مجلة الرسالة/العدد 314/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 314/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 10 - 07 - 1939



موسى (عليه السلام)

للغربيين أقوال غريبة في موسى وعيسى (عليهما السلام)، وفي

كونهما. وقد اطلع قراء (الرسالة) الغراء على ما رواه الأستاذ العقاد

من مقالة (فرويد)، وللعالم (سلمون ريناك) في كتابه: أرفيوس الذي

ألفه منذ أكثر من ثلاثين سنة بحث عن موسى (عليه السلام) أروي منه

هذه الأسطر مضافة إلى ما سطره الأستاذ من كتاب (فرويد) وكلا

الرجلين من يهود. قال:

' , , ' ' ; ' ; ' ' ' ; ; ' ' ' ' , ,

وترجمتها: (إن وجود موسى (ولعل موسى مأخوذ من الكلمة المصرية ميزو بمعنى طفل) لا تؤيده أسفار التوراة التي عزيت إليه خطأ. وليس من حقنا أن نذهب إلى إنكاره. إنه موجود؛ ولكن وجوده سيظل موضع الشك فقط. ليس الدين من صنع الإنسان؛ ولكنا لا نستطيع أن نتصور انتشار دين من غير نفوذ إرادة قوية لرجل من رجال العبقرية أمثال: موسى وبولس ومحمد)

قلت: يشك علماء غربيون في كثير من أصحاب النَحل. بيد أنهم لم يتجاسروا أن يطوروا (أن يحوموا) في شكهم بحضرة سيد الوجود (صلوات الله وسلامه عليه). والإسلامية الصحيحة موحيها واحد أحد، لا كما قالت عبارة ريناك في سائر الأديان.

  • * *

لم ينجح أحد!

أعلنت مدرسة الفنون الجميلة العليا هذا العام فضيحة كان يجب عليها أن تتدارك أسبابها أو أن تسترها على الأقل

أما هذه الفضيحة فهي أنه (لم ينجح أحد) من طلبة قسم النحت في هذه المدرسة هذا العام وفي قسم النحت بمدرسة الفنون الجميلة العليا أربعة طلاب فقد موزعون على سني الدراسة المختلفة. ومعنى هذا أن هؤلاء الأربعة هم عدة هذا الجيل للنحت في مصر. ويلحظ إلى جانب هذا أن المدرسة وقفت عليهم أساتذة أكثر منهم عدداً. فإذا لم تكن مدرسة الفنون الجميلة العليا تستطيع أن تتعهد أربعة طلاب نحاتين فماذا تستطيع أن تصنع؟!

يقال إن هذه الكارثة الفنية يرجع سببها إلى تنافر بين أستاذ النحت في المدرسة (وهو سويدي) وبين ناظر المدرسة وصديق له مدرس بها. والناظر وهذا الصديق المدرس مصريان. ويقال إن هذه النتيجة لم تحدث عفواً وإنما أريد بها أن تحجم وزارة المعرف عن تحديد عقد الأستاذ الأجنبي هذا العام، وأن ترفع المدرس المصري إلى درجة الأستاذية

وإذا كان مما يسعد كل مصري أن يرى قسم النحت في مدرسة الفنون الجميلة العليا يرأسه أستاذ مصري فإنه مما تشمئز منه الإنسانية أن يُبعث في سبيل الوصول إلى هذه النتيجة بمستقبل أربعة من الطلاب هم كما قلنا عدة الجيل في هذا الفن

زد على ذلك أن ناظر الفنون الجميلة العليا وصاحبه المدرس المصري متهمان في مقدرتهما الفني. فالناظر لا يحمل شهادات فنية مطلقاً وليس لديه من المؤهلات الفنية إلا أنه رحل إلى الحبشة في زمن ما ورسم بعض الصور لنجاشيها السابق ورؤوس دولته. ومظاهر (العصبية) التي تبدو عليهم والتي استطاع بها أن يقنع أهل الحكم في الوزارة السابقة بأنه يصلح لأن يكون ناظراً لأكبر معهد فني في مصر

أما صاحبه المدرس فهو رجل من رجال الصناعة أعدته ثقافته وأهله تعليمه لأن يكون مدرساً للصناع في مدرسة الفنون التطبيقية لا أستاذاً للفنانين في مدرسة الفنون الجميلة العليا وشتان ما بين الصناعة والفن

وأنا أكتب هذا وقلبي يتمزق لأني أنصر به أجنبياً على مصريين، ولكنني أفضل هذا على التدليس باسم الوطنية الشفوية. ولا ريب أن الاعتراف بالضعف مع السعي إلى استكمال أسباب القوة خير من المغالطة والادعاء وإنكار الحق

والآن، ماذا تصنع وزارة المعارف في مدرسة الفنون الجميلة. . .

