مجلة الرسالة/العدد 321/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 321/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 28 - 08 - 1939



تاريخ الأمم والبلدان الإسلامية

هذا عنوان الكتاب الضخم الذي أخرجه من أسابيع المستشرق العلامة الأستاذ كارل بروكلمن، وقد نشره في مدينة مونيخ من مدن ألمانية. وعنوان الكتاب في اللغة الألمانية:

والحق أني لم أقرأ الكتاب بعد، وذلك لأني على سفر ولأني أستريح ههنا من عناء المطالعة العلمية. غير أني رأيت ألاّ أهمل إخبار قراء (البريد الأدبي) بخروج ذلك الكتاب المفيد وحسبي اليوم أن أجمل لهم مشتمله على أن أعود إلى النظر فيه بعد زمن

1 - العرب والدولة العربية: الجزيرة قبل الإسلام. النبي محمد. الخلفاء الراشدون. الأمويون

2 - الدولة الإسلامية: العباسيون سقوط الخلافة وقيام الدول الصغيرة. الفرس والترك. الإسلام في الأندلس وشمال أفريقية. الشرق الأدنى أيام الحروب الصليبية. المماليك في مصر. الترك والمغول

3 - العثمانيون والإسلام: قيام الدولة العثمانية واتساعها في عهد سليمان. حضارة العثمانيين في أوج ملكهم. قيام الدولة الفارسية الثانية ومنافستها للدولة العثمانية. انحلال الدولة العثمانية حتى نهاية المائة الثامنة عشرة

4 - الإسلام في القرن التاسع عشر: الدولة العثمانية ومصر. الحياة العقلية في تركية ومصر. شمال أفريقية والسودان وإيران والأفغان

5 - حال الدول الإسلامية بعد الحرب الكبرى: تركية. مصر. الجزيرة. الشام. فلسطين. شرقي الأردن. العراق. إيران. الأفغان

(تلال الفوج. فرنسة)

بشر فارس

أهداف الفتوة العراقية

كان يجب أن يكون مفهوماً أن في مصر رجالاً أكرمهم العراق من أمثال الزيات والسنهوري وعزام، وهؤلاء تُقبَل شهاداتهم الكريمة في العراق بتحفظ واحتراس، لأنهم ينظرون إلى العراق نظر المحب إلى الحبيب

وأنا عشت في العراق ونعمت بكرم أهل العراق، ومن السهل أن يقال إني أنظر إلى العراق نظر المحب إلى الحبيب

ولكنني أبعدت عن نفسي شبهة التلطف فلم أقل في أهل العراق غير كلمات سجلت فيها ما يملكون من محاسن وعيوب

واليوم أراني مقهوراً على إعلان ما أُضمر لإخواني في العراق من الحب والإعجاب بعد ظهور المجموعة النفيسة التي أصدرتها مجلة العلم الجديد بوزارة المعارف العراقية، وهي مجموعة مقالات وأحاديث نشرها سعادة الدكتور سامي شوكة في مناسبات مختلفات، وهي تدور حول محور واحد هو تقوية الفتوة في النفس العربية

ولا يمكن أن يتصور قيمة تلك المجموعة إلا أحد رجلين: رجل قرأها وعرف ما فيها من معانٍ سامية، أو رجل عرف الدكتور سامي شوكة وطالع ما في روحه الوثاب من قوة وحماسة

والدكتور سامي شوكة معروف لأهل مصر، فقد زارها منذ أشهر أيام المؤتمر الطبي العربي وشاء له كرمه أن يودعها بهذه الكلمات الحِرار:

(أودّع مصر القاعدة الحربية لجيوش أمتي العربية التي استندت إليها في فتح أفريقية وأوربا الغربية يوم كانت تقود العالم نحو الحق والفضيلة والعدل. أودع مصر أكبر كوكب في سماء بلادي العربية، مصر التي تضيء لنا بعلومها وثقافتها سبيل الرقي والتقدم. أودع مصر عاصمة القرآن في القرن العشرين)

