مجلة الرسالة/العدد 340/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 340/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 01 - 1940



اتحاد دولي لضمان السلام

افتتحنا العدد 336 من الرسالة الذي صدر بتاريخ 11 ديسمبر سنة 1939 بمقال عنوانه (سياسة السمك) قلنا فيه أن الدويلات الصغيرة ليس لها بعد انتصار الديمقراطية إلا أن تنظر (في يومها وفي غدها فتعالج ضعفها بما تعالج به الطبيعة ضعف النمل والنحل وهو التجمع والتكتل والتعاون، فيكون بين البلدان المتجاورة كدول البلطيق وأمم البلقان وشعوب الإسلام شبه ما بين الدول المتحدة في أمريكا من اتحاد السياسة الخارجية والدفاع العام والدستور المشرع والرئيس الحاكم. وإذن لا يبقى على الأرض أمة صغيرة يقوم على استعمارها النزاع، ويميل من جرائها ميزان السلامة) ثم ضربنا مثلاً باتحاد بلاد الوطن الإسلامي الأربعة عشر، وقلنا بعد أن ذكرنا الخطأ الذي قام عليه صلح (فرساي): (سيفكر الحلفاء الديمقراطيون متى جلسوا إلى مائدة الصلح فيما جنوا من (عصبة الأمم) ويقررون إذا وفقهم الله أن ينشئوا السلم العالمية الدائمة على قواعد من التركيب لا من التحليل، فيؤلفوا من الأمم الصغيرة المتقاربة في الوطن والجنس والمنفعة اتحادات مستقلة، تتحد في الرياسة والحكومة والدستور، وتشترك في الدفاع والسياسة والعمل، ثم يربطوا بين الدول العظمى والاتحادات الكبرى بروابط وثيقة من الاقتصاد العادل الذي يضمن لكل أمة سداد عوزها من خير الله وغلة الأرض. . .)

ذلك ملخص ما قلناه في ذلك المقال. ومن توارد الخواطر أننا قرأنا في عدد الهلال الذي صدر في أول يناير من سنة 1940 صفحة 357 أن الكاتب الصحفي الأمريكي (كلارنس سترايت) أصدر كتاباً سماه (الاتحاد الآن) دعا فيه إلى إنشاء ولايات متحدة عالمية على نسق الولايات المتحدة الأمريكية. فهو يقترح أن تتحد الدول الديمقراطية الخمس عشرة معاً ليتألف من جميع شعوبها شعب واحد له حكومة واحدة وبرلمان واحد وقوة حربية واحدة) ثم ذكر الديمقراطيات الخمس عشرة كما ذكرنا شعوب الإسلام الأربعة عشر، ثم قال: (وتحتفظ هذه الدول بملوكها ورؤسائها ووزرائها كما تبقى على لغتها وثقافتها وكتبها التاريخية وألويتها المميزة لها، وتستقل كل منها بإدارة شؤونها الداخلية. أما جيوشها وأساطيلها وسياستها الخارجية فتوحد معاً في قبضة هيئة واحدة تتخذ لها مقراً في جنيف أو أتاوا) إلى أن قال: (وقد تبدو هذه الفكرة خيالاً بعيد المنال، ولكن هكذا كان الأمر قبل أن تأتلف الولايات المتحدة الأمريكية في شعب واحد وتحت حكومة واحدة. كانت هذه الولايات متعادية متنافرة ولكن حرب الاستقلال ألفتها ووحدتها. فلم لا تؤلف الحرب القائمة هذه الديمقراطيات التي تتهددها الدول الطاغية وتحاول أن تفترسها واحدة بعد أخرى؟)

الشيخ عبد العزيز البشري والعريان

لا تنسينْ تلك العهود، فإنما ... سميت إنساناً لأنك ناس

اختلاف النهار والليل ينسي ... اذكرا الصبا وأيام أنسى

أنشدت بيت حبيب وبيت شوقي لما قرأت هذه الجملة في الثقافة الغراء في آخر أجزائها: (لا أدري لماذا ترك المسكين عريان، لا أثر للنقش، ولا للكتابة فيه؟). وهي في مقالة لآخينا العالم الأديب الكبير الشيخ عبد العزيز البشري عنوانها (فن الإعلان) وقلت: لقد أنسى الشيطان فضيلة الشيخ الأستاذ بيتي الألفية:

وزائدا فعلان في وصف سلم ... من أن يُرى بتاء تأنيث خُتم

ووصفٌ أصلىّ ووزن افعلا ... ممنوع تأنيث بتا كأشهلا

وقال صاحب (جوف الفرا):

وكل وصف، تاء أنثى لا تلي ... فاصرف كعريانٍ وما كأرمل

إن العلماء لينسون، وإن الأئمة ليخطئون، وإنما العصمة لله ولرسوله محمد وحدهما.

(طنطا)

أزهري

حساب الخطأين لا حساب الخطين

إن إحياء ذكرى ابن الهيثم من أجل الأعمال التي قامت بها الجمعية المصرية للعلوم الرياضية والطبيعية بالقاهرة. وقد قابله العرب في مختلف الأقطار بالشكر والرضى والتقدير، إذ يرون فيه خطوة نحو بعث الثقافة العربية ومحاولة موفقة لأحياء علماء العرب ونوابغهم الذين خدموا الإنسانية وكان لهم فضل كبير على تقدم الحضارة.

ولقد سبق أن نشرنا عدة مقالات عن ابن الهيثم في المقتطف والمعرفة (أيام صدورها) والرسالة. وأتينا على بعض مآثره في كتاب (نواح مجيدة من الثقافة الإسلامية) وأذعنا عنه حديثين في لاسلكي فلسطين ودعونا (ولا نزال ندعو) إلى تمجيد علماء العرب الذين أضافوا إلى كنوز المعرفة إضافات أدت إلى نمو العلوم واتساع أفق التفكير كما دعونا إلى نفض غبار الإهمال وإزالة غيوم الغموض المحيطة بآثارهم ومآثرهم

لهذا كان سرورنا عظيما حينما قرأنا في الصحف نبأ الاجتماع الرائع الذي عقد في قاعة جامعة فؤاد الأول الكبرى إحياء لذكرى ابن الهيثم، وقد شهد هذا الحفل أمير عظيم من أمراء البيت المالك الكريم وجمهور كبير من أساتذة الجامعة وصفوة مثقفة من رجال مصر، وتكلم فيه عدد من أساطين العلم وأمراء البيان

وظهر في الرسالة عدد 338 الكلمة التي ألقاها الأستاذ الدكتور محمد محمود غالي في الحفل المذكور عن (الهندسة وابن الهيثم قديماً وحديثاً) فأقبلت على قراءتها برغبة وشغف. وقد لفت نظري اسم كتاب ورد في الكلمة فذكر الدكتور كتاب (حساب الخطين) من بين أسماء تصانيف ابن الهيثم التي تمت إلى علم الهندسة مع أن المصادر (أخبار العلماء وطبقات الأطباء وغيرهما) لا تشير إلى كتاب بهذا الاسم، بل تشير إلى كتاب آخر موضوعاته حسابية ليس فيها شيء من الهندسة، والكتاب الذي تشير إليه هو (حساب الخطأين) الذي يبحث في إيضاح طريقة حساب الخطأين - وهي إحدى الطرق الأربع التي كان يستعملها العرب لاستخراج المجهولات. أما الطرق الأربع فهي: طريقة الأربعة المتناسية، وطريقة حساب الخطأين، وطريقة التحليل والتعاكس، وطريقة الجبر والمقابلة

هذه ملاحظة بسيطة على كلمة الدكتور القيمة، ولي من إخلاصه للحق والحقيقة ما يشجعني على إبدائها ولفت نظره إليها

(نابلس)

