مجلة الرسالة/العدد 360/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 360/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 360
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 27 - 05 - 1940



(وحي الرسالة)

أخي الأستاذ الزيات

إليك أقدم أطيب الثناء على الهدية النفيسة التي تفضلتَ بها على أخيك وهي المجلد الأول من (وحي الرسالة)، وهو مجموعة لمحات من بوارق فكرك الوثّاب الذي ترى به روح الشرق وعقل الغرب حين تشاء، بفضل ما وهبك الله من البصر بأسرار البلاغة العربية والثقافة الفرنسية، وتلك هِبة لا يتمتع بها من كتاب العصر إلا الأقلون

ويمتاز كتابك بميزة أصيلة هي تصويره لأكثر ما يحيط بهذا العصر من مشكلات عقلية، ومعضلات ذوقية، فهو سِجِلٌ صادق لحوادث عاناها المجتمع واضطرم لها روحك الأمين

وما عاودتُ النظر في كتابك إلا تفزّعتُ إشفاقاً عليك، فهو يشهد بأنك شديد الإحساس بالوجود. والذي يصف المجتمع وهو في مثل حالك يستأهل الإشفاق، إنه يعاني البلاء بمنحه المجتمع وهو يحمل روح المصلح. ولا يعزّيني إلا الشعور بأن الذين يشفقون في الطب لأمراض المجتمع هم في حقيقة الأمر من أعظم السعداء، وأنت في الطليعة بين كتابنا المصلحين، وإنك لعزيزُ علينا أيها الشقيُّ السعيد

وهذا وقد قال بعض الناس إنك كاتب متأنق، وذلك باطل يراد به حق، فالكتابة الرفعية فنٌّ جميل لا ينفع فيه الارتجال. ولا تحسب أنك خدعتنا حين قلت إن مجموعة (وحي الرسالة) لم تكن إلا ومضات يلمح بها الفكر من أسبوع إلى أسبوع، فالكاتب الحق لا يعرف عفو الخاطر وإن أحب أن يوصف بذلك وإنما ينقل إلى سنان القلم لواعج عاناها الفكر والروح في أعوام طوال. وهو كالشجرة التي تختزن ثمارها إلى أن يحين الموسم المنشود. فلا تحاول التعتب على من يصفك بالتأنق، لأن التأنق من صور الاهتمام، والاهتمام عملية جراحية تنقل الأفكار من عالم المعاني إلى عالم الشهود

أما بعد فأنا أرجو أن يسبغ الله عليك أثواب العافية وأن يجعل لمؤلفاتك حظاً من القبول تنسى به آلامك في خدمة الأدب الرفيع، إن جاز في دنيانا الحاضرة أن ينال المؤلفون المتفوقون بعض الجزاء. . . والله يحفظك للصديق الذي يعطف على جهودك أصدق العطف: زكي مبارك

تحري الصدق في النقد

أخي الكريم الأستاذ الزيات:

تحية خالصة وعرفاناً بمكانة (الرسالة) في عالم الأدب الرفيع والنقد الشريف

والصدق - وهو من أخص صفاتك التي عرفتها فيك منذ عشرين عاماً أو تزيد - أول شرط من شروط النقد الشريف فإذا رأيت قلماً ينحرف عنه وهو يكتب في مجلتك، أسِفْت أسفين - أحدهما للعيب في ذاته، والآخر لأنه يقع في مجلة الرسالة، وهي علينا عزيزة؟

أقول كلمتي هذه على أثر ما قرأته في عددها الأخير الذي صدر في اليوم العشرين من مايو - لناقد يوازن بين الموسيقى في مصر وبين الشعراء، وبين الخطباء، وبين المعلمين، وبين الرسامين - وفصله هذا لاحق لسابق تناول فيه المفاضلة بين طوائف أخرى ممن يسميهم الفنانين بلغ عددها أربعة لأنه يبدأ مقاله الذي يعنيني فيه ما يعنيني - بالرقم (5) - وهو رقم الموسيقيين في سجله الشامل

