مجلة الرسالة/العدد 368/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 368/البريد الأدبي

ملاحظات: بتاريخ: 22 - 07 - 1940



إلى الدكتور زكي مبارك

قرأنا حنقين مقالك الذي تبكي فيه بلدة آثرت صلة هواك بملاهيها وحبك لمعاهدها على صلتك بإخوانك الذين جرّعهم أبناء النور الصاب، وأوردوهم شرّ مورد، صلة الدم واللسان والإسلام ما كان لك أن تنساها

ولولا أن الفم فيه ماء، لعاتبتك عتاباً يتحدث به الركبان.

ولكن يشفع لك ما قدمت إلينا من جميل، وما أسلفت من إحسان

وإن يكن القول الذي ساء واحداً ... فأقوالك اللائي سررن ألوف

وأرجو ألا يمنع الأستاذ الزيات من نشر هذه الكلمة أنه شريكك فيما أعاتبك عليه وألوم. .

والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته

(دمشق)

علي الطنطاوي

(الرسالة):

كان الأستاذ الطنطاوي حرياً أن يفرق بين فرنسا السياسية المستعمرة وفرنسا الأدبية المتمدنة، فأنه لو فعل ذلك لوافقنا على أن فرنسا الروحية هي الوطن الفكري لكل أديب.

أصحاب العاهات ونوادرهم

ذكر الأستاذ صلاح الدين المنجد في العدد الماضي من الرسالة أن نخبة من أدباء دمشق عنوا بجمع أخبار أصحاب العاهات ونوادرهم وأنهم لم يعثروا إلا على القليل من أخبار العور وملحهم. ويسرني أن أرشد هذه اللجنة الموقرة إلى كتاب يفيدها في هذا الموضوع، وهو (الشعور بالعور) للعلامة صلاح الدين خليل ابن أيبك الصفدي، وهو كتاب جامع في أخبار العور من صحابة وتابعين وعلماء وأدباء، وهو على مثال كتابه في العميان المسمى (نكتُ الهميان في نكتِ العُميان). والشعور بالعور من الكتب التي نقلها المرحوم أحمد زكي باشا بالتصوير الشمسي عن مخطوط في بعض مكاتب الأستانة. وهو يوجد الآن ف خزانته الزكية بدار الكتب المصرية. وعسى أن يجده الأستاذ في مكاتب دمشق الخاصة أو العامة فإنه فريد في بابه.

محمود حسن زناتي

أمين الخزانة الزكية سابقا

(الرسالة):

جاءنا مثل هذا البيان من الأديب رشاد عبد المطلب، وقد زاد على ما قال الأستاذ الزناتي أن من هذا الكتاب نسخة خطية في الخزانة الخالدية في القدس، وأن للصفدي كتابا في العمش وآخر في الحدبان ذكرهما السخاوي في كتابه (الإعلام بالتوبيخ لمن ذم التاريخ).

دعاء: شيئاً لله يا مرسي!

يا أبا العباس لقد كنت تقياً، وقد كنت ولياً، وإن لك عند الله كرامة، وهو مجيبك إذا دعوته، فهلا دعوته اليوم للإسكندرية!

لقد دعا الشيخ المراغي للقاهرة فادع أنت للبلد الذي أسكنك الله إياه كما دعا إبراهيم للبلد الآمن، الذي أمنه الله بدعائه

قل يا رب صن الإسكندرية من شر عبادك، كما صانت الإسكندرية عبادك من شر بلادهم، فكم جاءها من فقير، وكم جاءها من يائس، وكم جاءها من مؤمل، وكم جاءها من مجاهد، وكم جاءها من عالم، وكم جاءها من عابد، وكم جاءها وكم جاءها. جاءوها من هنا وجاءوها من هناك، ففتحت لهم جميعاً ذراعيها، وأحسنت وفادتهم، وآخت بينهم، وحنت عليهم أماً رؤوماً، وعلمتهم، وشدت أزرهم، وصرفتهم من كتمة الغل إلى براح الرجاء، وطهرتهم من وخامة الحقد لما كوتهم بالملح. . . فصنها يا رب صنها فما كانت تتوقع من إنسان غدراً، وما قدمت يداها سيئة، وما انطوت نفسها على ضغينة. . .

