مجلة الرسالة/العدد 309/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 309/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 05 - 06 - 1939



التحرر الأدبي ووزارة المعارف المصرية

ليست هذه الكلمة مناقشة للأستاذ أحمد أمين في رأيه التحرر من

سلطان الأدب الجاهلي، وإنما هي تعليق على مقالته الثانية في الثقافة

وقوله فيها: (أناشد الأدباء والشعراء أن يستمدوا تشبيهاتهم واستعاراتهم

مما بين أيدينا من مخترعات، وألا يستعملوا مالا يحسون ولا يعلمون

من تشبيه، وأناشد المعلمين أن يعلموا بالخط الأحمر على الاستعمالات

التي يستعملها الطلاب الخ. . .)

كيف يستطيع المدرسون ذلك وأمامهم الأكبر ومن تجب عليهم طاعته يذهب من مصر إلى العراق ليرثي ملكا عصرياً توفي من أربعين يوماً، فلا يجد من التشبيهات والاستعارات إلا ما كان يستعمله الشعراء من ألف سنة، فالقدر له سهم (ولن يستطيع العالمون له رداً) والمصاب له سهم آخر أصاب الهاشمية (بعد ثلاثة أبيات)، فهل يقاتل الجيش المصري اليوم بالسهام؟ فما قيمة هذا التشبيه إذن في رأي أستاذنا الجليل أحمد أمين؟ وما قوله إذا كان هذا السهم (العجيب) قد هدّ من العلياء أركانها هدًّا، (فلم يبق للعراق بعده ركن في العلياء قائم. أليس هذا هجاء لأمة في رثاء رجل؟) وإذا كان قد أطفأ نور الشمس وأضرَم المجدا، هل شاهد الأستاذ الجارم الشمس منطفئة فاستعمل ما يحسّ ويعلم من تشبيه؟ وهل رأى هذا (الند) الذي يذكره مع المسك أم كل ما يعرف عنه انه شيء ذكره المتقدمون؟ وذكرُه السيف وسيوف الليالي، أهو من وحي هذا العصر عصر النار والغاز والبارود أم هو التقليد؟ وهؤلاء الذين يبطشون أسداً، أعن حسّ وعلم بالأسد وصفهم الجارم، أم هو قد أخذ المثال النحوي (كرّ على أسداً) من بحث الحال في الكتاب النحو الذي ألّفه؟ ويسأل السيف عن جند العراق كيف صال بكفهم، وهو يرى جند العراق يتنكبون البنادق ويحاربون بالبارود، أفعن تقليد قال ما قال، أم عن مشاهدة وعيان؟ والسلاف تمزج في حانات مصر بالشهد، وتخلط الشمبانيا في خمارات عماد الدين بالعسل، أم الأستاذ يقلد؟ وأياً ما كان الأمر فما هو وجه الشبه بين غبار النصر وهذه السلاف؟ وقوله في غازي رحمه الله: (فتى تنبت الآمال من غيث كفه) أليس إعادة لأقوال المتقدمين يوم كانوا يتمدحون بالكرم ويوم كان الغيث حياتهم في الجزيرة، وتتمة البيت (فلله ما أولى ولله ما أسدى) أليس كلاماً فارغاً، وتشبيه تلال الصحراء بالجمال أعن حسن كان وعلم؟ أفي رحبة وزارة المعارف حيث يقيم الأستاذ، أم في شوارع القاهرة رأى هذه الجمال (التي لا تساق ولا تحدي) أي ولا يحدي بها. . . وكيف رأى في ثنايا وجه فيصل الصغير الوديع (الأسد الوردا) مع أنه لم يشاهد في حياته أسداً إلا محبوساً في قفص الحديقة؟ وقوله في الختام: (سلام على غازي سلام على الندى، إذا ما بكى من بعده الترب والندى)، أيعد له في باب التقليد والجمود شيء؟ أي ندى وأي ندّ يا سيدي إليك؟

فمن أين يستطيع المدرسون اتباع رأي الأستاذ أحمد أمين وإمامهم الجارم بك هذه حاله وهذا مقاله. وأنى لوزارة المعارف أن تحرر الأدب وتعلو به في مدارج العلا وهؤلاء السادة يمسكون بتلابيبها أن تتزحزح أو تريم؟

(بغداد)

