مجلة الرسالة/العدد 342/البريد الأدبي
مجلة الرسالة/العدد 342/البَريدُ الأدَبيّ
حول (الإمتاع والمؤانسة)
قرأنا في باب مقالاً قنع صاحبه بأن يجعل توقيعه هكذا: (ع. ص). فمن يخبرني من تحت هذين الحرفين المقطَّعَيْن؟ والمقال رد على تعّقبي لفرطات بدرت من جانب الأستاذين احمد أمين فأحمد الزين وهما يحرران كتاب (الإمتاع والمؤانسة) لأبي حيان التوحيدي. وكنت قد صنعت ذلك الاستدراك لوجه العلم وحده ولإتمام الفائدة، لا لتنقص الناشرين الفاضلين، كما زعم ع. ص وقد كنت أرقب الرد من ناحيتهما، وأكثر الظن أن صديقي الدكتور زكي مبارك يرى ما أرى وهذا رد يعمد صاحبه إلى التعمية، فيفر من الميدان قبل أن ننزل إليه وللتعمية سبب جليّ، قصته أن المقال يدور على التلبيس والعنت: على اختلاق القول واجتلاب الحجة.
ووالله لولا دَين القارئ الطُلَعة في عُنق الناقد الكشّاف لحبست القلم اليوم عن الكتابة، وذهني مشغول بقولة العرب: (لا تناظر جاهلاً ولا لَجوجاً، فإنه يجعل المناظرة ذريعة إلى التعلم بغير شكر).
أما التلبيس الذي ذكرتَه ففي قوله: إن تنبيهي على اضطراب الترقيم (استغرق قرابة نصف صفحة من مقالي). والواقع أن ذلك التنبيه جاء كالذيل للمأخذ الأول ووقع في عشرة سطور، على حين أن مقالي في سبعة وثلاثين ومائة سطر
ومن التلبيس أيضاً أنه يقول في خاتمة مناقشته المستكرهة: (هذا ما يتعلق بنقد الدكتور بشر)، وهو يريد أن يدسَّ في ذهن القارئ أنه ناقش كل ما أخذت على الناشرين. والواقع أنه إنما حاول الردّ على مآخذ أربعة؛ وفي نقدي أحد عشر مأخذاً، كنت استخرجتها من الأربعين صفحة الأول من كتاب (الإمتاع والمؤانسة). أَلاَ فليخْبرني (ع. ص) أو من وراءه ماذا صنع بالمآخذ السبعة الأخرى؟ أطواها في الغطاء الذي يلفه؟ أني أرجو من صديقي القارئ أن يعود إلى نقدي ويراجع كلمة (المعانَقَة الخفيَّة) وصوابها (معانِقِه)؛ وجملة (تاه أهله) والوجه (باد)؛ وكلمة (الشهوات الغالبة) والصواب (الغالية)؛ وتفسير (الركاكة) بضعف العقل والرأي دون البَدَن، والأصل هذا؛ وكلمة (مادَّته بالية) والصواب (سايلة)؛ وكلمة (وواد واحد) والصواب (وُهوٍّ). ولعمري أني أعذر (ع. ص) من لزوم الصمت إزاء هذه المآخذ، فقد غُلِّقت دونها أبواب الاحتيال
ذلك بعض ما في مقال ع. ص من التلبيس. وأما الذي يشينه من ألوان العنت فمتلاحق في مناقشته المغتصبة، وسأختصر الكلام قانعاً بضرب مثلين اثنين:
يقول ع. ص - رجاءَ أن يفلت من تنبيهي على اضطراب الترقيم - ما حرفه: (ولم يدر (يعنيني) أنّ هذا الترقيم إنما يمليه الذوق وحده، ولا يرجع وضعه إلى قواعد ثابتة إلا في رسم العلامات). فمن هنا يتبين لي أَن الرجل من الهاجمين على فن الإنشاء. ولا أريد أن انقلب إلى علامات الوقف والتمهل في أدبنا القديم، خشية الإطالة. ولكني اخبر ع. ص. أَن فن الترقيم (يرجع وضعه إلى قواعد ثابتة) في اللغات الإفرنجية. فليستعن بأحد إخوانه على تفهم (باب الترقيم) في كتاب لقواعد الفرنسية، في كتاب المختصر مثلاً (والباب في أربع صفحات، ثلاثة أرباع واحدة منها للعلامات التي يعنيها هو، نحو علامة التعجب؛ والباقي للترقيم من نقطة وفصلة أو شولة وغير ذلك). وأما الترقيم المستحدث في العربية فقد استعرناه من قواعد اللغات الإفرنجية محاكاةً لها. أني أُثبت هذا وبين يديّ رسالة أمضتها وزارة المعارف العمومية، عنوانها: (حروف التاج وعلامات الترقيم، ومواضع استعمالها) (المطبعة الأميرية 1931) فهذه تسع سنوات يسير التلاميذ في فن الإنشاء على منهج قويم ليس للأستاذ الكاتب ع. ص. علم به