إنه يحدث فيها أكثر مما ذكرناه. . .

ع. ا. ف الفن المنحط

تألفت في مصر جماعة من الفنانين سمّت نفسها (جماعة الفن المنحط) وهي اليوم في طريقها إلى التفرق والتحلل لأنها لم تجد عند الفنانين والصحافة والجمهور ما كانت ترجوه من تشجيع، إذ لم يزرها في دارها بشارع المدابغ كاتب ولا صحافي ولا زائر عادي يستمع إلى دعوة أفرادها

(والفن المنحط) الذي تدعو إليه هذه الجماعة لا يمكن أن يقال إنه منحط فعلاً ما دام يجد من يقول عنه إنه فن. إذ أنه لا يمكن أن يكون الفن فناً ومنحطاً في الوقت نفسه إلا إذا كان كاذباً. فالفن هو نتاج الحس لا الفكر. ومتى توفر فيه الصدق فإنه سام رفيع، ولا يفسده شيء ولا يخفض من شأنه شيء إلا أن يكون تكلفاً، فهو عندئذ ليس فناً وإنما هو تهريج وتجارة. وإذا دعا شاعر إلى الفسق في شعره وحسّنه للناس وزينه لأنه يحبه ويجد فيه لذته النفسية، ولأنه يعبر عن هذا الذي يجده تعبيراً صادقاً فلا ريب أن فنه يبهر القارئين لأنه ينفذ من نفسه إلى نفوسهم فإما أن يرضيها وإما أن يؤلمها ويسخطها. وكذلك الرسام المعجب بالأجسام الذي يصور محاسنها ولو في أوضاع يستقبحها العرف وتزورُّ عنها التقاليد والآداب العامة فهو عند الفن ناجح وقادر وعال ما دام يتذوق هذا الذي تستقبحه التقاليد والآداب ويعبر عنه صادقاً في تذوقه وتعبيره

فإذا تصدى شاعرنا للمعاني الروحية المجردة التي لا يحبه هو ولا يتذوقها وأراد بتعرضه لها أن يجاري أصحابها وأن يقال عنه إنه مثلهم روحاني متصوف فإن فنه سينحط ويضعف لأنه سيحتاج في إخراجه إلى الكذب والتزييف والتزوير. وكذلك رسامنا إذا انحرف عن مزاجه الخاص إلى التكلف ما لا تلتفت إليه نفسه من الجمال الروحي لغرض من الأغراض فإنه يكون عندئذ كاذباً ومنافقاً ويكون رسمه منحطاً حقاً

فإذا كانت جماعة الفن المنحط قد تألفت من أفراد صادقين في شعورهم وتعبيرهم ففنهم رفيع من غير شك مهما تواضعوا وقالوا إنه منحط. أما إذا كانوا يتكلفون هذا الانحطاط ففنهم منحط حقاً لا لشيء إلا هذا التكلف. . .

ع. ا. ف اختصاص المجمع اللغوي في رأي المكتب الفني

كانت وزارة المعارف قد وكلت إلى مكتبها الفني دراسة اختصاص مجمع فؤاد الأول للغة العربية والنواحي التي يتناولها هذا الاختصاص، فدرس المكتب هذا الموضوع من مختلف وجوهه، ورفع مذكرة وافية بشأنه إلى معالي الوزير تحدث في بدايتها عن المجامع العلمية اللغوية فقسمها ثلاثة أقسام هي: المجامع العلمية، والمجامع اللغوية والأدبية، ومجامع الفنون؛ وأشار إلى ما تؤديه كل طائفة من هذه المجامع في مختلف الممالك في العصور الحديثة، فتكلم عن مهمتها في إيطاليا، وبلجيكا، والدنمارك، وإنجلترا، وأيرلندة، وأسبانيا، والبرتغال، وروسيا، وعن طبيعة الأعمال التي تنهض بها. ثم انتقل إلى المجمع المصري فأتى بنبذة عن نشأته وأغراضه التي حددها مرسوم إنشائه، وعرض بعد ذلك آراء كبار الكتاب الذين طرقوا هذا الموضوع في الصحف السيارة وفي داخل البرلمان

وقد رأى المكتب الفني أن مثار الخلاف في الرأي هو اختصاص المجمع اللغوي المصري، مع أن اختصاص أي مجمع قد يتسع فيشمل الكثير من النواحي العلمية واللغوية، وقد يضيق هذا الاختصاص فينحصر في علم أو فن أو ناحية من أحدهما؛ وذكر أن اختصاص المجامع اللغوية مركز في وضع المعاجم اللغوية والتاريخية في وضع الاصطلاحات العلمية والفنية، وأنه يجب ألا يقتصر عمل المجمع على تسجيل الألفاظ التي تستقر في التداول، كما أنه لا ينبغي أن يعهد إلى الهيئات العلمية والفنية بالانفراد في وضع الاصطلاحات، وإنما يجب أن يتعاون المجمع مع العلماء والفنيين في الوصول إلى تحقيق هذا الغرض، بأن يطلب إلى كل منهم - كل دائرة اختصاصه - أن يقدم إنتاجه اللغوي، ثم يجتمع اللغويون في مؤتمرات سنوية أو نصف سنوية لفحص هذا الإنتاج ودراسته رغبة في الوصول إلى اختيار الألفاظ الصحيحة والتراكيب السليمة التي تقابل، في دقة ووضوح، المعاني المطلوبة مع موافقتها لروح اللغة وأصولها

