مجلة الرسالة/العدد 294/القمر بين الحقيقة والخيال

مجلة الرسالة/العدد 294/القمر بين الحقيقة والخيال

ملاحظات: بتاريخ: 20 - 02 - 1939



للأستاذ قدري حافظ طوقان

طرائف وعجائب

لو سار قطار إلى القمر بسرعة خمسين ميلاً في الساعة لوصل إليه في مائتي يوم. ولو وأطلقت قنبلة في الجو بسرعة 1640 قدماً في الثانية لوصلت إليه في ثمانية أيام وبعض يوم. والأمواج اللاسلكية التي تدور حول الأرض في سبع ثانية! تصل إلى القمر في ثانية وربع ثانية!

قد يعجب القارئ إذا علم أن بعد القمر عن الأرض ضئيل جداً إذا قورن بغيره من أبعاد السيارات والنجوم عن الأرض. ويزيد استغرابه إذا قيل أنه على الرغم من هذا البعد الذي يبدو هائلاً بالنسبة للأبعاد الأرضية، فإن القمر هو أٌقرب جسم سماوي إلى الأرض يبعد عنها بمقدار 240000 ميل!. . .

القمر من الأجرام السماوية التي تستمد نورها وحرارتها من الشمس، يدور حول الأرض مرة في كل 28 يوماً، يومه طويل ونهاره طويل، طول كل منهما أربعة عشر يوماً، فنأمل!. . . يشرق متأخراً ويغيب متأخراً خمسين دقيقة ونصف دقيقة عن إشراقه ومغيبه في اليوم الذي تقدمه. يظهر في أشكال مختلفة فمرة نراه هلالاً ومرة نراه نصف دائرة ومرة نراه دائرة كاملة وفي بعض الأحيايين يغيب ولا نستطيع رؤيته. وعلى هذا فالقسم المنير منه يزيد وينقص، يزيد إلى أن يصبح بدراً كاملاً، ثم ينقص إلى أن يطلع مع الشمس فيكون محاقاً. وسبب هذا أن الشمس تنير نصفه كما تثير نصف الكرة الأرضية، وفي أثناء دورانه حول الأرض من الغرب إلى الشرق يكون القسم المظلم متجهاً نحونا إذا صدف أن وقع بيننا وبين الشمس. ثم يتقدم قليلاً نحو الشرق، وهذا التقدم يظهر جانباً صغيراً منه منيراً ويزداد هذا القسم المنير كلما تقدم نحو الشرق إلى أن يطلع من الشرق وقت غروب الشمس وحينئذ يبدو لنا قرصاً منيراً وبدراً كاملاً. ثم يبدأ القمر بإتمام دورته حول الأرض فينقص ما نراه منيراً، وتستمر هذه الحركة والقمر المنير في تناقص إلى أن يطلع مع الشمس فيكون حينئذ وجهه المظلم هو المتجه نحونا ويكون عندئذ محاقاً. ونظراً لقربه منا فهو يبدو كبيراً إلا أنه في الحقيقة صغير بالنسبة للنجوم وبعض الكواكب، فقطره أكبر من ربع قطر الأرض بقليل كما تبلغ مساحته مساحة أمريكا الشمالية والجنوبية. وعلى هذا فجاذبيته أضعف من جاذبية الأرض، والرجل الذي يزن 60 كيلو جراما على سطح الأرض يزن سدس هذا المقدار على سطح القمر. وإذا قدمنا حجراً إلى علو خمسة أمتار هنا، واستعملنا نفس القوة والسرعة فإن الحجر يرتفع إلى علو ثلاثين متراً في القمر، وقد تكون رغبة لاعبي الكرة شديدة في أن تجري اللعبة على القمر إذ يستطيعون رميها وإرسالها مسافة تفوق ستة أضعاف مسافة رميها هنا

ولضعف جاذبيته فهو تقريباً خال من الهواء والماء إذ ليس في القمر قوة جذب كافية لحفظ دقائق الهواء محيطة به فهي (أي الذرات) دائمة الحركة والتصادم بسرعة (450) متراً في الثانية، وليست حركتها في جهة واحدة بل في جميع الجهات، لذا فهي تفلت تماماً من سطح القمر ولا تستطيع البقاء عليه

