مجلة الرسالة/العدد 331/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 331/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 11 - 1939



نداء المجهول - قصة للأستاذ محمود تيمور نشرتها المكشوف

بهذه القصة الجديدة يندفع الأستاذ محمود تيمور في اللون التخيّلي، وقد بدت بوادره في قصته المتأخرة (فرعون الصغير) على ما بينت في مقتطف يولية الماضي. وتراه يندفع فيه مهملاً اللون الواقعي الذي عرف به زماناً. ولكن إهماله له إنما هو من ناحية الفكرة التي تسّير القصة لا من جهة السياق، إذ لا يزال يلتزم التصوير المباشر والتحليل الصريح وغير ذلك من أساليب الواقعية واللون التخيلي بالفرنسية والإنجليزية (هنا أيضاً وبالألمانية - يجري إلى سرد الحوادث النوادر و (المغامرات) (كما نقول اليوم في مصر: وإلى وصف العوالم التي تَبهت العقل وإلى الكشف عن آفاق تضطرب فيها الأسرار والألغاز، كل ذلك رغبة في الفرار مما نعرفه ونلمسه ونؤمن به، كل ذلك إرادة أن تلبي النفس نداء يأتيها من وراء حجب. هذا وبين التخيلية والرمزية المستحدثة وشائج من جهة ذلك الفرار من العالم المبذول لنا. غير أن هذه تتشبث بما يجول في النفس خفيةً فتبرزه عزمات وتصورات وانفعالات، ثم تستخرج ما وراء الحسّ وتدون ما يهجم على القلب ويرد على الوهم، وذلك من طريق التمثيل، وانتزاع الصور من الأشكال والهيئات، واستنباط المطابقات والمقابلات والإضافات مما يجري الموازنة البعيدة أو القريبة بين الحيّ والجامد

وجملة القول أن التخيلية تتناول الخارجيات من بلدان نائية وغرائب مستملحة وحوادث أخاذة، على حين أن الرمزية المستحدثة تركز أوتادها في وادي المضمرات والسوانح وما يلي المادة المباشرة

وقد عرف الأدب العربي اللون التخيلي، ففي حكايات جدّاتنا وفي (ألف ليلة وليلة) ما تشاء من ابتداع للطائف. وأما الأدب الإفرنجي الحديث فقد خرج اللون التخيلي على يديه فناً شائعاً مقبولاً شريف الغاية في أكثر الحال، بيّن الأوضاع على تباين في الأنحاء. وفن تيمور في (نداء المجهول) لا يرجع إلى الأدب العربي، ثم إنه ليس من فن (كبلنج) لأن هذا بلا ما كتب، وليس من فن (إستراتي). لأن هذا صاحب عنف، وليس من فن (فورنييه) لأن الرجل شاعر في نثره وصاحب وسوسات، وليس من فن (مارك أورلا).

لأن هذا خاض الحياة الشاقة. إن اللون التخيلي عند تيمور في (نداء المجهول) يقارب بعض المقاربة ما نعرفه من فن القصصي الفرنسي مع اعتبار ما يميز الكاتب من الكاتب من حيث الأسلوب والتفكير

وأسلوب تيمور في قصته التخيلية لا يبرح أسير الطريقة الواقعية كما قدّمت: فلا اللفظ يثب من موضعه المعهود، ولا التعبير يميل إلى الإيحاء، ولا العبارة يجربها نغم خفيّ. بل كل ما يتصل بالأداء تصيبه في المكان الذي كنت تحتسبه

لا أدري ما الذي وقع لصديقي تيمور حتى يجنح إلى ذلك التخيل ثم يريده إرادة؟ أي شيء ينفّره من هذا العالم ثم يطير به إلى آفاق المجهول؟ هل خاب أمل من آماله؟ هل أحسن بطلان دنيانا وتعرّف مبلغ زيفها فانجذب إلى التشاؤم كما انجذب إليه (بيرلوتي) من قبل؟ إن عطف تيمور على الإنسانية ورثاءه لبؤسها وضعفها مما هو جليّ في قصصه السابقة. وبين هذا العطف على الناس وطلب الفرار منهم خطوة. . . ألا شبّك يدك بيدي أيها الصديق، فاثنان على الفرار المضني أقوى من واحد، وإن كان لكل منا جناحه!

