مجلة الرسالة/العدد 38/العالم المسرحي والسينمائي

مجلة الرسالة/العدد 38/العالم المسرحي والسينمائي

مجلة الرسالة - العدد 38
العالم المسرحي والسينمائي
ملاحظات: بتاريخ: 26 - 03 - 1934



فلم (الاتهام)

لناقد (الرسالة) الفني

في الأسبوع الماضي عرض فلم مصري جديد، هو ثالث الأفلام المصرية التي عرضت هذا الموسم، ونعني به فلم (الاتهام) لشركة فنار فلم، التي دعت رجال الصحافة لمشاهدته في حفلة خاصة قبيل عرضه على الجمهور.

ولعل هذا الفلم هو أول شريط مصري نجد فيه موضوعاً، أو حادثة إذا شئت، محبوكة الأطراف، منسجمة الوضع، تسير من البداية إلى النهاية في تسلسل طبيعي معقول، فخلا بذلك مما كان يؤخذ على الأفلام المصرية عامة من تفاهة الموضوعات التي تعرضها وعدم استقامة الحادثة وارتباكها، مما كان يجعل هذه الأفلام تافهة من الناحية الفنية القصصية، ويجعل الارتباط بين مشاهدها المختلفة مضطرباً يتلمسه المشاهد تلمساً ويكاد لا يفهمه، وفي ذلك ما يقلل من قيمة الفلم نفسه، بل يجعله فاترا مملولا ليست فيه هذه الحرارة التي تدفع المتفرج إلى تتبع مشاهدة والاندماج فيها والتأثر بها.

ففلم الاتهام، سد من هذه الناحية نقصاً كبيراً، وتضمن حادثة وموضوعاً يستطيع أن يلمسهما المتفرج في غير عناء ولا مشقة، ويمهد سياق الحادثة من ناحية أخرى، بوقائعها المتتالية، مشاهد تمثيلية رائعة لأبطال الفلم يظهرون فيها مقدرتهم الفنية.

على أن الموضوع ليست له هذه القيمة الفنية التي نعلقها عليه، ولكنه فاز برضاء الجمهور بفضل هذه المفاجآت السينمائية التي تجعل المتفرج لا يمل العرض، ومن المعروف أن القصة، مسرحية كانت أم سينمائية، إذا لم تثر اهتمام المتفرج سقطت. وفي فلم (الاتهام) هذه المفاجآت التي تجعل المشاهد طول مدة العرض متيقظ الحواس والمدارك لا يفوته منه مشهد إلا ويثير اهتمامه بما يليه، ومن هنا نجح الفلم هذا النجاح الملحوظ الذي يستحق عليه أصحابه كل شكر وثناء. ونريد أن نخص بالذكر هنا السياق الفني البديع الذي ظهرت به حادثة القتل والسر فيها، فقد بقى محتفظاً به إلى اللحظة الأخيرة، إلى ساحة المحكمة حيث المتهمة في القفص وكل الأدلة تقوم على إدانتها، وفجأة تظهر الحقيقة، ويعترف المجرم بجرمه، ويرى المشاهد كيف ارتكبت الجناية، فيكون لذلك تأثيره في نفسه. وهذ المشهد هو أبدع مشاهد الفلم ولا شك من الناحية الفنية السينمائية، وقد أحسن حبكه وعرضة بمهارة تدل على كثير من الحذق والدراية بأصول الفن السينمائي

اشتركت نخبة طيبة من الممثلين والممثلات في القيام بأدوار هذا الفلم وعلى رأسهم السيدة بهيجة هانم حافظ وقد نزلت إلى ميدان العلم الحر بنفس ملؤها الثقة وروح مفعمة بالأمل والرجاء، وقد حققت الأيام ما كانت ترجوه لنفسها من نجاح، وللفن الذي قصرت عليه جهودها من توفيق وفوز.

ظهرت السيدة بهيجة هانم لأول مرة على الشاشة الفضية في دور (زينب) في الرواية المعروفة بهذا الاسم للدكتور محمد حسين هيكل بك ونجحت في دورها نجاحاً شجعها على تكوين شركة سينمائية، هي شركة (فنار فلم) التي تقدم ذكرها والتي يتولى إدارتها الأستاذ محمود حمدي بكفاءة نادرة جعلتها في مقدمة شركاتنا السينمائية المصرية. وقد أخرجت هذه الشركة قبل اليوم فلم (الضحايا)، وهذا الفلم (الاتهام) هو فلمها الثاني. وقد قامت السيدة بهيجة بدوري البطولة في الفلمين. وكان توفيقها فيهما كبيراً إلى درجة تغبط عليها حقاً، فهي تلجأ في مواقفها على الشاشة إلى البساطة التي هي ميزة الممثل الماهر الذي لا تحس في تمثيله تكلفاً أو تصنعاً، بل يعيش في دوره ويندمج فيه حتى ليتلاشى الممثل ولا يبقى إلا هذا الشخص الذي تراه على الشاشة بطلا من أبطال الحادثة.

