مجلة الرسالة/العدد 325/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 325/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 25 - 09 - 1939



حلم ألمانيا

(عن (هاربرز مجازين))

قال هتلر في بعض أحاديثه: (إن ضربتي العاجلة ستكون كالنور ينتشر في الظلام). وقال جورنج وهو بصدد المفاخرة بالطيران الألماني في أزمة سبتمبر المنصرم: (أنتم معشر الألمان تعرفون أن قوة الطيران الألماني التي لا تقهر أبداً كانت على أتم استعداد، وكلمة واحدة كانت كافية لإشعال مارج من النيران تبتلع خصومنا، وما هي إلا ضربة عاجلة، ولكنها ضربة قاضية لا تبقي منهم باقية)!

ولا شك أن ألمانيا وضعت آمالاً كبيرة في طيرانها، واغترت كثيراً بقوتها الحربية، وقد آذن ذلك الغرور أن يلعب دوراً محزناً في تاريخها، على يد الريخ.

فقد وضع النازي كل همهم في كسب حرب سريعة قاضية بواسطة الطيارات والمصفحات الحربية (تانكس) والغواصات

وهكذا يطلبون النصر المعجل في تلك الحرب السريعة. وتبدأ هذه الحرب - كما يؤملون - بهجوم جوي عنيف تشترك فيه جميع قوات الطيران الألماني والإيطالي والياباني - إذا تيسر - على مواطن البحرية البريطانية والفرنسية في مختلف الجهات، حتى يدمر ذلك السلاح الذي يعطي الدولتين البحريتين السلطة والنفوذ في العالم. وفي أثناء هذه الغارة الجوية تنتشر الغواصات الألمانية في كل مكان؛ ويعجل بالهجوم على المطارات البريطانية والفرنسية، ومراكز القوة، ومصانع الأسلحة، والمواطن الآهلة بالسكان. ويتبع ذلك الغزو عن طريق الجو، هجوم عنيف على الأراضي الفرنسية من الناحية البرية في كل موضع وكل مكان

ولكن هل من الممكن أن يدمر أسطول حربي عظيم بواسطة الطيارات؟ لقد برهنت التجارب العديدة على أن المدافع المضادة للطيارات تقوم بعملها في مطاردة الطيارات على أكمل وجه. وقد أرصدت إنجلترا خمسين طراداً حربياً للمساعدة في مكافحة الطيارات وليس لهذه الطرادات القوية عمل غير هذا العمل. على أن الأسطول البريطاني مجهز بقوة من سلاح الطيران معدة لحمايته في كل وقت. فهل من المعقول أن تغرق جميع السف البريطانية والفرنسية في غزوة فجائية تنقذ ألمانيا ومن يعاونها من ذلك الموقف الضعيف الذي يجرعها غصص اليأس؟

إن قوة البحرية الألمانية ضعيفة جداً بالنسبة للقوتين الإنجليزية والفرنسية. فإذا قامت بمثل هذه التجربة فسترى أنها كانت واهمة، وأن القوة البحرية ما زالت تلعب دورها التقليدي في الحروب، وأن مركزها البحري سينتهي إلى اليأس المحقق

لقد جربت تلك الغزوة الجوية في برشلونة في 16 مارس 1938 فقد استمرت قوة الطيران الإيطالية الرابطة في ماجوركه تلقى عليها وابلاً من القذائف ثلاثة أيام وثلاث ليال، وكانت طياراتها تحمل أثقل أنواع القذائف وتلقي بها على تلك المدينة التي يسكنها مليونان من الأنفس، فماذا كان تأثيرها؟ لقد قتل في تلك الغارة ثلاثمائة نفس، ولم تنقطع حركة العمل بالمدينة، بل لقد ظلت دور السينما مفتوحة الأبواب للرائد فحلم ألمانيا بحرب جوية سريعة حلم خلاب ولكنه بعيد عن التحقيق

النازي وطبيعة المرأة

(عن مجلة (تايدين) استوكهلم)

قبل أن يستولي النازي على زمام الأمور في ألمانيا كان زعماؤه القائمون بالأمر الآن، ونذكر منهم على سبيل المثال دكتور جوبلز يقولون: (إن المكان الوحيد للمرأة هو المنزل، فقد خلقتها الطبيعة وأعدتها لحمل الأطفال والعناية بزوجها وبيتها) وذكر (ألفرد روزنبرج) في الكتاب الذي أخرجه تحت عنوان: (خرافة القرن العشرين) حديثاً عن المرأة قال فيه: (إن نفوذ المرأة في الدولة يحمل في طياته أسباب سقوطها، وكما أن اليهود في أنحاء العالم يدعون إلى المساواة، ولا هم لهم في الحقيقة إلا جلب المنفعة لأنفسهم، فالمرأة التي تطالب بالحرية لا تطلب المساواة في الحقوق كما قد يتراءى، ولكنها تنشد الصعود على ذمة الرجل. وفي اجتماع للنازي عام 1934 قال هتلر نفسه في حديث موجه إلى النساء والفتيات من حزبه: (إن الرجل عالمه الدولة والكفاح؛ أما المرأة فعالمها بيتها وأسرتها وأطفالها)