ليس في الإسكندرية جبن يا رب وليست فيها ذلة، وأنت أعلم بمن فيها من عبادك الذين يصارعون التحجر في الصحراء والتجبر في البحر والتناحر في التجارة. . . أيكون هؤلاء جبناء أنذالاً أذلة، أم هم الأحرار الكرام الأعزة. . .؟ إنهم الأحرار الكرام الأعزة يا رب، إذا هبط لهم العدو وصادمهم وجهاً لوجه، وفرداً لفرد؛ أما أن يتحجب فوق السحاب ويقذف بالنار وهو فوق، فالأسود يا رب تحرقها النار إذا انقذفت عليها من فوق. . . فصن اللهم الإسكندرية

وإذا كانت الإسكندرية قد فسقت يوماً عن أمرك يا رب حين تولتها المرأة كيلوباترة فقد أنزلت بعد ذلك عليها من غضبك ونقمتك ما ردها لصوابها فتابت إليك يا رب وأنابت واحتملت عن مصر بعد ذلك ويلات الحروب المتوالية، وهجمات الطامعين المتعاقبة. فهلا تبت عليها بذلك فغفرت لها الهينات من سيئاتها، وما سيئاتها إلا مجون الطيش وعبث الخفة، وهي بريئة بعد ذلك من الطغيان، بريئة من الكفر. . . وهي لا تزال إلى اليوم تخشاك وتخافك، إن أذنبت استغفرتك، وإن زلت استنجدتك، فإن استمرأت الخطيئة، واستغرقت فيها ذكرتك، وإن في الأدنس من أحيائها صلاة لك، ومسجداً تهوي إليه أفئدة الأشقياء المحرومين، أو أسماعهم أو أنظارهم، فما يلبثون حتى يقولوا وهم في سكرة الرجس: اللهم يا رب. . . يرجونك ويسألونك الهدى. . .

يا رب. . .

. . . قل لربك هذا يا مرسي، وقل من عندك ما هو خير

(عزيز)

عطف ملكي كريم

رفعت إلى السدة الملكية العالية نسخة من كتابي الجديد (بين صديقين) فكان من فضل حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول، أن تلقيت كتاباً كريماً من ديوان كبير الأمناء، أتشرف بنشره في مجلتنا (الرسالة) الغراء، ونصه:

حضرة المحترم الشيخ أحمد جمعة الشرباصي:

أتشرف بإبلاغ حضرتكم الشكر السامي، على النسخة التي قدمتموها إلى (حضرة صاحب الجلالة الملك) من كتابكم (بين صديقين)

وتقبلوا وافر الاحترام

كبير الأمناء

تحريراً في 9 يوليو سنة 1940 عنه: أحمد محمد حسنين

إمضاء

وإني لأبتهل إلى الله العليّ القادر أن يؤيد مُلك الفاروق وأن يعز دولته، وأن يحفظه قائداً للشباب وقدوة للملوك!. . .

(البجلات)

أحمد جمعة الشرباصي

الشيخ الأكبر

يطلق كثير من المسلمين لقب (الشيخ الأكبر) على الشيخ محي الدين العربي اعتقاداً منهم بولايته ومنزلته عند الله؛ وضريحه في دمشق محطّ للمئات منهم كل يوم يطوفون حوله ويتمسحون به تبركاً وربما دعاه بعضهم لقضاء حوائجه بدلاً من أن يدعو الله. وإذا أنكر هذا عليهم منكر اتهموه بالزندقة، وقد أحببت أن أعرض للقراء بعض ما يقول هذا الرجل، وأن أترك لهم الحكم في (ولايته)

قال في كتاب اليواقيت والجواهر: اعلم أن عدد الأنبياء والمرسلين من بني آدم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، كما ورد الحديث (!) ولا بد من هذا العدد في الأولياء في كل عصر وقد يزيدون. وقد جمع الله بيني وبين جميع أنبيائه في واقعة صحيحة حتى لم يبق منهم أحد إلا وعرفته، وكذلك جمعني على من هو أقدامهم من الأولياء فرأيتهم وعرفتهم كلهم. وقال: رأيت في كشفي جميع الأنبياء والمرسلين، وأممهم مشاهدة على من كان منهم ومن يكون إلى يوم القيامة أظهرهم الحق تعالى في صعيد واحد! قال: وصاحبت منهم غير محمد جماعة منهم الخليل عليه السلام قرأت عليه القرآن كله باستدعائه ذلك مني فكان يبكي عند كل موضع ذكره الله تعالى فيه من القرآن وحصل لي منه خشوع عظيم. وأما موسى عليه السلام فأعطاني علم الكشف والإفصاح عن الأمور وعلم تقليب الليل والنهار. وأما هود عليه السلام فأخبرني بمسألة كانت وقعت في الوجود وما علمتها إلا منه. وأما عيسى عليه السلام فثبت على يديه أول دخولي في طريق القوم.

