مجلة الرسالة/العدد 325/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 325/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 09 - 1939



إلى الأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني

السلام عليك ورحمة الله، وليس يعيب الرجل أن يروي خبراً عمن يظن به الثقة إذ الخبر غير صحيح؛ ولا يعيبه أن ينقد بناء على هذا الخبر ويلوم، وأن يشتد في النقد والملام؛ وليس يعيب الرجل الفاضل أن يسرع إلى بيان الحق متى عرفه، بل الذي يعيبه ويضع من قدره ألا يفعل، وهذه الخلة مع الأسف العظيم شائعة في كثير من نقدتنا، كأن يروعهم ويتعاظمهم أن يرجعوا عما مضوا فيه ولو إلى الحق الصريح

ولولا ما أعرف يا أخي من نزاهة قصدك وسعة فضلك. وتمكنك من نفسك وضنك بها على كتمان الحق، ما راجعتك في شأن ما كتبت من كتاب حضرة الدكتور أحمد عيسى بك، ولا أطلعتك على ما هو مسجل في الوثائق الرسمية

فالحمد لله الذي لم يخلف ظني ولم يخيب رجائي

وإنني أدعو الله جاهداً أن يكثر بين نقدتنا من أمثالك، ولا أقول إنني أسأل الله شططاً، وأستغفر الله، فإنني مؤمن بأن الله على كل شيء قدير

والسلام عليك والشكر أبلغ الشكر لك

عبد العزيز البشري

لكل سؤال بابتين جواب

1 - اهتم الأستاذ محمود على قراعة بشرح آراء العلماء في نعيم الجنة ولم يفته أن يحاول إقناع الأستاذين داود حمدان ومحمد علي حسنين بأن نعيم الجنة تغلب عليه النزعة الروحية

وقد كان الأستاذ قراعة في غاية من اللباقة، فقد رجع بانتظام عن رأيه الأول الذي صرح فيه بأن نعيم الجنة روحي صرف وأن ما جاء في القرآن من أوصاف النعيم المحسوس ليس إلا رموزاً وإشارات

ونحن لم ننكر أن الجنة فيها نعيم روحي بجانب النعيم الحسي، وإنما أنكرنا أن تؤول نصوص القرآن تأويلاً تنكره أصول الشرع الشريف

والآن وقد اعترف الأستاذ قراعة بأن القرآن يشهد حقاً بأن المؤمنين سيكون لهم في الجنة (أنهار من ماء غير آسن، وأنهار من لبن لم يتغير طعمه، وأنهار من خمر لذة للشاربين، وأنهار من عسل مصفى) الآن وقد اعترف بذلك هل يسمح له ذوقه بأن يحكم بأن الآيات التي تحدثت عن هذه الطيبات تعد من أدب المعدة الذي ينكره الأستاذ أحمد أمين؟

2 - صال الأستاذ الغمراوي وجال في مجادلتنا بالتي هي أقبح، وشاء له أدبه أن يقول إننا غير متمكنين من علوم الدين، كأنه صار من علماء العصر والأوان! ونقول إن دعواه باطلة: فنحن بحمد الله وتوفيقه نعرف من علوم الدين أضعاف ما يعرف الذين يدعوهم الكبر الممقوت إلى مجادلتنا في شؤون الدين وهم لا يعرفون من أصوله بعض ما نعرف

3 - قدم إلينا الأستاذ علي الطنطاوي أربعة أسئلة وهو ينتظر الأجوبة

وكنت أحب أن أسارع إلى إجابته، ولكني رأيت أن الأسئلة التي ساقها قد تعرض القراء لفتنة شديدة إن استبحنا الإجابة بلا ترفق وبلا رعاية للمأثور من الأفكار الدينية

وهو نفسه قال (إن مسألة اليوم هينة لا تمس جوهر الدين) فليترك هذه القضية إلى اليوم الذي نتعرض فيه لشؤون تمس جوهر الدين

وأنا لا أبالي أين يقع قلمي، ولكن لا بأس من التأسي بالحكمة التي تقول: أترك الشر ما تركك

وهل قلّت اعتراضات رجال الدين حتى تتطوع لتحريكهم يا سيد طنطاوي؟

على أنني أقول بصراحة إنني أضع كل شيء في الميزان مهما تقادم العهد عليه. ومن حقي شرعاً أن أنظر في القرآن نفسه بدون اعتماد على أقوال المفسرين، لأني مسئول رأساً أمام الله لا أمام الناس. وليس لأحد أن يطالبني بان أومن كما آمن. وهل منحنا الله العقل إلا لنواجه العقائد عن بصيرة ويقين؟ إنني راض عن طريقتي في درس الشؤون الدينية، والاحتكام في فهم الكتاب والسنة إلى المنطق والعقل، فليقل من شاء ما شاء، وبالله أعتصم من كيد الخائنين.

