مجلة الرسالة/العدد 357/رسالة الشعر

مجلة الرسالة/العدد 357/رسالة الشعر

ملاحظات: بتاريخ: 06 - 05 - 1940



هل بعد الشباب شباب؟

للأستاذ حسين شفيق المصري

أبعد اكتهال في الضلال صواب ... وهل صادقٌ بعد المشيب متاب

أرى الشيخ من بعد الغواية زاهدا ... كما خاف حراس الكروم غرابُ

تشوب له الغادات بالسُّخر ودَّها ... ويسخو على جُلاّسه ويُعاب

فيهلك ما يقني ويمضغ حسرة ... لها في اللهى بعد السُّلافة صابُ

ويعتزل اللذاتِ في ثوب راهب ... ومن تحته للمخزيات ثياب

فينهض في المحراب يسأل ربه ... ثواباً، وما للمفسدين ثواب

وفي نفسه عند السجود لو أنه ... يتاح له في الموبقات وثاب

وقد يتمنى لو يُنيبُ، وبينه ... وبين فنون المغريات جِذاب

فلا هو للدنيا، ولا هو ديِّن ... وقد مات، لولا جيئةٌ وذهاب

ويا رُب حي يخفض الذلُّ رأسَهُ ... وميت يُعلَّى قبرُه ويهابُ

ألا لو درى الأشياخ في زمن الصبا ... بعقبى الهوى لاستدبروه وآبوا

وشقوا إلى العلياء كل مخوفة ... تشق رؤوسٌ عندها ورقاب

وكائن ترى من مُترف ورِثَ القُرى ... وركن الحجي فيما لديه خراب

تطير به الأهواء حتى ينوشَهُ ... من الفقر في جو الرفاء عُقاب

وآخر ضاو مسَّهُ اليُتم بالطوى ... ودارت به الأيام وهي غضاب

فسار على درب الشباب إلى المنى ... وئيداً، فما استعصى عليه طِلاب

وخالس عيشَ الكدِّ ساعاتِ لذةٍ ... تعيد صفاَء النفسِ حين تُشاب

فلما دنا من شيبه بشبابه ... تربع في دست عليه حجاب

فتى العصر هل بعد الشباب شباب ... إذا غزلٌ ولى به وشراب

أكل الصِّبا حب ولهو ونشوة ... وهجر وشكوى لوعةٍ وعتاب

أفي كل ناد ملعب ومجانة ... وفي كل ليل صبوة ودعاب

أتذهب أيام الشباب على الهوى ... أليس لأيام المشيب حساب شبابك هذا فرصة إن تركتها ... فليس لها بعد المضي مآب

وليس لمجد في الفتون شريعة ... وليس لجاه في المجون كتاب

فخذ في سبيل السابقين إلى العُلا ... وليس لها غير الجهادِ ركاب

ولا تنسَ والأيام خُضْرٌ وريقة ... نصيبَك منها والغصُونُ رِطاب

فإن كان حب فلتصنه نزاهة ... وإن كان لهو فليزنه صواب

ألم ترني أبصرت بعد عمايتي ... وما زال مغشًّياً عليّ حجاب

كما إنجاب ليل في فلاة فسيحة ... فأخفى ضياء الشمس عنك ضباب

كشأنِ صحاب عاصروني مع الصبا ... فشبت على دين المجون وشابوا

قضوا في حوانيت الشراب شبابهم ... فلما علا الشيبُ الرؤوس تصابوا

كأن بهم وهناً يصد عن العلا ... وأعوادهم رغم المشيب صِلاب

وداعي الهدى لا يسمع الشيخ صوته ... ولكنه يدعو الفتى فيجاب

حسين شفيق المصري

-