مجلة الرسالة/العدد 303/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 303/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 04 - 1939



دكتاتورية هتلر - للكاتب الألماني توماس مان

قد يفاخر فاتح برخستجادن (هتلر) بأنه حمى الشعب الألماني، وأحرز فوزاً وإنتصاراًعظيمين، دون أن يشهر سلاحاً أو يريق قطرة من دماء

فإذا كان هذا مبلغ فخاره، فيحق لي أن أسأل: في أي لحظة عرف أنه قد أمن عواقب عمله، وأنه نجا من حملة لا تخفى عواقبها على أحد؟ فإن الأمر كان يستدعي أن تهب فرنسا لمناصرة الأمة المحالفة لها، وهنا تقع الكارثة

من المحتمل أن يكون قد عرف ذلك، ولكن بعد كل إنسان! فقد ظهر أخيراً أن تحذير جورنج وموسوليني له في الأيام الأخيرة من سبتمبر كان ضرورياً لمنعه من الانزلاق بأمته نحو الهاوية، فيدفعها إلى حرب لا يستطيع أن يصمد لها وهزيمة محققة، رأيا من الشفقة أن يحمياه شرها. ومما يقال على ما فيه من السخرية، إن بعض الفاشست من الإنجليز قد توسلوا إليه أن يتفضل بقبول النجاة التي تعرض عليه!

إن الحكام الإنجليز لا يريدون أن يوقعوا كارثة بالفاشست ولا يودون ذلك على الإطلاق. إنهم لا يريدون الحرب، لأنهم يكرهون أن يحرزوا فوزاً تشاطرهم روسيا فيه؛ ولميلهم إلى السلام قد ظهروا أمام العالم الجزع بمظهر المخلصين المنقذين. وإلا فقد كان من المنتظر أن تحل الكارثة بإيطاليا وألمانيا في أربع وعشرين ساعة، ولكن الإنجليز هم الذين أبوا ذلك. لم يسمح لهتلر أن يحطم الفاشية. ومع ذلك فهو يزعم أنه نال كل شيء بغير عنف، وهو مهدد بالدمار لو استعمل شيئاً من ذلك

أيها المنتصرون المباهون، أنتم لا شيء. إننا لا نعد أنفسنا قد انهزمنا وخرجنا من الميدان. . . إن العقل والروح قد اعتادا الاضطهاد في هذه الأرض منذ آلاف السنين، ولكنها لم يهزما ويقتلا بمثل هذا الانتصار

لا تخف! إن الحق والفكر قد يخمدان لحظة قصيرة، ولكنها قويان في أعماق نفوسنا

ومن قمم الفن الصادق تطارد الروح هذا الانتصار الكاذب. ولا يغرنك أنها في عزلة وانفراد، فهي في تحالف وألفة دائمين مع كل ما يفيد العالم الإنساني

إن الدكتاتورية تناقض نفسها بادعائها محو السيئة وتحرير الضمير الإنساني وتلقي البطولة، بينما تحط من قيمة الإنسان وتستعبده ولا تعتد بكرامته معتقدة أن هذا حظه في الحياة وليس له حظ سواه، وكل ما عداه لغو وهباء. فأي مخالفة للمنطق هذه؟

إن فهم البطولة يحتاج إلى فكر أعمق وفلسفة أدق من تلك الفلسفة التي تستند إلى القوة والتضليل، تلك الفلسفة التي تسوق وراءها الدهماء

رقص الحياة - عن الأفننج كرونيكل

في الشعر والتصوير والنحت صورة معروفة يرمز إليها برقصة الفناء. يصورن فيها هادم اللذات، وهو يحصد نفوس البشر من كافة الأجناس

فيمثلون الموت يجذب النفوس من كل سنخ وجنس، في قسوة القاهرة المستبد، وهي تدفعه عنها بكل ما رزقت من قوة، وتتشبث بالحياة في جزع ورهبة، والموت يقتادها إلى حيث يريد وهو مكتوب له النصر دائماً، فيرقص منتشياً بالفوز والظفر وهي مسوقة إلى مقرها الأخير، ومن هنا رمزوا إلى تلك الصورة (برقصة الفناء)

ولكن الكاتب المعروف (هافيلوك أليس) يخالف هذه الصورة، فيترك رقصة الفناء ويتكلم عن رقصة الحياة

فهو يقول إن الحياة فن. وكل شيء فيها وكل مخلوق يدب على أرضها فنان يصور حياته كما يصور الرسام لوحته، أو المثال تمثاله. ويدلل على أن التفكير فن والكتابة فن؛ حتى الأديان والأخلاق فنون جميعها، وأن الرقص أساس قوي في تلك الفنون ويعده التعبير الأسمى للحياة

ونظرية (أليس) هذه تفتح أمامنا باباً واسعاً للتأمل والتفكير. فنحن نعرف منها كيف كان الرقص في كيان الإنسان وفي صميم كل مدنية، وكيف يكون معبراً عن الحياة!