إلا أن هذه الكلمات وما تبعها من الأعمال لم يكن المقصود بها طبيعة المرأة ووظيفتها في الحياة كما قد يبدو، ولكنها كانت سياسة مرسومة لمحاربة البطالة، إذ ما كادت تنصرم تلك الأيام حتى تغيرت الفكرة من الناحيتين النظرية والعملية فلم نعد نسمع أو نقرأ في ألمانيا كلمة واحدة عن الأمومة وطبيعة المرأة

لقد كان النساء يفصلن من أعمالهن بالمئات في المدة من سنة 1931 - 1935 بغير رحمة ولا شفقة، والآن أصبحنا نراهن يسقن إلى تلك الأعمال بالطريقة نفسها. فالنظرية القائمة في ألمانيا الآن هي نظرية الحرب وحاجة الحرب، فسواء كانت طبيعة المرأة تدعوها إلى ملازمة المنزل أولاً، فإن النظام القائم يدعو النساء إلى أن يحللن محل الرجال في أعمالهم التي تخلو باستدعائهم إلى الأعمال الحربية، سواء أكانوا مطلوبين للخدمة العسكرية أو للعمل في زيادة السلاح تلك الزيادة التي

لا تقف عند حد

وفي ألمانيا الآن كثير من النساء يشتغلن بالأعمال الزراعية الشاقة، حيث يسقن إليها بطريق العنف والقوة تحت أحكام قانون العمال. ومما يدعو إلى العجب أن بعض هؤلاء النسوة كن يطردن من أعمالهن التي ينشدن فيها الرزق لحماية أنفسهن بدعوى الرأفة بهن في عهد هؤلاء الذين يسوقونهن إلى الأعمال المرهقة بغير تدبر ولا رحمة

كل هذا يحدث في ألمانيا باسم الحرب والتأهب لها، فالنساء والرجال في ألمانيا يباغتون بقسوة وشدة، فيفصلون من أعمالهم ووظائفهم التي تعودوها وأحرزوا فيها قصب السبق والنجاح، ليلحقوا ببعض الأعمال الخاصة بالتسلح والتأهب للحرب، ولا عبرةً بما يقال عن إرهاق المرأة وتحميلها ما لا تطيق.

ومما قالته جريدة (أنجريف) في يوليه سنة 1938، وهي لسان حال الدكتور جوبلز: (يجب أن تشتغل النساء الآن مع الرجال في أعمالهم. فجسم المرأة مطالب بان يؤدي للدولة العمل الذي يؤديه جسم الرجل). ولا فرق بين الرجل والمرأة في ألمانيا إلا في أن المرأة تتقاضى 40 % من الأجر الذي يتقاضاه الرجل.

الساعة الرهيبة في آسيا

(عن مقال بقلم (مدام شيانج كاي شك)) نحن نخسر كثيراً من المواقع الحربية - ولكننا ولا شك سنكسب الحرب. هذه كلمة قالها أحد ضباط الصين في العام المنصرم، وهي كما تبدو كلمة كثيرة التناقض، ولكننا نعيش اليوم في عالم عجيب، فالنصر اليوم لا يعني النجاح، والتقهقر لا يعني الهزيمة. وقد يكون اللاشيء معناه الكثرة، وكل شيء قد لا يدل على شيء فالكلمات تفقد معناها على مر السنين والأيام، حيث تدركها الشيخوخة.

ونحن في الصين بعد أن خسرنا عدة وقائع ما زلنا نحس الانتصار على مقربة منا كأننا لم نصادف في هذه الحرب غير النجاح

ولكن هل يبقى العالم معصوب العينين أمام الحالة التي تعانيها الصين منذ سنتين؟ هل ينتظر حتى يفنى أبطال الصين على بكرة أبيهم في ميدان الحروب ثم يفتح عينيه فإذا العالم كله على أبواب خطر جسيم؟ لقد أفنت الحرب ملايين من أبناء الصين ولم يفطن أحد إلى المثل السامية التي ذهبوا في سبيلها

فالحرب اليابانية كما هي اليوم ليست إلا مقامرة كبيرة بين اليابان التي تعد نفسها دولة أوربية وبين القارة الغربية

وقد كان في وسع أوربا أن تقف تلك الحرب الأسيوية التي تنذرها بأشد الأخطار منذ اللحظة التي نشبت فيها بدلاً من تشجيعها وتقديم الوقود لإشعال نيرانها

لقد كان هذا في الإمكان، بل لقد كان أمراً سهل الوقوع؛ فكلمة واحدة كانت كافية لإنهاء كل شيء. ولكن أوربا لم تدرك بحصافتها أنه متى أذنت الساعة الرهيبة فقد فقدت مركزها في آسيا

إن الصين لا تستطيع أن تميز بين المبدأين المتقاتلين في أوربا، ولكنها تستطيع أن تقول اليوم إن أوربا إذا فقدت مركزها في آسيا لن تستطيع أن تستعيده مرة أخرى

إن الصين تكافح في حرب غير متعادلة. وهي وإن كانت لا تزال محتفظة بداخلية البلاد، فقد فقدت كثيراً من مدنها الجميلة، تلك المدن التي تدين لأوربا في أنظمتها ومظهرها قد سقطت في أيدي الأعداء

إننا ما زلنا نؤمل في أوربا أن تفطن إلى حقيقة الموقف. فقد تستطيع أن تقوم بعمل حاسم لإنقاذ الشرق مما يعانيه