قدري حافظ طوقان

تكريم الأساتذة المصريين في كلية الحقوق العراقية

طلاب كلية الحقوق العراقية مشهورون بوفائهم لأساتذتهم فهم لا يألون جهداً في إكرامهم وطاعتهم. وقد أقاموا أمس حفلة شائقة تسر الناظرين تكريماً للأساتذة المصريين الجدد الذين شرفوا بغداد في هذا العام. وكان يتقدم المدعوين أصحاب المعالي وزراء الحكومة العراقية، وأمراء الجيش وقادتهم، وقناصل الدول العربية وكبار الموظفين. وكانت الحفلة رائعة كل الروعة خطب فيها خطباء كثيرون، وكل منهم أثنى على مصر ثناء عاطراً. وألقى الشاعر مصطفى كامل يأسين قصيدة عصماء استعيد أكثر أبياتها. وبعد أن انتهى الخطباء العراقيون تفضل الأستاذ الدكتور عثمان خليل عثمان فارتجل خطاباً ممتعاً بالنيابة عن إخوانه الأساتذة المصرين كان له أبلغ الأثر في النفوس. وكان مسك الختام خطاب عميد كلية الحقوق الأستاذ الكبير منير القاضي. ودامت الحفلة ساعتين وانفض المدعوون وكلهم يلهجون بالثناء على عميد الكلية وأساتذتها وطلابها

ضياء شيت الخطاب

عبث الناشرين وأصحاب المكاتب

زور أحد الناشرين كتاباً على الدكتور طه حسين بك وقد رأينا في العام الماضي شيئاً مثل ذلك منسوباً إلينا والى الأستاذ توفيق الحكيم. وقد اشترى صاحب مكتبة الجامعة مائتي نسخة من رواية اللصوص كانت باقية لدى مترجمها الأستاذ عبده حسن الزيات. ثم شاءت ذمة التاجر أن يستبدل بغلافها غلافاً آخر كتب عليه من الصفات والألقاب ما أنكره الأستاذ واحتج عليه. وهذه حال من الفوضى المحزنة لا يليق بحماة الحق وحراس العدالة أن يدعوها تستمر.

كلبة يزيد

سألتنا الآنسة فوقية كامل عن تاريخ كلبة يزيد بعد أن سألت (الأهرام) فلم تجد الجواب. وقد بحثنا فيما بين أيدينا من كتب الأمثال واللغة فلم نجد لهذه الكلبة ذكراً ويظهر أن إيراد المثل على هذه الصورة خطأ، فإن أكثر الناس بروية: (أنحل من كلبة ميت يزيد) وميت يزيد قرية من قرى مديرية الشرقية فلعل أديباً من أهلها يروي لنا ما يتناقلونه من قصة هذه الكلبة البخيلة

حول مقال

سيدي الأستاذ الكبير زكي مبارك: أحييك تحية مصدرها إعجاب بأدبك العالي وحسن نقدك وغيرتك على اللغة العربية والدين. وبعد، فقد وقع في يدي منذ مدة عدد الهلال الممتاز (العرب الإسلام)، فوجدت فيه مقالة عنوانها (تركيا المسلمة ومصطفى كمال والإسلام) بقلم الأستاذ حسن الشريف، وفيها ينتقد اللغة العربية ويقرر أنها غير صالحة للعصر الحاضر من حيث صعوبة حروفها في القراءة والكتابة، وعدم قبولها للاختزال، وتعدد معانيها. ويقول أيضاً: إن الطفل في المدارس الابتدائية يستطيع بعد ستة شهور أن يقرأ معظم المكتوب باللاتينية قراءة تكاد تكون صحيحة، بينما هو لا يستطيع أن يقرأ سطراً عربياً من دون أن يخطئ في قراءة كل كلمة. بل إننا نحن الكبار، وقد درسنا العربية دراسة لا بأس بها لا نسلم من التعثر في دواوين الشعر. . . وقد أورد هنا بيتين من الشعر دليلاً على ذلك. كما أنه قد تعرض فيها إلغاء مصطفى كمال للمادة التي تنص على أن (الإسلام دين الدولة).

