مجلة الرسالة/العدد 328/من هنا ومن هناك
مجلة الرسالة/العدد 328/من هنا ومن هناك
كيف نحارب ألمانيا
(عن مجلة (فورثنايتلي))
من الوسائل الفعالة في الحروب الحديثة إلقاء النيران الحامية على مصانع الأعداء. فبهذه الوسيلة نستطيع أن نحد من قوتهم ونضعف مقدرتهم على الاستمرار فيها. وقد حشدت ألمانيا في المصانع كل ما تبقى لديها من الرجال للعمل في صنع الذخائر، فإذا هوجمت تلك المصانع فقدت ألمانيا عدتها من الرجال. وقد أعلن مسيو بيير كوب في مجلس النواب الفرنسي في 20 من يناير سنة 1939 أن ألمانيا قد حشدت في مصانعها من الرجال ما يربو على الخمسة والستين. بينما تستعد فرنسا لوضع عشرة من العمال الأميركيين في مصانعها بازاء كل جندي فرنسي في خط القتال
إن الفوز في الحروب الحديثة قد يكون في المصانع كما يكون في ميادين القتال. فتعطيل حركة المصانع أو إيقاع الاضطراب في داخلها، وإيقاف الإمدادات التي تعول عليها الجيوش في ميدان القتال من أسلحة وأطعمة وملابس يعد من الطرق الفعالة في الحروب، وهو عند العارفين بمثابة الفوز في معركة من معارك القتال
والمؤونة التي يحتاجها الجندي والحيوان لها المرتبة الأولى في الحروب. فالأمة الجائعة لا تستطيع أن تحارب وقد يكون جيشها عرضة للانشقاق. وقد بدأت ألمانيا تضحي بالزبد من أجل البنادق، وأصبحت المواد التي يغذي بها الجيش من الزبد واللبن والدهن والخبز والدقيق مغشوشة جميعها. ومما لا شبك فيه أن ألمانيا الآن في حاجة ماسة إلى الدهن بكافة أنواعه. وقد كانت ألمانيا تعول على الولايات المتحدة في إمدادها بما تحتاجه من ذلك، إلا أن موقف أميركا بالنسبة لألمانيا اليوم سيحرمها مما كانت تستصدره من هذه المواد
فألمانيا والحالة هذه تدخل الحرب وهي في حالة اقتصادية لا تحسد عليها. ولعل أي طارئ جديد يهدد ما تختزنه من المؤونة الآن قد يعرضها لقحط شديد، وهنا يكون للطائرات الفضل الأكبر في كسب الحرب. فالغارات الجوية على المخازن والمزارع والمطاحن التي تعول عليها ألمانيا عليها كل التعويل ستجعلها في أحرج المواقف
إن اختيار مواقع الغارات خير من إلقاء مقذوفاتها بغير حساب؛ فهولا يعرضنا لعداوة الرأي العام، أو يفقدنا شيئاً من عطف الأمم المحايدة. وليس في العالم قوة تستطيع أن تحلق في كل الأماكن دفعة واحدة، فلنوجه قوانا جميعها إلى الأماكن التي تستحق المهاجمة، ولنزودها بكل ما نستطيع من القذائف التي يمكن حملها على متن الطائرات
إحصاء المسلمين في العالم
(عن مجلة (العصبة))
كتب الأمير أمين أرسلان النبذة التالية في (الموندو) الأرجنتينية عربتها مجلة العصبة فيما يلي:
(قلما يتفق المؤرخون والكتَّاب على تحديد عدد المسلمين في العالم. وهذا التباين عائد إلى سبب جوهري وهو أن كثيراً من الأقطار المأهولة بأتباع محمد يتعذر فيها إجراء إحصاء دقيق؛ ولكن ذلك لا يمنع من تحديد عدد المسلمين بأرقام تقرب من الحقيقة
من المعلوم أن المسلمين ليسوا كلهم عرباً أقحافاً، وأنهم يختلفون جنساً ووطناً ولغةً، ففي الصين مثلاً ثلاثون مليون مسلم وهم لا يمتون إلى العرب بصلة غير صلة الدين.