زكي مبارك

عود إلى اقتباس الكتاب

يذكر القارئ هذا الباب من الرسالة أني أخذت على الأستاذ إسماعيل أحمد أدهم اقتباسه لبعض ما جرى على قلمي في حديث الرمزية معنى ومبنى (راجع الرسالة رقم 312 ص 1271) وقد تعذَّر على المقتبس أن ينكر ذلك، فقال يتعذر: (إنني حين أكتب بالعربية فأنا أكتب بلغةٍ غير لغتي الأصلية، ومن هنا بعض ما يجئ على قلمي من التعابير الخاصة لكتاب اليوم استدراكا للمعنى الذي في ذهني. . .) (الرسالة رقم 313 ص 1331)

والحق أن الأستاذ أدهم يقتبس المعنى فضلاً عن المبنى. ومن مقتبساته الأخيرة أنه أغار على نقدي لكتاب صديقي محمود تيمور وعنوانه (فرعون الصغير) فقد كتبت في مقتطف يولية الأخير (ص 252 أول باب المكتبة): (في فرعون الصغير تخف وطأة الواقعية بحيث لا تملك على بعض القصص مداخلها ومخارجها. ففي القصة الأولى وعنوانها (فرعون الصغير) يشغل خيال المكان الأول حتى إنه يردّ القصة إلى لون معروف هو اللون التخيلي وفي القصة (المخ العجالي) يسطو اللون الباطني المستمد من علم النفس الفرويدي على المجري الواقعي للحوادث والأحوال). ثم كتبت: (بهذه المجموعة من الأقاصيص تأخذ طريقة الأستاذ محمود تيمور، على ما يبدو للناقد، في جهة جديدة. وذلك أن تيمور كان منصرفاً إلى طريقة الواقعية)

وإليك الآن ما نشره الأستاذ أدهم في الرسالة (العدد 319 ص 1621 و1622): (. . . وأقصوصة فرعون الصغير يبرز فيها اللون التخيلي حيث يتغلب على بناء الأقصوصة الجو الخيالي. وفي الأقصوصة الثانية وهي (غريم) تجد تيمور بك يقيم هيكل أقصوصته على أساس من تنازع العواطف. وهذا اللون الباطني، وإن كان خفيفاً في هذه الأقصوصة، فهو يعود إلى علم النفس الحديث، والتأثر بالفرويدية واضح فيها) (ص 1622 ع1 س 9 - 12؛ 20 - 24). ثم كتب: (وهكذا يمكنك أن ترى من مجري حوادث الأقاصيص أن التخيلية من جهة والباطنية من جهة أخرى أخذت تطغى على الواقعية الساذجة ولكن بدون أن تفوقها وهذا التطور عند تيمور بك طبيعي. . .) (ص1622 ع2 س3 - 6) ذلك ما جاء على قلمي في أول يولية وما جرى به قلم أدهم في الرابع عشر من أغسطس. والموازنة ميسورة للقارئ

على أني أظن أن فطنة المقتبس حدثته بأن يبدَّل من الأصل فمسخه. ألا تراه ينسب (اللون الباطني) الذي أصبته في قصة (المخ العجالي) إلى قصة (غريم)؟ ثم ألا تراه يجعل الكلمة الإفرنجية إزاء التعبير العربي (اللون التخيلي) على حين جعلت إزاءه كلمة وكأني بالمقتبس أراد أن يستر طرفاً من اقتباسه فيأتي بشيء من عنده، شأنه مع حديثي في الرمزية إذ كتب: (لوامع النفس وبوادرها)، وفي الأصل: (اللوامع والبواده) فأجرى البوادر مجرى البواده (راجع الرسالة رقم 312 ص 1272). وكما أنه مسخ هذا التعبير من قبل كذلك مسخ نقدي لفرعون الصغير

