مجلة الرسالة/العدد 320/الكتب

مجلة الرسالة/العدد 320/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 21 - 08 - 1939



فوزي المعلوف وآثاره

للأستاذ فائز. ح. عون

بقلم الدكتور إسماعيل أحمد أدهم

وهذه دراسة جديدة عن علم من أعلام الأدب الحديث تظفر به المكتبة الإستشراقية في اللغة الفرنسية من أديب شرقي تقدم بها كأطروحة إلى جامعة باريس لينال عليها إجازة الدكتوراه في الآداب. والدراسة تمتاز بطابعها المدرسي في العموم وكونها أقرب إلى التثبت العلمي منها إلى التخيل والنظر في المنهج، ففيها رجوع إلى المصادر واستقصاء لها، ودلالة على مناحي أهميتها مم تجده مبذولاً في قائمة المصادر والمراجع، وبعد ذلك ترى الضم للعناصر المتفرقة من المراجع بلا تعديل ومناقشتها بإحكام، ثم بعد ذلك الرجوع إلى ما يتصل بها من آثار فوزي المعلوف، والخلوص من ذلك بأحكام تغلبها نزعة التقدير

تستهل الدراسة بمقدمة عن الشعر العربي الحديث في طليعة

القرن العشرين، يتناول فيها صاحب الأطروحة بالبحث انبعاث

روح النهضة في الشرق العربي وخاصة لبنان، مبيناً الأسباب

التي كانت تعوقه عن أن يدور في آفاق الحياة الجديدة، التي

أخذت منها سوريا بطرف، وهذه الأسباب تعود إلى النظام

الحكم - عنده - وهو لهذا يرى أن الشعر العربي السوري لم

ينهض إلا في المهجر سواء كان مصر أم أمريكا. وهو يرى

فقدان زعيم المدرسة اللبنانية في الشعر، وقد تخرج على

مذهبه الإبداعي جل المجددين في الشعر العربي، يذكر منهم جيران ورشيد أيوب، ويرى فوزي المعلوف منهم. على أنه

يخطئ حين يقدر أن مطران هاجر إلى مصر عام 1884،

والصحيح أنه نزلها صيف عام 1892 كما جاء في البحث

السابع من دراساتنا عن مطران بمقتطف يوليه ينه 1939،

كذلك لم يلاحظ الكاتب أن مطران وإن أثر على جبران ورشيد

أيوب وفوزي معلوف، فقد كان تأثيره على جبران من جهة

الطلاقة الفنية، ولجبران بعد طبيعته الخاصة وأخيلته وأجواؤه.

أما رشيد أيوب وفوزي معلوف فقد وقفا من مطران موقف

التأثر التام بمعنى سوق أغراضه الشعرية، يظهر ذلك في

وحدة القصيد وسلسلة المعاني وبث فكرة مطردة في القصيدة،

وهذا ما فطن إليه الكاتب بالنسبة لفوزي المعلوف في أكثر من

موضع من الدراسة. على أنه يعود في المقدمة فيشير إلى تأثر

احمد شوقي بمطران في بدء شبابه، وما بدا من أثر مطران

في النثر التوقيعي (الشعر المنثور). ويلج المؤلف في غمام

هذه المقدمة المحيط العائلي والاجتماعي بالنسبة لفوزي

المعلوف، وهو يقف من هذا المحيط عند المجمل منه دون أن

ينزل إلى تفاصيله، أو يدل على روحه الشيء الذي تأثر به فوزي المعلوف فجاءت شخصية متأثرة بأربابه

والفصل الأول - من القسم الأول وهو عن الشاعر في لبنان - وقف على مولد الشاعر ونشأته. وفي هذا الفصل يقف المؤلف من طفولة الشاعر ونشأته عند حد النسيج الخارجي المربوط للزمان دون أن يحاول النزول إلى أعماق الطفل فيظهر بدرات روحه وخلجات نفسه، ومن هنا جاء عيب ملحوظ على الدراسة تكاد تراه في كل الفصول التي ترتبط بالترجمة عن حياة الشاعر. والفصل الثاني من هذا القسم وقف على الكلام عن آثار الشاعر الشعرية في الفترة الأولى من حياته ويجيء بعد ذلك الكلام عن المستر سلات تذهب منحى الفن المسرحي

أما القسم الثاني فيجيء عن الشاعر في البرازيل. الفصل الأول عن قصائده التي تذهب مذهب المقطوعات؛ أما الفصل الثاني فوقف على الكلام عن بساط الريح والفصل الثالث عن أسئلة الأدب، ويجيء بعد ذلك فصلان: الأول عن فكرة الشاعر والثاني عن فنه وفي ختامهما ملخص يتألف من مجموعها القسم الثلث من الكتاب، وفي نهاية الكتاب ملحقان الأول يحصر آثار المعلوف والثاني يحمل النص العربي للشعر الذي استشهد به في الدراسة، ففهرس لأسماء الأعلام، فقائمة بمواد الدراسة

وهذا العرض السريع لترتيب فصول البحث يبين مقدار تمكن المؤلف من الروح المنهجية في البحث التي جعلته يقسم بحثه تقسيماً معقولاً، على أن في الكتاب بعض هنات بسيطة جاءت في العموم في المواقف التي عرض فيها لفوزي المعلوف بالنسبة لشعراء آخرين، ويظهر أن سبب ذلك يرجع إلى آثار الآخرين الذين تتصل شخصياتهم أو آثارهم بشخص المعلوف أو فنه الشعري. من ذلك كلامه عن مطران ومقارنة فوزي المعلوف به. فهذه المقارنة خطأ من جهة المنحى الذي ذهب إليه المؤلف، فقد قرر أن مطران وقف عند حد التعبير عن احساسات الحب (عاطفيا) ' في حكاية عاشقين بعكس فوزي المعلوف الذي ارتفع في ملحق على بساط إلى آفاق فلسفية تتصل بعالم ما وراء الطبيعة، ومن هنا جاء ما عند فوزي المعلوف في بساط الريح - في نظر المؤلف - من الصراع بين الروح والجسد. وهذه الملاحظة وإن كانت صادقة ولكن إطلاقها بعد ذلك على الشاعرين فيه شيء من الخطأ لأن المسألة ترجع في ذلك الحين إلى كل آثار الشاعرين والطابع العام لشعرهما، وفي ذلك الوقت لا أظن أن هذا الحكم يتسق خصوصاً وما يعرف عن شعر الخليل في ملحمته (نيرون) أو قصيدته (رعمسيس) أو قصة (الجنين الشهيد) مثلاً

على أننا بعد ذلك لا ننكر ما قد أظهره المؤلف في دراسته من النظر، خصوصاً فيما أخذه على الناقد المعروف الأستاذ صديق شيبوب وما أبداه من مقارنة الشاعر موضوع الأطروحة، وبين رديارد كبلنج.

والدراسة في العموم غنم عظيم للمكتبة العربية، وللأدب العربي الحديث

إسماعيل أحمد أدهم