ونحن نغبط الأستاذ الناقد على ما وهبه الله من قدرة خارقة على أن ينصب نفسه حكماً بين الأخصائيين من رجال هذه الفنون المختلفة التي بلغ عددها تسعة (حتى الآن)، ولعله لم يفرغ بعد من قضائه العالي في أشتات أخرى من الفنون، وأشتات آخرين من الفنانين

هذا فضل من الله يؤتيه من يشاء. أو هو فضول من الدعوى الطويلة العريضة التي أصبحت مرضاً في كثير ممن يحملون الأقلام ولا يحملون ما يضبطها ويكف غلواءها من الإفهام

ولست أعرض لسخرية هذا الناقد ولا لحكمه لي أو عليَ بين الخطباء. فليس يهمني أن (يقال خطيب)، وإنما يهمني أن أكون صاحب فكرة نافعة أحاول بثها في العقول أو عاطفة طيبة أحاول غرسها في النفوس

بل أعرض لشيء واحد - ذلك قول الناقد إنه سمعني يوماً في مسرح البلفدير في الإسكندرية أرثي سعداً عقب وفاته

تلك هي (الواقعة!) التي بنى عليها الناقد حكمه وإذن فليسمع الأستاذ تكذيبي الصريح لهذه (الواقعة). فإني لم أتشرف برثاء سعد قط في الإسكندرية. ولم أتشرف برثاء سعد قط إلا في القاهرة بعد مرور العام الأول على وفاته، وكان ذلك في حفل تاريخي عظيم أقيم له سرادق مترامي الأطراف في جوار بيت الأمة

وإلا فليتفضل الناقد فيدلنا على شاهد واحد آخر غير شخصه يؤيد قوله إن سعداً رثى في الإسكندرية في مسرح البلفدير، وإن توفيق دياب حضر أو خطب

أما بعد، فإن رجلاً اشتغل بالتحدث إلى الجمهور منذ سنة 1916 إلى سنة 1940، وكانت آخر محاضراته ألقاها في كلية العلوم منذ شهرين، وأخرى ألقاها في دار الشبان المسلمين منذ شهر، فنهض للتعقيب على المحاضرة الأولى معالي إبراهيم عبد الهادي بك، وحضرة الدكتور منصور فهمي بك بما يأبى التواضع مجرد الإشارة إليه لولا سخرية هذا الساخر

ونهض للتعقيب على المحاضرة الثانية أستاذ جليل من أساتذة دار العلوم، وغيره من أساتذة الكليات الأزهرية بتحيات مباركات وتقدير مشكور. إن رجلاً هذا شأنه يقول فيه قائل: (إنه مسرحي إلى حد كبير في خطابته)، ويقيم حجته على صحة زعمه (بواقعة) مختلقة من جذورها لجدير به أن يبدي هذا الأسف، لا لخسارة تعيب شخصه، ولكن لخسارة تعيب الصدق والنقد الشريف

محمد توفيق دياب

حول الدكتور الحفني

كتب زميلي وصديقي الأستاذ عزيز كلمة عن الدكتور الحفني ظلم فيها الرجل لأنه لا يعرفه ولا يعرف عنه شيئاً إلا ما يشيعه عنه أعداؤه!! فالحفني موسيقي بكل ما في هذه الكلمة من معان، والحفني منتج مخترع في فنه ولعل الأستاذ عزيز لا يعلم عنه أنه قد وفق إلى ما لم يوفق إليه غيره من موسيقى الغرب فأخرج للموسيقى العربية (فلوت الحفني) المتمم للأرباع والذي أثار دهشة وفرحاً، والذي قدره جلالة الملك فأمر - حفظه الله - بضمه إلى الموسيقى الملكية. .

