مجلة الرسالة/العدد 29/التعليم العالي للنساء

مجلة الرسالة/العدد 29/التعليم العالي للنساء

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 01 - 1934



للآنسة أسماء فهمي

درجة شرف في الآداب

ما زال التعليم العالي للنساء في مصر وليداً في المهد، ولم تتهيأ أغلبية العقول بعد للإقلاع عن المبدأ القديم الذي يقول إن المرأة لم تخلق إلا للدار وإنجاب الأطفال ويكفيها لقضاء مهمتها الخاصة اقل قسط من التعليم. وتحت تأثير هذا الزعم كان قبول الفتيات بالجامعة المصرية سنة 1928 بطريق الاحتيال والتآمر كما ذكر أحد رجالات التعليم في مصر في حفلة تكريم أولى خريجات الجامعات بدار الاتحاد النسائي في الشهر الماضي. والواقع، ما زال التعليم العالي للنساء في بلادنا نبتا يخشى عليه من تقلبات الجو السياسي وزوابع الآراء الرجعية بالرغم من إن النساء في البلاد الأوربية الراقية التي تحذو مصر حذوها في كثير من نواحي حضارتها، قد حصلن على هذا الحق منذ أكثر من ثمانين عاما.

ولما يخامر النفس من شكوك ومخاوف، على مستقبل التعليم العلي للمرأة المصرية، رأينا أن نتأهب للدفع، بعرض قضية المرأة اليوم على بساط البحث بادئين ببيان الغرض من التعليم العالي ثم يترتب عليه من نتائج بالنسبة للمرأة والمجتمع يمتاز التعليم العالي والصحيح الذي يتحرر فيها الطالب من كل القيد بكونه يهيئ مجالا واسعا لتكوين الشخصية ولإظهار المواهب بما إن من أول شروطه البحث المستقل والاطلاع الواسع والاعتماد على النفس في تكوين الآراء والوصول إلى النتائج تدعمها الحجج القوية والبراهين. كما إن من مزايا هذا التعلم أيضاً فيما لو سار على أسسه الصحيح، الاتصال بالمجتمع ودراسة أزمانه وظواهره المختلفة من سياسي واقتصادي وتدريب النشء على أعمال الجماعات والقيادة بان يشتركوا في تكوين الجمعيات الصغير للبحوث والألعاب والأغراض المختلفة التي تنشأ في ظل الجامعة. وبهذه الطريقة يعتادون العمل المشترك والتعاون وتضع فيهم النزعات الأنانية. وبذلك يصبحون أعضاء نافعين للمجتمع والإنسانية.

والمرأة أحوج ما تكون إلى مثل هذا التعليم الذي يتضمن كل هذه المزايا فلها عقل كعقل الرجل هو الفارق بينهما وبين الحيوانات غذاؤه الطبيعي العلومونموه وصقله في استقلالها واستثمارها وبما إن المرأة إنسان فلا يصح أن تمنعها الأمومة أو الحياة المنزلية من إ تستكمل أول ميزات الإنسان بان تستمتع بالتعليم العالي الوافي الطليق. . ثم إن المرأة في حاجة أعظم من حاجة الرجل إلى الناحية الاجتماعية من هذا التعليم فهي بسب انزوائها الطويل في عقر دارها وحرمانها من الاختلاط الحر وتناول الآراء قد عجزت عن تنمية الصفات الاجتماعية في نفسها. تلك الصفات التي يمتاز بها الرجل المثقف وهي الميل. إلى الأعمال المشتركة، وسعة الصدر في المناقشة والتفكير المتواصل الرصين ولو تحلت المرأة بتلك الصفات فوق ما تمتاز به من حنان ورقة لارتفع ولا شك مستوى المجتمع. لهنأت الحيات المنزلية. وتلك الصفات يمهد السبيل لا كتسابها التعليم العالي أو الجامعة، ففي أثناء هذا التعليم تختلط المرأة بأناس مختلفي الطباع والنزعات.، متنوعي الأفكار والمذاهب، فيداوي ما بها من نقص ونظرة محددة متأثرة بالمرغبات الشخصية إلى الأمور. . والواقع إن الحياة الاجتماعية في الجامعة لا تقل أهمية عن الحياة العلمية بما أنها تعد الطلاب للحياة العملية الراقية ولذلك اهتمت بها كل الاهتمام الجامعات العريقة مثل اكسفورد وكمبردج التين أخرجتا للعالم مهرة الساسة والمصلحين. . وقد يعترض معترض: وما شأن المرأة بهذه الأمور وهي لا ينتظر أن تكون من الأحكام أو الساسة الماهرين؟ حقاً إن المستقبل القريب لا يبشر بمثل هذا التقدم وان كنا لا نيأس من حصوله في وقت ما بلادنا أسوة بالبلاد الأخرى المتدينة ولكن الفتاة المصرية كما بينا تفتقر إلى الصفات الاجتماعية وفوق ذلك تعدها الحياة الجامعية الصحيحة لأن تقوم بنصيبها في ميدان الإصلاح وليس هنالك من يجهل نواحي النقص الكثيرة في بلادنا وقد جمع أحد مفكري الأمريكان الغرض من التعلم العالي للجنسين في قوله (إن من يصرح بان الثقافة وتحرير المواهب الفردية هما غرض التعليم الاعلى، لا يذكر في الواقع غير نصف الحقيقة فالتعليم يكون ناقصاً مبتوراً إذا استمر منفصلا عن معالجة الشؤون الاجتماعية، فهل بعد ذلك تحرم المرأة من التعليم العالي الذي ينمي مداركها ويجعلها أداة نافعة لإصلاح المجتمع خصوصا وأنها مطبوعة على التضحية، شديدة الحساسية، تؤثر فيها أثيرا بليغا مظاهر الشكوى والألم؟

