مجلة الرسالة/العدد 32/من طرائف الشعر

مجلة الرسالة/العدد 32/من طرائف الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 12 - 02 - 1934



الى زوجي الفاضل

قصيدة طريفة من الأدب النسوي الجميل

للسيدة منيرة توفيق حرم الصاغ محمد ماهر رشدي مأمور بندر

الزقازيق

طالَ السهادُ وأرّقت ... عيني الكوارثُ والنوازل

لما جفاني من أح ... بُّ وراحَ تشغلهُ الشواغل

وطوى صحيفة حبنا ... وأصاخ سمعاً للعواذل

يا أيها الزوج الكري ... م وأيها الحب المواصل

ما لي أراك معاندي ... ومعذبي من غير طائل

لم ترع لي صِلةَ الهوى ... وهجرتني والهجرُ قاتل

هل رمُتَ ان تغدو طلي ... قاً لا يحولُ هواكَ حائل

أو رمتَ غيري زوجةً ... يا للأسى مما تحاول

ان تبغ مالاً فالذي ... تدريه انَّ المال زائل

أو تبغ أصلا فالتي ... قاطعتها بنتُ الأماثل

أو تبغ حُسناً فالمحا ... سنِ جمةَّ عندي مواثِل

أو تبغِ آداباً فأش ... عاري على أدبي دلائل

أنا ما حَفِظتُ سوى الوفا ... ءِ ولا ادَّخرت سُوى الفضائل

وأنا وَلي شرفُ العفا ... فِ أُعَدُ مفخرة المنازلْ

فَجَزَيتني شرَّ الجزا ... ءِ وكنتَ فيه غيرَ عادِل

أنسيتَ عهداً قد مضى ... حُلوِ التَّواصُل والتراسل

أيام تبذل من وسا ... ئل أو تنِّمقُ من رسائل

وتبثُ معسولَ المُنَى ... وتمدُ أسباب التحايُل

ولبِثتَ تُغريني بما ... تبديه من غرِّ فحسبتُ أن الدهر أن ... صفني وأن السعد ماثل

ظناً بأنك لم تكن ... لا بالعَقوق ولا المُخاتل

ماذا جرى فهجرتَني ... والحُب شيمته التساهل

عاشَرت أهل السو ... ء فاقتنصوك في شر الحبائل

ومَضيتَ تطلب بينهم ... عيش المقيدَّ بالسلاسل

ورضيت هجر حليلةٍ ... لمَّا تزل خير الحلائل

والله ما فكرت يو ... ما في جفاكَ ولم أحاول

فجفوتَ يا قاسي الطبا ... ع ولم تُدار ولم تجامل

فاعلم بانك قاتلي ... والموت فيما أنت فاعل

أين المسائل والموا ... صل في العشي وفي الاصَائل

أين المودةُ في الهوى ... بيني وبينك بالتبادُل

أين الحديثُ العذبُ من ... ك وأين ولَّى سحرُ بابِل

أني أسائلُ أين عه ... دك في الهوى إني أسائل

أعلمت ما فَعل النوى ... بي من ضنى أم أنت ذاهل

فاربأ بنفسِكَ وانهها ... وارجع إلي زين العقائِل

منيرة توفيق

الذكرى

للشاعر الدمشقي أنور العطار

تهبطُ الذكرى على قلبي فيحيا ... ثم تنأى عن حِماهُ فيموت

غَلبَ اليأسُ على مأمله ... وطوى ضجته الكبرى السكوت

فهو كالبلبل غنَّى بُكرةً ... ولدى الامساء وافاه الخفوت

رُبَّ ذكرى غلغلت في ساحه ... هي عندي أبد الآباد قوت

نعشَت رُوحي منها نفحةُ ... مثلما ينعشك المسكُ الفَتيت

يا سرباً لم أزل أنشُدُه ... طول عمري وهو عن عيني يفوت بينما الأمر جميع فإذا ... عشيَ المنضورُ منهوبٌ شتيت

