مجلة الرسالة/العدد 292/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 292/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 292
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 06 - 02 - 1939



انتهاء الدورة السادسة لمجمع فؤاد الملكي

عقد مجمع فؤاد الأول اللغة العربية في الأسبوع الماضي آخر جلسة من جلساته في هذه الدورة (وعددها 25) وعقد في المساء جلسته أكمل فيها بعض الدراسات التي يضطلع بها

وشهد الجلسة الختامية الأعضاء جميعاً، عدا أربعة منهم، هم حسن حسني عبد الوهاب باشا، وقد اعتذر من عدم حضور الدورة كلها، والأستاذ أحمد احمد العوامري بك، والدكتور فيشر بسبب تغيبهما لمرضهما، والأستاذ جب إذ سافر إلى وطنه إنجلترا منذ أسبوع

وقد أتم المجمع في دورته السادسة طائفة كبيرة من المصطلحات العلمية قاربت الألف

فأنجز في علوم الأحياء زهاء 250 مصطلحاً، وفي علوم الطبيعة

نوع الحرارة زهاء 200 مصطلح، وفي الموسيقى حوالي 250 مصطلحاً، وفي علم الهندسة نحو 200 مصطلح

وأرجأ إلى الدورة القادمة قسماً كبيراً من المصطلحات في شتى العلوم وفي الاقتصاد السياسي. وستضم المسائل المؤجلة إلى ما تضعه لجان المجمع في الفترة القائمة بين الدورتين الحاضرة والقادمة

أما المصطلحات العسكرية فكان المجمع قد كتب إلى وزارة (الدفاع الوطني) يطلب إليها أن توافيه بما قامت به في شأن المصطلحات العسكرية التي سبق أن وضعتها اللجنة المختصة، غير أنه لم يتلق رد الوزارة حتى الآن. وستنتظر اللجان المختصة هذا الرد لتعد بمساعدة الخبير الحربي المختص ما يمكن وضعه منها تمهيداً لعرضها على المجمع في الدورة المقبلة

ويرى كثير من حضرات الأعضاء ضرورة الأشراف على وضع المصطلحات العسكرية في صيغ عربية صحيحة، استكمالاً لظاهر الاستقلال القومي، وحرصاً على استخدام لغة الدولة

المصطلحات الطبية

كان من أهم الدراسات التي قام بها المؤتمر الطبي العربي، موضوع المصطلحات الطبية في اللغة العربية. وقد رأس الجلسة التي دار فيها بحث هذه المسألة حضرة صاحب العزة محمد العشماوي بك وكيل وزارة المعارف. وقام بأعمال سكرتيريتها صاحب العزة للدكتور عبد الواحد الوكيل بك

وقد أدلى الدكتور الوكيل بك عن الجهود التي قامت بها الجمعية الطبية المصرية في هذا الشأن، إلى أن انتهت بالقرار الذي اتخذه مؤتمر بغداد وهو أن تتصل الحكومة المصرية بجميع البلاد العربية لتأليف لجان البحث المصطلحات والقواميس والمجموعات اللغوية الطبية الموجودة في كل منها، على أن تؤلف لجنة عليا، وتجتمع، في مصر شهراً أو أكثر من كل سنة لاختيار أوفق تلك المصطلحات، بحيث تكون قراراتها ملزمة للجامعات والكليات والمؤلفين والأساتذة في التدريس

وقد ذكر سعادة الدكتور على إبراهيم باشا في هذا المقام قراراً أصدره مجلس كلية عقدت قبيل العيد يتضمن إدخال اللغة العربية بالفعل لتدريس بعض الفروع على أن تكون الإجابة باللغة العربية إجبارية عن الأسئلة التي تلقي في الامتحانات في موضوعات الطب الشرعي والقوانين واللوائح الصحية المصرية. كما قرر المجلس تكليف الأساتذة المصريين بكلية الطب تلقين الطلاب التقارير الطبية باللغة العربية في أثناء تدريسهم العلوم التي تقدم ذكرها باللغة الأجنبية وأشار سعادة الرئيس في هذه الجلسة إلى جهد وزارة المعارف في صدد تعزيز صلات الثقافة والعلم بين مصر والبلدان الشرقية، وأنه قد أنشئت لجنة لهذا الموضوع مضت في طريقها شوطاً بعيداً وقد قرر المؤتمر في هذا الموضوع التوصية بإبلاغ قرارات لجنة المصطلحات إلى مجمع (فؤاد الأول) للغة العربية حتى لا تتعارض أعماله مع قرارات المؤتمر

مدينة في مسقط لا يعرف العالم عنها شيئاً

وصلت البعثة الجيولوجية التابعة لشركة النفط العراقية إلى البصرة وبدأت أعمالها في الأراضي الواقعة في جبل سنام ويقوم مدير البعثة بتعين المواقع المراد حفر الآبار فيها