بناءً على إحصاء الحكومة الإنكليزية بلغ عدد المسلمين في الهند بعد الحرب العالمية 78 مليوناً، واليوم، أي بعد عشرين سنة، يجب أن يكون قد ارتفع عددهم إلى 85 مليوناً
وحدد إحصاء رسمي عدد المسلمين في المستعمرات الهولندية بستة وخمسين مليوناً، وبمليون في جزيرة الفيليبين حيث يُدعون مغاربة. وليس يُعرف تماماً عدد المسلمين في الهند الصينية وفي كمبودج وأنَّام وسيام وغيرها.
وفي روسيا يبلغ المسلمون عشرين مليوناً وفي الأفغان عشرة ملايين.
ويبلغ عدد سكان إيران 14 مليوناً، وتركيا بناءً على الإحصاء الأخير 17 مليوناً، وسوريا ولبنان 3 ملايين، والعراق 4 ملايين ومملكة ابن السعود بين 4 و5 ملايين، وفلسطين وشرق الأردن 1. 200. 000، وعدن والممالك المحمية كحضرموت، ولحج مليوناً وجزيرة البحرين والكويت 300 ألف.
وفي يوغوسلافيا 1. 500. 000 من المسلمين، وفي ألبانيا مليون، وفي اليونان مائة ألف وقد كانوا قبل مبادلة السكان خمسمائة ألف، وفي بلغاريا 800 ألف، وفي رومانيا 200 ألف، وفي بولونيا 12 ألفاً، وفي المجر ألف. فمجموع المسلمين في أوربا نحو ثلاثة ملايين
أما عدد المسلمين في أفريقية، فيمكن تقديره بين ثمانين ومائة مليون منتشرين في كل أنحاء القارة السوداء، ففي مصر والسودان ويوغندا 27 مليوناً، وفي الحبشة والصومال 5 ملايين، وفي جزيرة زنجبار بين 5 و6 ملايين، وفي موزمبيك البرتغالية مليونان، وفي رأس الرجاء الصالح والترنسفال بين 400 و500 ألف، وفي مستعمرة كونغو البلجيكية 150 ألفاً، وفي أواسط أفريقية وشواطئها الغربية يبلغ عدد المسلمين بناء على تعديل الرسالات التبشيرية المسيحية 48 مليوناً. ومما يذكر في هذا الصدد أن تلك الرسالات من كاثوليكية وإنجيلية لم تستطع على رغم جهدها الكبير أن تدخل في المسيحية إلا 8. 500. 000 نفس في حين أن عدد الذين اعتنقوا الإسلام يتجاوز 36 مليوناً.
تعد مراكش 6 ملايين، والجزائر 6 ملايين و 500 ألف وتونس 2. 500. 000، وطرابلس وبرقة 800 ألف، فيكون إذن عدد المسلمين في هذه البلدان الثلاثة بين 16 و17 مليوناً
وفي أميركا يعيش نحو مائتي ألف مسلم وفي الأرجنتين وحدها ستون ألفاً. فيؤخذ مما تقدم أن عدد المسلمين في العالم، بناء على الإحصاءات الرسمية وعلى تعديل الجغرافيين والرُّحل والبعثات العلمية، يتراوح بين 350 و360 مليوناً، ولا 250 مليوناً كما يزعم البعض
الحب وعلم الحياة
(عن مقال للكاتب (جوليان هكسلي))
يستطيع علم الحياة أن يعرض علينا مئات من الأمثلة لتألف القردة، وشدو الطيور وتعاطفها؛ ولكن هذا جمعيه شيء آخر غير الحب. وكل ما نستطيع أن نقوله إن تلك الحيوانات الدنيا، تعطي الإنسان صورة بسيطة للمادة الأولية التي نشأ منها الحب. فالإنسان من هذه الناحية كغيرها من النواحي يمتاز عن سائر المخلوقات. وهذا الامتياز الظاهر في الإنسان يرجع إلى تركيبه الذهني بلا شك. فليس الإنسان مقيداً بغرائز معينة تلازمه على الدوام، أو قيود عنيفة تتسلط على فكره وشعوره وتتصرف في سائر أعماله. فالعواطف على اختلافها، والإلهام والفكر والتجاريب تتكون جميعها لتخلق في الإنسان حالة فكرية أكثر تشعباً وأشد اختلافاً مما في الحيوانات الدنيا.