والسيدة بهيجة (فوتوجينك) فلها هذا القوام المتسق البديع، وهذه القسمات والملامح الواضحة التي تظهر على الشاشة فاتنة أخاذة وعين (الكاميرا) دقيقة قوية تسجل الهنات والصغائر وتجسمها، ولا تعوض الكفاية هذا النقص الذي يبدو في صورة الممثل أو الممثلة، والسيدة بهيجة من هذه الناحية كثيرة التوفيق، توفرت فيها كل الشروط التي تؤهلها للتمثيل السينمائي، وللنجاح فيه، سواء من ناحية المقدرة الفنية والاستعداد لإخراج الشخصية التي تمثلها إخراجاً دقيقاً ماهراً، أو من ناحية التصوير والظهور على الشاشة في صورة بديعة فاتنة. وللسيدة بهيجة فوق هذا صوت متزن النبرات حلو النغم، سلس الأداء، سمعه الجمهور في هذا الفلم لأول مرة، لأنه أول فلم ناطق تشترك فيه

ولعل من الخير ان نذكر هنا ان السيدة بهيجة اشتهرت وعرفت قبل عملها في السينما بموهبتها الموسيقية، وقد نالت سنة 1930 دبلوماً في الموسيقى من باريس، ومن المعروف أنها وضعت موسيقى جميع الأفلام التي اشتركت فيها، وقد سجلت هذه الألحان على الاسطوانات الغنائية. وهذه الأنغام الساحرة التي سمعها الجمهور أثناء عرض أفلام (زينب) و (الضحايا) و (الاتهام) هي من وضع السيدة بهيجة. ولها في هذا الفلم الأخير مقطوعات عديدة تعد من أحسن ما وضعت والفت إلى اليوم.

ونحن نسجل هنا مغتبطين هذا النجاح العظيم الذي نالته في فلمها الجديد بتمثيلها وموسيقاها، ونرجو أن يكون لهذا الإقبال من الجمهور على مشاهدة الفلم صداه في القريب العاجل فترى قريباً فلما جديداً لها

قامت السيدة زينب صدقي بأحد الأدوار الأولى في الفلم، والسيدة زينب ممثلة معروفة لها على المسرح شهرة بعيدة، وقد أخرجت كثيراً من الأدوار الفنية الدقيقة التي يعد نجاحها فيها دليلا ساطعاً على مقدرتها الفنية وكفايتها الفذة، فليس عجيباً أن توفق هذا التوفيق في دورها في هذا الفلم، تمثيلا وأداء وحركة

وقام الأستاذ زكي رستم بدور شوكت المحامي قريب بهيجة الذي يحبها، ويقتل في سبيلها، ثم يترافع عنها محاولاً إنقاذها، وقد كان في كل مواقفه مبدعاً موفقاً، خصوصاً في موقفه الأخير عند اعترافه بجرمه الذي يعد من أبدع المشاهد التمثيلية في القصة بما أبداه هذا الممثل الكفء من الحرارة ومهارة الأداء، وتدفق العاطفة، واتزان الصوت والحركة، وزكي هو الأخر من ممثلينا البارزين على المسرح وله أدواره المعروفة وكفايته التي لا تنكر.

هؤلاء الثلاثة هم أبطال فلم، وقد عاونهم مجموعة كبيرة من الممثلين الأكفاء الذين أجادوا مواقفهم إجادة كبيرة، وفي المقدمة الأستاذ محمود حمدي الذي مثل دور وكيل النيابة وألقى كلمة الاتهام وهو يتمتع بصوت جهوري ممتلئ قوي النبرات، يترك في نفس المتفرج أثراً بليغاً، ومن ممثلي الفلم أيضاً حضرات عزيز فهمي، وحسن كمال، ومنير أبو سيف، ومنير فهمي، وعبد القادر المسيري، ولطفية الصغيرة، وقد كانوا جميعاً كثيري التوفيق في أدوارهم المختلفة

ولا يسعنا في النهاية إلا أن نهنئ شركة فنار فلم على شريطها الجديد وعلى ما نال من نجاح واقبال، ونرجو أن يكون هذا حظها على الدوام في أفلامها المقبلة.

محمد على حماد