مجلة الرسالة/العدد 331/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 331/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 11 - 1939



سويسرا تضرب المثل في التسلح

(عن (باري سوار))

لعل ما تقوم به سويسرا في الأيام الأخيرة من الاستعداد الحربي وإنفاق

الأموال الطائلة في سبيل التسليح، يعد مثلاً بارزاً لكثير من الأمم التي

تخال أنها في مأمن من الحوادث. فقد كانت سويسرا من سنة 1920

إلى سنة 1930 تقتصد في نفقات التسليح كل الاقتصاد، حتى أنها لا

تقرر لأجله في ميزانيتها إلا مبلغاً ضئيلاً لا يكفي إلا لشراء بعض

الآلات الحربية الخفيفة إذ أنها لم تكن تشعر في تلك السنين بأي تهديد.

فسويسرا متاخمة لفرنسا، وأمة كالأمة السويسرية أشتهر أهلها بالرزانة

والعقل وحب السلام، لا يزعجها وجود الجيش الفرنسي عند حدودها

وفي سنة 1931 والسنين التي تلتها أخذت سويسرا تعمل لزيادة التسليح ولا تدخر وسعاً في هذا السبيل. وذلك أن شبح هتلر كان قد بدأ يحلق في سماء القارة الأوربية. ولم تكن سويسرا حتى سنة 1929 تقدر للتسليح أكثر من 16 ? من الميزانية العامة. فلم تمض عشر سنوات حتى وصلت النسبة إلى 22 ? ولكن هذه المقادير لم تكن لتفي بحاجاتها إلى السلاح وما تتطلبه من الأموال الطائلة. فعقدت قروضا فيما بين 1929 - 1930 لأجل الدفاع بمبلغ 648 مليوناً من الفرنكات السويسرية أو ما يوازي 32. 000. 000 من الجنيهات

ولم تقف سويسرا في استعدادها الحربي عند هذا الحد، فمنذ سنة 1936 نشطت هذه الأمة الوادعة في تنظيم جيشها، وحشد قواها، وتعزيز جبهتها، وزيادة مدة التدريب العسكري بين أبنائها. وإذا كانت سويسرا فيما مضى لم تفكر في إقامة المصانع الحربية، فقد أصبح لديها الآن مئات من المصانع الكبيرة المعدة لهذا الغرض في أنحائها المختلفة. أما قوى الطيران الدفاعية منها والهجومية، فقد أصبحت على قدم الاستعداد، وقد أقيمت استحكامات عظيمة على طول خط الرين وبالقرب من الجبهة الألمانية. وتعد سويسرا الآن برنامجاً حربياً حافلاً لحمايتها من الطوارئ المفاجئة، ولكي تصل إلى الغاية قررت سحب 25 مليوناً أخرى من المال الاحتياطي للاستمرار في عمليات التحصين والتسلح حتى تصل في دفاعها إلى أقصى ما تصل إليه أمة في العالم.

فسويسرا لن تفقد استقلالها، ولن تموت أبداً. وإذا كان الشعب السويسري لم يكن في تاريخه من الشعوب المتعطشة للحروب فليس هو كذلك بالشعب الذي يغتر بالسلم، وقد أعد العدة للطوارئ بعد أن ظهرت نيات ألمانيا نحو الشعوب الضعيفة.

وقد تحدث إلي في الأيام الأخيرة سويسري عظيم فقال: (إنني أعرف إعجابك بألمانيا التي أنجبت كثيراً من العبقريات النادرة؛ ولست أخالفك في ذلك، فأنا من أبناء سويسرا الألمانية وقد نشأت على احترام تلك البلاد الغنية بعلمائها وفلاسفتها وشعرائها وموسيقيها. ولكنني لا أستطيع أن أتبين أثراً لألمانيا الحقيقية وراء القناع الهتلري. إن أمتي تنظر بعين الذعر إلى أعمال ألمانيا ونياتها، لأنها تريد أن تظل تلك الأمة الجديرة بتاريخها المجيد)

ومن خلال هذه الكلمات المريرة نستطيع أن ننظر إلى سويسرة المتألمة الصبور.

الطيران في القرن الخامس عشر

(عن (لاتريبونا إلستراتا) رومة)

أقيم في ميلانو في الأيام الأخيرة معرض لأعمال ليوناردو دافنسي العبقري المشهور

ومما أثار الدهشة في نفوس الزائرين لذلك المعرض تلك الطائرة التي وضعها هذا الفنان الفذ قبل ظهور أول طائرة بخمسة قرون

فقد كان دافنسي يشتغل بالطيران، ويبذل كثيراً من وقته وتفكيره لتنفيذ فكرته متأثراً بأساطير الإغريق

ومما يروى أن عضواً من أعضاء الأكاديمية الفرنسية شرح هذا الاختراع الذي كان يدور برأس ليوناردو. للملك لويس الثامن فما كاد يسمع منه بفكرة الآلة الطائرة حتى افتر ثغره عن ابتسامة ساخرة وقال: (إن ليوناردو حسن الحظ لأن مستشفى المجانين لم يكن قد عرف في العصر الذي عاش فيه) وقد جاء (أوتوليليانثال) في العصر الحديث ودرس خواص الطير والقوة التي تساعدها على الصعود والتحليق في السماء، وأثبت أن ما كان من الخيالات والأوهام العابرة في العصور السابقة قد أصبح حقيقة علمية خاضعة للتنفيذ