وقد صرح المدير انه قبل وصوله البصرة، قام بجولة جوية في سلطنة مسقط، اكتشف في أثنائها مدينة آهلة بالسكان ولا يعرف أهل هذه المدينة شيئاً عن العالم كما لا يعرف العالم عنهم شيئاً. وقد ظهر للبعثة التي ارتادت تلك المنطقة للبحث عن النفط أن جبل الأخضر المعروف في مسقط لم يكن سوى كثبان رملية كانت السبب الأول في جهل هذه المدينة واعتقاد الناس بأنه جبل حقيقي تنتهي عنده أطراف تلك البلاد من سلطنة مسقط

معرض المثالين الفرنسيين المعاصرين والمثال مختار

دعت جمعية محبي الفنون الجميلة بعد ظهر الجمعة الماضي رجال الصحافة والفن إلى زيارة معرض المثالين الفرنسيين المعاصريين والمثال مختار بعد أن انتهت من تنسيقه وأعدته للافتتاح. فلما اكتمل عقدهم في الساعة الرابعة والنصف ألقى عليهم المسيو جورج جراب أمين متحف رودان في باريس كلمة استهلها بالإشادة بذكر مصر مهد الحضارة والفنون ولا سيما فن النحت، ثم تكلم عن الفنانين الفرنسيين أصحاب التحف المعروضة

وقد اشتمل هذا المعرض على حوالي 140 قطعة تعد من آيات النحت في العالم منها 28 تحفة للمثال العظيم رودان (1840 - 1917) الذي يعد بحق في مصاف فيدياس نحات اليونان العظيم وميكائيل انجلو الفنان الإيطالي الشهير في عصر النهضة بأوربا

أما بقية القطع فهي لتلاميذ رودان مثل بورديل وديسبيو ومايول وبومبون وديجا الذين يؤلفون مدرسة النحت الحديثة في فرنسا وهى المدرسة التي بلغت أوج العظمة في هذا الفن

وتدل مجموعة تحف رودان على ما امتاز به من مقدرة فائقة على تصوير الحياة في تماثيله، فتسجل للخلود الخواطر المضطربة من عقائد دينية أو حب الوطن أو الحنان الأموي أو لهيب الغرام أو الحقد الدفين أو التفكير العميق وغير ذلك من مظاهر الحياة

وقد نسج تلاميذه على منواله حتى كاد بورديل يضارعه في المقدرة، كما امتاز بومبون بتماثيله عن الحيوان فأودعها من الفن والبراعة كل ما يمكن أن يمثل في الطين والشمع من حياة

وقد رأى المسيو جراب منظم المعرض أن يعبر عن شعوره نحو صديقه مثال مصر المرحوم مختار فخصص جانباً من المعرض لتحف مختار فعرض منها 34 قطعة كانت دليلاً ساطعاً على أن صانعها أول من وفق من النحاتين المصريين المعاصرين للبروز في هذا الفن فكان خير خليفة لأسلافه النحاتين المصريين الذين سموا بفن النحت في عهد الفراعنة إلى ذروة النبوغ

وقد وفق المسيو جراب في عرض تحف مختار مع تحف الأساتذة الفرنسيين الذين أحاطوه بمحبتهم وتقديرهم وأعد للمعرض دليل واف باللغتين العربية والفرنسية اشتمل على نبذة تاريخية عن تطور فن النحت وبلوغه حدا الكمال في هذا العصر في فرنسا، ويلي ذلك وصف مختصر لكل قطعة من المعروضات

تاريخ كلمة أدب

كتب الدكتور عبد الوهاب عزام بالعدد 291 من الرسالة بحثاً قيماً في (تاريخ كلمة أدب) تتبع فيه مراحل استعمال هذه الكلمة إلى عصرنا هذا، في دقة العالم الباحث وإمتاع الكاتب الأديب. بيد أنه قال في افتتاح البحث لا نجد (كلمة أدب) فيما بين أيدينا من الكلام المأثور عن الجاهلين) الخ. . .

ولما كنت قد رأيت هذه الكلمة في كلام جاهلي فقد رجعت إلى مظانها، فرأيت أبا على القالي في الجزء الثاني من الأمالي (ص 104) يورد قصة زواج أبى سفيان بن حرب من هند بنت عتبة. وصف عتبة لأبنته هند أبا سفيان فجاء في وصفه: (يؤدب أهله ولا يؤدبونه) وجاء في رد هند: (وإني لآخذه بأدب البعل مع لزوم قبتي وقلة تلفتي)

وقد أشار إلى ذلك الأستاذ محمد هاشم عطية في مطلع كتابه (الأدب العربي وتاريخه) في نفس الموضوع وبعنوان (تاريخ كلمة أدب). وللدكتور عزام تحيتي وإجلالي

(ع. ح. خ)

غريب

قرأت في عدد 289 من (الرسالة) مقالاً دبجته براعة الأستاذ عمر الدسوقي وقد أعجبني الشعور النبيل والثورة للكرامة المهانة والدفاع عن القومية المثلومة