ع. ط

تاريخ البيمارستانات في الإسلام

هذا عنوان الكتاب الذي أخرجه العالم المصري أحمد عيسى بك، وقد نشرته جمعية التمدن الإسلامي بدمشق ووقفت (ريعه على المشاريع الخيرية). والكتاب غزير المادة يعرض نشأة البيمارستانات (أي المستشفيات) ونظامها وأطبائها وأرزاقها، وما تحت ذلك من شئون الطب والصيدلة مما يتصل بالتحصيل والمعالجة ومراقبة أهل الصناعة. ويلي ذلك إثبات البيمارستانات في البلاد الإسلامية المختلفة على وجه التفصيل منذ العهد الأول حتى العصر الحاضر، أي حتى إنشاء مستشفى أبي زعبل بضاحية القاهرة سنة 1825

وفي الكتاب أخبار وفوائد لم تدوَّن في المؤلفات السابقة، إذ أخرجها المؤلف من الكتب التي لا تزال مخطوطة نحو تاريخ حكماء الإسلام لظهير الدين البيهقي، وكتاب قطف الأزهار في الخطط والآثار لأبي سرور البكري

وفي الكتاب مسرد للبيمارستانات؛ وكان يحسن بالمؤلف العالم أن يقيم مسرداً آخر للأطباء المسيو أميل فابر ومقدرته المسرحية

استقدمت وزارة المعارف المصرية من زمن غير بعيد المسيو ليرى رأياً في الفرقة القومية وينظر في المسرحيات التي نترجمها أو نؤلفها. ومن الظريف أن المسيو فابر ألف أول هذا الشتاء مسرحية مثلتها فرقة مسرح الأوديون في باريس، واسمها - وقد سقطت هذه المسرحية سقوطاً مزرياً وعابها النقاد بشدة، وذلك لشحوب الفكرة التي تقوم عليها، ولمشاهدها الملفقة، ولأشخاصها المُملَّة. هذه المسرحية لا تعرف الفن ولا التفكير؛ إنها من مناقص المسرح الفرنسي (راجع مثلاً (المجلة الفرنسية الجديدة) باريس أبريل سنة 1939 ص 680)

ب. ف

مباريات جديدة للإنتاج الفكري للفنانين والمصورين

أقامت وزارة المعارف في السنة الماضية مباريات للإنتاج الفكري اشترك فيها مدرسو المدارس الأميرية والحرة وكليات الجامعة

وعند بحث الرسائل التي قدمت ظهر أنها لا تستحق الجائزة المقررة لكل منها وقدرها مائة جنيه فمنحت أصحابها 50 جنيها.

ورأت الوزارة أن تضع نظاماً جديداً لهذه المباريات وإنشاء مباريات أخرى يشترك فيها المدرسون وغير المدرسين والفنانون والرسامون.

ويقضى النظام الجديد بأن تقسم تلك المباريات هذا العام إلى ثلاث وهي:

أولا: مباريات يشترك فيها المدرسون في المدارس الأميرية والحرة وكليات الجامعة، وعدد موادها ست مواد ولها جائزتان أولى وثانية.

والرسالة التي تنال الجائزة تعتبر ملكاً للوزارة، ولها أن تطبع منها ما تراه جديراً بالطبع وأن تعطي المؤلف 25 في المائة منها

ثانياً: مباريات للثقافة العامة يشترك فيها جميع رجال الأدب والمدرسون ولها جائزتان أولى وثانية.

ولا تعتبر الرسالة التي تنال الجائزة ملكاً للوزارة ولكن لها الحق في أن تشتري حق التأليف إذا رأت ذلك.

ثالثاً: مباريات للفنانين والرسامين ولها جائزتان أولى وثانية. على ألا تعتبر الجائزة التي تمنح بمثابة شراء للوحة التي تنال الجائزة، وللوزارة الحق في أن تشتريها إذا رأت ذلك.

وللوزارة الحق كذلك في ألا تمنح جائزة عن كل أو بعض الرسائل. ويجوز لها أن تقسم الجائزة الواحدة على أكثر من رسالة

وزارة المعارف العراقية تشجع حركة التأليف

ذكرت البلاد البغدادية أنه بناء على المبالغ التي رصدتها وزارة المعارف في ميزانيتها لهذه السنة لإنفاقها على تشجيع المؤلفين والكتاب ليضعوا الكتب والمؤلفات المفيدة القيمة عزمت على تأليف لجنة من كبار الأدباء والشعراء من وطنيين وغيرهم من البلاد العربية لتعرض عليها كافة الكتب التي ستقدم إليها لتقدير قيمتها الأدبية وما يستحقه أصحابها من المنح والهدايا

