مجلة الرسالة/العدد 303/اكتشاف أشعة جديدة

مجلة الرسالة/العدد 303/اكتشاف أشعة جديدة

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 04 - 1939



اكتشف الأستاذ ألفريد توما مدير معهد الشرق - أشعة ايثيرية واصله إلى أرضنا من مصدر الكون الأعلى وقد ألقى عنها محاضرة بالحفلة التي أقيمت بالدار الماسونية الكبرى مساء يوم الخميس 30 مارس سنة 1939 حيث تكلم عن حياتنا القادمة في العالم الأيثيري وعن مصدر الأشعة الأيثيرية التي اكتشفها وقد اثبت منافع اكتشافه للطب في مختلف الأمراض كالروماتزم، والشلل الحديث، والتهاب المفاصل، والربو، وكثير من الأمراض الصدرية؛ فعرضت عليه في نفس الجلسة مرضى بحالات مستعصية ومزمنة فأتت في الحال بنتائج حسنة كانت موضع إعجاب ودهشة الحاضرين من الأطباء والخبراء وضباط البوليس وأساتذة المحفل الماسوني وغيرهم، مما حمل الكثيرين للتوجه لإدارة معهده الكائن بشارع الخليج المصري 719 بغمرة لتحقيق بعض التجارب في حالاتهم المستعصية، ومما يؤيد هذا توقيعات بعض الحاضرين من ذوي الحيثيات والشخصيات البارزة:

الدكتور أيفانوف، الدكتور سليم إبراهيم، اللواء علي باشا شوقي، القطب الأعظم، طه أفندي السيد (الضابط)، الأستاذ نسيم فهمي ميخائيل (مدير كلية أكسفورد)، الأستاذ عباس غالب (المدرس)، الأستاذ نصيف ميخائيل (المحامي)، محمد بك سعيد هيبه (مفتش عام مصلحة التلغرافات)، الأستاذ سعيد بخيت (الخبير بالمحاكم الأهلية)

ما هي الحياة وكيف ظهرت على الأرض؟

غريزة الخير والشر

وكيف نشأت في الإنسان والحيوانات الاجتماعية؟

للأستاذ نصيف المنقبادي

تتبعت بإمعان المقالات الممتعة التي يتحف بها العالم الأخلاقي المحقق الأستاذ محمد يوسف موسى قراء الرسالة. ولكني رأيت فيها المفكرين والفلاسفة حيارى لا يدرون كيف يعللون قيام الأخلاق أو الغريزة الأخلاقية في الإنسان تعليلاً صحيحاً، وهم يتخبطون في البحث عن مصدرها الحقيقي، شأن كل تحقيق لا يستند إلى العلم ولا يدخل في حسابه نواميس الطبيعة وفعل العوامل الطبيعية ولا يقوم على المشاهدة والاختبار. وقديماً كانت المذاهب التي لا تستند إليهما، بل الفلسفة كلها (عدا الفلسفة اليونانية وفلسفة ابن رشد المأخوذة عنها) حجر عثرة في سبيل تقدم العلم، وهو - أي العالم - لم ينهض نهضته العظيمة الحالية إلا حينما تحرر من تلك المذاهب القديمة وأساليبها العقيمة البالية ووقف أمام الطبيعة يستقصي منها رأساً النواميس التي تدير الكون بأسره بما فيه كرتنا الأرضية المتواضعة، وما عليها من ظواهر ومواد متنوعة، منها الكائنات الحية والبشر وخواصها وتفاعلاتها وطبائعها منفردة ومجتمعةً

لهذا رأيت أن أبين هنا رأي علم البيولوجيا في الأخلاق باعتبارها ظاهرة طبيعية قائمة في الإنسان وفي الحيوانات الاجتماعية الأخرى كالنمل وغيره

وفي الوقت نفسه سيأتي هذا البحث مكملاً لما جاء في المقالات الأخيرة التي نشرناها على صفحات الرسالة عن وحدة الكائنات الحية (بما فيها الإنسان) والجمادات واشتقاق الأولى من الثانية وكيف أنه لا يدير الأحياء ولا يعمل فيها إلا النواميس الطبيعية، وأن جميع ظواهر الحياة حتى التفكير والغرائز (ومنها الغريزة الأخلاقية التي سيأتي الكلام عليها) والقوى العقلية على العموم ليس لها إلا مصدر واحد وهو الغذاء أو بالأحرى الطاقة الكيميائية الكامنة في مادة الغذاء كما شرحنا ذلك كله بالتفصيل في مقالاتنا الأخيرة.