وكذلك يتركز اختصاص المجامع في دراسة اللهجات القديمة والحديثة، إذ هي أساس اللغة وقوامها، فلا غنى عن دراستها

وأشار المكتب في مذكرته إلى ضرورة الاقتصار في الوقت والمجهود من هذه الدراسة. أما الدراسة الواسعة المستفيضة بلهجات قديمة فإنها من شأن هيئات أخرى تتولاها

وقال في صدد دراسة اللهجات الحديثة: إن أهميتها تقوم على أنها تتصل بالحياة مباشرة، فهي لغة الكلام والتفاهم، وإنه مما لا شك فيه أن هذه اللهجات أقوى من حيث استعمالها وانتشارها وقربها إلى الأذهان، فلا يجوز إذن إهمالها أو التجاوز عنها، لأن دراستها توضح ما طرأ على اللغة الصحيحة من التغييرات والانحرافات في كثير من الألفاظ والتراكيب.

ثم ذكر أن إحياء الأدب العربي أو التشجيع عليه يحسن أن تتولاه هيئات أخرى غير المجمع اللغوي مثل الجامعة ووزارة المعارف ودار الكتب والجمعيات وهيئات الترجمة والنشر. وأشار إلى أهم التعديلات التي يجب أن يؤخذ بها، وهي أن يزاد عدد أعضاء المجمع العاملين إلى ثلاثين عضواً من العلماء المعروفين على ألا يزيد الأجانب منهم على عشرة؛ وأن يتألف المجمع من هيئتين إحداهما مؤتمر المجمع ويتكون من كامل الأعضاء، والأخرى مجلس المجمع ويتكون من الأعضاء المقيمين في مصر.

عناية مدير بلدية الإسكندرية بأسرة المرحوم فليكس فارس

عرض صاحب السعادة مدير بلدية الإسكندرية العام على لفومسيون الإداري في جلسة 5 يوليه مسألة مكافأة المرحوم الأستاذ فليكس فارس كبير مترجمي البلدية، فذكر أنها ضئيلة نظراً إلى أن مدة خدمته كانت قليلة، ولكنه خدم البلدية بإخلاص ونشاط، كما كانت له خدمات صادقات للأدب والعلم. وقد ترك أسرة مؤلفة من أرملة وثلاثة أطفال صغار. ثم اقترح المدير منحهم معاشاً شهرياً عدا المكافأة التي كان يستحقها. فوافق القومسيون على ذلك وقدر هذا المعاش بعشرة جنيهات في كل شهر. وهذا العمل من صاحب السعادة المدير يستحق أجزل الشكر وأجمل التقدير.

اللورد لويد والإسلام

ألقى اللورد لويد خطبة في اجتماع عقد بلندن في الأسبوع الماضي قال فيها: يجب على الحكومة، حينما تبحث المسألة الفلسطينية أو مخاوف مسلمي الهند من الاضطرابات التي يثيرها الهندوكيون، أن تبحثها على ضوء الاعتبارات التي شهدناها في العشر أو الخمس عشرة أو العشرين سنة الماضية والتي على أن العالم الإسلامي دخل في مرحلة جديدة بقوته المتزايدة وبكل ما يتضمنه الدين الإسلامي العظيم من قوة، مضافاً إلى التعاليم الحديثة.

وختم اللورد لويد خطبته قائلاً: (إن تطوراً جديداً قد طرأ على العالم الإسلامي وهو تطور يجب أن نحسب له حساباً دقيقاً)

حول الجناية على الأدب العربي

حضرة الأستاذ الجليل صاحب (الرسالة)

تحية وسلاماً. وبعد. فإنني على فرط إعجابي بالدكتور زكي مبارك وتقديري لآثاره الأدبية لم أرض منه هذا الضرب من النقد الذي يتناول الشخصيات دون الآثار، ويدافع عن الأدب من طريق الجناية على الأدباء. ولو أن نقاد الأدب العربي اتبعوا الطريق التي اختطها الدكتور إسماعيل أحمد أدهم في رده على الدكتور بشر فارس (عدد الرسالة 311)، أم النهج الذي سلكه الأستاذ عبد المنعم خلاب في مقاله (النبوة - الوحي - المعجزة) رداً على مقال نشرته مجلة (الأماني) (العدد 310 من مجلة الرسالة) لكان النقد - كما يرضاه الأدباء - أداة صالحة لتوجيه الأدب الصحيح ولتنقيته من أدران الضعف وشوائب الخطأ

ولعمر الحق إن هذا الطريق التي سلكها الدكتور زكي لملتوية شائكة. بل هي ضرب من الجناية على الأدب ما كان أجدره أن يتحاماه.

