مجلة الرسالة/العدد 291/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 291/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 30 - 01 - 1939



الدكتور طه حسين في ذكرى الأستاذ صادق عنبر

دعت (رابطة الإصلاح الاجتماعي) جمهوراً كبيراً من رجال العلم والأدب والصحافة إلى حفلة أقامتها بدار الجمعية الجغرافية الملكية بمناسبة مرور عام على وفاة المرحوم الأستاذ صادق عنبر. وقد افتتح الحفلة الأستاذ أنطون الجميل بك بكلمة بليغة ثم تعاقب الأدباء والعلماء من أصدقاء الفقيد وتلاميذه والمعجبين بأدبه، فتكلم الأستاذ جاد المولى بك عن شخصيته، والأستاذ الههياوي عن أدبه، وألقيت قصيدة للأستاذ الكاشف، وألقى الأستاذ محمود بيرم التونسي زجلاً رقيقاً، والشاعر الشاب أحمد عبد المجيد الغزالي قصيدة

وكانت الحفلة تليق بذكرى الفقيد الراحل وتدل على أن الأديب يعيش في أدبه العالي ويمتد عمره في أصدقائه الخلصاء

وهنا مسألة لا بد من الإشارة إليها، فقد ذكر الأستاذ الههياوي أن الأستاذ صادق عنبر هو الذي كان يكتب تلك المقالات المعروفة في نقد النضرات للمنفلوطي، وأن الدكتور طه لم يكن له فيها إلا الإمضاء؛ وقد أيده الأستاذ عبد الرحيم بن محمود في هذه الدعوى الجريئة؛ وأذكر أن كاتباً كتب مثل هذا الكلام منذ سنوات في مجلة الزهراء

ونحن بشهادة العيان ننكر هذه الدعوى أشد الإنكار، لأننا كنا مع الدكتور ساعة كان يمليها ويدفع بها إلى الجريدة، وقد ذكرنا في بعض مقالاتنا أسباب ذلك. ولا ندري كيف يسيغ العقل هذا والدكتور طه كان يومئذ أقل من الأستاذ صادق عنبر سنًّا ونفوذا وشهرة. وما الحكمة في أن يكتبها الأستاذ عنبر ويمضيها الدكتور طه وذاك موظف في جريدة (العلم) وهذا أجنبي عنها؟ إن الدكتور طه يأبى عليه طبعه أن يضع اسمه هذا الموضع، وإنا لنعلم أنه نحل كثيراً من الناس مقالات وبحوثاً وكتباً نالوا بها الشهادات والدرجات والثروة

فلم (الدكتور)

تعرض (شركة مصر للتمثيل والسينما) هذه الأيام في مدينة القاهرة شريطاً مصرياً محضاً عنوانه (الدكتور). وبعيد أن أقف هذه الكلمة على العرض والوصف والبحث؛ فإنما الذي في نيتي أن أحدث قراء هذا الباب من (الرسالة) عما خلص لي من قصة (الدكتور). وذلك لأن الذي يعنيني من المظاهر الأدبية والفنية في مصر إنما يرجع إلى الناحية الاجتماعية خاصة

أما تمثيل القصة فيدلنا على أمرين: الأول مهارة الممثلين المصريين في فن (المهزلة) (مثلاً مختار عثمان وفؤاد شفيق)، ولن أنسى ساعة يدخل الخادم الريفي على الباشا وزوجه فيجري حديث صامت يضحك المصلوب. والسبب في ذلك أن التمثيل في مصر قام - أول ما قام - على المسرحيات الهزلية، وأن سليقة المصري إلى الخفة والظرف والمرح والمحاكاة الساخرة ميّالة. وأما فن المأساة فالمصري لا يتقنه بعد لأنه لا يحكم كيف يمثل الإنسان، الإنسان من غير صفة تصفه، الإنسان على سجيّته. وتعليل هذا أنه تجذبه المبالغة في التعبير على الغالب وتعوزه قوة الصدق في الإحساس الدفين أحياناً

والأمر الثاني مضّي الممثلات في طريق الإتقان، من حيث أنهنه طرحن التكلف وسلّمنا بأن التواضع فضيلة وأدركنا أن الكلام الملقى مصدره القلب أو العقل لا الذاكرة ولا الدعابة (الشخلعة). . . وما ضرّ الأستاذ سليمان نجيب وهو بطل القصة (مع لقب بك) لو حذا حذوهن فتحلّى بالبساطة وأطلق وجهه من الإطار الذي حبسه فيه: إطار يغلب عليه الجفاء ويطرد فيه الانقباض مع شيء من العجب؛ إطار يحصر ابتسامة لا تتبدلّ كأنها مسمرة به، ولا تَرِف لأنها على حظ من التقبّض

