مجلة الرسالة/العدد 309/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 309/من هنا ومن هناك
الوجوه ودلالتها على الأخلاق
(ملخصة عن كتاب (وجوه وملامح جديدة) للدكتور ماكسويل مولتز)
يرى الكثيرون أن ملامح الوجه تدل على الأخلاق. فيرون في قصر الذقن دلالة على الحماقة وفي اعتدالها ما يدل على الحزم، ويرون في انحدار الجبهة أو طول الآذان دلالة على البلادة، وفي شيب الشعر وتجاعيد الوجه علامة على كبر السن، وفي غلظ الشفة دلالة على الشهوة
وفهم الأخلاق على هذا الوجه لا قيمة له من الوجهة العملية لقد كانت الملامح في الأزمان الغابرة هي الدليل الوحيد لمعرفة أخلاق الإنسان، إذ لم يكن معروفاً أثر الظواهر الطبيعية في تكوينه. فكانوا يحكمون على نوايا الرجل لمجرد النظر إلى وجهه فيعرفون إن كان من أصدقائهم أو من أعدائهم، وكم أزهقت نفوس بريئة للالتباس في أمرها!
إن الحكم على الطبيعة الإنسانية له أهمية كبيرة في حياتنا الاجتماعية، ولكننا مع ذلك لا نزال نتوسل إليه بالطرق العقيمة التي كان يلجأ إليها آباؤنا الأقدمون في فهم الأخلاق والخبايا
يقول البروفسير (كليتون) إن أصدقاءنا أكثر قابلية للحكم علينا من الأجنبيين، إذ أن الأخيرين يتأثرون في كثير من الأحوال بالمظاهر المألوفة عند أصدقائنا
ويقول (جاسترو) إن الحكم على الإنسان بسلوكه وتعبيره وحركاته وأحواله وكلامه ونبرات صوته أصدق وأولى من الحكم عليه بمظهره
إننا لا نستطيع أن نقول عن إنسان أن له آذاناً طويلة لأنه على جانب عظيم من البلادة، فلماذا نقول عن شخص إنه على جانب عظيم من البلادة لأن له آذاناً طويلة؟ إن العقل لا يقر هذا ولا يقر ذاك، ولكن من المعقول أن نقول إن الطفل الذي له آذان تزيد في طولها عن المعهود، يلاقي بعض المشقات في حياته لخروجه عن المألوف. فيرى من سخرية أصدقائه ما يجعله يؤثر العزلة والانزواء في غالب الأحيان وفي ذلك ما فيه من التأثير على حياته وأعماله، ولكننا لا نستطيع مع ذلك أن نجعل الوجه دليلاً على شخصية الرجل، فيكفي لنفي ذلك أن نعرف التأثرات التي تعترض الطفل وهو يقضي تسعة أشهر في بط أمه مما لاشك فيه أن قبح الوجه له تأثير في حياة الإنسان، قد يؤدي إلى إفساد معيشته وتعكير صفو سعادته، ولكن الجراحة في هذه الأيام قد تقدمت إلى الدرجة التي تجعلها تتغلب على ذلك، فتيسر للإنسان التخلص من هذا الشذوذ، فيتغير تغيراً تاماً يختفي على أثرة الشعور بالاحتقار والسخرية ويحل محله الثقة بالنفس مضافة إلى حسن المظهر
كتب لا تقرأها - عن (جون أولندن)
إذا تتبعنا تاريخ الأدب منذ أقدم العهود لا نلبث أن نرى بين فترة وأخرى صورة من تسلط القوة على الآراء وحجرها على حرية الفكر. فنعلم أن كثيراً من المؤلفات الثمينة والمذكرات ذات الأثر الفعال في إظهار الحقائق التاريخية والاجتماعية قد قضى عليها بعدم الظهور
ولعل أول حادث من هذا النوع كان في سنة ألفين قبل الميلاد إذ أمر الإمبراطور (شي هيانج تي) بإحراق مؤلفات كنفشيوس الأدبية لحنقه عليها وتفضيله غيرها من المؤلفات المبنية على الحقائق العملية: كالكيمياء والزراعة والطب.