فأرجو من سيدي الأستاذ أن يطلع على هذا المقال ويبين رأيه فيه، ويمحصه على صفات مجلة (الرسالة) الغراء.

سليم الحجيري

اختلاف الأزياء المصرية

إلى حضرات أساتذة العلم ورجال البحث والتاريخ أتقدم إلى ساحة علمهم بالسؤال الآتي وهو: (ما سبب اختلاف زي المصرين)؟

إن الناظر إلى الزي المصري يرى أن له أشكالاً عدة وأنواعاً مختلفة سواء في ذلك ما كان خاصاً منه بالنساء أو الرجال حضريهم وريفيهم، حتى ليختلف زي ريف عن آخر. فنرى أن ما تتحلى به زوج السويفي أو المنياوي ترفضه زوج المنوفي أو الشرقاوي. وقل مثل هذا في أنواع البرد والملاءات حتى في الأحذية

ولقد شغلت ببحث هذا الاختلاف عدة سنين غير أني لم أوفق توفيقاً يرتاح إليه الضمير. فإني إذا رجعت إلى العصور القديمة وقابلت بين أهلها حتى العصر الحديث كما فعل العلامة حفني بك ناصف - رحمه الله - لمعرفة أسباب اختلاف الأزياء وتعدد اللهجات المصرية، غم على الأمر وأشكل؛ فإني إذا عللت مثلاً لبس العمامة الكبيرة البيضاء في بعض مديريات الجنوب بأنها لاتقاء وهج الشمس فلا أجد علة للبس الزعبوط الأسود فوق كل منمنم ومعلم من الثياب. الأمر الذي لا يتفق مع الطقس أو الطبيعة في شيء هناك. فهل ذلك راجع إلى عادات مصرية قديمة؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فهل لتعدد الإقطاعيات والمعودات دخل في ذلك؟ أو أنه راجع إلى حالات نشأت من تعدد الفاتحين لمصر. وإذا كان ذلك كذلك فأيها بقي وأيها ذهب وما علة كل؟

وإذا كان الجواب نفياً فهل يرجع ذلك إلى عوامل محلية للطبيعة والجو والحالة الصحية أو العلمية والفكرية دخل فيها؟ وإذا كان الجواب نعم فبماذا نعلل بقاء ما لا يتفق منها مع هذه العوامل؟

فهل يتفضل حضراتهم ببحث واف شاف في هذا الموضوع

محمد عبد الجواد حبيب

تصويب

ذكرنا حين تكلمنا عن كتاب تاريخ الطب في العراق بالعدد 335 أنه من تأليف الدكتورين: هاشم الأثري، ومعمر خالد الشابندر. وصحة الاسم الأول: هاشم الوتري لا الأثري.

اختلافهم رحمة

قرأت في عدد (الرسالة) المؤرخ 13 نوفمبر سنة 39، مقالة الأستاذ الطنطاوي: (من هو المسلم؟). والأستاذ مهما كان موضوعه عادياً لا بد أن يكسوه بقلمه البارع وإيمانه البالغ حلة قشيبة تستدعي الالتفات إليه والاهتمام به. وهو في نظري من أدبائنا الذين يخدمون بقلمهم الإسلام ويعملون على تجديده، يمدهم في ذلك اطلاع على روح الإسلام ونصوصه لم يتهيأ لغيرهم، ولذلك لا يحق لنا أن نمر بما يكتبه في هذا الصدد مر الكرام. وبهذا النظر أحب أن تتفضل عليّ الرسالة بشطر من صفحاتها القيمة لأشارك الأستاذ في هذا البحث وفي مسألة هامة من مسائله التي ألم بها إلمام المرشد، وهي مما لا يسوغ تعريف جمهرة القراء بها على هذا النمط لا سيما أن الأستاذ لم يتناولها بما عرفنا عنه من النظر المنقب والفكر المجدد، بل اتبع فيها القول الشائع. وأنا لم أتوفر الآن لإعطاء هذه المسألة حقها من البحث، وإنما أريد أن أصحح هذا القول الشائع حتى لا يمر به بعد اليوم من أدبائنا ومفكرينا من يقيم له وزنا، قال الأستاذ: (إنه لا يضر الناس اختلافهم في الفروع (فكلهم من رسول الله ملتمس) سواء في ذلك الحنفي منهم والشافعي والمالكي والحنبلي. بل إن اختلافهم رحمة من الله وتوسيع على الأمة. ولكن يضر الناس اختلافهم في أصول الدين من العقائد ونحوها، ويكون الواحد منهم مصيباً والباقون على ضلال. لأن الحق لا يتعدد والمصيب هو من اتبع ما كان عليه النبي (ص) وأصحابه والقرن الأول خير القرون)