وقد أخرج الحفني أيضاً (الكورية) النحاسية وأخضعها للأرباع العربية. . . وكل هذا مسجل ومعترف به من أرقى الأوساط الموسيقية. . . وهو الآن بسبيل اختراع جديد سيتمه قريباً، وسيكون له من الضجة ما يحمل الأستاذ الصديق على الاعتذار - أو على الأقل - على فهم الرجل!!

محمد السيد المويلحي

تقويم عن نشر التعليم والثقافة في مصر

عزمت وزارة المعارف على إنشاء تقويم سنوي يتضمن بياناً مفصلاً عما يبذل من الجهود في سبيل نشر العلم والثقافة في مصر والمعاونة على انتشارهما في الأقطار الشرقية، وما هنالك من الصلات بينهما وبين المعاهد المعتنية بالتعليم في جميع الأقطار

وقد رأت الوزارة أن تخصص في هذا التقويم مكاناً بارزاً للجامعة الأزهرية لما لها من الأثر العظيم في هذه الناحية، فكتبت إليها تطلب موافاتها ببيان واف عن مختلف جهودها الثقافية، على أن يشمل ذلك عدد المدارس والمعاهد التي يؤهل لها الأزهر وعدد التلاميذ والطلبة، ومد الدراسة في كل معهد أو مدرسة، والدرجات والشهادات التي يمنحها، وعدد الفرق والأقسام والأساتذة في كل نوع من المعاهد مع ذكر أسماء رؤسائها ورؤساء أقسامها وأساتذتها، مع بيان عن مكتبة الأزهر، ثم عن الجهد الذي تبذله في سبيل نشر الثقافة الإسلامية خارج الديار المصرية وبالجملة كل ما ترى إدارة المعاهد وجاهة نشره من البيانات في هذا التقويم

هذا وستخصص الوزارة جزءاً آخر لجهود جامعة فؤاد الأول، مع نشر بيان واف عن كلياتها وأقسامها وأغراضها الثقافية

إحصاء الطلبة في مدارس سورية

ثبت أن عدد الطلاب في سنة 1939 إلى 1940 في البلاد السورية 42808 تلاميذ موزعين على 358 مدرسة، و16919 تلميذة موزعات على 91 مدرسة ثانوية للإناث. وقد كان عام 1938 - 1939 (38870) تلميذاً و15483 تلميذة، فتكون زيادة الطلاب بين العام المنصرم والعام الحاضر 5374 طالباً وطالبة ومما هو جدير بالذكر أنه في عام 1924 كان يوجد 212 مدرسة للبنين تضم 16045 تلميذاً و51 مدرسة للبنات تضم 3926 تلميذة فيلاحظ الزيادة المحسوسة التي تزيد على الأضعاف خلال 15 عاماً مما يدل على إقبال الناس على العلم والثقافة

وقد رفعت مديرية المعارف العامة ذلك التقرير عن الإحصاءات إلى عصبة الأمم عن طريق دائرة المعارف في المفوضية العليا

جمعية المعلمين تعد كتاباً عن القاهرة

بدأت جمعية المعلمين العليا المشمولة بالرعاية الملكية في تأليف اللجان الفنية من بين أعضائها وهي اللجان التي ستتولى وضع مؤلف عن القاهرة يتضمن بحوثاً تعالج النواحي في تاريخ العاصمة المصرية، وذلك لمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي لها

وستجتمع هذه اللجان اليوم لتحديد عدد الصفحات التي يحتاج إليها كل بحث، حتى يتيسر لكل منها البدء في عملها

قصة أبي تمام

في البريد الأدبي للعدد الأخير من الرسالة طلبٌ من الأديب أحمد جمعه الشرباصي موجه إلى الأدباء للتحقيق في قصة قول أبي تمام: (إقدام عمرو في سماحة حاتم)، وارتجاله: (لا تنكروا ضربي له من دونه - مثلاً. . .). وهل قيلت أمام الخليفة أو أحمد ابن المعتصم أو أحمد بن المأمون، وقد ذكر الأديب الشرباصي ما يفيد: أن القصة لا صحة لها أصلاً ناسباً في ذلك أقوالاً لابن خلكان، وزاعماً أيضاً أن كتب الأدب ومذ كراته وكل المؤلفين في عصرنا هذا اعتمدوا أنها قيلت أمام الخليفة، فأعجب به الخليفة وقال لوزيره: أعطه ما يطلب. . . فطلب أبو تمام الموصل. . . الخ