ولم يكن ليوناردو في بادئ الأمر يعرف طريقة لإدارة الطائرة غير الطريقة التي تحركها بالقوة العضلية، إلا أنه وجد أخيراً أن هذه الطريقة لا تكفي لاستمرار سيرها، فوضع لها سيوراً من المطاط تدار باليد أو بالقدم. وقد عرضت طائرتان من هذا النوع لدافنسي كانتا موضع الدهشة والإعجاب

ومما فكر فيه هذا الفنان لإتمام مشروعه، قوة الهواء والرياح فسخر وقته لدراسة الطيور. وأخذ يفكر في القوة التي تساعدها على التحليق وسط الزعازع والأنواء. وقد دلت الدراسات الحديثة، على أن النتائج التي وصل إليها كانت على جانب عظيم من الأهمية وفي مقال كتبه عن تحليق الطيور، وضع ليوناردو فكرة الطيران الآلي بواسطة الجناحين، وأشار إلى كثير من الآراء الناجحة في فن الطيران، ومما لاشك فيه أن الآلة التي ابتدعها ليوناردو كانت مؤسسة على الطرق والقواعد السائدة في الأيام الحديثة

ولعل اشتغال هذا الفنان العظيم بصوره ولوحاته الفنية النفيسة، هو الذي عاقه عن إتمام مشروع الطيران، فلم يترك له الوقت الكافي للسير بالفكرة إلى النهاية، وإن كان الكثيرون من أصحاب الرأي والخبرة، يؤكدون صحة القواعد التي وضعها، ويسلمون بأن التجارب التي أقيمت عليها كانت ناجحة كل النجاح

تاريخ التقبيل

(عن

القبلة هي إحدى الطرق الإنسانية النفيسة التي ابتدعها الحب فما هو تاريخ ظهورها بين بني الإنسان؟

المعروف عند عامة الناس أن التقبيل نشأ مع الشهوة الجنسية وهذا مخالف للحقيقة، ويحملنا على الاعتقاد بأن هذه العادة لم تكن من الغرائز الإنسانية الأولى، أن كثيراً من الأمم لا يعرفها على وجه الإطلاق، وأن بعضها ينظر إليها بالمقت والامتعاض ومن المحقق أن قبائل الاسكيمو والمورا لا يعرفون التقبيل. وقد مضت قرون عديدة قبل أن تعرف هذه العادة في الصين واليابان أما في أيامنا الحديثة فالصينيون يعرفون التقبيل ولا يرون بأساً من انتشاره بينهم، ولكن اليابان يحرمونه ويبالغون في تحريمه، حتى أنهم يحذفون جميع مناظر التقبيل من الأفلام الأوربية والأمريكية التي تعرض في بلادهم

وقد عرضت رسوم رودان في معرض طوكيو سنة 1924 فظهرت جميع رسومه المشهورة ما عدا اللوحة التي تحمل صورة القبلة فقد ألقى عليها غطاء كثيف. وقد اعترض بعض الزوار الفرنسيين على ذلك فأجابه رئيس البوليس بأن مجموعة رودان كان من الواجب أن توضع جميعها تحت غطاء من أجل صورة القبلة فالتقبيل عادة أوربية ممقوتة تمنعها اليابان بأي ثمن، ولولا عظمة رودان وماله من الشهرة بين أمم العالم لمنعت جميع رسومه من الدخول إلى اليابان لأجل هذه الصورة. . .

أما تاريخ التقبيل فغير معروف على التحقيق وإن كان لبعض القبلات تاريخها وشهرتها، ومن القبل المشهورة قبلة (فلورنتين) وتنسب إلى (نابليون الأول) وقد بيعت قبلة واحدة في إحدى المناسبات بمبلغ 12000 جنيه، وكان ذلك في البرت هول سنة 1915 في حفلة لإعانة الجرحى عرضتها الممثلة المشهورة (مورلوب) عن طريق المزايدة؛ فلما وصلت المبالغ المعروضة إلى 8000 جنيه كف جميع المتنافسين عدا اثنين هما المثري الكبير هتشنسن ودوق أرسنت ألبانز؛ وقد فاز الدوق في النهاية بهذه القبلة. ومما يذكر في هذه المناسبة أن الدوق طلب إلى الممثلة أن تقبل أبنه البالغ من العمر تسع سنوات بدلاً منه. . .

وتعد القبلة في بعض أنحاء الولايات المتحدة عملاً مخالفاً للصحة، وتعريض صحة إنسان ما للمرض جريمة يعاقب عليها القانون. أما اغتصاب القبلة من امرأة أية كانت فهو عمل يعاقب عليه القانون في سائر الأحوال

وإذا كانت القبلة اليوم هي التعبير الجسدي عن الحب، فقد كانت في الأزمان الخالية نوعاً من التحية فحسب كالتلويح بالمنديل للمسافرين، وقد ظلت كذلك إلى القرن الخامس عشر، وكان يباح للضيف أن يقبل زوجة مضيفه، وكل فرد من أفراد عائلته

وكانوا في روما القديمة يقبلون لأسباب غير التحية والاحترام فقد كان النبيذ محظوراً على النساء تعاطيه، ومن ثم كانوا يبيحون للرجل أن يقبل المرأة إذا كانت له بها علاقة، ليتأكد من أنها لا تشرب النبيذ وتخالف القانون

وقد قام أحد علماء أمريكا في الأيام الأخيرة يحذر العالم من التقبيل، ويعلن أنه ينقص من أجل الإنسان، ولكن أحداً من الناس لم يصدقه أو يجعل لتحذيره نصيبه من التقدير