الحياة الاجتماعية منشأ الغريزة الأخلاقية

كان أجدادنا البعيدون اللذين تسلسلنا منهم يعيشون فرادى في الغابات يتسلقون أشجارها ليقتاتوا ثمارها، ثم في المغاور والكهوف في العصر الجليدي الذي دام نحو مائة ألف سنة، فكان الواحد منهم عرضة لجميع أنواع المهالك كهجمات الحيوانات المفترسة لا يستطيع أن يردها بمفرده، كما أنه كان يعجز عن القيام بالصعب من الأعمال في سبيل الحصول على غذائه كصيد فريسة كبيرة مثلاً، أو في سبيل تهيئة مأوى صالح له

ولكنهم لحظوا، مع مرور الزمن، أنه كلما سار فريق منهم مجتمعاً سهل عليه التغلب على العدو المهاجم واستطاع القيام بالأعمال التي لا يقوى عليها الواحد منهم منفرداً

وهكذا دلتهم خبرتهم شيئاً فشيئاً مدة ألوف السنين على أن بقاءهم مجتمعين أجدى عليهم وأصلح. وهذا هو منشأ الحياة الاجتماعية وأول صورة من صورها

غير أن اجتماعاتهم هذه كانت في بادئ الأمر قصيرة الأجل لأن الواحد كان يبطش بالآخر كلما سنحت له الفرصة ليستولي عنوة أو خلسة على إناثه أو ما يكون قد حصل عليه من فريسة أو غذاء أو مأوى أمين، فلا تطيق الجماعة الحياة المشتركة، ولا يلبث أفرادها حتى يتفرقوا تخلصاً من اعتداء بعضهم على بعض. وحينئذ يشعر كل منهم بضعفه وهو منفرد أمام الأخطار التي تهدد حياته في كل حين وأمام الصعوبات التي يلاقيها في سبيل الحصول على غذائه

وهنا تدعوهم الظروف الطارئة مرة أخرى إلى مقاومة عدو قويّ أو زحزحة صخرة ضخمة، أو مهاجمة فريسة كبيرة، ثم يتشتتون، ثم يجتمعون، وهكذا. وفي كل مرة يزدادون اقتناعاً - أو بعبارة أصح - يزدادون شعوراً بفوائد الحياة الاجتماعية ومزاياها لكل واحد منهم

وأخيراً فطنوا إلى أنه لا بد لبقائهم مجتمعين من اتباع بعض قواعد كانت في أول الأمر على أبسط صورها مثل احترام حياة الغير وإناثه وملكيته. وهذا هو بدء ظهور الأخلاق بين أفراد النوع الإنساني، وهي كما ترى وليدة المنفعة - منفعة الجماعة وبالتالي منفعة كل فرد منهم على حدة - فمنفعة الجماعة أو الهيئة الاجتماعية هي أساس الأخلاق، فهي التي دعت إليها وحملت الناس على اتباعها والتحلي بها، لأن الحياة الاجتماعية التي اقتنع بنو الإنسان بفوائدها وجنوا ثمارها لا بدّ للمحافظة عليها من احترام حياة الغير وملكيته وغير ذلك من القواعد التي سُمَّيت بالأخلاق، وإلا اضطر كل فرد أن يهرب من غيره فتضيع عليهم تلك المزايا، مزايا الحياة جماعة