وعسى أن يجئ اختيار وزارة المعارف لهذه اللجنة على غير الطريقة التي درجت عليها في تأليف بعض لجانها من الرجال المتصلين بها في الوظائف والمدارس فقط

معلقة الأرز لنعمة قازان

جثمت المادة على الروح في هذا العصر حتى كادت تزهقها، ولم يقنع شيطان الشر بكتم أنفاس الفضيلة والخير في نفوس الناس وإنما مد يده إلى أسمى الفنون وأرفعها يريد أن يقبض على أعناقها وأن يلوى بها إلى الحضيض ليهشمها فيرتاح بعدها من هذه النزعة التي تنزعها الحياة إلى الله. إذا صحت وانتبهت في غفلة منه إلى الحق والجمال والطلاقة

ولكن هذه الفنون ما زالت هي البقية من شذى الإنسانية المتمردة. على المادة الساخرة من حياة الأرض

هذه هي الفنون الحارة التي يشعلها الله في بعض النفوس لتنير الظلمات أمام أعين تحب النور؛ ومن هذه الفنون الشعر، وأقدمها ما حام حول الجمال والحق، وأبهاها ما تحرر من كل قيد أراد العقل الأرضي أن يغلل به رقصات الروح، واسماها وأقواها ما استطاع أن ينتشل العقل من وهدته وأن يخطفه فيطير به في معارج الصفاء حيث لا حقد ولا ضغينة ولا غل ولا كراهية، وحيث يشيع الحب ويملأ الفضاء بأعذب أنفاس التسبيح

ومعلقة الأرز للشاعر التقي نعمة قازان من هذا الشعر الذي يلهمه الله ولا تتصيده العقول

وهي شعر لا يوصف ولا يحلل؛ وإنما تقرأه فإذا هيأ الله روحك لاستساغته وجدت نفسك تنشده أو تنشد ما يمثله. . . فإن لم تفعل فهي الألفاظ التي تتدلل عليك

عزيز أحمد فهمي

الطفل ووالدته في العالم

صدر أخيراً كتاب باللغة الفرنسية عن (الطفل ووالدته في العالم) تولت الإشراف على إصداره وطبعه مدام هومفري دونفروا واشتركت في تحريره 91 سيدة من الكاتبات يمثلن 55 بلداً من بلدان العالم

وقد جاء هذا الكتاب تحفة نادرة في بابه. ونحن إذ نسجل ثمرة هذا المجهود الجبار الذي استغرق قرابة ثمانمائة صفحة يسرنا أن ننوه بما لحضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول من الفضل في صدوره، إذ تكرمت جلالته فشمل القائمات بأمر هذا السفر النفيس بعطفه الغالي، ومنحهن من المساعدة المادية ما شجعهن على المضي في مشروعهن العظيم تحت رعاية جلالته السامية، وقد نوهت مدام هومفري دونفروا في مقدمة الكتاب بهذا العطف الملكي الكريم وأشارت إلى أنها وجدت في هذه المساعدة المادية أكبر مشجع أدبي لها

وقد حلى صدر الكتاب بصورة رائعة لصاحب الجلالة الملك ووضع مقدمته الكاتب الكبير جوزيف دي بسكيدو، وتتوالى الأبواب بعد ذلك عن الطفل وأمه في البلدان المختلفة في قارات العالم الخمس، وإذا كانت العادات والتقاليد الخاصة بنشأة الطفل وتربيته تختلف بين بلد وآخر فإنها تلتقي كلها في تلك العاطفة النبيلة التي تربط الأم بطفلها والتي تقوم بفضلها أركان الأسرة (لمجد الله وعظمة الوطن)

وقد تولت الكتابة عن (الطفل وأمه) في مصر السيدة الجليلة هدى هانم شعراوي فأشارت إلى ما يشيعه مولد الطفل من السرور والأمل في جميع الأسر، ولا سيما إذا كان المولود ذكراً، وذكرت الآية الحكيمة: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا).