ولقد صودرت منذ ذلك الحين كتب نفيسة لهومير وكانت وابش وبودلير وروسو وجاك لندن ود. هـ لورنس وابتون سنكلير وغيرهم من الكتاب الذين ذاعت شهرتهم في العالم
وإذا كان لك الحظ في زيارة المتحف الإنكليزي أمكنك أن ترى مجموعة كبيرة من الكتب القيمة والمذكرات الهامة محفوظة في قسم خاص، حيث يقوم بالمحافظة عليها موظفون وأمناء ومساعدون. فتجد في هذا القسم مذكرات خاصة لبعض رجال السياسة، وخطابات وتراجم لكثير من عظماء الرجال وكتب ورسائل في كل فن وصى عليها جميعاً بأن تحتجب عن الأنظار.
من ذلك مذكرات لسير هنري الذي كان رئيساً للوزارة الإنجليزية وزعيما لحزب الأحرار، وقد مضت سنين عديدة وهي في مكانها من ذلك المتحف تحت مراقبة إدارة حفظ المطبوعات
لقد كان كامبل من رجال السياسة المعروفين بكرم الأخلاق والنزاهة، وهو فوق ذلك بعد من السياسيين الأفذاذ. فماذا كتب في تلك المذكرات؟ قد يظهر ذلك في المستقبل القريب. وإلى أن يحين ذلك الوقت ستظل محجوبة عن الأنظار المتعطشة تحت إشراف إدارة حفظ المطبوعات هي وعشرات غيرها من المذكرات والمستندات والخطابات التي لم تظهر للعالم. ولم يغرب عن البال قصة الخطابات التي خلفها القصصي المشهور شارلز دكنز، فقد أرسلت مسز بيروجيني ابنة الكاتب الكبير إلى برنارد شو تستشيره في أمر هذه الخطابات التي عانت أمها كثيراً في سبيل المحافظة عليها وبقائها بغير تلف. فأجابها شو بضرورة إرسالها إلى إدارة حفظ المطبوعات في المتحف البريطاني، لعل أحدا من الكتاب يحتاج إلى شيء منها للكتابة عن أبيها، وقد استمعت مسز بيرجيني لهذه النصيحة، ولكن هذه الخطابات بقيت في مكانها من المتحف دون أن تمسها يد أو يطلع عليها إنسان إلى أن مات آخر أبناء دكنز.
ويسري قانون حفظ المطبوعات على المؤلف في إنجلترا طول حياته، ويستمر إلى ما بعد وفاته خمسين عاماً. إلا أن مذكرات رجال السياسة والأوراق الرسمية التي لا تسري عليها القوانين العامة قد تبقى أربعة أجيال أو خمسة بعد وفاة أصحابها إذا قدر لها ظهور في يوم من الأيام
أما الكتب والروايات المألوفة التي يشتبه فيها لسبب من الأسباب، فلها قسم آخر وبعضها منع ظهوره للجمهور والبعض الآخر حدث منه الأجزاء التي لم يسمح بها مثل كتاب قوس قزح وليدي شاترلي لد. هـ لورنس ودراسات في سيكلوجية الجنس لهفيلوك إليس، ومن الأعماق لأوسكار وايلد
وقد أخذت النسخة الأصلية من الكتاب الأخير لعرضها على المحكمة في ظروف قضائية معروفة، ولكنها لم تظهر بعد للجمهور، أما النسخة المتداولة من هذا الكتاب فقد حذف منها الشيء الكثير
سياسة المحور في أمريكا الجنوبية - عن فورتنايتلي
لم تكن سياسة المحور في أمريكا الجنوبية بالشيء المجهول، فلألمانيا وإيطاليا صلة قديمة بهذه البلاد، إلا أن المحاولات الاقتصادية والسياسية التي ظهرت أخيراً، لم تعرف لبريطانيا العظمى إلا في هذه الأيام.