وعلى هذا النحو تكوّنت الجماعات القليلة العدد ثم العشائر ثم القبائل ثم الشعوب. وكلما زاد ارتباط الأفراد وعاشوا مجتمعين تقدمت الروح الاجتماعية أو روح التضامن وارتقت الأخلاق واتسعت قواعدها ورسخت أصولها في النفوس إلى أن أصبحت غريزية في الإنسان أو كادت. ذلك لأن كل صفة مكتسبة تصبح غريزةً مع الاستعمال والاعتياد ومع انتقالها بالوراثة من جيل إلى جيل ومن نسل إلى نسل. وهذه هي ماهية الغريزة كما عرفها هربرت سبنسر وإدمون برييه وغيرهما من علماء البسيكولوجيا والبيولوجيا. فإذا درّبنا مثلاً الكلاب العادية على الصيد وفعلنا هذا مع ما يتعاقب من نسلها فإن الأمر ينتهي بنا إلى أن نحصل على نسل من الكلاب يعرف بغريزته أساليب الصيد ومقتضياته بلا أي تدريب.

وما كلاب الصيد المعروفة الآن بهذا الوصف إلاّ كلاب عادية تدرّب أجدادها على تلك الصفة إلى أن أصبحت غريزة فيها

ومن أهم العوامل التي قربت بين أفراد النوع الإنساني في بادئ الأمر ظرف طارئ طبيعي محض هو قيام العصر الجليدي الأمر الذي اضطر أفراد الإنسان أن تلجأ إلى المغاور والكهوف لتتقي البرد القارس الذي اشتد في ذلك العصر البعيد. ونظراً لأن عدد تلك الملاجئ كان محصوراً عاشت الناس فيها بطبيعة الحال جماعات جماعات. وإلى ذلك العصر يُعزى تعلم الناس تغطية أجسامهم بجلود الحيوانات الأخرى ليحموا أنفسهم من البرد الشديد. فترتب على ذلك من جهة قيامُ غريزة الحياة فيهم، ومن جهة أخرى زوال معظم الشعر الذي كان يُغطي أجسامهم

وحين وصل النوع الإنساني إلى درجة تذكر من التفكير نشأت الأنظمة السياسية البسيطة والشرائع الأولية فزادت في تقريب الناس بعضهم من بعض، وتوثيق عرى الروابط الاجتماعية بينهم، ونظمت قواعد الأخلاق ورغّبت الناس فيها بما صورته لهم من العقاب لمن خالفها والثواب لمن اتبعها

ومن الأسباب التي ساعدت أيضاً على ربط الناس بعضهم ببعض التجارة والمعاملات وتبادل المحصولات والصناعات بين الأفراد والجماعات

ومن العوامل القوية في تحضير الجماعات البشرية وتمدينها ووضع حد لحالة البداوة والتنقل، الزراعة وما تستوجبه من البقاء في الأرض لرعاية المزروعات وجني محصولاتها. ولا يفوتني أن أنوه هنا بفضل نهر النيل العظيم وفيضاناته السنوية وما يعقب كل فيضان من خصوبة في الأرض لا مثيل لها، وأن بعض علماء الاجتماع يرى أنه هو الذي علم الناس الزراعة، ولذلك كانت مصر منشأ المدنية وأصل الحضارة في العالم

ثم ارتقت الحياة الاجتماعية فنشأت فوق الغريزة الاجتماعية (التي بين مظاهرها القومية أو الوطنية) عاطفة جديدة في الأمم الراقية هي عاطفة الإنسانية أي حب مجموع البشر بلا تمييز بين الأجناس والملل، كما وجدت فوق القواعد الأخلاقية الأصلية التي أصبحت غريزية أو كادت على الوجه المتقدم بيانه، ما يسمونه بآداب السلوك وقواعد التربية وحسن المعاملة وبالجملة فإن الأساس العلمي الصحيح للغريزة الأخلاقية أو غريزة الخير والشر إنما هو المصلحة - مصلحة المجموع قبل كل شيء - وعلى هذا يكون التعريف الطبيعي للفضيلة أنها كل ما يعود على المجتمع الإنساني بالخير، والرذيلة كل ما يلحق به من الضرر. وفي مصلحة المجموع مصلحة كل فرد على وجهها الصحيح كما تقدم بيانه

على أن الغريزة الأخلاقية قد رسخت الآن في نفوس الأمم المتمدينة وعلى الأخص في شمال أوربا، وتجردت في الظاهر من صفتها المصلحية أو النفعية إلى حد أن أصبحت تلك الشعوب تحب الفضيلة لذاتها وتمقت الرذيلة وتنفر منها لأنها رذيلة ليس إلا