ومما يجب النص عليه أن الدكتور سامي شوكة وهو مدير المعارف العام بالعراق يحتم على جميع التلاميذ والمدرسين أن يلبسوا ملابس الفتوة لترتفع بينهم فوارق الترف في الملابس وليشعروا بأنهم جنود مستعدون لتلبية نداء الوطن حين يفزع إلى أبنائه الأبطال

فيا صديقي الذي لم أشهد فيه غير الشهامة والصدق، أعزك الله ونصرك، وجعلك قدوة لمن يخدمون المعارف بسائر الأقطار العربية

زكي مبارك مداعبات النشار

سيدي محرر (الرسالة)

وجه نظري أحدُ الأصدقاء إلى المداعبات التي ينشرها حضرة الشاعر الفاضل عبد اللطيف النشار، وقد أبى لطفه إلا أن تشملني. وهو حر في ذلك لولا أن بعض ما يكتبه أتاح فرصة لسوء التفاهم مع بعض الأدباء. وحسبي أن أقول إن آرائي من أدبية واجتماعية وغيرها صريحة معروفة، ولم أحتج مرة لستر أبى الفرج ولا غيره في التعبير الملفوف عنها. وعلى هذا فلست مسؤولاً عما يقوله زيد أو عبيد من معارفي أو أصدقائي ولا أشاطر أحداً منهم خفيةً، كما أن أحداً منهم لا يتحمل مسؤولية كتابتي. وأما عن خلطه الآخر وذكره رجلاً من أعلام النحالة المشهورين وهو المستر (ليونارد هاركر) فمغفور أيضاً لمثل حضرته ما دام ذلك من مظاهر لطفه. وقد ينتفع حضرته لهذه المناسبة بالإطلاع على مجلة وإن لم يرضه أن يجد أبناء العالم الجديد يفهمون العلم والأدب والتأريخ لهما على غير ما يفهم

وبعد. فلما كنت قد نفضت يدي من الأدب العربي منذ زمن فإني أعدّ نسياني تفضلاً كريماً من آبي الفرج الأسكندراني وأدعو له بالهناءة والتوفيق.

أحمد زكي أبو شادي

في الفصول والغايات

قال أبو العلاء المعري في كتابه العبقري (الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ):

(الجسد بعد فراق الروح كما قُص من يدك، وقُصِّر من فودك: إذا ألقى فسيط في النار لم تباله، وإذ غرق فليل في اللُّج فكذاك؛ هكذا يقول المعقول، ولله نظر في العالم دقيق. لا يمتنع أن يكون جسد الصالح إذا قبر في النعيم، وجسد الكافر في عذاب اليم، لا يعلم به الزائرون، وعابد الله ليس بغبين. ليت أنفاسي أُعطين تمثلاً، فتمثل كل نفس رجلاً قائماً يدعو الله تبتلاً يمنع جفنه لذيذ الإغفاء)

رويت الفصل كله ليُعلم أن الشيخ قد فن في الكتاب فنيناً، ونوّع فصوله تنويعاً، فلم يقتصر على أشياء ما تعداها. وما أقصد بما أملئ أن أبحث بحثاً فلسفياً ولا (دينياً). الخطب ضئيل: في الفصل: (فليل) وقد قال محقق الكتاب في التفسير: (الفليل: ناب البعير المنكسر، أو ما ندر عن الشيء كسحالة الذهب وبرادة الحديد وشرارة النار) وعندي أن الفليل هنا هو الشعر، (ما قص من يدك) تشرح (الفسيط) و (ما قصر من فودك) توضح (الفليل). وفي اللسان: (الفليلة والفليل الشعر المجتمع) وفي فقه اللغة: (سبيخة من قطن، عميتة من صوف، فليلة من شعر، سليلة من غزل)

وإن استقل أديب نقد لفظة واحدة في هذا الكتاب فلا يلمني، وليلم إمعان العلامة محققه في التدقيق ومبالغته في الضبط فهو الذي حرمه نقداً كثيراً يشتهيه. . .