وحياتي نهرٌ معتكرٌ ... غيبته فلوات ومرُوُتُ

أعشبَ الشوكُ على أعطافه ... ولقد يزهو بها آسٌ وتوت

الدنا بعدكِ قفرٌ وحشةٌ ... ما بها مأوى لقلبي ومَبيِتُ

خلتِ الأكوانُ من بهجتها ... وامحت منها صفاتٌ ونُعُوت

لا تظني شجوها يكرُبني ... إني في الألم العاتي ربيت

كلُ ما لاحَ لعيني رائعاً ... هو عندي بعد ما غبت مقيتُ

زهِدَ القلبُ الأماني كلها ... وثوى يصدفُه عنها القُنوتُ

غير ذكرى صورةٍ اعبُدها ... أنا منها في عذابِ ما حَييت

الرّزايا رصَّنتني خِبرةً ... والرزايا قد تربى وتقيتُ

كلما حرَّقني جرحُ الهوى ... صاح قلبي: إن جرح الحبِ صيت

يالهٍّم مُستفيض إن يغِب ... ملكوتٌ منه يطلعُ ملكوت

لكِ في قلبي طيفٌ ماثلٌ ... هو في عيني تمثال نحيت

غلَّف الأجفان ما يبرحُها ... مُشرِق الساحة بحلوه الثُبوتُ

الم أكن أرضى بأفراح الورى ... وأنا اليوم بأوجاعي رضيت

تُنشد الروحُ إذا طفت بها ... وإذا غِبت تولاَّها الصُموت

أنا كالشارد من فرطِ الأسى ... مضنَّى هم على العيشُ مُميِت

نَسَج الدهر لحظِّى دارة ... رُبما أربت عليها العنكبوت

الأماني الحائرة

لله كم من أمان بت أرقبها ... فيها يحاربني دهري وأيامي

تراكمت فهي أكوام مكدسة ... ليست تعد بأقلام وأرقام

أحدث النفس عنها كل آونة ... وما أحدثها في غير أوهام

لهفي عليها وقد راحت تقاذفها ... يد المقادير من عام إلى عام

ما أن نظرت اليها وهي حائرة ... إلا أنثنيت بقلب صارخ دام

الا تحقق لي الايام أمنية ... حتى أودع أشجاني وآلامي لكم أجِّمعُها حولي وأندبها ... بكل أنشودة حرَّى، وأنغام

مأرب كبياض الفجر باسمة ... حفت بعاثر جد غير بسام

يا حسنها من أمان لو يحققها ... دهري، وما رجفت أضغاث أحلام

دار العلوم العليا

محمد برهام

الساعة

وآلة تقطع الأيام سائرة ... لا تبصر العين من تسيارها أثرا

أرى عقاربها اللاتي، تدور بها ... عقاربا كل حين تلدغ العمرا

كأنها تبصر الأوقات راسمة ... لها وما ملكت كفا ولا بصرا

تهاجم العمر دوما وهي ساكنة ... والعمر يركض منها خائفا حذرا

نعدها من جماد وهي مدركة ... من وقتنا ما اختفى عنا وما ظهرا

تطوى السنين وتجري وهي ثابتة ... وتمنح الناس - لكن لم تفه - عبرا

فأن يكن أي سير في المكان يرى ... ففي الزمان مسير جاوز النظرا

ان صاغها من جمادات حجى بشر ... فقد ترقت فأضحت ترشد البشرا

كأن دقاتها في كل آونة ... دقات قلب خفوق بالنوى صحرا

كأن في جوفها قلاب الزمان غدا ... يدق مستعجلا من نفسه ضجرا

يقطع الخفق منه كل آونة ... جزءا فتحسبه بالخفق منتحرا

بالخفق نحيى وذاك الخفق ينقصنا ... جزءاً من العمر من أرواحنا أنبترا

كأن دقاتها في السير حشرجة ... للدهر يلفظها جزء قد أحتضرا

كأنما هي أنفاس يرددها ... دهر تأوّه أو ذو علة زفرا

كأن توقيعها المرنان وقع خطى ... للدهر في موكب نحو الفنا عبرا

يبغى الفرار من الساعات عقربها=خوفا على العمر ممن تتلف العمرا

لكن يعود اليها مكرها جزعا ... كساكن قفصاأو موثق أسرا

ليت القلوب من الساعات قد وقفت ... أو ليت عقربها الجرار قد كسرا حتى تمر بنا الأوقات سانحة ... ما أن نحس لها طولا ولا قصرا

وكي تمر بنا الأوقات عابرة ... جسر الحياة وهذا البرزخ الخطرا

ما العمر إلا منام طال أم قصرا ... فلا تقطع مناما في الرقاد سرى

من يصح من نومه لم يلقى غير أسى ... وفاز بالسعد من في حلمه سكرا

دمشق

أحمد صافي النجفي

قصر الأحلام

في عالم الأحلام قد ... شاهدت أعجب الرؤى

رأيتُ قصراً شاهقاً ... بين الكواكب استوى

أبراجه من ذهبٍ ... مؤتلقٍٍ مثل الضحى

أشجاره تحكي الزمر ... دً الكريم في النقا

ينبوعه يرسل ما ... ءً كاللجين في الصفا

بلغته في مركب ... يجره بعض القطا

ثم دخلتُ ساحةً ... كهالةٍ من السنى

تضم حوراً قد رفا ... ن في الحرير والحُلى

وقيل لي ذلك قص ... ر الخلد لو شئت البقا

أصحابه قد وهبوا ... صعدا على طول المدى

لكن حبيبي لم أجده ... بين هاتيك الدُمى

فعدتُ أدراجي الى ... دنيا الزوال والفنا

أبحث عن خليّ بها ... هناك في عشّ الهوى

حسين شوقي

يا أم. . .

قد مزّقتْ صدرَها النبالُ ... وهَّدها السُّقم والهُزالُ لبيكِ يا مصرُ، لا تراعى ... فِدًى لك المالُ والرجالُ

يا أم لا تجزعي، فأنَّا ... نَقضي، ليبقى لك الجلالُ

من نيلك الكوثر أحتسينا ... سُلافة سكرها حلالُ

تطوف بالفكر في فجاج ... يقصرعن نقشها الخيالُ

وتدفُع الروح في صعيد ... من عالم الوَهم لا ينالُ

أروع ما قد لمست فيه ... حرية صاغها الجمالُ

لبيكِ يا أُم هاكِ قلبي ... آليتُ لن يَهَدأ النضالُ

هيا إلى الموتِ يا فؤادي ... أو يُصرع الظلمُ والظلالُ

ما أكثر الأُمنيات عِندي ... تجري وما ضمها مجالُ. . .

يضيقُ دهري عن رجائي ... ايسرُ ما أنشُدُ المُحَالُ. .!!

مختار الوكيل