وليس النوع الإنساني هو النوع الاجتماعي الوحيد بين الحيوانات، فإنه توجد أنواع أخرى أعرق منه في الحياة الاجتماعية وأقدم مثل أنواع النمل التي تغلبت فيها الغريزة الاجتماعية وبالتالي الأخلاقية على الفردية أو غريزة حب البقاء. فترى أفراد تلك الأنواع تقوم بأشق الأعمال مثل حفر السرادب تحت الأرض، أو البحث عن الغذاء، ونقله المسافات الطويلة وادخاره لمصلحة المجموع. وهي تفعل هذا في نشاط، وبمحض إرادتها دون أن يأخذها الكلل أو الملل، ودون أن يكون عليها رقباء منها يدفعونها إليه. بل هي الغريزة الاجتماعية، وما يتبعها من الغريزة الأخلاقية، التي تحملها على ذلك. وكثيراً ما تضحي أفراد النمل بنفسها، وتقدم حياتها عن طيب خاطر إذا ما دعت مصلحة الجماعة إلى ذلك، وهي تتحلى بهذه الفضائل الحميدة بفطرتها الغريزية نتيجة حياتها مجتمعةً مدة ملايين السنين منذ أوائل العصر الثاني من الأعصر الجيولوجية.

أما النوع الإنساني فلم تتمكن فيه بعد الغريزة الاجتماعية والأخلاقية إلى هذا الحد، لأنه حديث العهد بالحياة الاجتماعية حيث أنه لم يمض عليه إلا نحو مائتين وخمسين ألف سنة، وهو على هذا الحال لأنه ظهر في أواخر العصر الثالث.

وخلاصة القول أن الأخلاق ليست وليدة تعاليم خاصة، ولا هي وقف على مذهب دون آخر أو طائفة دون غيرها، وإنما هي ظاهرة طبيعية تطرأ على الحيوانات الاجتماعية مثل الإنسان والنمل نتيجة لازمة لحياة أفرادها جماعة، وقد أصبحت غريزة متأصلة في أنواع النمل، وهي غريزة في دور التكوين في النوع الإنساني

على أن الأخلاق سوف تتأصل في الإنسان مع مرور الزمن الطويل، وترتقي بارتقاء حياته الاجتماعية فيأتي يوم في المستقبل يسود فيه التضامن التام بين الناس وتعم الروح الاجتماعية ويزول الشر من النفوس، وتمتنع الجرائم والحروب وتنتشر الفضيلة، ويصبح الإنسان مطبوعاً على الخير وحب المجموع بغريزته وتقفل المحاكم والسجون أبوابها.

وقد تزول الحكومات على ما يتوقع هربرت سبنسر، وغيره من علماء الاجتماع، ويخلص الناس من نير الأحزاب السياسية ومساوئها وغرور زعمائها وعبثهم بعقول الناس، وتمجيد الجماهير البلهاء لهم؛ ويكون العلم قد قهر الأمراض، وعالج الشيخوخة، وتغلب عليها (وما هي إلا مرض كسائر الأمراض الأخرى، عبارة عن تسمم تدريجي نتيجة التغذية يضاعفه فعل كريات الدم البيضاء المفترسة) فتطول حياة الإنسان، وقد يمتنع الموت وهو ليس بنتيجة لازمة للحياة بدليل الحيوانات والنباتات الخالدة، وهي الأحياء الأولية ذات الخلية الواحدة، مما سنشرحه في مقال قادم. ويكون بنو الإنسان قد حلوا المشكلة الاجتماعية الكبرى الخاصة بتوزيع العمل وخيرات الطبيعة بينهم توزيعاً عادلاً، فيعيش البشر في سلام ونعيم دائمين، ذلك النعيم الذي ظلوا العصور الطويلة يحلمون به ولن يحققه لهم إلا العلم.

نصيف المنقبادي المحامي

دبلوم في الفسيولوجيا العليا الحيوانية والنباتية

من كلية العلوم بجامعة باريس (السوربون)