بقى أن ع. ص ظَنَّ أنه ظفر بالمقتل حين قال: إن لي نحواً جديداً إذ أثبتَّ كلمة (كذا) في تضاعيف قول التوحيدي: (وأما قولهم: هذا شي خلق، فهو مضَّمن معنَييْن (كذا): أحدهما يُشار به إلى أن مادته بالية (والصواب كما في الأصل: سايلة)، والآخر أن نهاية زمانه قريبة). ألا ترى كيف يتقوَّل عليّ ع. ص ما لم أقله إذ يزعم من الطريق التخمين أني (حسبت) كلمة (معنيين) من الغلط النحوي، وأن صوابها عندي: (معنيان)، فيتشبث لأجل ذلك بورود كلمة (كذا). ياله من غريق يتشبث بالموج الهازئ! فهل له أن يسأل أهل الذكر عن موقع كلمة (كذا) في ذلك الموطن فيخبروه أنها ليست للتخطئة كما وهم، ولكنها لتأكيد حكم المؤلف وتنبيه القارئ إلى التقسيم الذي يليه. وليرجع ع. ص. هاهنا إلى (كتاب الصناعتين) لأبي هلال العسكري (الآستانة 1320ص267، 270) لعله يدرك أن من التقسيم الفاسد أن يدخل أحد القسمين في الآخر. وفي عبارة التوحيدي تقسيم، دليله حكمه: (فهو مضمن معنيين: أحدهما. . . والآخر. . .). وقد جاء التقسيم - على حسب رواية الناشرين - فاسداً، وذلك لأن (المادة البالية) داخلة في (الزمان القريب نهايته). وأما (المادة السايلة) (وهي الرواية الصحيحة، كما بينت في نقدي مستنداً إلى دواوين الفلسفة العربية) فعلى خلاف ذلك؛ لأن (السيلان) يفيد التحول من طريق تدافع الأجزاء. وعلى ذلك فإثباتي كلمة (كذا) من باب التأكيد والتنبيه. غير أن ع. ص قليل الإلمام بأساليب الكتابة العلمية. ولو تروّى قليلاً لفطن إلى أني لم أجر في نقدي على التخطئة باستعمال كلمة (كذا)، بل أقول: هذا خطأ، والصواب كيت وكيت. أَفقلتُ: والصواب (معنيان)؟ ولكنه الميل إلى التخلص بالملفقات
من كل ذلك يتضح لك ما وراء التعمية من تلبيس وعَنَت مما لا يجلب للعلم منفعة ولا يعود على الناشرين الفاضلين بسَنَد وليعلم (ع. ص) أن قلمي مهملة بعد هذه، فليس من عادته أن يجاذب من يوليه ظهره.
بشر فارس
وفد العراق في المؤتمر العربي
أهلاً وسهلاً ومرحباً!!
كتب إليَّ الأخُ العزيز الدكتور عبد المجيد القصاب يقول: (أنا أتحرق شوقاً إليك)، وأحزم حقائبي للقياك مشتركاً في المؤتمر الطبي رئيساً لوفد الطلبة وعددهم يُنيف على الثمانين من طلاب الحقوق والطب والصيدلة ودار المعلمين العالية. وما شأني والمؤتمر الطبي؟ إنما هي مصر التي أحترق شوقاً إليها، وإنما أعني أهل مصر الذين بارك الله في عقولهم وعواطفهم وتفكيرهم، من أمثال: علّوبة ومبارك والمزني والزيات والسنهوري وعزام وأباظة. ولست أنا وحدي أتلظى بسعير الوجد، بل هنالك العدد الكبير من أطباء وطبيبات وطلاب وطالبات من سكان وادي الرافدين سيحملون إلى سكان وادي النيل تحيات عاطرات. . .)
