مجلة الرسالة/العدد 340/من هنا ومن هناك

مجلة الرسالة/العدد 340/من هنا ومن هناك

ملاحظات: بتاريخ: 08 - 01 - 1940



هذه الحرب ستزيل الحرب

(ملخصة عن (فورتنايتلي)

منذ أربعين سنة كان الناس يظنون أن الحروب الدولية هي الطريق الطبيعي الذي يدل عليه المنطق وتستحث إليه البطولة في فض المنازعات. فإذا قتلت إنساناً - وكثيراً ما يحدث هذا - فأنت تقتل شخصاً أجنبياً عنك. أما الحروب الأهلية، فقد كانت من الأعمال الممقوتة، لأن القتل في هذه الحروب كان بمثابة قتل الإنسان لأخيه؛ فكانوا يعدونه خروجاً عن حدود الطبيعة لا يصح أن يقترف على وجه الإطلاق.

وقد كنت مخالفاً لهذه الفكرة منذ عدة سنين. فلم أعتقد في ذلك الحب الأخوي المزعوم، ولم أظن في يوم من الأيام أن الإنجليزي أحق بالحب من الفرنسي، أو الألماني، أو الأمريكي. إن الإنسان حر في أن يحب هذا أو يكره ذاك. ولكني أعتقد أن الحرب الأهلية أقل خروجاً بنا من الحدود الأخلاقية من الحرب الدولية لسببين:

السبب الأول: هو النضال في هذه الحرب لا يقوم لأجل انتزاع الأرض، أو الاستيلاء على المعادن، أو التهافت على السيادة وإنما يقوم على فكرة أو مبدأ.

والسبب الثاني: أن تلك الحرب، حرب شعبية، وثورة ضد الحكم السيئ، تترك فيها الحرية لرجل الشارع في اختيار الناحية التي يريد أن ينحاز أليها.

ويخيل إلي أن الحرب الحاضرة هي من نوع الحرب الأهلية فهي حرب مبادئ، هي ثورة يناضل فيها الألمان إلى جانبنا، أو نحن نناضل إلى جانبهم لمكافحة نوع من الحكم الذي لا يطاق

فليست هذه حرباً دولية، ليست حرباً بين حكومتين، ولكنها حرب بين نوعين من أنواع الحكومات، حرب بين الديمقراطية والدكتاتورية، أو بعبارة أخرى هي حرب بين الحرية والاستعباد

لقد كتب كثير من اللغو عن كلمة الحرية. وأنا أقرر هنا أن الحرية المطلقة أمر ليس في الإمكان. فأنا إذ أقول إنني حر في أن أكتب ما أشاء - هنا - فما لا أستطيع أن اكتبه في ألمانيا أو إيطاليا أو روسيا، لا يصح أن يقال لي أن الصحافة هنا في أيدي أصحاب رؤوس الأموال، وهم لا يسمحون لك بأن تنشر إلا ما يتفق وأغراضهم. فأنا حر في أن أكون من الرأسماليين، وأخرج صحيفة خاصة بي إذا استطعت، وأنا حر كذلك في أن أنشر آرائي في كتاب خاص بي إذا وجدت الناشر، والناشر حر في أن يقبل أو يرفض نشر هذا الكتاب. وأنا حر في أن أصبح في شلالات نياجرا إذا لم تحد من حريتي قوة المياه المتدفقة. فالإنسان لا يكون محروماً من الحرية إلا إذا حرم القدرة لفعل كل ما يريد

فالحرية التي يزدهر نجمها في البلاد الديمقراطية هي حرية الروح، هي حرية الفرد في أن يفعل ما تؤهله له كفاياته وظروفه الشخصية إذا لم تصطدم وحقوق غيره ممن لهم الحق كذلك في الاستمتاع بحرياتهم، وتلك ليست بالحرية الكاملة. فالحرية الكاملة شيء لا وجود له. وكذلك نحن نحارب هتلر لأنه يزعم لنفسه الحرية التامة في أن يفعل كل ما يريد. فهذا نوع من الحرية ترى الحكومات الديمقراطية أن من واجبها أن تكافحه بكل ما لديها من قوة لأنه يتعارض وحرية الأمم المجاورة له