وأود أن ألفت النظر الأستاذ إلى الغلطة الكبرى التي وقع فيها. إنه دافع عن نفسه خير دفاع وأبان حقيقة المدنية المصرية إبانة لا ينكرها عليه عاقل، ولكنه حط مقام شعوب لها كرامة تعتز بها وقومية ومدنية حافلة زاهرة، فإنه تبرأ من أن يكون (زنجياً أو هنديا ًأو نوبيا ًأو حبشياً) وذلك ظاهر في كلام الأستاذ الفاضل، إذ يقول: (بل إني مصري، تجري في عروقي أنبل الدماء وحسبك أن تعرف أننا من أرقى الشعوب مدنية وحضارة قديماً وحديثا ًولن أقبل من مخلوق مهما تكن سطوته أن يلحقني بهؤلاء الذين ينظر إليهم بعين الازدراء والامتهان وبعدهم دونه في الذكاء والمدنية)

إنني لست في مقام جدال، وفي هذا الموضع لا يمكنني إلا أن أذكر الكاتب الهندي كاراكا وكتابه (إلى الغرب) فإن هذا الشاب عند ما كان يدافع إنما كان يشمل قضية المهضومين كلهم ولا يفرق بين اسود وأدكن وأسمر وقمحي. كلهم سواء استعبدوا واستذلوا ظلماً وعدواناً. وكان الأحرى بأستاذنا أن يحذو حذوه ويدافع عن (قضية الظلم والاستعمار والاستعباد)

لا شك في أن القوم هناك ينظرون إلينا (الملونين) بعين ازدراء والاحتقار ويعتبروننا أقل ذكاء وعقلية منهم، ولكن العلم الحديث برهن على خطل هذه النظرية التي روجها بعض (العلماء التجار) المغرضين كي يجعلوا له حقاً سماوياً منزلاً لاستعباد الشعوب الضعيفة واستعمارها

إن الدافع الذي أملى على الأستاذ كتابة المقال، هو نفسه الذي حفزني لأن أسطر هذه الكلمات التي لا تفي ولكنها تذكرة. إن الحبشي لا يقبل أي إهانة لوطنه، والهندي لن يرضى بطعن في عقليته أو وطنيته. ولا أدري كيف زل قلم الأستاذ هذه الزلة فإن النوبيين قد مصريو الأصل. . . وربما رد الأستاذ هذا القول بقوله إنهم سودانيون. . . وفي هذه الحالة ستزداد دهشتي لأن المعروف لدينا أن مصر والسودان قطر واحد، ولكن السياسة المغرضة جزأته ولعبت فيه ما شاء لها، وأرجو أن يعمل العاملون لرتق هذه الثغرة. والغريب أن كثيراً من فقرات المقال ينافي قوله هذا!

الخرطوم)

(م. ح. ب)

الأندلس الجديدة

لما أخذ الأسبانيون يكتسحون البلاد الأندلسية فلا يدعون في واحدة منها أثراً لما كان فيها للإسلام من سلطان وحضارة اهتزت البلاد الأخرى واضطرب سكانها فارتفعت الأصوات من كل جانب تدعو ملوك المسلمين وأمراءهم لنصرة إخوانهم الأندلسيين. ودفع عادية الأسبان عن بلادهم.

فلما لم تلق الدعوة مجيباً، ولم يتقدم أحد من ملوك المسلمين. منفردا - بنجدة - ولا كان بينهم من الاتحاد واجتماع الكلمة - ما يجعل لهم - مجتمعين، قوة يستطيعون بها للأندلس إنقاذاً - نفذ القضاء وتم للأسبان فيها ما أرادوا.

عم الأسى، وشمل الحزن جميع المسلمين. ففاضت ألسنة شعرائهم وخطبائهم قصائد وخطباً - لا تزال تملأ الكتب وتبعث في النفوس أليم الذكريات - في رثاء الأندلس، والتفجع لمصابها،

أما اليوم فالمسلمون يشاهدون (طرابلس الغرب) تقتطع من بين أقطارهم لتصبح إيطاليا الأفريقية، وتمحي منها آثار العروبة والإسلام لتقوم على أنقاضها صروح الحضارة الرومانية، ويستبدل بإخوانهم فيها عنصر لا يمت إليهم بصلة، ولا يحمل لهم غير البغضاء والطمع فيما يتصل من أوطانهم شرقاً وغرباً بطرابلس الغرب

يشاهدون كل هذا متفرجين، ويقرءون أخباره في الصحف ولكن كما يقرءون أخبار حوادث الشرق الأقصى أو أمريكا الجنوبية، لا يثور فيهم اهتمام ولا يهتز لهم شعور ولا ترتفع بينهم أصوات حتى بالاحتجاج والاستنكار

فهل ينتظرون أن يغمرها الخطب وحينئذ ترتفع أصواتهم ولكن بالرثاء والتفجع والبكاء على الأطلال - أطلال العروبة والإسلام الدارسين - في طرابلس الغرب:

يا طالبي وحدة الأوطان هل طرقت ... أبواب آذانكم ذكرى طرابلُس؟

أيصبح العرب (طلياناً) تضهم ... (روما) و (مكة) في صمٍّ وفي خرس؟

(غزة)

محمد خلفة شعبان الطرابلسي