فمع الحملات التي تقوم بها ألمانيا وإيطاليا ضد الاشتراكية، نراها تعمل لتقليل الثقة بديمقراطية بريطانيا وتجاربها في الأسواق التجارية حرباً لا هوادة فيها.
وقد تكون ألمانيا أكثر الدولتين تحمساً لضم أمريكا الجنوبية إلى سياسة المحور، وعلى الأخص تلك الجهات التي لها علاقات قديمة ببرلين كالأرجنتين وبها مائة ألف ألماني، والبرازيل، وفيها عشرة أمثال هذا العدد. وتقام الاحتفالات النازية في بونس إيرس كما تقام في ألمانيا، وقد اتخذت الاحتياطات الشديدة في الأنحاء الألمانية في الأرجنتين لتطهيرها من الجنس الغير الآري.
ويخالط الألمان الأمريكيين اللاتينيين في الأعمال والمجتمعات بحالة لا يصل إليها البريطانيون وسكان أمريكا الشمالية؛ فإذا أضفنا إلى ذلك الكراهية التي تحملها الأرجنتين للاشتراكية عرفنا كيف يتحمس الأهالي للألمان.
فالجيش في تلك البلاد مأخوذ في نظامه بالأساليب الألمانية، وتلقى الكثير من ضباطه دروسهم الحربية في بوتسدام. أما الأسواق التجارية فقد اختفت منها البيوت المالية الإنجليزية وأخذت المحلات التي تروج التجارة الإنجليزية تقل شيئاً فشيئا.
لقد كان في البرازيل ألمان منذ سنة 1843 ولكن عددهم لم يكن محسوماً، أما الآن فلا يقل عدد الألمان في تلك البلاد عن مليون نفس، وفي جنوب هذه الجمهورية وعلى الأخص سنتا كاثرينا وبرانا وريوجراند دوسيل ينحدر أكثر السكان من أصل ألماني، ويقوم حكام وبوليس من الألمان في كثير من البلدان، وقد قامت البرازيل بحركة شديدة لمقاومة الدعاية النازية، وعلى الرغم من ذلك فقد حلت ألمانيا محل الولايات المتحدة في المعاملات التجارية، وأصبحت الآن أعظم الدول التي تستورد القطن من تلك البلاد وهي فوق ذلك تستورد النيكل والزيت بمقادير هائلة منها
ويتسع نفوذ الألمان كذلك في شيلي، ولا شك أن وجود خمسة وعشرين ألف ألماني في هذه المملكة يجعل لها تأثيراً كبيراً من الناحيتين السياسية والتجارية
وقد اصبح أكثر ضباط الجيش في بوليفيا من الألمان، وقد أرسلت ألمانيا إلى بوتسدام ثلاثة من الضباط للتمرن على الأعمال الحربية الحديثة بها
أما الفاشيست فقد أخذوا يزاحمون البضائع الإنجليزية في الأرجنتين بعد أن كانت بغير مزاحم، وفي شيلي تلاقي الآلات والعدد الإيطالية رواجاً عظيما
أما بيرد فهي أكثر المناطق الأمريكية اتصالاً بإيطاليا، ويقدر ما يسخر فيها من الأموال الإيطالية بأكثر من عشرين مليون جنيه؟ وفي اكيادور يقوم على تعليم الطيران فريق من الإيطاليين. وفي فينزيولا تقوم فرقة من المدفعية الطليان بإصلاح الجيش. وقد أصبحت هذه الحالة مقلقة لبريطانيا والولايات المتحدة، لا لأن ألمانيا وإيطاليا تستعمران هذه البلاد، فإن ذلك ليس في الحسبان، إذ أنه في الحقيقة غير مستطاع، ولكن ألمانيا وإيطاليا تستفيدان من تلك البلاد المواد الضرورية لها إبان الحروب، فإن لم يكن ذلك فهي تستطيع على الأقل أن تعمل عملاً لمنع تلك المواد عن بريطانيا والولايات المتحدة