وبعد فرجائي ممن يستهويه الأفق البعيد أن يقرأ (فرعون الصغير) لكي ينطلق فيحيا قدر لحظات حياة البطولة أو حياة الغرابة، ثم يهبط إلى أرضه فتعاود أيامه دورتها الشاحبة. وحسب تيمور أنه يستطيع بذل تلك اللحظات النفيسة، حسبه! هل يستطيع ذلك غير صاحب افتتان غزير المادة لطيف النواحي؟

بشر فارس

التاريخ المزخرف والأشعار المسرحية

1 - أشكر لحضرة السيد محمد علي عكاري جهده في تقديم بعض الشواهد التي تؤيد القول بأن وثنية العرب قامت في الأصل على قواعد روحية، وأرجوه أن يجعل هذه المسألة في باله فيقيد جميع ما يصادفه من البينات التي تجلو غوامض تلك الوثنية.

وليكن مفهوماً عنده وعند سائر الباحثين أن الوثنيات في جميع بقاع الأرض لم تكن إلا صوراً أو رموزاً لحقائق وجدانية ومعنوية كانت في الأصل ديانات سليمة خفيت مغازيها على الجماهير فجسّموها بالصور والتماثيل. ومن هنا تسقط حجة من قال إن وثنية العرب كانت (أرضية وضيعة) ولو أنه كان فهم هذه الحقيقة لعرف أن العرب لم يكونوا بدعاً بين الأمم حين عبرّوا عن عقائدهم بمثل ما عبّر به الفرس والهنود واليونان والرومان والمصريون

وقد أوضح القرآن حجة الجاهلين في عبادة الأوثان إذ حكى أنهم قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) وهذه العبارة القرآنية تشهد بأن الأوثان كانت رموزاً لمعان روحية

وأنتقل بعد هذا إلى صلاة المأمون علي الموصلي والكسائي وابن الأحنف وقد ماتوا في يوم واحد فأقول:

إني أوردت هذه القصة في كتاب (مدامع العشاق) نقلاً عن شرح شواهد ابن عقيل للشيخ قطة العدوى، وهو لم يخترعها وإنما نقلها عن بعض المصادر الأدبية

وأنت لا تنكر أني أوردت هذه القصة بتحفظ مراعاةً للأمانة العلمية، فأرجو أن تعرف أنها عندي من التاريخ المزخرف ? والتاريخ الزخرف يقبله الباحثون في الموضوعات التي تغلب فيها الصبغة الروائية على الصبغة التاريخية.

والذي زخرف هذا التاريخ كان يقصد إلى تمجيد العباس ابن الأحنف الذي كاد يتفرد بإجادة القول في الكتمان، والذي أذاع معاني الصدق في الوجد في أيام كثرت فيها الاستهانة بشرف العفاف

ولو أنك رجعت إلى أكثر الأخبار الأدبية لرأيتها من التاريخ المزخرف الذي يعتمد على التصوير أكثر مما يعتمد على التحقيق، وذلك التاريخ مقبول في الميادين الأدبية، والغرض منه معروف، فلا تستغرب صدوره من العرب، لأنه يشهد بأنهم كانوا من أهل البراعة والخيال

2 - نشرت (الرسالة) كلمة لصديقنا الدكتور بشر فارس في نقد رواية (مصرع كليوباترا) التي مثلتها الفرقة القومية، وفي ذلك النقد آراء فيها المقبول والمردود، ولكني أقف عند قوله:

(ألقى الممثلون شعر شوقي كما كنا نلقي الشعر العربي في المدارس: نقطّع أقسام البيت ونتمهل عند العروض ثم نضغط على الضرب، والذي يحرك ألسنتنا الوزن الذي عليه جاءت القطعة أو القصيدة. وفي ذلك الأمر ما فيه من غرابة، فإن الشعر لعهدنا هذا في أوربا - وعنها نأخذ فن التمثيل - يلقى على المسرح كأنه نثر، وسبب ذلك أن القصيدة تقوم بمعانيها وألفاظها لا بتفاعيلها والتفاعيل كأنها الدعامات والخشب في المنزل، وأما المعاني والألفاظ فأثاثه والتصاوير والتزاويق وكل ما يأخذ الطرف. كل ذلك فضلاً عن أن تقطيع أقسام البيت، وفصمه إلى مصراعين، والضغط على القافية الراجعة يورث الملل ويصك الأذن). . . الخ.

ذلك كلام الدكتور فارس، وهو كلام برّاق، ولكنه غير صحيح.

وما كنت أحب أن أخطئ هذا الصديق لولا الخوف من أن يتأثر به النقاد والممثلون فتفسد أذواق من ينشدون الأشعار المسرحية فساداً لا يرجى بعده صلاح.

نحن أخذنا عن أوربا فن التمثيل؟

هذا حق، ولكن لا ينبغي أن نأخذ عنها فن الإلقاء، فإن الأداء بالشعر غير الأداء بالنثر، وليست الأشعار المسرحية إلا قصائد خضعت للقوافي والأوزان، وفيها محرجات تقبل في المنظوم ولا تقبل في المنثور، ومعنى ذلك أن صوغ المعنى في بيت من الشعر يجعل له صورة غير صورته في فقرة من النثر، فإذا أدى الشعر كما يؤدي النثر تعرض للغثاثة والانحلال.

ولو أن الدكتور فارس كان شهد إبراهيم الجزار - وما أعظم فجيعة الشعر المسرحي بوفاة إبراهيم الجزار - لعرف أن لإلقاء الشعر المسرحي أصولاً في الإلقاء تختلف في لغة العرب عن أمثالها في لغة الإنجليز والفرنسيس.

الوزن في الشعر ليس تصويراً وتزويقاً، كما يظن الدكتور فارس، وإنما هو عنصر أصيل لا يقام بدونه للشعر ميزان، وليس بصحيح أن الأوربيين يلقون الأشعار المسرحية كما يلقون القطع النثرية، وإن كانوا أقل منا رعايةً للأوزان عند الإنشاد، لأن ذوقهم يختلف عن ذوقنا بعض الاختلاف.

وخلاصة القول أن الممثلين لا يجوز لهم تحويل الشعر إلى نثر وإلا فسد الذوق واختلت الموازين وضاع جمال الفن في الشعر المسرحي أبشع ضياع.

وإني لأرجو أن يراعي ممثلو الفرقة القومية أذواقنا حين ينشدون الشعر المسرحي مرة ثانية، فقد انزعج كثير من الناس حين رأوهم ينشدون بعض الأشعار بلا احتفال بأهمية ما في الأوزان من الرنة الموسيقية.

زكي مبارك

وحدة الوجود والحلول

لأستاذنا الجليل أحمد أمين سابقة جليلة في اللغة العربية، حين انتدب لكثير من المصطلحات الفلسفية في اللغة الإنجليزية فوضع بإزائها كلماتها العربية. وليست كلمتنا هذه لبيان هذه الفضيلة، فهي غنية عن البيان. ولكن إحدى هذه الكلمات استوقفتنا، وقد خيل إلينا أن أستاذنا المفضال خانته فيها دقته، وهي كلمة الحلول، فقد وضعها بإزاء كلمة وتحليل هذه الكلمة يرجعها إلى كلمتين يونانيتين: بمعنى (كل) وبمعنى (الله) فهي تعني بهذا أن كل شيء هو الله، أو أن الله هو كل شيء؛ وطبيعي أنه لا يستقيم مع هذه الكلية المطلقة إلا أن يكون ثمة كائن واحد هو الله (وسائر الصور الأرضية والسماوية صور تجلياته وشؤون ظهور ذاته) كما يقول العلامة بهاء الدين العاملي في رسالته: الوحدة الوجودية. وكذلك سمى المسلمون هذا المذهب بوحدة الوجود، واستفاضت هذه التسمية. أما (الحلول) الذي آثره الأستاذ فما زالوا يبرءون منه في كل مناسبة: أن يشتبه بمذهبهم ويشنع به عليهم، فهو شيء مختلف كل الاختلاف. فيقول ابن الفارض مثلاً:

