مجلة الرسالة/العدد 343/قصيدة لم تنشر
مجلة الرسالة/العدد 343/قصيدة لم تنشر
لشاعر الحب والجمال لامرتين
بقلم الأستاذ صلاح الدين المنجد
عاد لامرتين في عام 1844 إلى نابولي، تلك المدينة التي ألقت قدميها في الماء، وتركت البحر يدغدغها والنسيم يقبلها. وكانت زيارته الثالثة لهذه البلدة التي خلّفها في صباه، وخلّف وراءه فيما (جرازيلا) الحبيبة تعاني فجعة البين، ولوعة الحب، ووله الحنين. وطاب له المقام، فأقام في جزيرة صغيرة بالقرب منها، يرتع بين حلم موشّى، وعيش هادئ، وتذكر قاتل. وطافت به أشباح الأحباب في السنين الخوالي، ورأى جرازيّلا تهدهده بالنغم البارع فوق ثبج البحر، وتحزنه بالشكوى المحرقة في ذلك القصر العتيق. فجاش في صدره شعر باك حزين، برغم السنين الأربعين التي عمرها، وبرغم هذه الشعور التي تشبه غبشة الفجر. وماله لا يقول الشعر الحزين وقد مات الهوى وفقد الحبيب، وهو بعيد عن وطنه، وحيد على سيف هذا البحر الهائج كالغلام اليافع، فقال عشرين بيتاً من الشعر عثر عليها منذ حين في مجموعة نادرة مخطوطة لأشعار لامرتين في مكتبة السيد لويس بارتو الخاصة، ولم تكن قد نشرت من قبل. وهأنذا أنقلها للناس:
عندما كنت فتى، ملءُ بردىّ الفخار،
نشرت أجنحتي أمام أرواح البحار
فحملت شُرُع القوارب أفكاري وسارت
وراحت أحلامي تتوثب فوق مُرّ الأمواج
كنتُ أرى في ثنايا الموج الذي يغرق الأفق فيه
عوالم تزخر بالحياة، وجزائر تطفح بالسرور؛
تطفوا، موشاة بالياسمين، مزدانة بأغصان الكروم.
وكان الحب يناديني منها، والنصر أيمد لي معه اليدين
كنت أغبط كل سفينة يبيضَّ من حيزومها الزبدُ
تسعى جذلانة تبغي الشاطئ المجهول.
واليوم، أجلس على سيف الخليج الثائ أذكر الماضي، فأخوض تلك الأواذيَّ ثم أعود
لشد ما أحببت هذه البحار التي ما أزال أهواها
كما أهوى حقلاً رفرف الحزن عليه،
دفنت فيه أجنحتي، فمعالمها تنطق في كل مكان:
ذلك، لا كما هويت من قبل عالم المنى والأحلام
لقد رقد هذا الشاطئ بحزن، وأذابت هذه الصخرة نفسي،
وذوت سعادتي في هذا الهدوء الخادع.
وهنا، صعقتني صاعقة هبطت من السماء
فولّت الموجات تسعى، تحمل كل واحدة منها
قطعة من قلبي المكلوم. . .
(دمشق)
صلاح الدين المنجد