تلك هي أغراض التعليم العالي ولم يبق إلا أن نذكر شيئا عن بعض نتائجه التي يتخذها أنصار التردد والهزيمة حجة ضد التعليم العالي للنساء: فهم يقولون مثلا: أو ليس من نتائج التعليم العالي للفتيات إذا صدقت الإحصائيات إن اكثر من 50 في المائة من المتعلمات تعليما عاليا في أوربا وأمريكا يحجمن عن الزواج ويفضلن حياة الإنتاج والكسب والاستقلال على الحياة المنزلية التي لا تهيئ لهن الميدان الكافي لاستثمار معلوماتهن بالذات فيقل عدد النسل ويضمحل إذ تترك تلك العملية الهامة لأغلبية من غير المتعلمات؟ ثم ألا تصبح أولئك المتمردات على الحياة البيتية عامل خطرا من عوامل الأزمات الاقتصادية إذ ينافسن الرجال في ميادين الأعمال فيزداد عدد العاطلين والمعوزين من الأسر؟.

إن مجرد النظر السطحي إلى مثل هذه الاعتراضات يظهر المرأة بمظهر الخارج على القوانين الطبيعية العامل على فناء النوع الإنساني ومضاعفة أخطار الأزمة الاقتصادية. ولكن الموضوع اخطر من أن نكتفي بالنظر السطحي إليه. لنسلم جدلا بان اكثر من 50 في المائة من خريجات الجامعات يحجمن عن الزواج عندما يجدن لذة كافية في الأمور العلمية واستثمار تعليمهن العالي. ولكن تسليمنا بذلك ما هو إلا تسليم بجانب من الحقيقة فقط، ويجب أن نذكر إنصافاً للمرأة وإقراراً للحق إن المرأة التي لا تتزوج تخدم المجتمع في الغالب بطريق مباشر، طريق الإنتاج والعمل وإصلاح المساوئ الاجتماعية فعمل المرأة البيولوجي لا يصل وحده بالمجتمع إلى الرقي والرخاء وإنما الإنسانية بحاجة إلى مجهودها الموفق واستغلال مواهبها خارج المنزل كما هي بحاجة إلى عملها الخاص داخله. أما ما يقال عن نتاج من يتزوج من المتعلمات تعليما عاليا وان كن الأقلية فهو أن العبرة بالنوع لا بالعدد، وبالكيف لا بالكم. فلو لم تتعلم النساء هذا التعلم لكنا حقا اكتسبنا زيادة في عدد الأطفال ولكنا من ناحية أخرى كنا نفقد الإضافة إلى الإنتاج العقلي والثروة المعنوية، والأطفال الممتازين الذين لا ينجبهم غير الأمهات المتعلمات تعليما عاليا.

أما المشكلة الأخرى وهي زيادة مزاحمة المرأة للرجل فيما لو تعلمت تعليما عاليا فيكفي أن نقول لهدم هذا الاعتراض انه ناتج عن أنانية الرجل فلو لم يكن الرجل أنانياً حقا لما عمل تضحية المزايا المعنوية التي تترتب على تعليم المرأة تعليما عاليا في سبيل الاستئثار بالمزايا المادية بأبعاد المرأة عن ميدان العمل بل هو قد يقدم على اكثر من ذلك فيعمل على أن يحرمها متعة التعليم العالي واللذة الروحية حتى يضمن عدم منافستها المادية في أحد الأيام. إن مثل هذا الاعتراض لا يتفق مع شهامة الرجولة ولا مع إقدام الرجل.