ولقد نتج عن خلو القمر من الهواء انعدام المياه وعوامل النحت أو التفتت، فلا نرى على سطحه أثراً من ذلك وبقيت الجبال على حالتها الطبيعية لم يحصل فيها أي تفتيت في الصخور ولم تتكون أودية بالمياه الجارفة ويمكن القول أنه عالم قاحل هادئ ساكن خال من أنواع الحركة وعلامات الحياة

ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن خلوه من الهواء أدى إلى تعرض سطحه لحرارة الشمس المحرقة وللبرودة الشديدة، إذ الهواء هو الذي يلطف حرارة الشمس وهو الذي يحتفظ بالحرارة التي تشعها الشمس حائلاً دون خروج الحرارة

وعلى هذا ترتفع الحرارة على سطحه أثناء النهار الطويل ارتفاعاً عظيماً حتى تصل إلى درجة الغليان؛ وقد تزيد حتى تقترب من درجة ذوبان الكبريت، وتهبط الحرارة في الليل الطويل فجأة وتستمر في الهبوط حتى تصل إلى أكثر من (250) درجة فهرنهيت تحت الصفر

وإذا تحادث اثنان على سطحه فلا يسمع أحدهما الآخر فيضطران عندئذ إلى التفاهم بلغة الإشارات، ذلك لعدم وجود أمواج هوائية تنقل الصوت، وأظن أن القمر يلائم الذين يعنون بالمدفعية إذ لو أطلق مدفع في القمر لما سمعه أحد هناك ولما حصل على الأُذن أي أثر ولما اضطر الإنسان إلى استعمال ما يقي أذنه من شدة الأمواج التي يحدثها صوت المدافع القمر يعوق حركة الأرض

كانت الأرض قبل وجود القمر تسير حول الشمس في مدة أربع ساعات أي أن يوم الأرض كان أربع ساعات ولم يكن أربعا وعشرين ساعة كما هو الآن!

لقد زاد القمر في طول يوم الأرض، فما السبب في ذلك؟ لكل شيء سبب، وكل ما في الكون يسير ضمن نواميس لا يتعداها. ولقد استطاع الإنسان بفضل ما وهبه الله من القوى العقلية أن يكشف عن السبب ويعرف المجهول في بعض الحالات، وهو لا يزال سائراً في ذلك، وقد كشف من القوانين الكونية والأنظمة الطبيعية ما أمكنه الوقوف على كثير من عجائب الكون وروائعه.

استطاع الإنسان أن يحسب سرعة القمر حول الأرض فوجدها 2300 ميل في الساعة، كما ثبت له أن القمر يدور على محوره مرة واحدة كلما دار حول الأرض مرة واحدة في 28 يوماً ورأى في الجاذبية ما يفسر له الإعاقة التي يحدثها القمر على حركة الأرض فثبت له أنه لولا قوة الجذب بين القمر وبين الأرض لاستمر في سيره على خط مستقيم، ولأصبح بعيداً عنا الآن ملايين الأميال

ولكن هذه القوة المستمرة، هي التي تغير اتجاه سيره وهي التي تجعله يسير في خط منحن (فلك) حول الأرض على الكيفية التي نعرفها

إن الجاذبية بين الأرض والقمر متبادلة، فكما أن الأرض تجذب القمر وبينهما قوة تجاذب تجعله يسير في مسار منحن حول الأرض، فكذلك القمر يجذب الأرض وبينهما قوة تجاذب، وهذه القوة أثرت على الأرض ولا يزال أثرها يعمل فيها (في الأرض) إذ أبطأت حركة الأرض وجعلت دورتها حول نفسها تستغرق 24 ساعة بدلاً من أربع ساعات!

وعلى أساس قانون الجاذبية العام الذي ينص على أن قوة التجاذب بين جسمين تتوقف على مقدار كتلتيهما وعلى المسافة بينهما - أقول على هذا القانون حسب العلماء وزن الأرض وغيرها من الأجرام السماوية. فلقد حسبوا وزن الأرض من جذبها طناً من الرصاص (مثلاً) أو من جذبها القمر أو غيره من الكواكب

وهكذا توصل الإنسان بفضل قانون الجاذبية وبفضل ما أخرجته (الرياضيات) من معادلات ونواميس من الإتيان بالعجب العجاب وبالسحر يخلب الألباب!. . .

