مجلة الرسالة/العدد 382/البريد الأدبي

مجلة الرسالة/العدد 382/البريد الأدبي

مجلة الرسالة - العدد 382 المؤلف زكي مبارك
البريد الأدبي
ملاحظات: بتاريخ: 28 - 10 - 1940


ديوان الطبران

حضرة الأستاذ الجليل رئيس تحرير مجلة الرسالة الغراء

يقول الشاعر العربي القديم في وصف الناقلة:

فلو إنما تمشي على الأرض أدركت ... ولكنما تهفو بتمثال طائر

وإني لأتمثل بهذا البيت كلما أطلقت صفارة الإنذار بالإسكندرية وشاهدت إحدى المغيرة، وأني لأحس أن البيت كأنما قيل لينشد اليوم في مثل هذه المناسبة؛ ولقد أتمنى أن أطير لألحق بتلك التي لا يمكن إدراكها لأنها لا تمشي على الأرض، فأتمثل بقول الشاعر العربي القديم:

أسرب القطا هل من يعير جناحه ... لعلي إلى من (لا أحب) أطير

أستشهد بهذين البيتين بمناسبة كتاب أقرئه الآن عنوانه (ديوان الطيران) جمعته الكاتبة الإنجليزية ستيللاولف موري ووضع مقدمته السير صمويل هور وزير الطيران البريطاني الآن، والذي كان وزيراً للطيران أيضاً في سنة 1925، وهي السنة التي طبع فيها هذا الديوان

والكتاب يختلف عن غيره من كتب أدب الحرب في الجزء الأول منه على الأقل لأنه مقسم إلى ثلاثة أجزاء أولها لم يوضع في زمن الحرب ولا مناسبة الحرب وإنما جمع من الشعر القديم (ليدل على أن الطيران كان أمنية من أماني النفس الإنسانية أحسها الشعراء قبل الأوان الذي يمكن تحقيقها فأعربوا عنها) وغرض الكاتبة من جمعه التنويه بفضل الفنون التي يرى أصحابها بأعين الخيال ما لا يستطيع الكافة أن يروه إلا بعد تجسيده حين تتحول الفكرة إلى عمل

ويشير السير صمويل هور في المقدمة إلى قصة حبشية قديمة تشبه قصة بساط سليمان ولكن القصة الحبشية تذكر سفينة سليمان الطائرة في الموضع الذي نذكر فيه نحن كلمة بساط، كما يشير إلى أجزاء من شعر هوميروس فيها وصف لسباق في الجو بين مركبات تقصف مثل قصف الرعد. ويشير أيضاً إلى خيول مجنحة ذكرت في أدب أهل الشمال في عصوره الأولى وإلى البساط المسحور في الآداب الشرقية؛ ويعد السير صمويل هور ك ذلك نبوءات بالطيران

وفي هذا الجزء شعر كثير للمتقدمين لم يقصد به أن يكون من شعر الحرب ولكنه صار من شعرها لما أفادته المناسبة معنى جديداً - مثله في ذلك كمثل البيت الذي بدأت به هذه الكلمة

أذكر هذا بمناسبة المقال الممتع الذي دبجته براعة العقاد في صدر العدد الأخير من الرسالة والذي تحدث فيه عن نوعين من شعر الحرب نوع يكتب بعدها ليؤرخها وهو شعر الملاحم، ونوع يكتب في عهدها ليصفها

ولكن هذا النوع الثالث الذي لم يشر إليه العقاد لندرته هو الذي كتب قبل الحروب ولم يقصد به إلى وصف معنى من معانيها ولكنه تضمن من المشاعر أو الأخيلة ما أسفرت الحرب عن خروجه من حيز المعاني التي يراها الشعراء إلى عالم الحس الذي يراه الجميع

ولعلي أستطيع ترجمة بعض هذه المختارات فهي من غير النوع الذي ينشأ مع الحرب ويموت معها

(الإسكندرية)

عبد اللطيف النشار

الحرب والشعر العربي

كتب الكاتب الكبير الأستاذ العقاد بالعدد الماضي من الرسالة في (الحرب والشعر) يقول بأن الحروب والثورات تشحذ ملكات الخطابة ولا تشحذ ملكات الشعر، بل تلجئها أحياناً إلى الصمت والركود، وفند القول بأن الملاحم الكبرى التي نظمت عن حروب الأمم البائدة تستدعي النظم وتلقح فراغ الشعراء إلى أن قال (إلا أن النفوس لا تخلو من الشعر في إبان المعامع والمذابح البشرية، فهي لا تميته ولا تحجر عليه، ولا تمنع الأذهان فينة بعد فينة أن تنصرف إليه، وكل ما هنالك أنها ليست باللقاح الجيد لقرائح الشعراء) وعرض بعض ما قاله شعراء الغرب من الشعر القليل في الحرب الماضية والحرب الحاضرة