بقيت القصة (وهي من تصنيف الأستاذ سليمان نجيب). ومجمل القول فيها أنها تصلح موضوعاً لخطبة يخطبها مصلح اجتماعي متطرف. وإليك فقرات من البرنامج المطبوع، وقد ذكرت بحروفها أو بمعانيها في أثناء التمثيل

(فلم الدكتور صراع بين الحب العاطفي والحب الأبوي)، (مشكلة العصر: الرجل، المرأة: أيهما يسسود) (فلم الدكتور يعالج داءً قاسياً داء التماسك بالطبقات والتغاضي عن قيمة الأشخاص) (فلم الدكتور يعيد إلى الريف المصري مجده وعظمته ويرد إليه أبنائه الذين سحرتهم مدنية المدن وبهاؤها البراق الخداع)، (حياة اللهو وحياة الاستقامة: أيهما أفضل)، (حياة الترف في الحضر وحياة البساطة في الريف) الخ. . .

يا الله ما هذا الداء المتفشي في المؤلفين عندنا ولاسيما الذين يؤلفون للمسرح والسينما؟ يريد كلهم أن ينقلبوا وعاظاً. فهل لهم - أصلحهم الله وأبقاهم ذخراً للفضيلة ومكارم الأخلاق؟ - أن يضعوا العمائم على رؤوسهم، أو يجلسوا القلانس على مقدَّمها فيرتقوا المنابر ليوعدوا خلق الله أو يعدوهم؟

ما هذا التهويل؟ الأديب المصلح يشير ويغمز لأن الأدب فن، أو يظن المؤلفون عندنا أن جمهورنا بليد أيةّ بلادة حتى أنه يحتاج إلى التنبيه الصريح؟ ثم ما هذا الادعاء؟ هل سألهم الجمهور أن يسقطوا الفن إلى التأديب؟ وما هذه المشكلات التي يعرضها شريط (الدكتور)؟ الحب العاطفي والحب الأبوي الريف والحضر. اللهو والاستقامة. . . تلك أحاديث طريفة جداً حقاً!

ثم إن مثل هذا اللون من القصص السينمائية الناهضة على الوعظ والنضال الفكري يعوزه أجل العناصر شأناً: الحركة، نقاش وتدافع حجج وتبيين وتدليل، كل هذا ربما صلح للمسرح إلا أنه بعيد كل البعد عن السينما

و (الدكتور) - على هذا - يشمل قطعاً لطيفة بفضل حذق المخرج نيازي مصطفى وجودة الموسيقى على أيدي محمد الشجاعي وعبد الحميد عبد الرحمن ومهارة طائفة من الممثلين (وقد ذكرت بعضهم فوق) والممثلات أمثال فردوس محمد فدولت أبيض فأمينة رزق. فلا عدمنا (شركة مصر للتمثيل والسينما)

على الهامش: - متى يأتي الزمن الذي فيه نزن الكلام؟ ففي البرنامج المطبوع ما حرفه: (فلم الدكتور أروع ما جادة به قريحة مؤلف (هل هنالك غلطة مطبعية فتقرأ: المؤلف) وأعظم ما أخرجته عبقرية مخرج) (كذا). . . رحم الله هوليود!

- كانت لغة القصة العامية على وجه الإطلاق، بل العامية السوقية أحياناً. ومهما يكن من شيء فقد ساء أذني قول الآنسة أمينة رزق (يا دَكتور) (بفتح الدال) و (يا دُكْتر) (باختلاس الواو). وقد يحق لها هذا اللحن لو كانت ترتدي (ملاية لَفّ) والحال أنها تنعم في (فساتين) على جانب عظيم من الأناقة

بشر فارس

معهد للغات الشرقية القديمة والحية

من المسائل التي نظرها مجلس جامعة فؤاد الأول، في آخر الأسبوع الماضي مذكرة من كلية الآداب بمشروع قانون بإنشاء معهد للغات الشرقية

وقد قرر المجلس إحالة المشروع إلى لجنة اللوائح والقوانين لدراسته ووضعه في الصيغة القانونية