إن (الفصول والغايات) كتاب عجيب ما اخرج عالم في هذا الوقت من معادن الأدب القديم عديله، ولم يحقق مصنف تحقيقه. ولن يشينه أبداً إن الطبعة الأولى لم تنفذ حتى اليوم، وإنما يعرُّ ذلك القاهرة ومصر وبلاد العرب، ويخبر أن القوم (إلا أقلهم) لم يبرحوا في الشط.

  • * *

مصارحة وتصحيح

لا ندري ما الذي يحمل الدكتور زكي مبارك على أن يحرف كلام الناس ثم يتهمهم بأنهم يحرفون كلامه! لقد أتهمنا حين أنكرنا عليه قوله: (اشغلني عنك يا رباه بما سيكون في الجنة من أطايب النعم) بأننا حذفنا قوله عقبه: (فأن بصري أضعف من أن يواجه نورك الوهاج) ليجوز لنا أن نصفه بسوء الأدب في الدعاء، وسوء الفهم للدين. والجملة التي أخذناه بها لا يمكن أن يصلحها أية جملة أو جمل يمكن أن تضاف إليها، فضلاً عن جملة يصح في نفسها أن تكون موضع مؤاخذة لأنها تثني على الله سبحانه بما لا يكاد يصلح ثناء على الشمس التي خلقها. فلو أننا ذكرناها لأخذنا كاتبها مؤاخذة أخرى، ولكننا اكتفينا بمحاسبته على أشنع غلطتيه، كما سبق أن نبهنا

والآن يأتي الدكتور في خطابه في العدد 319 من الرسالة فينسب إلى كاتب فيها أنه قال: إن من حق الدكتور أن يتكلم في الأدب لأنه دكتور فيه، وليس من حقه أن يتكلم في الدين لأنه ليس دكتوراً فيه! والذي نعرفه أن الكاتب الذي يعنيه الدكتور لم يقل هذا، وإنما قال إن للدكتور أن يتظرف أو يتمجن في أسلوبه حين يكتب في الأدب الذي هو دكتور فيه، وليس له أن يتظرف أو يتمجن حين يكتب في الدين أو حين يدعو الله. فهو ينكر على الدكتور لا مجرد الكتابة في الدين، ولكن إساءة الأدب في الكتابة، سواء أكان دكتوراً في الدين أم غير دكتور فيه. وأظن نعمة الإسلام التي يحمد الدكتور الله عليها من شأنها أن تجعل الدكتور يوافق الكاتب على ما قال، سواء أقر بما سماه الكاتب تمجنا في دعاء زكي مبارك الذي دعا أم لم يقر.

على أننا مع هذا نحب أن نصارح الدكتور زكي مبارك أن خيراً له وللناس أن لا يكتب في الدين، لا لأنه غير دكتور في الدين ولكن لأنه غير متمكن فيه. وفرق بين الاثنين. فلو كان متمكناً في الدين لجاز له أن يكتب فيه ولو لم يحمل فيه شهادة أو لقباً ما.

ولكنه للأسف غير متمكن، ودليل ذلك أخطاؤه الكثيرة التي وقع فيها، والأخطاء التي لا يزال يقع فيها كلما كتب في الدين أو فيما يتصل به.