فالذي يبدو من هذا الكلام أن الأستاذ يجاري متأخري الفقهاء من جعلهم اختلاف الأئمة رحمة للأمة وتوسيعاً على الناس في عباداتهم ومعاملاتهم ليختاروا من أقوالهم ما فيه اليسر لأحوالهم، كما أنه يرى أن اختلاف أنظار المجتهدين في الأصول ممنوع لأنه يستدعي اختلاف الحق وتعدده. وهذا التعليل نفسه يرد على اختلافهم في الفروع أيضاً. والحق الذي لا ريب فيه أن الاختلاف لم له يكن مورد إلا في الأمور الظنية والمشاكل الجزئية التي يتسع فيها مجال القول ويختلف النظر إليها باختلاف الأحوال والأزمان. وطبيعة الأصول تتنافى مع ذلك فإنها لم تسم كذلك إلا بعد أن أجمع عليها النظار وتناولتها الأجيال بالتسليم والقبول لأنها ليست مظنة اختلاف ولا موضع تأويل بخلاف الفروع. وقد بحث هذه المسألة الإمام الشاطبي في كتابه: (الموافقات) ج4 ص71 فأبان أن الشريعة لا خلاف فيها بالحقيقة أصولاً وفروعاً، وأن منشأ الاختلاف في الفروع الأمور الظنية التي يتسع فيها مجال القول بالنسبة لأنظار المجتهدين لا بالنسبة للشريعة التي نفى الله عنها في كثير من آيات القرآن الاختلاف والتفاوت. وقد تعرض بعد ذلك للحديث المأثور: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) فذكر أنه مطعون في سنده، وهو لا يعارض الآيات الصريحة من حيث التزام لوفاق في أحكام الشريعة. ثم استطرد إلى موقف المكلفين من الاختلاف وقال إن المجتهد لا يسوغ له العمل بأحد الدليلين من غير ترجيح كما لا يسوغ للمقلد العمل بقول المجتهد إلا بعد الاطمئنان والتبصر في حال المجتهدين أن تيسر له ذلك وإلا فلا يحق له اتباع أحد القولين كما يستدعي هواه ويقتضيه حاله (وعليه أن يستفتي قلبه) كما قال الرسول (ص)

وأما ما أثر من مدح لاختلاف في الفروع كما روى عن عمر ابن عبد العزيز إذ قال في اختلاف الصحابة (أما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم) فمناط هذا عدم الحجر على الأنظار فيما ليس فيه قطع وهذه هي السعة التي شرع من أجلها الاجتهاد لا ما يجعل المكلف في حيرة من العمل بالأقوال المختلفة دون تبصر واطمئنان. ثم قال في فصل ثان ما نصه: (وقد أدى إغفال هذا الأصل إلى أن صار كثير من مقلدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره من الأقوال اتباعاً لغرضه وشهوته أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق. ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلاً عن زماننا هذاً كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب اتباعاً للغرض والشهوة) أقول وفي زماننا هذا أصبحت هذه القضية مصدر الحيلة لتجار الشيوخ في إجابة المستفتي لحل مشكلة أو تفادي حرمة في الدين. وعلى قدر ما يدفع السائل من المال، تتسع أمامه الحيل وتكثر الأقوال. فماذا يقول أمثال هؤلاء في قول الله تعالى: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم)

(نابلس)

حلمي الإدريسي