وبيان ذلك أن قصة (غريم) لا شأن لها باللون الباطني. وأظرف من هذا استبدال الكلمة الفرنسية في نقدي. ذلك أن الكلمة التي تنظر إلى اللغة الألمانية هي وأما التي أتى بها المقتبس فتدل على شيء آخر. وحسبك أن تعرف أنها تقع صفةً للغات المنحدرة من اللاتينية كالإيطالية والبرتغالية والرومانية، وصفةً لفن العمارة في البلدان اللاتينية من المائة الخامسة إلى الثانية عشرة

والآن دعني أقص عليك كيف زلَّ قلم المقتبس هنا، والقصة مُلحة، والملح في هذه الأيام السود من نعم الله

قرأ المقتبس في المقتطف كلمة إزاء هذا التعبير: (اللون التخيلي)، فقال في نفسه: أُغير على التعبير العربي، لأن العربية ليست لغتي الأصلية وفي ذلك معذرة، ولكني أبدل الكلمة الفرنسية. وإذ المقتبس لا يعرف من الفرنسية إلا الشيء القليل كما بينت في الرسالة (رقم 314) والمقتطف (أغسطس 1939) طلب معنى الكلمة الفرنسية في معجم إنجليزي، ظناً منه أن الكلمة بمعنى واحد في اللغتين لأن هجاءها واحد فيهما. ولكن كيف يأتي المقتبس بشيء من عنده وهجاء الكلمتين واحد؟ فتحول إذن إلى اللغة الألمانية وطلب في معجم من معجماتها ما ينظر إلى الكلمة الإنجليزية: له كلمة وذلك لأن الإنجليزية تقع فيما تقع صفةً لفن العمارة المذكور فوق هذا الكلام، وللغات المنحدرة من اللاتينية

بشر فارس

بين الدكتورين بشر وأدهم

أرسل إلينا منذ أسبوعين الدكتور إسماعيل أدهم رداً مسهباً على الدكتور بشر فارس جعله فصل المقال فيما شجر بينهما من خلاف، ولعلنا نستطيع أن ننشر منه في العدد المقبل.

حول الشراة

جاء في الرسالة عدد 318 في (خليل مردم بك) لأستاذ جليل هذه الكلمة

(لولا أن يغضب أو أن يشرى صاحبنا الأستاذ أبو اسحق اطفيش نزيل القاهرة، ومن علماء إخواننا الأباضية وفضلائهم لشننا على (الشراة) غارات، وفندنا (مقالاتهم) الخارجية بمقالات في (الرسالة الغراء) متلاحقات)

أيها الأستاذ الجليل - إني أنزهكم أن تتركوا ما تعتقدونه حقاً لغضب أستاذ أو صاحب. وهل يصح للموازين والنقاد الذين يسخطهم تفضيل شاعر على شاعر بباطل أو باعتقاد أنه باطل - إهمال فريق من الأمة له تاريخه وماضيه المبنيان على أساس مفند؟ سامح الله الأستاذ زكي مبارك فقد باع جميع أصدقائه لقوله حق يقولها أو فكرة يعتقد صوابها: فأرادنا كيف تنبذ الصداقات وتتضاءل قيم الرجال بجانب الحقائق

أنا أعتقد أن الأستاذ أبا اسحق لن يغضبه ما تكتبه، كما أعتقد أنه سيرد عليك إن تنكبت السبيل السوي

إن الأستاذ إبراهيم اطفيش كغيره من الأباضية ليسوا فئة متعصبة لرجال أو طوائف على بطلان وضلال؛ وإنما يتعصبون لحق يرونه مع إمام أو طائفة، فإذا اتبعوا مذهباً أو أخذوا بقول إمام - فلأنهم درسوه فوجدوه صحيحاً فاتبعوه. ولو أبنت لهم اليوم بطلان ما يذهبون إليه لنبذوه ورجعوا إلى الحق. ولا تخش أن تلاقي منهم عناداً ومكابرة؛ وإنما عليك بالحجة تجدهم لك أطوع من البنان

فأقدم أيها الأستاذ على عملك، ولا تخش غضباً، ما دمت مع الحقيقة والواقع

الشراة - يا أستاذ - طائفة من الناس حيروا العالم ودوخوا الدنيا وملئوا التاريخ ولم تخلص حقيقة القول فيهم إلى اليوم. ولقد يسرنا جداً أن تكتب فيهم مقالات متلاحقات تظهر ما أنبهم من أمرهم وجار من حكمهم وزاغ من عقائدهم، فتكون بذلك من المحسنين إلى التاريخ والحقيقة، ومن المحسنين إلى الشراة واتباع الشراة