والخطأ في الدين ليس كالخطأ في الأدب، كما أن الحال في الدين ليس كالحال في الأدب فوضى لا يهتدي فيها بمعيار يميز الخطأ من الصواب. فمعيار الحق والصواب في الدين موجود لا يخطئ، إلا وهو الكتاب الكريم والسنة المطهرة. ما وافقهما كان هدى وصوابا، وما خالفهما كان خطأ وضلالا. والعقل بعد أن ثبت عنده أن القران من عند الله، وأن محمداً رسول الله، ملزم - ملزم بمنطقه هو - أن يسمع ويطيع من غير تردد ولا ريبة سواء فهم الحكمة أم لم يفهم، كما يقبل النظريات الرياضية مهما بدت معقدة غريبة. إن للعقل طبعاً أن يحاول الفهم ما استطاع، بل هذا هو واجبه، لكن ليس له أن يوقف السمع والطاعة في الدين على الفهم و (المعقولية) وإلا أصبح الدين رأياً يتغير، أي أصبح غير دين

فقول الدكتور زكي مبارك إن لكل مسلم الحق في أن ينظر إلى الله وإلى الوجود كيف شاء في حدود المنطق والعقل، قول يحتاج إلى تكملة، تكملة الاهتداء بالكتاب والسنة، لأن العقل قوة لا تستطيع تفكيراً صحيحاً إلا من مقدمات صحيحة. والمقدمات الصحيحة في الدين - بعد الدخول فيه بالعقل - لا توجد إلا في كتاب الله وسنة رسوله. فإذا لم يهتد العقل بهما فقد ظل سواء السبيل

والدكتور زكي مبارك في تطبيقه ما يسميه المنطق والعقل كثيراً ما يخالف الكتاب والسنة كما فهمهما أولو العلم من المسلمين من لدن زمن الرسول إلى يوم الناس هذا. ومن هنا كانت أخطاء الدكتور، ومن هنا كان ما يشكو منه من سوء الظن به. فلو أنه اهتدى بالكتاب والسنة في تفكيره لقلت أخطاؤه كثيراً، ولجاءت حين تجيء من نوع لا يضره ولا يضر الناس. إذن لما قال - مثلاً - (اشغلني عنك يا رباه) بأي شيء لأي سبب؛ ولما جزم بأنه سيدخل الجنة بكتابه (التصوف الإسلامي) فضلاً عن أن يدخل معه (على حسابه) ألوفاً من الأدباء كما يقول، لأن الزيات - في زعمه - قال قولاً كهذا (والزيات رجل صادق الإيمان ورجاؤه عند الله مقبول) فإن هذا النوع من الكلام حابط باطل في الدين، فقد شهدت بالجنة من هي خير من الزيات لمن هو خير من زكي مبارك فأنكر النبي ذلك عليها وقال: من أدراك؟

ويجب أن يذكر الدكتور أن الإسلام ليس مجرد إقرار، ولكنه أيضاً عمل. والكتابة عمل، بل هي من الأديب من أهم الأعمال. فليراقب الدكتور الله في كتابته فلا يأتي فيها بما ينكره الإسلام، فإن فعل فلن يجد في المسلمين إلا من يحسن الظن به، فإن الذي حمل على سوء الظن به إنما هو ما وجد فيما كتب إلى الآن من مخالفة الكتاب والسنة حتى فيما يتعلق بالأساسي من الأمور

(بور سعيد)

محمد أحمد الغمراوي

فتوى الأزهر في أسباب الرق وأحكامه

أرسل بعض علماء جاوة إلى لجنة الفتوى بالأزهر الاستفتاء الآتي:

(رجل باع ولده الحر لمسلم أو لغيره، فهل يصح هذا البيع؟ وهل يصير هذا الولد ملكاً للمشتري؟ وإذا لم يصح البيع فما حكم عقده؟ وهل يجب استرداد الثمن؟ وما هي أسباب الرق بالضبط؟)

وقد أجابت لجنة الفتوى على هذا الاستفتاء بما يأتي:

الاسترقاق ظاهرة اجتماعية نشأت منذ ابتدأ الاجتماع الإنساني.