إن الحياة تعبر عن لحن جميل في الحقيقة، والألحان ينبوع الرقص. ليست الحياة وحدها هي التي تعبر عن هذا اللحن بل الكون أجمع يشترك في هذا التعبير. وهذا يفسر قول الإنجيل: النجوم ترقص في الصباح. إنها بلا شك تخفق وتهتز على تلك النغمة التي تشمل الحياة

وكما كان الرقص مصوراً لحركاتنا والنفسية، فقد كان كذلك أول معبر عن الأديان، وقد نشأ الرقص مع الإنسان ويقول لفنجستون الرحالة المشهور إنه شاهد في أنحاء أفريقيا قبائل يحيي بعضهم بعضاً بقوله: أين ترقص. وذلك أن رقص الإنسان يدل على قبيلته ويميط عن أخلاقه الاجتماعية والدينية

ويقول فريزر: إن الإنسان الأول لم يكن يلهج بدينه بل كان يرقصه. ويقول الكثير من علماء الشعوب: إن الأديان فيما مضى من الزمان كانت قائمة على الرقص، وإن الإنسان الأول تعلم الرقص قبل أن يتعلم الدين)

ولعل في هذا البحث ما يبعث على التفكير في أساليب بعض رجال الطرق في مصر، وفي غيرها من البلاد الشرقية

مدارس للاستعمار - عن لافرانسيز دي أوتر مير

في ألمانيا الآن مدرستان للاستعمار، إحداهما في وتزنهوس، ولها قسم للتعليم العملي في بترفيلد، والأخرى في رندسبرج. فالأولى تعد رجالاً ذوي قدرة على الاستعمار والاستغلال، والثانية تعد الزوجات الصالحات لهؤلاء الرجال.

وعلى مسيرة ساعة من المدينة يرى هؤلاء التلاميذ مكبين على أعمالهم في معزل عن العالم، ليألفوا هذا النوع من الحياة، التي لا تختلف عن حياة (روبنسن كروزو). وهم يقومون بتشييد المباني وتجديدها، ويستخدمون في أعمالهم أبسط الآلات.

والمدرسة تقوم على تعليمهم النظريات العالية بطرق عملية بسيطة، فإلى جانب العلوم التي يلقنونها داخل الفصول: في الزراعة والتاريخ والطب والصيدلة ونظام المكتبات، واللغات الشرقية، وإدارة المستعمرات يتدربون على الشئون العملية في الحياة تدريباً عجيباً؛ فمن الصباح الباكر يستيقظون لحلب البقر وحمل لبنها إلى حيث يصنعون الجبن والزبد.

ويقوم تلاميذ هذه المدرسة بزراعة الحبوب، ويتولون شأنها في جميع الأحوال من الحرث إلى الحصد، ويقومون بطحنها، وعجنها. وهم فوق ذلك يتعلمون الهندسة الكهربائية، وهندسة الري والبناء والطرق والجسور، وأعمال النسف والتدمير

والمستعمر الألماني يتدرب على صناعة الطوب الذي يستعمله لبناء المساكن، وعليه أن يتعلم النجارة، وإصلاح الأخشاب وإعدادها، وصناعة السفن وعمل السروج والحدادة على اختلافها. وأخيراً يجب عليه أن يتعلم فنون الحرب ويلم إلماماً تاماً بالتعاليم النازية. أما البنات فلا يختلف نظام تعليمهن عن هذا النظام من حيث الدقة والإحكام، ويتفق معه من حيث الجمع بين التعليمين النظري والعملي

فهن يتعلمن لغة الزنوج ويتدربن على رعاية المرضى والأطفال، ويتعلمن طهي الطعام على الطرق المعروفة في مختلف المستعمرات، مما يختلف والطهي المعهود في ألمانيا كل الاختلاف

ويجب عليهن أن يتعلمن رتق الملابس، ويتدربن على ركوب الخيل وقيادة السيارات وحمل السلاح

ويراعي في هؤلاء الزوجات أن يكن قادرات على تكوين الخلق المطلوب، بحيث يكون لهم نصيب واف في بناء الدولة

فإذا استعادت ألمانيا مستعمراتها، وجه إليها هذا الجيش من المستعمرين والمستعمرات فيقومون ببناء مساكنهم بأيديهم أو بمساعدة بعض الخدم، ويحرثون الأرض ويحصدون الثمار. فإذا أتوا بنسل درج على هذه الصفات. فلا تمضي سنوات حتى يكون في تلك المستعمرات شعب ألماني قوي متين