وفي الصَّحو بعد المحو لم أكُ غيرها ... وذاتي بذاتي إذ تحلَّت تحلّتِ

وما زلتُ إيّاها، وإيّاي لم تَزَل، ... ولا فرقَ، بل ذاتي لذاتي أحبّتِ

متى حلتُ عن قولي: أنا هِيَ، أو أقلْ: ... - وحشا هُداها - إنها في حلَّتِ؟

وليسَ معي في الملك شيء سواي وال ... معيّة لم تخطر على ألمعيّتي

وكذلك جاء عبد الغني النابلسي ينتفي من هذه التهمة في تائيته إذ يقول:

وإياك من قولي بأن تفهم الذي ... تدين به الكفار بين البرّية

فإني برئ من حلول رمت به ... عقول تغذَّت بالظنون الخبيثة

وما بانحلالٍ واتِّحادٍ أدين في ... حياتي وإن دانتهما شرُّ أمة

وقد وضح العاملي في رسالته الآنفة الذكر الفرق بين وحدة الوجود والحلول توضيحاً يحسم الشبهة بقوله: (فإن قيل لهم فيلزمكم القول بالحلول والاتحاد يقولون: لا يلزمنا هذا ولا ذاك، إذ نقول: لا وجود لشيء غير الوجود وما سواه فهو اعتبار محض. فمن أين الحلول والاتحاد؟ إذ لا غير ولا اثنينية فلا حلول ولا اتحاد)

ففي تعبير الأستاذ أحمد أمين عن هذا المذهب بالحلول تسامح ظاهر، وإنما توضع كلمة الحلول بإزاء الكلمة الإفرنجية

أبو حيان

حول ابن تيمية وابن بطوطة

قرأت في الأعداد الثلاثة السالفة من (مجلة الرسالة الغراء) ما نقله الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام عن العلامة الخالدي وما رد به الأستاذ البرازي وما استدركه عليه الدكتور عزام حول سماع ابن بطوطة الحافظ ابن تيمية يقول وهو على منبر الجامع بدمشق: إن الله تعالى ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا. ونزل درجة من درج المنبر

قرأت ذلك كله فذكرت أن هذا الخبر ذكره الحافظ بن حجر في (الدرر الكامنة) وابن فرحون في (الديباج المذهب) قال الحافظ: ذكروا أنه ذكر (أي ابن تيمية) حديث النزول فنزل عن المنبر درجتين فقال (كنزولي هذا) فنسب إلى التجسيم. اهـ

ورأيت في حواشي (دفع شبه التشبيه لابن الجوزي) في الصفحة 48 من مطبوعة دمشق: يقول بعض علماء دمشق بأنه رأى خطبة ابن تيمية في مخطوط قديم وفيها زيادة (لا) قبل (كنزولي) أي (لا كنزولي هذا) والله أعلم

سيف الدين الخليلي

إلى الدكتور زكي مبارك

حضرة المحترم الفاضل الدكتور زكي مبارك

تحية طيبة وبعد فأراني بين عاملين متجاذبين إذ أكتب هذا لحضرتك: العامل الأول يحفزني، وأكاد أقدم، لما أعتقده في نفسك الكريمة من نخوة، وما امتازت به شخصيتك من إقدام وشجاعة

والعامل الثاني يثبط همتي، ويقف يراعتي مترددة حائرة، خشية ما قد يصيبني ويصيب الموضوع الذي سأتعرض له معك وأخيراً رجحت عندي كفة الإقدام على ما اعتزمت ثقة بأنه لن تتحد النخوة مع الجبن ولا تتنافر شجاعة المصلحين ومثابرتهم كل في سبيله، مادامت ترمي إلى هدف سام، وتطمح إلى غاية نبيلة