وترجع هذه الظاهرة إلى تغلب القوي على الضعيف وتسلطه عليه واستخدامه إياه وقد كان الرق شائعاً قبل الإسلام في جزيرة العرب، فكان الناس يتخطفون الغلمان والفتيات من بين أهلهم ويذهبون بهم إلى الأسواق حيث يوجد النخاسون وسماسرة الرقيق؛ وكذلك كان شائعاً قبل الإسلام في أمتي الفرس والرومان على ما كان في جزيرة العرب وأشد

وكانت معاملة الأرقاء في هذه الأمم تختلف في القسوة واللين تبعاً لاختلاف دياناتها وتقاليدها، إلا أن هذه المعاملة على العموم كانت قاسية جداً يظهر فيها سلطان القوي على الضعيف بأجلى معانيه، بل إن الديانة الهندية القديمة المؤسسة على رعاية الطبقات البشرية كانت تعتبر الأرقاء من الطبقة الدنيا التي تلزمها الخسة لذاتها، ولا يمكن أن ترقى يوماً إلى ذروة الطهارة الإنسانية

فجاء الإسلام وسوى بين الناس جميعاً وأعلن أن لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، ولكنه وجد نظام الاسترقاق قائماً بين الأمم ومعتبراً فيها من النظم الاجتماعية المتغلغلة في صميم الحياة إذ ذاك، فلم ير من الحكمة في التشريع أن يلغي هذا النظام إلغاء تاماً بل عمد إلى تقرير المبادئ الآتية التي تخفف من آثار الرق وتنظم العلاقة بين المالك والمملوك لا على أساس القوة والضعف كما كان في الأمم السابقة، بل على أساس المحبة والأخوة وتبادل المنافع والتعاون في شؤون الحياة. ولا نبالغ إذا قلنا إن مبادئ الإسلام التي شرعها في الاسترقاق تعتبر بمثابة إلغاء الرقيق. وإليك بعضاً من هذه البادئ

أولاً: ضيق الإسلام في أسباب الرق حتى حصرها في سبب واحد هو محاربة المشركين للإسلام وصدهم الناس عن سبيل الله، فأذن للمسلمين الذين يدافعون عن دينهم ويردون عنه عادية المشركين أن يضربوا الرق على من يقع بين أيديهم من أسرى هؤلاء المشركين المحاربين

ثانياً: لم يجعل هذا الاسترقاق ضربة لازب ولا نتيجة حتمية لمحاربة المشركين والظفر بهم، بل جعل ذلك من قبيل نظم السياسة الحربية، فخير الإمام في أن يلجأ إلى الاسترقاق إذا رآه وسيلة من وسائل الإعزاز لدين الله وكسر شوكة المعتدين، وفي أن يمن على الأسرى فيطلق سراحهم بفداء أو من غير فداء

ثالثاً: إذا رأى الإمام أن في الاسترقاق وسيلة حربية لإعزاز الدين ودفع اعتداء المعتدين فلجأ إليه فإن الإسلام لم يترك الحبل على الغارب ولا ترك الرقيق لمشيئة مالكه ورحمته يحمله من عناء الأعمال ما شاء كما كان في زمن الجاهلية، ولا جعل حظيرة الرق حظيرة أبدية لا يتسنى للرقيق الخروج منها بحال، بل عنى بأمر الرقيق وأوصى المسلمين به خيراً، قال تعالى: (وبالوالدين إحساناً، وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم). وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس). وقال : (من كانت له جارية فعلمها فأحسن تعليمها ثم تزوجها كان له أجران)

ثم رّغب في العتق ودعا إلى تحرير الرقاب، وجعل لمن أعتق رقبة ثواباً عند الله يعدل ثواب كثير من الطاعات، بل أوجب الإسلام ببعض المعاصي تحرير رقبة كمن قتل نفساً خطأ أو أفسد صيامه عامداً أو حنث في يمينه التي عقد عليها قلبه

