مجلة الرسالة/العدد 365/مسلمو رومانيا

مجلة الرسالة/العدد 365/مسلمو رومانيا

ملاحظات: بتاريخ: 01 - 07 - 1940



للأستاذ يوسف ع. ولي شاه

مما يشرح صدر المسلم الناهض أنه إذا أطلق عنان تفكيره في مجال شئونه الاجتماعية يشعر بوجود أخ محبب إليه يجري في عروقه دم يحمل عقيدته؛ فإذا صح هذا الإطلاق يرى أمامه مسلمي العالم، ويبين هذا التخيل بوضوح كيفية انتشار الإسلام في كل بقاع الأرض

فمن نظر إلى خريطة القارة الأوربية مثلاً يلاحظ المسلمين في كل مكان فيها؛ ويرى من الإحصاء أن عددهم يزيد تدريجياً يسار الخط المستقيم الذي ينزل من فنلاندا مخترقاً أوربا الوسطى إلى قرية سنت نجير بأسبانيا

يسر المرء حينما يرى أن مسلمي أوربا قد شاركوا أهلها مدنيتهم وجروا معهم في حياتهم النافعة المتمدينة مع محافظتهم على أصول الإسلام وروح التعاليم الخاصة به. ولكنه يأسف من جهة أخرى، إلى حد كبير، حينما ترى قوماً يريدون أن يهدموا حقوقهم مكتسحين حرية الفرد والجماعة. هذه مسألة تختص بالإمبراطورية الروسية وسنتناول بحثها في دورها

ومن بين هؤلاء الذين رقوا إلى مستوى المدنية الأوربية مسلمو رومانيا الذي يقطنون في منطقة اسمها دوبروجه موضع النزاع طوال عصور التاريخ

لمحة جغرافية عنها

هذه المنطقة المزدهرة التي سكنها الأتراك المسلمون في رومانيا هي أحسن أرض وأوسع باب للحكومة الرومانية، فتحت مصراعيها للعالم الشرقي والغربي معاً، وهذه البقعة قلما يوجد لجمالها الطبيعي ضريب في جهة أخرى من أوربا، على حين أن الشرق لا يعلم عن جمالها كثيراً ولا قليلاً، وهي محاطة من ثلاث جهات بالماء، ومن الجهة الرابعة تتاخمها هضبة كوادري لاتر وغابتها، ومحاطة بمياه الدانوب التي تحمل تحيات البلاد التي تخترقها ابتداء منن منبعها الطبيعي في الغابة السوداء، ومغمورة بمياه الدانوب التي تكسوها هي والبحر معاً لباس الزينة الطبيعية، وتبدو كأنها نجمة نزلت ثم منطقت خصرها ترغب في استقبال كل غريب شحب لون وجهه

أما أهميتها لرومانيا فهي كأهمية جزيرة القريم للإمبراطورية الروسية، تجري بين عشبه الطبيعي الأنهر الصغيرة التي تزيد البلاد جمالاً؛ وهي: طاش آولى، إسلاوا، تايتا، وتليتا. فيها البحيرات الخمس الكبيرة يجمعها مكان واحد مثل: رازيم، غولوويشا، إسمه يكا، سينوية، وكيثوك، وفيها أيضاً بحيرات أخرى: طامش آولى، مامايا، مانغاليا، تكير كول، وهذه الأخيرة بحيرة معدنية تستقبل كل عام عشرات الألوف من الأجانب المرضى يقصدونها للاستشفاء. . . يفصلها عن البحر ممر إيفرويا بلدة جديدة أنشئت على أحدث طراز بشاطئ البحر الأسود للاصطياف فيها

فيها أيضاً جزائر مثل جزائر شاربه له، بوكين، داله رسكا، إيفانه شت، ومه لينوو. أما أهم المدن التي تواجه الأمواج الهائجة للبحر الأسود فهي من الشمال: سولينا، سنت جورج، مامايا، كوستنجة، إيفوريا، طوزلا، منغاليا وبالجيق. ثم تنتهي حدود رومانيا جنوب بلدة ئه كره نه بحوالي ثلاث كيلات

الموارد الطبيعية للبلاد

يستخرج من أرضها الجير ومقره مرادخان وقانارا، والرخام والأحجار المتينة لتشييد الأبنية ومقرها مورفاتلار، طولجا، ماجين إغليتا وإيساقجة

الثروة الزراعية

هي منطقة سهلة معدة للزرع من أولها إلى آخرها، يساعدها المناخ، ككل مكان في أوربا الشرقية الجنوبية، على نمو جميع النباتات. وأكثر ما ينبت فيها من المزروعات القمح، الشعير، الشوفان، الذرة، الدخن، الخردل، الباقلاء، عباد الشمس، الدباء، البنجر، الجزر، الخيار، البطيخ، الشمام، البطاطس، وسائر أنواع الخضروات. ومن كثرة اعتناء السكان بهذه المنطقة قد حالت اليوم إلى حديقة بجانبها بلابل تطرب وتغني لجمالها. ليس هذا نتيجة العمل فقط، بل الفضل يرجع أيضاً إلى تربة هذه المنطقة لأنها ليست إلا امتداد التربة السوداء من سهول كه رسونه ي، جزيرة القريم وآسترخان في روسيا. هذه لتربة لها أكبر فضل في إنماء النباتات، لأنها تحتفظ بالمياه من فصل المطر إلى فصل الجفاف، وهذا الجفاف يعوض قلة المطر في هذا الفصل الأخير

أما الثروة النباتية فنجد الغابات ولا سيما في هضبة كواردي لاثر أي ده لي أرومان كما يسميها الأتراك؛ ونجد الأشجار على اختلاف أنواعها والحشائش التي ترعاها الماشية في جميع أنحاء المنطقة

قيمة الثروة الاقتصادية: يستغل الشعب كل ثروتها، ويديرها ويتصرف فيها كما يشاء يستخرج من كل قسم في دوره مادة أخرى وتباع بثمن يساوي ثلاثة أضعاف ثمن أصله. وتجار البلاد يصدرون كل سنة ملايين من الأطنان إلى خارج القطر من ميناء كوستنجه، لأنه تخزن فيها كل ما يحمل إليها القطار من داخل البلاد والبواخر من الدانوب ومن الأنهر الأخرى

هذه المنطقة التي تلخص البلاد الرومانية في نفسها تبلغ مساحتها 23. 285 كيلومتراً مربعاً، وهي مقسمة إلى شطرين قديم وجديد

وكل شطر من القديم والجديد في دوره مقسم إلى قسمين، أي سنجافين

فدوبروجه القديمة مثلاً لها سنجافان: الأول طولجا، والثاني كوستنجه، وهما في الشمال. ودويروجه الجديدة أيضاً لها سنجافات ولكنهما في الجنوب، الأول كاليافرا، والثاني دوروستور. ومراكز هؤلاء السناجق كالآتي: طولجا مركزه مدينة طولجا، وكوستنجه مركزه مدينة كوستنجة، وكاليافرا مركزه مدينة بازارجعة، ودوروستور مركزه مدينة سلسترة. وهذه مدينة محصنة لها تاريخ مجيد مع الأتراك إذ اشتركوا فيها والجنود المصريون في الدفاع عن هجوم الروسيين عليها

(يتبع)

يوسف. ع. ولي شاه