وفي اعتقادي أن الأستاذ الفاضل أحمد أمين حينما تعرض بمقاله (جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي) لم يكن قصده من النقد والتوجيه إلا نبل الغاية، وحسن النية، واعتقد أيضاً أن ثورة الدكتور مبارك التي تجلت في المقالات التي عنونت: (جناية أحمد أمين على الأدب العربي) لم تكن إلا ثورة للنقد والإصلاح من طريق آخر، وكلا الغرضين شريف بالنسبة لموضوع الأدب العربي الذي نال حظوة موفقة بأن هيأت له الظروف قلم هذين العالمين الفاضلين.

والآن وقد أتممت يا حضرة الدكتور عشرين مقالاً تحت العنوان السالف الذكر، فإني أتقدم إليك برجاء لم يدفعني إليه إلا رغبتي الأكيدة في أن توجه جهودك الجبارة ونشاطك المعدوم النظير، إلى نوع آخر من الإصلاح حتى نفوز بقراءة طريفة من قلمك المرن

وأحب أن أخبر حضرتك أني من المعجبات بكل ما يكتبه الأستاذ الفاضل أحمد أمين بأسلوبه العلمي المتين، وأؤكد للدكتور الفاضل زكي مبارك أن الأستاذ أحمد أمين يتصدر ركناً مهماً في الثقافة المصرية، وقد أبلى فيه بلاء حسناً، سواء وافقتني على رأي هذا أو لم توافقني. وأقول إنه إن تخلى عن مجهوداته التي يؤديها، أو أنكر فضله إنسان فيما سبق أن أداه، فليس من السهل ملء الفراغ الذي لا بد يحدثه هذا التخلي وذلك الإنكار

هذا ورجائي أن تتفضل الرسالة الغراء بنشر خطابي هذا إلى الدكتور زكي مبارك، ولا إخالها إلا فاعلة كما هو عهدي بها محبّة للحق، أمينة في خدمة الأدب والعلم والفن

زينب الحكيم

حول (مجلس في منزل الدكتور طه حسين)

بعد أن وقف القراء على تكذيب الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف للحديث الذي رواه الدكتور زكي مبارك عن مجلس قال إنه كان في منزل الدكتور طه حسين، كتب إلينا كثير منهم يظهرون إعجابهم ببراعة الدكتور الفنية في إدارة الحوار وإجراء الكلام على ألسنة الجالسين بما يشبه أن يصدر عنهم فاكتفينا عن نشر ما كتبوا بهذا التنويه.

قرية تعليمية نموذجية في السودان

اختير الأستاذ عبد العزيز أمين عبد المجيد خريج دار العلوم وجامعات إنجلترا ليساهم في الجهاد الثقافي الحديث في السودان الشقيق. والأستاذ عبد العزيز من القلائل الذين زاوجوا بين الثقافتين الشرقية والغربية بالبصيرة النيرة والمنطق السليم، وقد كتب إلى (الرسالة) كتاباً نقتطف منه هذه الجملة:

(. . . بخت الرضا قرية تعليمية نموذجية أسستها مصلحة المعارف السودانية سنة 1934 لتكون مركزاً للتجارب في التربية والتعليم. وأنشأت بها ثلاث مدارس: مدرسة أولية، ومدرسة وسطى، وكلية للمعلمين. وقد راعت في تأسيس هذه القرية ومدارسها أن تكون ريفية محضة، وأن تكون القرية مستقلة في المعيشة بقدر ما يمكن. ولذلك فقد بنيت بيوتها ومدارسها من اللبن أو الجالوس، وحفرت بها الآبار، وتضاء ليلاً بمصابيح البترول، وبها دكاكين ومسجد وصيدلية وحمام للسباحة وملاعب للرياضة البدنية. وتتبعها حقول وحدائق للتجارب الزراعية. وبها أبقار وأغنام ومصانع للزبدة ولها نجارها الخاص وحلاقها وخفراؤها الخ والتلاميذ والمدرسون والمشرفون يعيشون في هذه القرية التي لا يسكنها أجنبي. والعمل في هذه القرية وما يتبعها مستمر طول اليوم وهزيعاً من الليل في المزارع ومرابط الأبقار ودكاكين النجارة وحجرات الدراسة الخ ونظام العمل هنا تعاوني، ويقوم الطلبة بمعظم الأعمال المدرسية والمزرعية والمنزلية بالاشتراك، ويصدرون جريدتهم الأسبوعية ومجلتهم الشهرية. وبالجملة فالغاية هنا من التربية أن تكون عملية بسيطة رخيصة تعد السوداني ليعيش في القرية السودانية ويعتمد على نفسه في أكثر ما يحتاج إليه