القمر والتجارة

ما علاقة القمر بالتجارة؟ أو ما علاقة التجارة بالقمر؟ وهل القمر يساعد على التجارة أو يعوقها؟

إن للقمر أكبر الإثر في أحداث المد والجزر، ولولاها لما كان في الإمكان أن تدخل البواخر إلى الموانئ أو أن تخرج منها. ومن هنا تتبين لنا علاقة القمر بمصالح الناس واتصاله الوثيق بها. ويذهب بعض الفلكيين إلى أن هذا الاتصال قوي إلى درجة أن القمر في نظرهم هو من عوامل تقدم المدنية وارتقائها، فإذا تلاشى من الوجود أو بعد كثيراً عن الأرض اضطربت التجارة واختل نظامها.

يحصل مدان وجزران في كل يوم؛ والمد هو ارتفاع الماء والجزر هو انخفاضه. ويحدث ذلك من جراء الجاذبية بين الأرض والقمر، هذه الجاذبية ليست من القوة بحيث تجعل دقائق الأرض تتحرك، ولكن مياه البحار تطيعها حسب قوتها وتتجمع في البحر من هنا ومن هناك تجاه القمر، ومن هذا وبتأثير الشمس يحصل المد والجزر. وكثيراً ما نسمع بأن للقمر علاقة بالزراعة، ولكن إلى الآن لم يثبت شيء من هذا. ولا غرابة في ذلك إذا عرفنا أن الزراعة تتأثر (قبل كل شيء) بالحرارة، فالشمس تؤثر على النبات بحرارتها. أما حرارة القمر فهي من الضآلة بحيث أنها لا تحدث أي تأثير يذكر على النبات أو على غير النبات

ولقد قاس الفلكيون حرارة القمر وهو بدر كامل فوجدوها لا تزيد على جزء واحد من 185 ألف جزء من الحرارة التي تخرجها الشمس إلينا

وقد جرب العالم الفلكي (فلاماريون) عدة تجارب في ضواحي باريس ليتحقق مما إذا كان للقمر أي تأثير على المزروعات، فزرع بعض الخضر كالفول والبطاطس والجزر في أوقات مختلفة تطابق اوجه القمر الأربعة فلم يثبت لديه أقل تأثير في نموها. وإذا كان هناك تأثير للقمر في النبات فقد يكون من الزوابع والعواصف التي يثيرها القمر بجاذبيته للأرض

القمر والبحار إذا نظرنا خلال التلسكوب إلى القمر فأنا نراه غير مستوٍ كثير الارتفاعات والفوهات البركانية. ويقال أن عدد هذه الفوهات يزيد على ستين ألفاً يبلغ قطر بعضها 140 ميلاً وعمق البعض الآخر 18 ألف قدم. أما الارتفاعات فهي سلاسل لجبال كثيرة، فهناك من السلاسل ما يمتد إلى أربعمائة وخمسين ميلاً، ومنها ما يشتمل على أكثر من 3000 قلة أعلاها جبل (هيجنز) ارتفاعه 21000 قدم وهو أعلى من (أفريست) أعلى جبال الأرض. وكذلك يوجد على سطحه سلسلة تعرف باسم (الألب) تشتمل على 700 قنة من قنن الجبال ولها وأد طوله أكثر من ثمانين ميلاً وعرضه يزيد على خمسة أميال

ولهذه الجبال ميزات لا نجدها على جبال الأرض، منها عدم وجود مغاور وكهوف ومنها جمال مناظرها الخلابة وما لها من ظلال تفي على ما تحتها من صحارى. هذه الجبال سهلة التسلق لا يجد الإنسان صعوبة أو مشقة في السير عليها أو التسلق إلى أعلاها، بل يشعر بخفة وسرعة ما كان ليشعر بهما لو كان يتسلق جبال الأرض. وإذا صدف أن زلت قدماه وهوى من محل عال فلا أذى يصيبه، ولا ضرر يعتريه. وقد يستغرب القارئ من هذه التفصيلات، وقد يختلط الأمر عليه فيظن أن القمر موطن المعجزات وموطن السحر. ولكن لا معجزات ولا سحر، فكل ذلك آت من ضعف جاذبية القمر إذ قوة التثاقل تعدل سدس مقدارها على الأرض