اكتشاف علمي خطير - تولد قوة من الذرات

في جميع مختبرات العلوم الطبيعية في العالم يعالج العلماء نهاراً وليلاً الذرات طمعاً في أن يستخرجوا منها القوة التي قال عنها العلامة بول بانليفه (حينما يتحقق ذلك الأمر تستطيع القوة الكامنة فيها أن تدمر أسطولاً متيناً كالأسطول الإنكليزي). وكان بانليفه يقصد بقوله هذا أن يبين حقيقة القوة المخبوءة في مادة يزعم الناس أنها جامدة. على أن الأستاذ شارل تيبو المدرس بكلية العلوم بجامعة ليون وفق إلى تحليل ذرات الأورانيوم المعدود أثقل العناصر الكيميائية المعروفة، فنشأ عن ذلك قوة تزيد على مائة مليون (فولت). وقد قال الأستاذ تيبو في هذا الصدد: (يبقى الآن حصر تلك القوة واستخدامها من الوجهة العملية، وهذا الأمر كفيل به الزمان والجهود التي يبذلها علماء الطبيعة. أما نحن فقد عالجنا الأورانيوم معالجة جدية، وتمكنا من تحليل ذراته وتأليف عناصر كيميائية منها تختلف عن الجسم المفكك، وأن القوة المنتجة منه تفوق أي قوة يستطاع الحصول عليها بحيث لا يهمنا في المستقبل نفاد الفحم في مناجمه، فالذرات تعطينا قوة لا حد لها، والمسألة الوحيدة التي تبقى لدينا هي أن نعرف طريقة استعمال هذه القوة الجديدة)

ويستنتج من بحوث أساتذة جامعة ليون أن كل مختبر يستعين بأجهزة جديدة، وأنه يجب تفاهم أولئك العلماء وتوحيد جهودهم لإدراك الضالة التي ينشدونها. فالأورانيوم المفككة ذراته ينشئ عنصرين جديدين من الذرات يساوي ثقلهما نصف ثقل الأورانيوم، وهم يبتغون معالجة تفكيكهما أيضاً، وحينئذ يتمكنون من إيجاد مادة أساسية لا يندر وجودها كالأورانيوم نفسه ليتسنى لهم مواصلة التجارب على غير النمط الذي يسيرون عليه في المختبر

مؤتمر التربية الحديثة

يعقد المركز العام لرابطة التربية الحديثة مؤتمراً أوربياً في الفترة القائمة بين 2 و 10 أغسطس القادم للبحث في الوسائل المؤدية إلى المثل الأعلى للديمقراطية. وسيرأس الاجتماع المسيو بول لنجفين أستاذ التربية، وسيشهده كثيرون من رجالات التربية في فرنسا وإنجلترا ويتناول المؤتمر عدا الموضوع السابق بحث المشاكل التي يجب أن يحلها المربون باشتراكهم في الحياة العامة، والخطة العملية التي يمكن تنفيذها في المستقبل على ضوء الإعداد المهني والاجتماعي للمعلمين وجعل الطفل مواطناً صالحاً. وقد أخطر المركز الرئيسي للرابطة الفرع المصري برؤوس هذه الأبحاث

في اللغة. . . (جاءته كتابي)

جاء في الجمهرة لأبن دريد (ج. أ. ص319) ما نصه: ورجل لغب: ضعيف بين اللُّغابة واللغوبة. . . وأخبرنا أبو حاتم عن الأصمعي قال: قال أبو عمرو بن العلاء: سمعت أعرابياً يمانياً يقول: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها. فقلت: تقول جاءته كتابي؟ فقال: أليس بصحيفة؟ فقلت له: ما اللغوب؟ فقال: الأحمق).

وجاء في اللسان مادة (كتب): (حكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء أنه سمع بعض العرب يقول: وذكر إنساناً: فلان لغوب جاءته كتابي فاحتقرها. فقلت له: أتقول جاءته كتابي؟ فقال: نعم. أليس بصحيفة؟ فقلت له: ما اللغوب؟ فقال: الأحمق

وقد يحسن أن أذكر هنا ما رأيته في الجمهرة أيضاً (ج2: 70). وهو (ويقولون: ما كان هذا مذ دجت الإسلام. قال: أو حاتم: قلت للأصمعي: لم أنثوا الإسلام؟ قال: أرادوا الملة أو الحنيفية).

قلت: ومنه الحديث: (ما رؤى مثل هذا منذ دجا الإسلام) وورد في رواية أخرى: (منذ دجت الإسلام). فأنث على معنى الملة والشريعة. . . ومما يناسب أن أذكره هنا أيضاً ما رأيته في الكامل للمبرد (ج3: 386) لأعشى بأهلة يرثى المنتشر بن وهب:

إني أتتني لسان لا أسر بها ... من علولا عجب منها ولا سخر

وقد فسره المبرد فقال: (وأراد باللسان هاهنا الرسالة).

عبد العليم عيسى

كلية اللغة