ولقد يسرون - وهم في الأجداث - بما تكتبونه لأنكم تطلبون حقا - وقد كان شعارهم طلب الحق؛ فإن فعلتم أسديتم إليهم والينا جميلاً تطوق به الأعناق إلى يوم يحاسب على الجميل و (لا حكم إلا لله). وهل أجمل من إظهار حق غمطته السنون وغمرته (مقالات خارجية) مدة ثلاثة عشر قرناً؟

أراني قد أطلت وجرني الحديث إلى ما ليس من غايتي، فهل تسمحون أن أطلب إليكم إظهار اسمكم، فلطالما رغبت في معرفتكم، وكيف لا أرغب وقد كشفتم لنا ببحوثكم القيمة أنواعاً من حقائق أخفاها الدهر مما يدل على عظيم اطلاعكم وحسن تمحيصكم. . . وتقبلوا خالص احترامي. . .

القرارة: (جنوب الجزائر)

علي معمر الطرابلسي

برنامج وزارة الشئون الاجتماعية

وافق حضرة صاحب المعالي الأستاذ عبد السلام الشاذلي باشا وزير الشئون الاجتماعية على برنامج هذه الوزارة. ونحن نذيع نصه الكامل فيما يلي لاتصاله الوثيق ببرنامج الرسالة وهو:

1 - وضع تشريع لإلغاء البغاء ومحاربة الدعارة السرية

2 - العمل على إنقاذ الفلاح وإسعاده من طريق التعاون الإجباري وإنشاء بنك للتعاون المركزي

3 - وضع تشريع لحماية الطفولة المشردة يراعى فيه سلب الولاية من الآباء غير الصالحين للإشراف على أولادهم

4 - وضع تشريع لصيانة النسل وذلك بوضع رقابة خاصة على الحالة الصحية للأزواج قبل عقد الزواج بقصد العمل على إعداد جيل قوي شديد

5 - وضع تشريع لمنع الأطفال والبنات إلى سن معينة من التردد على السينما إلا في حالة عرض أفلام تعليمية تهذيبية أو أفلام خالية مما يؤثر تأثيراً سيئاً في الخلاق ومنعهم من ارتياد محلات الخمور وصالات اللهو وأمكنة القمار ومنتدياتها

6 - وضع تشريع لمقاومة التسول والقضاء على أسبابه

7 - الانتفاع الكامل بالإذاعة والعناية بنشرها في القرى لكي تتصل الحكومة بالفلاحين اتصالاً مباشراً وذلك بأن يخصص لهم برنامج خاص يبدأ بالقرآن الكريم ثم بنصائح صحية وزراعية وأخلاقية واجتماعية، وكذلك بعض أسباب التسلية التي تسري عنهم وتتفق مع حالتهم

8 - العمل على توحيد موارد الإحسان وجمعها وتوجيهها الوجهة النافعة، وتنظيم الجمعيات الخيرية والاجتماعية بما يكفل إنعاشها وبقاءها وتوجيهها الوجهات الخيرية الملائمة لحالة البلاد الاجتماعية

9 - محاربة البطالة وتوجيه الشباب إلى العمل الحر وتحسين حالة العمال وتنظيم شؤونهم ورفع مستوى معيشتهم

10 - بحث حالة السجون وتوجيه نظمها وجهة اجتماعية صحيحة، واستخدام المسجونين في أعمال التعمير كإصلاح الأراضي الحكومية والعمل على عدم عودتهم للإجرام وذلك بمعاونتهم بعد انتهاء مدة العقوبة على كسب عيشهم من طريق شريف

11 - توجيه الشعب توجيهاً يحقق وحدة البلاد وتمكين روح الإخلاص والتضحية للوطن والعرش والعمل على سلامة الأخلاق وتقوية الروح القومية وروح التعاون والاقتصاد بين طبقات الشعب بوسائل الدعاية المختلفة كالصحافة والخطابة والتمثيل والسينما