وقال في الفتوحات (الباب الثالث والسبعين): ما اجتمعت بأحد من الأنبياء أكثر من عيسى عليه السلام، وكنت كلما اجتمعت به دعا لي بالثبات حياً وميتاً، وكان يقول لي: يا حبيبي! وقال فيه (الباب الخامس والستين): قد شاهدت في واقعة نبينا محمداً وشاهدت جميع الأنبياء وأشهدني الله تعالى جميع المؤمنين بهم، حتى ما بقي منهم أحد لا من كان ولا من يكون إلى يوم القيامة، وعرفت خاصهم وعامهم، وعرفت جميع السعداء الذي كانوا في ظهر آدم وعددهم، فلا يخفى عليَّ الآن منهم أحد من أهل الجنة ولا من أهل النار، لكن لم يعطني الله تعالى معرفة عدد أهل النار لكثرتهم. ويقول فيه (الباب الثامن والتسعين) فإن قلت. فهل اطلع أحد من الأولياء على عدد الحوادث التي كتبها القلم الأعلى في اللوح إلى يوم القيامة؟ فالجواب نعم ومائة نعم! وأنا ممن أطلعه الله على ذلك. فإن قيل لكم: فكم عدد ما سطر في اللوح من آيات الكتب الإلهية؟ فالجواب: عدد ما سطر في اللوح من الآيات التي أنزلت على الرسل: مائتا ألف آية وتسع وستون ألف آية ومائتا آية!!

فما رأى سادتنا العلماء في هذا الولي العظيم والشيخ الأكبر؟

(دمشق)

ن. ط

حديث صحيح

جاء في كتاب (فجر الإسلام) ص 267: أن البخاري على جليل قدره ودقيق بحثه اثبت أحاديث دلت الحوادث الزمنية على أنها غير صحيحة. واستشهد لذلك بحديث: (لا يبقى على ظهر الأرض بعد مائة سنة نفس منفوسة) اهـ

هذا الحديث أخرجه البخاري كاملاً في باب السمر في الفقه والخير بعد العشاء من كتاب الصلاة، ونصه: عن عبد الله بن عمر قال: صلى النبي صلاة العشاء في آخر حياته، فلما سلم قام النبي (ص) فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن رأس مائة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد. فوهل الناس في مقلة رسول الله عليه السلام إلى ما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة؛ وإنما قال النبي لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض يريد أنها تخرم ذلك القرن. ورواه مختصراً - على عادته من تجزئة الحديث في مواضع متعددة - في باب السمر من كتاب العلم، ونصه كما نقله الأستاذ أحمد أمين. وفي هذا المقام نبه الشراح - ابن حجر والقسطلاني والكرماني - على أنه جزء حديث، وأنه ذكر كاملاً في باب السمر في الفقه، وأنه مقيد بقيد (اليوم). ورواه مسلم من طرق متعددة إحداها عن جابر انه عليه الصلاة والسلام قال لهم قبل وفاته بشهر: (ما من نفس منفوسة اليوم تأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ). وقد نص النووي وغيره على أن هذا الحديث علم من أعلام النبوة إذ أخبر فيه بأن كل نفس كانت تلك الليلة على الأرض لا تعيش بعدها أكثر من مائة سنة، وكان الأمر كذلك، وليس فيه نفي عيش أحد يوجد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة، ولا إخبار عن فناء الدنيا بعد مائة سنة كما فهمه الأستاذ أحمد أمين. وقال ابن حجر بعد شرح الحديث المذكور: (وكذلك وقع بالاستقراء فكان آخر من ضبط أمره ممن كان موجوداً حينئذ أبو الطفيل عامر بن واثلة وقد أجمع أهل الحديث على أنه كان آخر الصحابة موتاً، وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومائة، وهي رأس مائة سنة من مقالة النبي صلى عليه وسلم). فكيف أقدم الأستاذ على الحكم بوضع هذا الحديث، وهو كما رأيت من أخبار الرسول التي وقعت كما أخبر!

وقد عدَّ الأستاذ في آخر فصل الحديث مراجع ذكر في مقدمتها فتح الباري والقسطلاني على البخاري والنووي على مسلم فإن كان قد اطلع على روايات الحديث، وما كتبه الشراح، فكيف حكم بكذبه، وإن كان لم يطلع إلا على الجزء المختصر من متن البخاري فكيف عدَّ تلك الشروح من مراجع بحثه؟!

مصطفى حسني السباعي

في الكلمة الماضية جاء لفظ (قهزار) وصوابه (فهزاذي). (والفزار) وصوابه (الفزازي).

-