وإذاً، فسيكون عندنا وفدان للمؤتمر من أهل العراق: أحدهما وفد الأطباء برياسة الدكتور صائب شوكت، والثاني وفد الطلاب برياسة الدكتور عبد المجيد القصاب.
سيكون بالقاهرة في أيام العيد مائة وعشرون ضيفاً من العراق. فيا فرحة القلب ويا طرب الروح بلقاء الأهل والأحباب!! وفي خطاب الدكتور القصاب تحية من الأخ الأستاذ ناجي القشطيني، وتحية كريمة من بعض أخواني بالنجف. . . فيا أيتها الدنيا التي تجيد مضايقتي من وقت إلى وقت، تأدبي يوماً أو أياماً حتى ألقى وفد العراق وأنا في أمان من ثورة النفس على غطرسة الزمان!. . .
وفي الخطاب إشارة رفيقة إلى اشتراك (ليلَى) في المؤتمر الطبي باسم مستعار لتأمن أهل الفضول، وهو يدعوني إلى التأهب لاستقبالها في محطة (باب الحديد)
وحياتِكم وحياتكم قسما وفي ... عمري بغير حياتكم لم أَحلف
لو أن روحي في يدي ووهبتها ... لمبشري بقدومكم لم أُنصف
سأكون في عيد، سأكون في عيد، والحمد الله، والشكر للجمعية الطبية المصرية التي عرفت كيف تجعل القاهرة صلة الوصل بين الأمم العربية.
إليك يا ليلى والى أهلك الأكرمين أفتح صدري وذراعيَّ لعناق التلاقي بعد طول البعاد:
ومن بينات الحب أن كان أهلها ... أحبَّ إلى قلبي وعينيَّ من أهلي
زكي مبارك
أقاصيص جديدة لأوسكار وايلد
عثر الأستاذ غيّو دُسيكس على أقاصيص جديدة لأوسكار وايلد لم يتح لها أن تنشر قبل اليوم، ولو أنها نشرت لكانت كتيّباً صغيراً. وسألخص هذه الأقاصيص، وعلّي أعود يوماً فأنقلها إلى القراء:
(1) العين الزجاجية
نجد في هذه الأقصوصة غنيا أوتى الجاه والجمال. وكان مولعاً بالصيد والقنص. وإنه لفي أثر بعض الوحوش ذات يوم، إذ اضطربت بندقيته فأصاب إحدى عينيه رشاش أطفأ نورها. فعمد إلى عين من بلور خاص، وكانت عيناً حلوة رائعة جديرة بأن ينفق من أجلها كل ماله
ووضع العين الزجاجية المرأة؛ فأعجب بحلاوتها وصفق. . . وغدا عاشقاً لها يغدو ويروح ويرنوا إليها
فلما بلغ به الإعجاب كل مبلغ، أراد أن يسأل صديقاً له عنها فقال له:
- كيف ترى عيني الزجاجية؟
- لا يستطيع المرء أن يبدع أكمل منها!
- ولكن ألم تعجب بها؟ إن الحياة لتتدفق منها، وإن النور ليشع فيها. آه يا صديقي، لقد غدوت لا أميّز بين عيني الأولى وعيني الثانية، أنظر فيها. . . وحدق، ثم قل أية العينين هي الزجاجية؟
- تلك هي الزجاجية
- وكيف عرفتها؟
- إنها أحلى العينين!. . .
- أواه! إنك تهزأ. . . لو لم تك رأيتها من قبل لما عرفتها. . .
تعال نسأل الناس، هيا إلى الشارع
وخرج الصديقان. . . فلمح الغنى في زواية الشارع سائلاً يقضقض برداً، فاقتربا منه، وقال له الغني:
- هل تأخذ درهما؟
- درهم. . . درهم. . . ليس أحب إلي منه. . . لقد بت جوعان ليلتين!
- حسن، أنظر إلى عيني. . . فإذا استطعت أن تميز عيني الزجاجية من عيني الطبيعية. . . كان لك ما تشاء!