12 - الأخذ بالروح الصحيحة للتعاليم الإسلامية للوصول إلى مقاومة فوضى العلاقات الزوجية وما يترتب على هذه الفوضى من تفكك روابط الأسرة وانهيار العائلة

13 - تنظيم النشاط الرياضي للشعب وتنظيم أوقات الفراغ واستثمارها

14 - توجيه بوليس الآداب للعمل على صيانة الآداب العامة ومحاربة البدع السيئة والمنكرات في غير تعسف ولا جمود وزيادة قوته ليستطيع مواجهة هذه الأعمال

15 - بحث توحيد الزي وتحسينه بما يلائم أحوالنا وعاداتنا وجو بلادنا

لا تقولي نسيت

في قصيدتي (لا تقولي نسيت) التي تفضلتم فنشرتموها برسالة الأسبوع الفائت ورد هذا البيت:

من له. . . آه. . . من لأنغامه السود ... إذا شبت الليالي شجونه؟

والبيت يا سيدي ليس لي إلا قافيته، بل هو لصديقنا شاعر الشباب الأستاذ محمود حسن إسماعيل. . . وقد نسيت أن أقوس عليه. لذلك وجب التنبيه عبد العليم عيسى

سؤال؟

إلى (الأستاذ الجليل) اللغوي الكبير

تحية طيبة؛ وبعد فهذا سؤال في نظري عويص سألنيه صديق فعجزت عن الجواب عنه بعد أن بحثت فيما لدي من المعاجم، فلم يسعني إلا أن ألجأ إليكم للإجابة عليه وهو:

تسمى العرب فاقد البصر أعمى، وفاقد السمع أصم، وفاقد الشم أخشم. فماذا يسمى فاقد الذوق؟

أرجو الجواب على صفحات رسالتنا المحبوبة ولكم الشكر

ع. م. ح

كتاب البستان

أعاد الناشر المعروف (مكميلان) طبع كتاب البستان لأديب العربية الأستاذ الجليل والعلامة المحقق محمد إسعاف النشاشيبي بك. فرأينا أن نطرف قراء الرسالة بمقدمته ليعرفوا طريقته فيه وغايته منه. على أن من قرأ مقالات النشاشيبي لا ينكر علمه وفضله، ومن تتبع نقل الأديب للنشاشيبي لا يجهل ذوقه وعقله

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على محمد

ما الكبير بأحق بالعناية بشأنه من الصغير. وليس الشادي بأحوج إلى كتب في العلم والأدب يحتفل فيها العلماء من البادي. بل الثاني في هذا الأمر هو الأول، (والأهم مقدَّم) وإن على الذي يُلقنه في بدء تثقيفه المعوّل. وقد فطن لذلك فريق من عرب الدهر القديم وإفرنج هذه العصور، فخصوا تلك الطائفة من الطلاب بكتب جمة محكمة، وشرعوا لها في التهذيب شرائع بينة؛ فمشى الطالب في طريق معبد حافظ. وإني لما تقربت إلى عربيتي بتأليف مجموعتي (مجموعة النشاشيبي) لكي يرويها نشءُ العرب، ويستظهرها الشادون من الطالبين، ورأيت أن أجمع (لتلاميذ المدارس الأولية والابتدائية) أقوالاً قديمة عربية غير منقولة عن لغة غربية (ومن ورد البحر استقل السواقي، ومن لقي جالينوس استجهل الرواقي) وقد تحريت أن يدنو إليهم منالها، وتسهل لهم معانيها، ولا يلؤُم نظمها وسبكها.

والكلام يلؤم (يا فتى) كما يلؤم المرء، واللؤم شر الخلائق، واللئيم شر الناس، ولا خير في قول لم يكرم لفظه وتأليفه، وإن اجتافته حكمة الحكيم. وقد ضل السبيل جل الجامعين ولم يسلك النهج إلا الأقل. وظني أن سينشط ذهن الطالب الصغير لما أطرفته إياه فلا يجهد يوم الاستظهار نفساً ولا يدهمه ما لا يفهمه إلا من بعد سنين. ولله (القاضي أبو بكر بن العربي) الذي عيَّب في (كتاب رحلته) سنة المؤدبين في تدريس الصغار (الكتابَ) الكريم المعجز ودلهم على المهيع المستبين. فقد تنبه على هذا الأمر الجلل والقوم رقود، وهدى إلى الحق وهم في ضلال بعيد.

محمد إسعاف النشاشيبي