وقد علمنا أن هذا المعهد سيضم ثلاثة أقسام: الأول خاص باللغات الشرقية الإسلامية القديمة. والثاني خاص بالغة السامية. والثالث خاص باللهجات العربية القديمة والحديثة. وربما تقرر أيضاً تدريس اللغات الفارسية والتركية والصينية

وسيقصر دخول هذا المعهد على طلاب كلية الآداب الذين يحصلون على درجة اللسانس، وستكون مدة الدراسة فيه ثلاث سنوات. والمفهوم أن تلاميذ قسم اللغة العربية هم اللذين سيمونون المعهد. ولكن سيباح لطلاب الأقسام الأخرى أن يتقدموا إليه إذا تحققت فيهم الشرائط التي تستوجبها الكلية في الطلاب

التعليم الديني في المدارس

قامت وزارة المعارف في خلال العام الماضي بجهود مشكورة للتوسع في التعليم الديني بمدارسها، عاملة على جعله أساساً للنهضة القومية الحديثة، وتنشئة الطلاب على مبادئه وآدابه تنشئة تقوم عليها تقوية الأجيال المقبلة روحاً وعقلاً ونظاماً

وتقوم الوزارة الآن سيراً على هذا النهج بإعادة النظر في هذا الموضوع من حيث الاعتبارات الآتية:

1 - تقدير أثر العناية التي بذلتها الوزارة أخيراً لمناهج الدين

2 - المقارنة بين المناهج الحالية والمناهج السابقة من وجهة خطوات التعديل

3 - الإطلاع على مبلغ عناية المدرسة وتلاميذها بهذه المادة بدراسة تقارير المفتشين

4 - وضع بيان بالموضوعات التي يجب أن تشملها كتب الدين المقررة لمدارس الجنسين، واختبار وفاء الكتب الحالية بهذه الموضوعات

5 - النظر في هل تقتصر العناية بالدين على ما بين المدرس والتلميذ من تجارب يرجع إلى مقدرة كل منهما، أو العمل على جعله مادة أساسية يمتحن فيها الطلبة في آخر العام مثل غيرها من مواد اللغات والعلوم

وتتجه العناية أيضاً إلى اختيار مدرسي الدين من بين الذين أهلتهم ثقافتهم إلى عدم الاعتقاد بوجود تعارض ما أو جفوة بين تطبيق تعاليم الإسلام وبين مقتضيات العصر الحاضر، وهم الذين عرفوا أسرار الدين معرفة عقلية وقلبية دون الوقوف عند حد النظريات

ويطلع كبار مفتشي اللغة بوزارة المعارف الآن على الكتب المؤلفة في هذا الموضوع لإبداء ملاحظاتهم عليها بما يلائم هذا التوسع توطئة لوضع تقرير توجيهي للعناية الواجبة نحو هذه المادة

بعثة ألمانية للأبحاث العلمية في الحبشة

سافر في منتصف يناير من مدينة ميونخ عشرة من أعلام الألمان بينهم الدكتور فون سالفلد الذي اشتغل في الجامعة المصرية أربعة أعوام، في رحلة إلى بلاد الحبشة وكينيا وتنجانيقا، للقيام بأبحاث تتعلق بعلم الانتروبولوجيا وعلم الأجناس والحيوانات، كل هذا لحساب متحف ميونخ الطبيعي

ويرأس هذه البعثة العلامة الدكتور هارتل ماير الذي سبق أن تولى رياسة مثل هذه البعثات من قبل في أفريقيا أو الهند

ولا شك أنها ستجد كل معاونة من السلطات الإيطالية في الحبشة

ترقية الأغاني المصرية

تقوم وزارة المعارف الآن بمشروع هام لإصلاح ناحية لها خطرها في النهضة الاجتماعية العامة عند الشعب، وهي ناحية الغناء والموسيقى. فقد لوحظ من زمن بعيد أنه على الرغم من الخطوات الواسعة التي خطتها مصر في سبيل مجدها وقوتها وثقافتها فإن الجانب الفني منها، والجانب الغنائي على الأخص، لا يزال متأخراً عن الهدف الرفيع الذي تتمشى إليه

ويلخص مشروع الوزارة في أن تعهد إلى طائفة من الشعراء الممتازين تأليف خمسين قطعة غنائية في مختلف الموضوعات التي تفي بما يجب توفره في أغاني أمة قوية معتزة ناهضة، على أن تعهد إلى طائفة أخرى من كبار الملحنين وضع الألحان المناسبة لها