وأبادر فأقول: إن المؤلفين وكتب الأدب ومذكراته لم يعتمدوا القصة - كما رواها -، وإنما ذكروا أنه امتدح أحمد بن المعتصم أو أحمد بن المأمون بقصيدة سينية؛ فلما انتهى إلى قوله: (إقدام عمرو. . .)، قال له الكندي الفيلسوف: الأمير فوق ما وصفت فأطرق ثم رفع رأسه وأنشد: (لا تنكروا ضربي. . .)

ولما أخذت القصيدة من يده لم يجدوا فيها هذين البيتين فعجبوا من سرعة فطنته ولما خرج قال الكندي هذا الفتى يموت قريباً) ذكر ذلك أبو بكر الصولي في كتاب أخبار أبي تمام بعد ذلك (وقد روى هذا على خلاف ما ذكرته وليس بشيء والصحيح هو هذا وقد تتبعتها صورة ولايته الموصل فلم أجد سوى أن الحسن بن سهل ولاه بريد الموصل) هذا ما نقله ابن خلكان بنصه. كما أن تغليط الحيص بيص وابن دحية إنما هو من الصولي. فالذي تتبعها إذن وغلطهما ليس ابن خلكان كما فهم خطأ الأديب الشرباصي. أما ما قاله ابن خلكان فهو (رأيت الناس يطبقون على أنه مدح الخليفة، وأن الخليفة أعجب به وقال لوزيره: أعطه ما يطلب فإنه يعيش أكثر من أربعين يوماً فطلب الموصل. ثم قال: وهذه القصة لا صحة لها أصلاً. وأورد بعد ذلك تحقيق الصولي، فنفىُ صحة القصة من ابن خلكان والصولي منصبٌ على تولية أبي تمام الموصل وإنشاده القصيدة في الخليفة. ولم يذكر البستاني في دائرة المعارف إلا ما صححه الصولي، وهو المشهور في كتب الأدب. وحينئذ من هو الذي قيلت فيه القصيدة؟ الواقع أن ذلك أمر تحقيقه سهل ميسور! فإننا لو رجعنا إلى ديوان أبي تمام لعرفنا أن القصيدة ليست في الخليفة وإنما هي في أحمد بن المعتصم، وهو ابن الخليفة المعتصم الذي اتصل به أبو تمام ونال جوائزه في ذلك الوقت وفيها يقول:

هدأت على تأميل (أحمد) همتي ... وأطاف تقليدي به وقياسي

فالبيت نص في الممدوح اسمه أحمد؛ أما ما ذكر من أنها قد تكون قيلت في أحمد بن المأمون فليس بشي ذلك لأن أبا تمام المتوفى سنة 231هـ ـ قالها في أواخر حياته؛ والذي يكون في مجلسه الفيلسوف الكندي في هذا العهد ويقال له في القصيدة نفسها: (يا ابن الخلائف من بني العباس) هو أبن الخليفة أحمد بن المعتصم لا أحمد بن المأمون المتوفى أبوه سنة 218هـ وبشيء من التحقيق كذلك، نرى أن نسبتها إلى الخليفة في بعض الكتب إنما هي من سهو النساخ فربما كانت كما يأتي: (إن أبا تمام امتدح ابن الخليفة المعتصم بقصيدة سينية) فسقطت لفظة (ابن) وصار الكلام (امتدح الخليفة المعتصم. . .) وهذا مما يؤكد أيضاً أنها قيلت في أحمد بن المعتصم لا أحمد بن المأمون. وللنساخ من أمثال ذلك كثير.

عبد الستار أحمد فراج