وآيات القرآن العظيم وأقوال الرسول الكريم في الرفق بالرقيق والإحسان إليه في المعاملة كثيرة ومشهورة. من هذا يتبين أن ليس للرق في الإسلام إلا سبب واحد هو ما أسلفنا الإشارة إليه من محاربة المشركين واعتدائهم على المسلمين، وأن الاستيلاء على المشركين بأي وسيلة كانت زمن السلم، ومن غير محاربة، وخطف الأولاد من أهليهم كما كان يعمل في الماضي، كل ذلك لا يترتب عليه أن يكون المستولي عليهم أرقاء ولا يسوغ التصرف فيهم بحال

وإن بيع الرجل ولده يكون بيعاً باطلاً يجب منعه، ويجب رد الثمن للمشتري، ورد الولد إلى أبيه والله أعلم

محمد عبد اللطيف الغمام

رئيس لجنة الفتوى

سعد وسعاد ومعاوية بن أبي سفيان

ذكر صديقي الأستاذ علي الجندي أني مررت على قوله (وإلى تلك الجهة الأموي المدل بمكانه من قريش ومكانه من الخليفة مروان ابن الحكم) مراً خفيفاً. ففهمت أن مروان بدل من الخليفة مع انه ليس بدلاً منه. ولو أنصفني صديقي لذكر أني حين لم استسغ ذلك مررت به مراً دقيقاً، وأن هذه الدقة كانت سبباً في ظهور أمر لم يكن أحد لينتبه إليه لولا أني لم استسغ ذلك، وذلك الأمر هو أن الذي فعل ذلك مع سعد وسعاد هو ابن أم الحكم لا مروان بن الحكم، كما جاء في بعض الروايات. ولا شك أن منشأ ذلك الخلاف بين الروايتين هو اشتباه الاسمين، والمعقول في هذا أن يشتبه اسم ابن أم الحكم باسم مروان بن الحكم، لأن الثاني أشهر من الأول، فمن القريب جداً أن يكون بعض النساخ أبدله به، لأنه لم يسمع إلا باسم مروان بن الحكم

وقد ذكرت لصديقي الأستاذ الجندي أني لم أستسغ ذلك لمروان بن الحكم لأنه كان رجلاً كبيراً يطمح إلى ما يطمح إليه كبار الرجال، ولا تدنو نفسه إلى مثل تلك الصغائر، ولم يكن كما قال الأستاذ رجلاً مفتوناً مدلاً، بل كان رجلاً عاقلاً ذا دهاء وسياسة، وقد اشتغل بالسياسة العالية وهو شاب صغير في خلافة عثمان رضي الله عنه، فكان فيها مشيره ووزيره، وقارع في ذلك أمثال علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله ومعاوية بن أبي سفيان، وما زال يطمح إلى أبعد الغايات ويعمل ليظفر بملك المسلمين حتى ظفر به وأسس دولة بني مروان الكبيرة فكان لها ما كان من الملك الكبير في الشام وغيره من البلاد الإسلامية، ثم بالأندلس التي نافست الدولة العباسية، فمثل هذا الرجل لا يستسيغ العقل أن يقع في تلك الصغيرة التي جاءت في تلك القصة، وإنما يستسيغ وقوع ذلك من أمثال ابن أم الحكم

وهذا إلى ما ذكرته في كلمتي الأولى هو منشأ اضطراب تلك القصة عندي، لا أنها موضوعة أو غير موضوعة كما نسب إلي الأستاذ الجندي، فإني لم أذكر ذلك أصلاً، ولا يمكن أن يقع فيه رجل يفهم شيئاً في الأدب. ولا زلت أرى أن تلك القصة موضوعة، وأنه لا فرق فيها بعد ذلك بين أن تكون واردة في كتاب تزيين الأسواق أو في غيره من الكتب التي يحتفل الأستاذ الجندي بروايتها، مع أن احتفاله بروايتها يناقض تردده في أنها موضوعة أو غير موضوعة، كما يناقض جزمه بوضع ما جاء فيها من الأشعار على لسان معاوية

وقد سكت الأستاذ الجندي عن دليلي على وضعها من هذا البيت الذي جاء فيها:

قد كنت تشبه صوفياً له كتب ... من الفرائض أو آيات قرآن وهو دليل على وضعها لا يمكن نقضه، ولا أدري لماذا سكت الأستاذ الجندي عنه

أما ما ذكره الأستاذ الجندي عن مروان في تلك الفتن التي فرقت كلمة المسلمين، فهو من الأمور التي أختلف العلماء قديماً فيها، ومقام مروان في تلك الفتن كمقام معاوية رضي الله عنه. على أن ذلك خروج عن موضوعنا، لأني نفيت ما ورد في تلك القصة عن مروان بن الحكم لأنه كان رجلاً كبيراً لا يقع في تلك الصغائر، لا لأنه كان رجلاً عادلاً يتنزه عن الظلم

ولا أحب بعد هذا أن أطيل النقاش في كل ما جاء في كلمة صديقي الأستاذ الجندي، لأن القصة لا تستحق طول النقاش، ولأني لا أحب أن أشغله عن المضي فيما ينشره بمجلة الرسالة الغراء. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عبد المتعال الصعيدي

العثور على أبيات من الشعر وقطعة نثرية في آثار الفيوم

أذاعت مصلحة الآثار بياناً عما قامت به بعثة جامعة ميلانو الملكية من أعمال البحث والتنقيب عن الآثار في منطقة مدينة ماضي بالفيوم. ومن أهم ما عثرت عليه عدد من المستندات معظمها أدبي، وقد عثر عليها في أحد أركان حجرة صغيرة، وقد تحولت كلها إلى قطع متناثرة من تأثير الطبيعة.

ومن الأنظمة التي تتبعها البعثة دراسة النصوص وجمع أجزاء الآثار بعضها إلى بعض. وقد أمكن معرفة ثماني فقرات من الإلياذة، وكذا أوائل سبعة عشر سطراً من الشعر لا تمت بصلة إلى هزيود ولا إلى أبو للنيوس برودس

ووجدت أيضاً أجزاء صغيرة من أناشيد، ونص قطعة نثرية يرجح أنها لخطيب أكثر من أن تكون لمؤرخ، وفيما عدا القطعة النثرية المكتوبة بحروف صغيرة فإن الباقي مكتوب بحروف جميلة كبيرة الحجم يرجع تاريخها إلى أوائل عصر المسيح أو قبل ذلك بقليل.

كتاب الجماهر

مما أتحفنا به الأديب الكبير الأستاذ النشاشبي في (نقل الأديب) العدد 318، قول عن (التاج) جاء فيه: (نقل شيخنا عن أبي الريحان في كتاب الجماهير قولهم. . .

لأن الرطوبة فصل مقدم لذات الماء. . . الخ) (رقم 482 حاشية 1) والكتاب إنما هو (الجماهر) لا الجماهير، وأسمه الكامل (الجماهر في معرفة الجواهر) لمؤلفه أبي الريحان البيروني نشره المستشرق العلامة الدكتور سالم الكرنكوي (ف. كرنكو) وطبعته جمعية دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد سنة 1355 هـ، والعبارة المنقولة في التاج هي في ص120 من كتاب الجماهر كما يلي:

(لأن الرطوبة فضل يقوم لذات الماء. . . الخ) وهذا هو الصواب.

(دمشق)

س. أ

على منهج الأغاني

للأستاذ النشار منزلة رفيعة في نفسي ولكتابته الأخيرة عن شعرائنا قدر كبير من اهتمامي وعنايتي وإعجابي وهو صديقي وأستاذي من زمن بعيد، ولكن ذلك لا يمنعني أن أقول كلمة عن أشياء عنت لي في مقالاته

لم أجد اتفاقاً بين الأغاني ومنهجه غير وضع لفظة (الصوت) على بعض الشعر وغير (حدثنا فلان عن فلان) وقد قال الأستاذ في مقاله الأول (ولن نخترع ولن نلفق إلا أن يكون ذلك من مستلزمات الكتابة) ومع هذا فيكاد يكون 80 % من مقالاته تلفيقاً على طريقة (إن لم يكن فقد كان يجب أن يكون)

وقد كان صاحب الأغاني يذكر الصوت فيترجم لصاحبه ويذكر آراء النقاد والعلماء فيه ثم يقص شيئاً من أخباره.

