويأخذ من تلك الحكومة التي يقيم فيها هل يحل لذلك الرجل أن يأخذ فرنكات كثيرة من تلك الحكومة المجاورة أم لا؟

المسألة الثالثة:

وهي أن الطريقة التجانية المنتشرة في أكثر البلاد حتى البلاد الأرناؤودية ولا سيما بلدتنا أشقودرة هل المندمج فيها غير مناف للشريعة الغراء، ومنتسبو تلك الطريقة يدعون أفضلية قراءة (صلاة الفاتح) لما أغلق على تلاوة القرآن ستة آلاف مرة وهو أكبر الأذكار متأولين بأن ذلك بالنسبة لمن لم يتأدب بآداب القرآن كما فصله في (كتاب جواهر المعاني) المنسوب إلى التجانية، وأن الصلاة على النبي بتلك الصلاة الخاصة إنما يترتب عليها الثواب إذا اعتقد أنها من كلام الله القديم من قوله عليه السلام: من صلى عليَّ مرة صلى الله عليه عشراً. وإن تلك الصلاة مع فضيلتها بتلك المثابة لم يعلمها النبي عليه السلام لأحد إلا لمؤسس تلك الطريقة، وفي ذلك ما لا يخفي من لزوم الكتمان ومنافاته للتبليغ المأمور به عليه السلام؛ وإن مؤسس تلك الطريقة أفضل الأولياء، مع أن الإجماع هو أن الأفضل بعد نبينا محمد عليه السلام الخلفاء الأربعة على الترتيب المعلوم؛ وأن من انتسب إلى تلك الطريقة يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب ويغفر ذنوبه الصغار والكبار، حتى التبعات وغير ذلك مما هو مبسوط في الكتب التجانية.

فهنا نحن متعطشون لفتواكم فهي لنا بمثابة نور يسطع وسط الظلمات فيبددها حتى نكون بعد ذلك على طمأنينة، ولذلك نطلب ونرجو من فضيلتكم توضيح هذه المسائل المهمة بالبراهين القاطعة والأدلة المقنعة موقنين أنكم ممن يعملون بقوله تعالى (وأما السائل فلا تنهر) نسأل الله تعالى أن يفيض عليك من نعمه، ويمدك بوافر فضله وكرمه، وأن يقيك من جميع البلايا والآفات، في جميع الأزمان والأوقات، وتقبلوا فائق احترامي وجميل شكري.

أحد منتمي العلم في بلدة أشقودرة

حافظ إبراهيم ربيشطي

وأن تتفضل بإرسال الأجوبة الشافية بكتاب خاص بالعنوان بالحروف اللاتينية:

انتهت الأسئلة بحروفها

(يتبع)

محمد بن الحسن الحجوي