وليس للإنسان فضلاً عن ذلك فصول معينة ينقطع فيها إنتاجه كالحيوان ويعجز عن مواصلة الحب. والإنسان بطبعه معرض للاختلاجات النفسية على الدوام وله مقدرة على كبح هوى النفس. وأما الحيوان فله حياته الخاصة المحصورة بين غريزة وأخرى، ولن يكون عرضة للغرائز المتباينة والاحساسات المضطربة التي تشغل نفس الإنسان
وللعقل الإنساني فوائده ومزاياه في فهم التجارب وترتيبها في نفس الإنسان، إلا أن هذا قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ارتطام العواطف واختلاف الأهواء والأغراض. فالذين لا يستطيعون أن يتغلبوا على أهوائهم يعيشون عيشة ليس فيها راحة ولا استقرار، والذين يقدرون على كبح جماح النفس وإبعادها عن العوامل المتباينة المتناقضة التي تضطرم فيها يحيون الحياة الإنسانية الصحيحة الهادئة. وللتعليم ولا شك شأنه في إخضاع تلك الأهواء للعقل والمنطق وإيقافها عند حدها. ومما لا ريب فيه أن العوامل الجنسية هي من أقوى ما يتسلط على نفس الإنسان، إلا أنها تقابل بالكبت الشديد في حياتنا الاجتماعية
لذلك كان الحب من الظواهر العجيبة عند الإنسان، فهو يجمع بين أسمى العواطف وأحط الغرائز؛ وهو يفك النفس من عقالها ويقيدها بأثقل الأغلال، وهو يجمع بين الثورة والهدوء
ولا يغيب عن البال أن للحب مراتب وأحوالا لا يدركها الحصر، وللحب ألوان متعددة بعدد المحبين، إلا أن تلك الألوان وإن اختلفت وتعددت يجمعها شيء من التشابه
وتظل النفس الإنسانية ناقصة ما لم يكملها الحب. فهو أقدر العواطف على تحويل الفكر من مرتبة الطفولة إلى مرتبة النضوج؛ فهو يمد الإنسان بشتى الوسائل التي تطلق الروح من قيود الطفولة. وقد يكون الحب فوق ذلك وسيلة عند كثير من الناس لاكتشاف خبايا النفس، ومعرفة أسرارها
إذا نظرنا إلى الحب من الناحية الحيوية أمكننا أن نقرر أن الحب فن، وأن النجاح في هذا الفن يحتاج إلى تفكير وتدبير كالموسيقى والشعر والرياضة وغيرها من الفنون
ولا نريد بالحب هنا ما تكون علاقته بالجسد فحسب، فنحن هنا نقصد الحب على سائر ألوانه. فإذا كان بعيداً عن حدود العقل فمن الواجب النظر إليه على ضوء العقل والتفكير.
ولا يقلل من قيمة الحب أن ينظر إليه كظاهرة من ظواهر الحياة التي يمعن فيها العقل ويحللها الفكر، كما أن التحليل العلمي لا يقلل من الجمال الذي يسم قوس السماء. فمن الواجب إذن أن ننظر إلى الحب كناحية وضاءة من نواحي النفس الإنسانية المتشعبة الجوانب المتعددة الأنحاء