لقد عدنا إلى حياة الغابة اليوم، لآن هتلر يريد ذلك. أليس هذا نوعاً من الجنون؟ فإذا كان في العالم أمة تخضع لشخص واحد أو ليس من الجنون أن يبقى شبحه مهدداً للسلام

إن فكرة الحرب مقضي عليها إذا ارتفعت كلمة الشعب. فإذا كان الأمر على النقيض، وكان صوت الأوتقراطية هو المسموع فسوف لا يرتاح العالم من شر الحروب

إن طريق السلام عسير ولا شك، ولكنه واضح النهج بادئ المعالم، يراه كل بصير

لا هتلرية في أرض الوطن

(ملخصة عن (سبكتاتور، لندن))

لم يمر على البرلمان ولا على الصحافة وقت أصبحت فيه المهمة الموكولة إليهما في حاجة إلى عناية ويقظة كالوقت الذي نحن فيه. ومما لا شك فيه أن الديمقراطية لا تقدم على الحرب إلا إذا أفرغت كل ما لديها من الوسائل لاجتنابها. إذ الحرب وعلى الأخص الحرب العصرية - لا تخلو من خسارة موقوتة تقع على الديمقراطية نفسها. فالحكومة في هذه الظروف على ثقة من أن حالة الحرب ستبرر كل ما تطلبه من النفوذ الدكتاتوري، ومن ثم تعمل تحت تأثير هذا الشعور. فالحرية الشخصية يجب أن تحد إذا دعا الداعي إلى التعبئة، وإعداد العدة لحماية الوطن من الأعداء. وسائر قوى الشعب يجب أن تكون واحدة لنظام معين، تسير عليه مجبرة إذا اقتضى الحال

هذه الحقيقة لا جدال فيها. ولكن هل معنى ذلك أن قبول الحرب أو الدخول فيها يقضي على الديمقراطية، ويمحو وجودها بحيث يصبح الشعب البريطاني كالشعب الألماني خاضعاً خضوعاَ تاما للدكتاتورية العمياء؟ الجواب لا، بلا شك. فهذه الأمة لا ترجو يوماً من الأيام أن تعمل على رفع مستواها الحربي بتوجيه النقص إلى تلك المميزات التي كانت مصدر قواها وفخارها أيام السلم

إن العقلية الإنكليزية ليست كالعقلية الألمانية. فالألمانيون سواء في الحرب أو السلم لا يكرهون الاستعباد، ويريدون أن يكونوا على الدوام تروساً في الآلة الحكومية التي يديرها الحاكمون

ولكنا لا نستطيع أن نستغل الشعب البريطاني إذا حاولنا أن نعامله على هذا النحو من المعاملة. فالإنجليز يفهمون روح التعاون الرياضي فهم يقادون ولكن لا يساقون. فإذا أردنا أن نفوز في هذه الحرب فلن يكون ذلك بمحاكاة الروح الألمانية. ولكن بالمحافظة على روحنا الخاصة، وتنمية فضائلنا المتأصلة وإذكاء روح الحرية وتوجيهها ضد قوى الاستعباد

إن الحرب تجابهنا مرة واحدة بنقائض الديمقراطية جميعاً وهي في أشد أحوالها. فالحالة تقضي بأن يساس أبناء الأمة بشيء من القوة، ولكن دون أن يفقدوا هم سياسة أنفسهم. ولحل هذه المشكلة لجأت الحكومة إلى وجهتين: الأولى هي الاحتفاظ بالحياة النيابية كاملة، وإعطاء الأعضاء الحرية التامة في مناقشة كل شيء. والثانية: حرية الصحافة، ولم يسيء البرلمان ولا الصحافة استعمال هذه الحرية. بل لقد كان الأمر على نقيض ذلك، فقد ظهر كل منهما - وعلى الأخص مجلس العموم - عزمه الصحيح على توحيد الرأي، والعمل على محو كل اختلاف، وقبول كل تضحية في سبيل المصلحة العامة.