وستترك الحرية لهؤلاء الشعراء والملحنين في القيام بعملهم خاضعين فيه لوحي شعورهم وإلهامهم الخاص؛ وتعطى على القطعة الواحدة عشرة جنيهات للتأليف وعشرة أخرى للتلحين. على أن يتجدد تأليف هذه الأغاني كل سنة حتى يتوفر منها العدد الكافي الذي يقضي على ما هو موجود الآن

وستتبع الوزارة في موضوع (الأناشيد) نفس ما تتبعه في الأغاني، إذ رأت أن الذين يضعونها الآن من ناحية الصناعة لا ناحية الشعور يضرون بالقيمة الفنية التي لو توفرت فيها لأثمرت فيما وضعت له

ترشيح عميد الآداب لعضوية معهد التعاون الفكري

تلقت وزارة الخارجية كتاباً من وزير الخارجية الفرنسية، بوصفه مقرراً لمعهد التعاون الفكري، يرشح فيه صاحب العزة الدكتور طه حسين بك عميد كلية الآداب عضواً في المعهد، لما له من ظاهر في الثقافتين العربية والفرنسية

وينتظر بعد أن توافق مصر على هذا الترشيح، أن يعرض الأمر على سكرتيرية عصبة الأمم لإقراره

المباراة الأدبية بين رجال التعليم

طلبت وزارة المعارف، إلى اللجان الفرعية التي كلفت لدراسة المؤلفات التي وضعها رجال التعليم في مختلف نواحي المباراة الأدبية وبحثها، أن تقدم تقاريرها قبل يوم 18 فبراير القادم

وقد بدأت الرسائل الخاصة بالموسم الثاني لهذه المباراة ترد على الوزارة توطئة لدرسها واتخاذ قرار فيها

التدريب والتكليب

استفاض على ألسنة الكثرة المثقفة قولهم (الكلب هول ومدربه فلان. . .) وهو خطأ لغوي إذ الصحيح أن يقال: (الكلب هول ومكلبه فلان. . .) سواء أرادوا بفلان أن يكون مسلطة على الجناة للدلالة عليهم أو هو الذي ضراه وعلمه طريقة الإرشاد إليهم، إذ بكل من المعنيين وردت كلمة (مكلب) في لغتنا بصدد الحديث عن كلاب الصيد ولا يصح استعمال غيرها في هذا الصدد، وما تسليطه على الجناة للدلالة عليهم إلا كتسليطه للصيد وتعويق المصيد.

وقد جاء في لسان العرب ص 217 من الجزء الثاني (ومكلب مضر للكلاب على الصيد معلم لها؛ وقد يكون التكليب واقعاً على الفهد وسباع الطير. وفي التنزيل العزيز وما علمتم من الجوارح مكلبين.

والكلاَّب - بتضعيف اللام - صاحب الكلاب، والمكلب الذي يعلم الكلاب أخذ الصيد. وفي حديث الصيد: إن لي كلاباً مكلبة فأفتني في صيدها. المكلبة المسلطة على الصيد المعودة بالاصطياد الذي قد ضريت به والمكلب بالكسر صاحبها والذي يصطاد بها)

احمد عبد الرحمن عيسى

مؤلفات موسيقي نابغ

جاءنا من وارسو أنه سيصدر في فبراير القادم الجزء الأول من مؤلفات الموسيقي شوبان البولوني المشهور.

وسيشرف الموسيقي المعاصر المسيو بدرفسكي على إخراج هذه المؤلفات. وينتظر أن يتم إخراجها جميعا في مدى أربعة أعوام

فيا ليت هذا العمل يكون له مشابه في مصر وفي الشرق فنجد من يعنى بإحياء مؤلفات تعد من الكنوز سواء في العلم أو الأدب أو الفن.

ولا يصعب العثور في دار الكتب المصرية على مخطوطات إذا عمل على نشرها وإذاعتها فإنها ستكون موضع عناية أمم العالم وتصبح بمثابة دعاية قيمة تسجل لنا السير في مضمار الأمم الناهضة فعلاً لا قولاً.

أحياء ذكرى العلماء والأدباء

قررت الحكومة التركية إصدار مجموعة من طوابع البريد لمناسبة انقضاء خمسين عاماً على وفاة الشاعر القومي نامق كمال، وستحمل تلك الطوابع صورة وبعض كلمات من شعره