مجلة الرسالة/العدد 281/الأحلام

مجلة الرسالة/العدد 281/الأحلام

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 11 - 1938



هل في حقائق الحياة الثابتة ما يفوق الحقيقة التي تؤكد لنا أن الأحلام تصح؟!

إن هذا العالم المدهش العجيب الذي يتجدد كل يوم أمام أنظارنا الحائرة؛ بل إن هذا العالم المفعم بالروائع والآيات الفائقة حد التصديق في الأمس القريب، يجيش بربوات الأحلام التي لا تلبث أن تتحقق اليوم، ويتوج تحققها هامة التفكير الطويل، والانتظار المنقب المستطلع، والكفاح الوجيع الصبور، والفشل الذي يعقب الفشل، ثم الفوز بين المبين أخيراً!

وما من معجزة تحيط بنا - فان الطائرات وآلات الصور المتحركة وأجهزة المجهر (المكرفون) والأسلاك البرقية واللاسلكية والقطارات والسفن - قد كانت في أحد الأيام حلماً تحركت به بعض الخواطر، وهمس في طائفة من الضمائر الإنسانية

ولقد كان العالم يهزأ بالحالم ويسخر ويشك في أمره أعواماً مديدة؛ إلا أن الحالم لابد أن يبوء بالفوز

وقلّ مَن جدّ في أمر يطالبه ... واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

وقد يرى الحالم أن الناس سينظرون من خلال الحجر، أو يتكلمون عبر البحر، أو يحلقون فوق السحاب، أو يبصرون شيئاً على بعد عشرة آلاف ميل، فيتم ذلك جميعه. وقد يحلم أنه يتناول قطعة من الرخام ويصوغها في قالب يأسر الألباب على مر الأحقاب، أو أنه برسم صورة سيدة ذات ابتسامة رصينة مفكرة ويجعل الناس يتأملون هذا الابتسام بخشوع لا يبليه تقادم العهد وكر الأزمان

وقد يحلم أنه يكتب شيئاً يستنزف الدموع من مآقي الذين لم يولدوا بعد؛ أو أنه يؤلف قطعة من الموسيقى تدوي في أروقة الدهور. . . فيتم له ذلك كله. . .

إن المجاهد في سبيل فكرة عظيمة أو مقصد نبيل؛ والمخترع الذي يكد في معتمله والعالم الأديب الذي يستخرج ودائع الغيوب ويحل دقائق الأشكال ويزيل معترض الأشكال؛ والشعب الذي يكافح لنيل الحرية؛ إن كلا من هؤلاء لا يحلم عبثاً، كما أن الجنس البشري الذي يحن إلى الأصلح والأبقى، ويتوق في قرارة النفس الإنساني إلى حياة وادعة تفيض بالأمن والسعادة لا يحلم سدى، لأن الأحلام تصح وتتحقق

ترجمة: (الزهرة)