والأستاذ النشار لم يفعل شيئاً من ذلك فهو يكتب شعراً لغير الشاعر ونقداً لغير الناقد ثم يقول: (إنهم لا يقولون ذلك ولكن أحسب هذا هو الذي يجب أن يقولوه) ولعله لجأ إلى هذا ليتسنّى له تصريف القول كما يريد. وكان الأجدى لو عمد إلى أبيات من شعر من يريد أن يترجم له يتميز فيها مذهبه وطريقته ثم يكتب ما قد قيل فيه من رأي ثم يعقب برأيه. وقد يذكر الأستاذ الإسكندراني ما لا داعية إليه مثل أن يقول: (حدثنا الأستاذ خيري سعيد قال: حدثنا العلامتان هيجل وشليجل قراءة عليهما. وحدثنا الناقدان هردر وفيخت ولم يقل بماذا حدثوه، وأغلب الظن أنهم لم يحدثوه بشيء، أو لعله آثر ألا يروي عن هؤلاء العلماء الألمان حتى يرى ماذا ستصنع ألمانيا في مشكلة دانزج)

فما نرى في مثل هذه العبارة ما يفيد الأدب أو التاريخ!

وقد ترجم أبو الفرج إلى الآن لشاعرين نراه خالف ما أتفق عليه الرأي في أحدهما، فمثلاً إذا جاء في القرن الخامس والعشرين من يريد أن يعرف زعيم المدرسة الحديثة في القرن العشرين لا يستطيع أن يعتمد على رأي الأستاذ، لأن المعروف والحق أن الذي فتح باب الحديث إنما هو (مطران) ومن خلفه (أبو شادي) أما ناجي فلم يكن له - فيما نعلم - تأثير بالغ في هذا الاتجاه. وقد يحجنا الأستاذ بأن هذا رأيه، فكان عليه - وقد خالف المشهور والمعروف - أن يعزز رأيه بالحجة والدليل

وكذلك نراه يقول عن صالح جودت (الموسيقار الكبير) وقد نفهم أنه يريد من ذلك السخرية ولكنا نرى أن في هذا مضلة لمن يأتي بعدنا

ومسألة رابعة أريد عنها جواباً. من المأخوذ بالرأي المتحدِّث أو المتحدَّث على لسانه؟ وبعبارة أوضح من نأخذ بما قال الأستاذ في امرئ القيس، الدكتور هيكل أم صاحب الأغاني؟

يقول الأستاذ على لسان هيكل: (وأني لأعجب من معلم اللغة العربية لا يقول لتلاميذه إن امرأ القيس وإن كان عبقرية فذة في فنه فإنه كان في آرائه وشعره نحو النساء كأي حمار في الطريق وإن غزله لا يختلف شيئاً عن النهيق؟) أهذا يقال؟!

والأستاذ النشار قد أجاد في ابتكار طريقة خاصة يدون بها التاريخ الأدبي لعصرنا الحاضر، فيها خفة وفيها ترويح عن نفوس القراء، ولكن ذلك قد يضطره إلى ما لا حاجة إليه كأن يقول: (واللحن لجوبلز على نغمة المترليوز)

وبعد، فرجائي إلى الأستاذ ألا يحوج الزمن إلى من يهذب (المنهج) كما أحوجه إلى من يهذب (الأغاني)

ودعوتي إلى الله أن ينسأ له في الأجل حتى يتم كتابه وحتى يتمتع قراء العربية بكتابته

علي محمد حسن

كلية اللغة العربية