فحدق السائل، وقال فوراً:
- هاهي ذي يا سيدي
- ويحك! وكيف عرفتها. . .؟
- الأمر سهل يا سيدي، لقد رأيت فيها شفقة ورحمة بي. أما الثانية. . . أما الثانية. . . إنها تقول: لا تعطه شيئاً
(2) جزيرة النسيان
أقلعت السفن تحمل فوقها فتياناً في مقتبل العمر. فخيم الليل عليهم وهم فوق ثبج البحر المطمئن، وكانوا يسمرون وينشدون وإذا بالسماء تعبس ثم تبكي. . . وإذا بالبحر يفتح شدقيه ليبتلع كل شيء. . . وإذا بالرعد يقهقه وهو ينظر ضاحكا
وتاه البحارون. . . حتى وصلوا إلى جزيرة نائية، ما عرفها علماء الجغرافية وما رأوها، فنزلوا فيها فلقوا شيخاً قد استقبلهم والوجه مشرق والعين ضحوك
لم يكن الشيخ مرتدياً لباساً بل اتخذ من شعره الأسود الذي استرسل على كتفيه وستر ظهره رداءً، ومن لحيته الطويلة التي بلغت ركبتيه صدرة
وحفَّ الشباب بالشيخ وسألوه أن يقص عليهم قصته فضحك وقال:
- كل ما أستطيع أن أقوله. . . هو أني أتيت إلى هذه الجزيرة لأنسى
- تنسى ماذا؟
- أوه! لقد نسيت أيضاً!
(3) الرجل الغني وسره
كان لغني ثروة واسعة تنغص عيشه دائماً. فأتاه ذات يوم رجل ذكي محتال وقال له:
- لقد عرفت سرَّك فإن لم تعطني ألف جنيه تكن خاسراً فدب الخوف في نفس الغني وساءل نفسه: أيكون لي سر ولا أعرفه؟ وما هو سري؟ ولكن ربما كان لي سر يعرفه هو ولا أعرفه أنا، فلأعطه ما يريد!
ومضى الرجل وفمه يتلمظ. . . فكان كلما أحس حاجة أو فاقة غدا إليه فأخذ مالاً. . . والغني مذعن خائف
وتصرَّمت أعوام. . . وإذا بالموت يأتي الغني!
فنادى المحتال. . . وقال له ونفسه تتقطع حسرات:
- لن أخاف بعد اليوم. . . فقل لي ما هو سري. . . الذي لم اعرفه!
صلاح الدين المنجد
التجديد في العروض
قرأت بالعدد (341) من الرسالة قصيدة بعنوان (الناي) للدكتور المفضال بشر فارس قدم لها بقوله (هذه الأغنية منظومة على بحرين مختلفين رغبة في تنويع مجرى النغم، والبحر الأول وضعه الشاعر، وأجزاؤه: فاعلاتن مفاعلتن (مرتين)، وليكن اسمه: المنطلق. وأما البحر الثاني فمن البحور المعروفة. . . أهـ) ثم مضى في القصيدة فكان الوزن الذي أسماه المنطلق يبدأ بقوله:
جنّبوا النايَ عن أُذُني ... أُذُني زُلزلت طَربَا
والواقع أنه لا يوجد في أوزان البحور المعروفة بحر أجزاؤه (فاعلاتن مفاعلتن) ولكن يوجد هذا الضرب نفسه بأجزاء أخرى هي (فاعلن فاعلن فَعِلُنْ) فهو إذاً الضرب الأول من العروض الثاني من المتدارَك، وهو المجزوء الصحيح، وأقرب أمثلته (لوزن) الدكتور بشر هو الضرب المخبون المرَفَّل من هذا المجزوء الصحيح، ومثاله في متن الكافي هو:
دارُ سُعدَى بشَحْر عُمَانْ ... قد كَسَاها البِلاَ المَلَوَانْ
على أن هناك فرقاً يسيراً قد يلحظه القارئ بين الوزنين، فذلك أن وزن الدكتور بشر ينقصه الترفيل (وهو زيادة سبب خفيف على ما آخره وتد مجموع) والسبب الخفيف - كما هو معروف - متحرك بعده ساكن كقَدْ. فهو يمثل الألف والنون الأخيرتين، في عمان والملوان، واللتين بحذفهما نحصل على نفس الوزن (المنطلق) الذي جاء به الدكتور بشر. . .