وللدراسة خمس شعب: شعبة المواد الاجتماعية، وشعبة الرياضة، وشعبة الفنون الجميلة والأعمال اليدوية، وشعبة الزراعة، وشعبة اللغة العربية. ولكل من هذه الشعب رئيس إنجليزي إلا شعبة اللغة العربية فهي من نصيبي. ولكل رئيس مساعدان، ومهمة رئيس الشعبة الإشراف على كل عمل يتصل بمادته أو موارده، وهو مسئول عن المدرسين والكتب وطرق التدريس ونظام العمل في حصص مادته. وهو أيضاً مسئول عن وضع المنهج المناسب وتأليف الكتب. وهذا المنهج وهذه الكتب تمر في مرحلة التجربة قبل أن تعتمد فتعمم في مدارس السودان جميعها. وقد بدأت منذ وصولي من الأساس. وأنا الآن أدرس منهج التعليم الأولى ومشغول بمقرر اللغة العربية في السنة الأولى الأولية وكتبها وطرق التدريس فيها تمهيداً للقيام بالتجارب في السنة الدراسية القادمة التي تبدأ هنا عادة من يناير. ورئيس هذه المعاهد إنجليزي فاضل حازم له تجارب منتجة في الهند والسودان. ولذلك تجد دولاب العمل يسير بانتظام وتناسب في جميع أركان القرية وفي المعاهد

لقد أطلت عليك في وصف قريتنا التعليمية، ولكني أرجو أن تكون إطالتي في غير ملل؛ فأنت من أسرة المدرسين ويلذ لك أن تقرأ عن أخبار التعليم وأخبار أسرتك

العمل هنا كثير وكله علمي تثقيفي نافع، وأنا سعيد بعملي هنا وأحبه وأقبل عليه برغبة وإن كان لا يترك لي إلا القليل للراحة والاستجمام. وأحاول أن أختلس سويعات في أوقات الراحة فأكتب شيئاً أو أعالج موضوعاً يصح أن ينشر. . .)

عبد العزيز أمين عبد المجيد

رئيس شعبة اللغة العربية بمعاهد بخت الرضا التجريبية

استدراك

جاء في المقال الثاني عن (موقف العلم من الكمال الإنساني) للأستاذ توفيق الطويل أن بيكون قد انقضى على وفاته ثلاثة عشر قرون وثلاثة عشر عاماً. والصواب ثلاثة قرون وثلاثة عشر عاماً

أسرار البلاغة في علم البيان

أصدرت (دار المنار) في هذه الأيام هذا الكتاب النفيس لمؤلفه الإمام (عبد القاهر الجرجاني) مطبوعاً طبعاً متقناً على ورق جيد صقيل، والكتاب ومؤلفه غنيان عن التعريف، وقد وضع في وقت تحكمت فيه دولة الألفاظ واستبدت على المعاني، وهو خير ما كتب في موضوعه عبارة وأسلوباً وإيضاحاً للمسائل وبسطاً للدلائل، وقد امتاز بإرجاع الاصطلاحات الفنية إلى علم النفس وتأثير الكلام البليغ في العقل والقلب. وقد عني بتصحيحه علامتا المعقول والمنقول المرحومان الشيخ (محمد عبده) والشيخ (محمد محمود الشنقيطي) وعلق حواشيه المرحوم (السيد محمد رشيد رضا). وثمن النسخة 25 قرشاً