هذه هي التي تجعل المستحيل هنا ممكناً هناك (على القمر)، وتجعل المعجزة هنا أمراً عادياً هناك، وتجعل من الحركات الصعبة هنا سهلة هناك باستطاعة من (يزود نفسه بالأكسجين) وغير ذلك من الألبسة الواقية من الحر الشديد والبرد الشديد - أن يقوم بها ويتفنن فيها

وفي القمر أودية كثيرة يربو عددها على عشرة آلاف واد، منها ما هو واسع جداً كالسهول الفسيحة ومنها ما هو ضيق فيبدو كمجاري الأنهار

وإذا نظرنا إلى القمر حينما يكون بدراً واستعملنا نظارة صغيرة لذلك رأينا أنه ملئ بالبقع المنيرة التي هي جبال عالية، وبقع أخرى مظلمة هي سهول فسيحة. وقد ظن العلماء في أول الأمر أن هذه البقع المظلمة بحار فسميت بأسماء البحار كبحر الزمهرير وبحر الرطوبات وبحر الخصب وبحر الرحيق وبحر الغيوم وعلى ذكر البقع يقول أحد الفلكيين أن هذه البقع لم تعرف إلا عند اختراع النظارات، ولكن رأيت في الشعر العربي ما يدل على أن العرب عرفوا هذه البقع المظلمة قبل اختراع النظارات

من ذلك ما قاله التهامي:

فبات يجلو لنا من وجهها قمراً ... من البراقع لولا كلفة القمر

القمر من الأرض

لاحظ العلماء أن كثافة القمر تقرب جداً من كثافة الصخور الموجودة في أعماق الأرض، وثبت لديهم أن العناصر التي يتألف منها القمر هي نفس عناصر جوف الأرض؛ ومن ذلك تحققت النظرية القائلة بأن القمر كان يوماً من الأيام جزءاً من الأرض انفصل عنها من المكان الذي هو اليوم قاع المحيط الهادي؛ وهذا يطابق رأي العالم الإنكليزي (جينز) الذي يرى أن التوابع أو الأقمار ليست إلا قطعاً انتزعت من السيارات كما انتزعت السيارات من الشمس على أثر سلسلة من الحوادث تشبه أن تكون واحدة في الحالين

أما الدكتور علي مصطفى مشرفة بك فلا يميل إلى هذا الرأي ولا إلى الأخذ به لأن الأرض (على رأيه) كانت في حالة سيولة عندما انفصل القمر عنها

وقد يكون من الطريف أن يعرف القارئ أنه لما انفصل القمر عن الأرض وافلت إلى الفضاء نشأ (على رأي الأستاذ بكرنج) انفصال أمريكا عن أوربا فكان الأوقيانوس الأتلنتيكي وكان ذلك عندما كانت الأرض مائعة أو شبه مائعة

اقتراب القمر

قد يظن البعض أن اقتراب القمر من الأرض مما يزيدها جمالاً ومما يغمرها بهاء وسناء وسحراً، ومما يجعل الإنسان يتمتع بنوره وبأشعته الفضية أكثر من تمتعه الحاضر. قد يكون هذا الظن في محله فينعم الإنسان حينئذ بمناظر القمر ويجد فيها كل الجمال وكل المتاع

ولكن ذلك لا يكون إلا بثمن؟ وعلى حساب كوارث وبلايا تصيب الأرض من اقترابه منها. فعلى فرض أن هناك من العوامل ما يقرب القمر من الأرض وما يجعله على بعد ستين ألفاً من الأميال فقط فحينئذ يزيد المد والجزر 64 مرة. وإذا كان ارتفاع المياه عشرة أمتار فسيصبح 640 متراً وستغمر الموانئ والمدن وما يجاوزها، وقد يلتقي من جراء ذلك البحران الأبيض والأحمر ولا ينجو من اليابسة إلا القليل كالجبال والربوات العالية

وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل يتعداه إلى الملاحة فلا تعود تأمن سلوك البحار ودخول الموانئ.