إن من أهم مميزات النقد الذي يجعل الإصلاح الأدبي هدفه ومرماه، اللفظ اللين والنقاش الهادئ والحجة الدامغة مع احترام صاحب الرأي المنقود وعدم التعرض لشخصه. فإن كان صاحب الرأي صادق النية نزيه القصد فيما كتب فليس عليه من ضير أن يُنْقَد؛ أما إن كان سيئ النية نفعي القصد، والنقد كفيل بإظهار كل خبيثة، فحسبه ما يجر على نفسه من تفنيد الرأي وتسفيه الحلم وما يتبع ذلك من هبوط سعره في سوق الأدب وأوساط المجتمع (وعلى نفسها جنت براقش)

(الخرطوم)

محمود أحمد عبد الحميد هل في الحيوان غريزة الغيب؟

قرأت في الرسالة رقم 312 المقال الممتع الذي كتبه الأستاذ عزيز أحمد فهمي فكان أعجب شيء التفت إليه نظري وامتلأ به تفكيري هو ما أورده من تلك الظواهر التي تميل إلى القول بوجود إدراك الغيب عند الحيوان. فقد عاد بي قوله هذا إلى ذكر ليالٍ خلت، أيام كانت فلسطين تتهيأ لتقوم بثورتها الكبرى. ويالها من ليال كانت تملأ قلبي فزعاً وهماً!

حينما يسجو الليل، ويهجع السامر، ويخشع كل جرس، كانت تقوم (وهوهة) حزينة في جبل النار يرجعها بنات آوى كترجيع النائحات، فما كان يخيل إلي ساعتئذ إلا أن في كل بيت من بيوت البلدة مناحة قائمة. وشد ما كنت أتشاءم من ذلك الشعور الذي ينتابني لدى ظهور تلك الأصوات الكئيبة الباكية! فقد كان يذهب بي خيالي إلى أن هذه الأصوات طبيعية بالنسبة إلى ذلك الحيوان، ولكن أذني تحولها إلى تلك الصورة الكئيبة إيذاناً بمصيبة ستلم بي لا قدر الله

وهكذا لم تكن بنات آوى لتخطئ مواعيدها في كل ليلة؛ ولم يكن خيالي ليخطئ في تصوير أبشع ما يتوقعه المرء من شر وسوء

وكانت الثورة، وما أدراك ما الثورة! فطاحت رؤوس، وتمزقت نفوس؛ وإذا البلدة لا تمضي عليها ساعات معدودة في كل يوم دون أن تفجع بحبيب إليها أثير لديها. وكان القوم يوارون الضحايا في سفح جبل النار مثنى وثلاث

ونظرت. . . وإذا الله يستبدل مناحات الأمهات، والزوجات، والأخوات بمناحات بنات آوى. فالأصوات هي هي بعينها، والوحشة تملأ البلدة في وضح النهار فضلاً عن الليل. وذهبت نفسي حسرات، وتصاعدت آلامي المكبوتة زفرات. وما كانت لتطلع الشمس أو تغيب في كل يوم إلا على مأساة من هذه المآسي

وها قد انتهى أمر الثورة. وهاأنا أصيخ بسمعي في كل ليلة عساي أسمع تلك الوهوهة الباكية، أو قل تلك المناحات التي كانت تقيمها بنات آوى فما أسمع صوتاً ولا ركزاً.

(نابلس)

فدوى عبد الفتاح طوقان قواعد العربية الفصحى

هذه ترجمة عنوان الكتاب الذي أخرجه في الشهر الماضي الأستاذان (جودفروا دومامبين) من أساتذة اللغة العربية في السوربون سابقاً، و (بلاشير) أستاذ اللغة العربية في المدرسة الوطنية للغات الشرقية في باريس. والكتاب يتناول في نحو خمسمائة صفحة، الصرف والنحو بالتفصيل والتمثيل. ومزيته أنه مؤلف على أسلوب حديث مغاير لكتب قواعد العربية المنشورة باللغات الإفرنجية ولا سيما الفرنسية. وبالأسلوب الحديث نعني ما وصل إليه علم اللغة في هذا العهد من طريق مراجعة أصول فقه اللغات الهندية - الأوربية، ومن طريق النظر في مذاهب اللغات السامية

والكتاب مطبوع في باريس واسم '