والواقع أنه يصعب جداً، بل يكاد يكون من المتعذر، زيادة (بحر) مستقل على البحور المعروفة، كما سمح الدكتور الفاضل لنفسه في تسميته مجزوءَه الذي له اصل في العروض بحراً. . . على أن له العذر الفني في ذلك، وأقول العذر الفني لأن (البحر) الذي خيل إليه أنه اخترعه لم يقع له إلا في (المتدارك) وهو - كما يظهر من تسميته نفسها - بحرٌ تدارك به الأخفش على الخليل الذي قد نسيه أو أهمله (وقيل هو المتدارِك بكسر الراء لأنه تدارك المتقارب أي التحق به، لأنه خرج منه بتقديم السبب على الوتد، وله أسماء أخرى غير ذلك كالمخترع والخبب. . . عن المختصر الشافي للدمنهوري)
ويلوح لي أن هناك شيئاً من توارد الخواطر بين تسمية الدكتور بشر لمجزئه (بالمنطلق) وبين تسمية المتدارك (بالمخترَع) فكلا التسميتين ترمزان من طرف خفي أو صريح إلى أنه وزن جديد على أوزان الخليل. . . هذا وإن كنت لم أعرف بعدُ مَلحظَ الدكتور في اختياره اسم (المنطلق) وزيادة للفائدة من هذا البحث الجليل، أقول إنني حاولت التجديد في العروض - وكان ذلك منذ سنوات - بزيادة بحور جديدة، فوقعت على بحرين، أحدهما - لِلَطيفِ ما حدَث - ظهر أنه هو نفس المتدارك! وكنت قد نظمت لإثباته أبياتاً مطلعها:
يا أَبى إنني ذاهبٌ للوَغَى ... باذلٌ مهجتي في سبيل الحِمَى!
والثاني أخذته عن وزنٍ انجليزي بديع، يمثل طريقة من سير الجياد وهو الأصح عندي بأن يسمي (الخَبَبَ) وقد جعلتُ وزنه: مَفْعُولُنْ، أربع مرات، أو ثمان. . . ولا أذكر ما نظمته فيه، ولكن المجال فيه مفتوح للناظمين. . .
عامر محمد بحيري
ليسانسيه في الآداب من جامعة فؤاد الأول
معنى بيت وإعرابه
للأستاذ عبد المتعال الصعيدي انتقادات ومباحث تصيب مرماها تارة وتخطئه أخرى، وملاحظات تحمل قارئها على التأمل والتبصر في محتوياتها مما جعلني أخالف ما ذهب إليه في إعراب قول الأعشى
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا ... وبتّ كما بات السليم مسهدا
فإنه أعرب أرمدا فعلاً ماضياً مسنداً إلى ألف الاثنين العائدة على قوله عيناك، وعلى ذلك (فليلة) في البيت منصوبة على الظرفيه لا أنها مفعول مطلق كما يقول الأستاذ (أبو رجاء) نقلاً عن حذاق النحاة
ولننظر إلى معنى البيت على رأي الأستاذ الصعيدي، أيؤدي ما كان يريده الأعشى أم يعارضه وينافيه ويخالف العقل والواقع؟ إنه يكون هكذا: (ألم تغتمض عيناك ليلة كانا مرمدين) مع حمل الاستفهام على التقرير أو الإنكار، فكيف يتأنى انطباق جفون العين وذوق حلاوة الكرى في وقت كان الرمد كالجمر يَحْرِق ويأكل غارساً بذور السهاد والقلق وغير ذلك مما يعلمه الأستاذ؟ إذا كان لهيب الرمد، وحلاوة الهجوع لا يجتمعان، أذن يفسد كل معنى يقول بذلك ويتحقق ما تقوله حذاق النحاة في معنى البيت من أنه يكون هكذا (ألم تغتمض عيناك اغتماض ليلة ألارمد) ولا ريب في أن إغتماض المرمد كله سهد وقلق وأرق وضجر وغير ذلك مما يتناسب ومراد الأعشى، وخاصة أنه كان كما يقول الأستاذ (لم يكن في موقف الشكوى من هذا، وإنما كان في موقف النسيب). فلا حرج عليه إذا قال: إنه كان في سهر طويل ويقظة شديدة كانت كيقظة الرجل الذي آلمه رمد عينيه، لا أن يقول: إن عيني كانت مغمضة ونائمة ليلة كانت مرمدة؛ وهب أن المعنى قد يتأتى، وينام الرجل والرمد في عينيه، فما هي المناسبة التي تجعل الأعشى أن يقول ذلك وهو في الموضع الذي نبه عليه الأستاذ. هذا ما أردت كتابته والسلام على الأستاذ ورحمة الله
محمد رجب البيومي