منظر الأرض من القمر

إذا تصورنا أنفسنا على سطح القمر ولدينا ما يلزمنا من الأكسجين وما يقينا من الحر والبرد فكيف نرى منظر الأرض؟

وهنا يختلف الوضع عن منظر القمر من الأرض، فلا إشراق ولا مغيب لأن أحد وجهي القمر يبقى متجهاً إلى الأرض دائماً، وأذا اتفق أن ذهبنا إلى الوجه الآخر فلا نستطيع رؤية الأرض بحال ما، وتبدو الأرض كالقمر ولكن أكبر منه، لا تغير مكانها في الفضاء تظهر في بعض الأحيان مظلمة وفي أحيان أخرى منيرة كلها أو نصفها أو ربعها. أما جمالها فيتجلى عندما تكون بدراً إذ يكون ضوءها شديداً أخاذاً.

أما السماء المحيطة بنا ونحن على سطح القمر فغير السماء التي نعرفها، لا شفق هناك ولا سراب، ولا سحب ولا ضباب، نرى الشمس على حقيقتها كرة هائلة في سماء حالكة الظلمة شديدة السواد، ضروها ساطع، ولونها إلى الزرقة مائل. قد يبدو هذا غريباً، ولكن ليس في هذا أي غرابة، فلا جو حول القمر يشتت الضوء ويحلله إلى ألوانه، ولا امتصاص ولا انعكاس لهذه الألوان. وهذا ما يجعل السماء تبدو سوداء ليس فيها ما نراه في سماء الأرض من جمال فاتن وألوان مختلفة خلابة.

نرى القمر عالماً هادئاً يطيب للمفكرين فلا زوابع ولا عواصف ولا غبار تعكر السكينة وتفسد الهدوء، عالماً يكتنف الجبال الكثيرة ويحوي الوديان والفوهات العديدة حيث لا مدن ولا غابات، ولا حقول ولا بحار

القمر والشعراء

لا تعجب من هذا العنوان: فهناك علاقة وثيقة بين القمر والشعر، وكيف لا يكون هناك علاقة والقمر هو الجرم السماوي الذي لفت أنظار الشعراء وشغلهم، وهو الوحي الذي يستهلون منه، كما أنه المعين الذي يغرف الأدباء منه الخيال؛ وقلما تخلو قصيدة غزلية من التشبيه به أو التحدث عنه. لا يفارق مخيلتهم، يأخذون من تزايده ونقصانه ومن اكتماله بدراً ومن أشعته الفضية - ميداناً لنظم الشعر ومسرحاً للأدب الرفيع

ولا أدري لماذا كل ذلك؟

إني على يقين أنهم (الشعراء والأدباء) غاضبون حانقون لما ورد في هذا المقال من حقائق، وأقول كما قال الأستاذ توفيق الحكيم (إن كل الجمال المحيط بنا إنما هو من صنع عيوننا القاصرة. والويل لنا إذا أبصرت أعيننا الآدمية أكثر مما ينبغي لها أن تبصر. . .)

ولئن أبصرت عيوننا أن القمر خال من الهواء، وإن نهاره محرق وليله بارد لاذع، وإن أشعته مستمدة من الشمس وهي أشعة أكذب من سواد الخضاب في اللمة البيضاء

ولئن أدى البحث إلى أكثر من هذا فصنع لنا عيوناً نبصر بها فوهات براكينه المخيفة، ووديانه الموحشة، وأراضيه المقفرة؛ أقول لئن أبصرت عيوننا كل هذا وفجعتنا في القمر، فلقد دلتنا عيون العلم الحادة إلى ما هو خير منه وأبانت لنا الشمس على حقيقتها وأماطت اللثام عن روائع كثيرة ما كنا لنعرفها أو نبصرها بعيوننا الآدمية القاصرة

كشفت لنا عن الشمس وأنها باعثة الجمال على القمر ومصدر الحياة على الأرض، ولولاها لما دارت الأرض ولا دار القمر

فلماذا إذن لا يتغنى بها الشعراء والأدباء؟ ولماذا ينكرون عليها خيراتها وبركاتها

ولئن جحد الشعر والأدب افضال الشمس عليهم وعلى الناس فلقد انصفها العلم ورعى حقها وبوأها مكانها اللائق بها وبما تسديه إلينا من نعم لا تحصى ولا تعد

وأخيراً أعزى الشعراء عن حبيبهم القمر بقول المتنبي:

لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه

(نابلس)

قدري حافظ طوقان