ساق الأستاذ الكبير كل ذلك ببيانه الرائع ومنطقه السديد. وكتابة الأستاذ العقاد تبعث على التأمل والنقاش. فلما رأيته يسير في بحثه على ضوء الشعر الغربي والحوادث الغربية فيرى الحروب لا تشحذ ملكة الشعر - جعلت أستضيء بالشعر العربي والحروب العربية فرأيت الحرب كانت لدى العرب من أفعل مثيرات الشعر كما يقولون: الشعر يوحيه الحب والحرب والموت

لقد هاجت الحروب شعراء العرب فقالوا في التحريض على القتال ووصف المعامع، والصبر والإقدام فيها، والجبن والفرار، والنوح على القتلى، والتغني بالانتصار؛ ووصفوا الخيل والسلاح، وأكثروا في كل ذلك وأتوا بالعجيب

وإننا لو نظرنا فيما بين أيدينا من شعر العصر الجاهلي لوجدنا نحو نصفه مقولاً في الحروب وما يتعلق بها، وكان كثير من الشعراء يستوحون الحرب أكثر ما ينشدون مثل عنترة الفوارس وعمرو بن معد يكرب

وقد أختار أبو تمام مجموعة من شعر العرب فكان نصيب الحروب منها أكثر من الثلث، على تنوع الأغراض الأخرى وسماها (الحماسة) تغليباً للشعر الحماسي

وقد اطرد قول الشعراء في الحروب وفي العصور الإسلامية المختلفة، فكان الشعراء يصفون المعارك الحربية في صدد مديحهم للخلفاء والأمراء، ويشيدون بشجاعتهم وبلائهم فيها. وقد صحب الثورات والانقلابات في الدول الإسلامية قيام كثير من الشعراء مناصرين ومعارضين، وهذا أبن هانئ الأندلسي - مثلاً - يجد متصفح ديوانه أغلب قصائده في مديح الفاطميين ووصف حروبهم وشجاعتهم.

وقد كان من كل ذلك نتاج شعري عظيم تزخر به كتب الأدب العربي

ومن أحسن ما قبل في وصف الحروب قولُ عمرو ابن معد يكرب:

الحرب أول ما تكون فتية ... تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا حميت وشب ضرامها ... عادت عجوزاً غير ذات حليل

شمطاء جزت رأسها وتنكرت ... مكروهة الشم والتقبيل

ألا ليت شعري، ألم يشعر جبابرة الحرب الحاضرة الذين يحيلون خيرات العالم إلى حمم - أن الحرب قد صارت عجوزاً شمطاء لا تطاق عشرتها. . .؟

وللأستاذ العقاد تحيتي وإكباري

عباس حسان خضر

وفاة الأستاذ فخري أبو السعود تنعى الرسالة إلى قرائها أديباً من صفوة أدباء الشباب هو الأستاذ فخري أبو السعود الشاعر الكاتب والمترجم المعلم

برم - رحمه الله - بالحياة في ساعة من ساعات الضيق الكاربة فأطلق على رأسه المسدس وهو جالس على كرسيه الطويل في حديقة داره برمل الإسكندرية، وقد كان يعيش وحده في المدة الأخيرة لأن الحرب فصلت بينه وبين زوجته الإنجليزية وولده الوحيد. وقد شاء القدر أن يغرق ولده مع السفينة التي كانت تحمل الأطفال الإنجليز إلى كندا وأن تنقطع عنه أخبار زوجته. ولعل في هذه الحادثة الأليمة تفسيراً للدوافع الخفية التي دفعت هذا الشاب القوي الفتي إلى الانتحار وهو في سن الثلاثين. رحمه الله رحمة واسعة وعوض مصر عن أدبه وشبابه خير العوض.

الديوان التائه بالبريد

أهدى الأستاذ الشاعر على محمود طه نسخة من ديوانه إلى صديقه الأستاذ محمود غنيم فتاهت في البريد وعلم صاحب الديوان بذلك بعث إليه بأخرى فكان مصيرها كأختها فكتب إليه الأستاذ غنيم يقول:

بَعَثتَ بملاَّحَك التِائه ... وطوَّقْتَ جيدي بإهدائِه

ولكنَّه تَاه في ظلمات ال ... محيطِ وَضَلَّ بأحشائه

ألاَ ما لشعركَ في البحرِ تَاهَ ... وشعرُك أعمقُ من مائه؟

كأني به ضَلَّ بين اللآلي ... فلألاؤها مثلُ لألائه

له الله كيف اهتدى للجميع ... وأخطأ أشوقَ قرائه؟

ترى هل ألحَّ عليهِ الحياءُ ... فأعرضَ خشيةَ إطرائه؟

لعمرك ما تاهَ تِيهَ الظلالِ! ... متى ضَلِّ نجمٌ بعليائه؟

ولكنَّهُ تاهَ تِيهَ الدلالِ ... وقام الجمال بإغرائه.

(مدرسة فؤاد الأول الثانوية)

محمود غنيم

تفسير بيتين طلب الأديب (ع. ا. سعد) إلى الأستاذ ناجي الطنطاوي أن يفسر له البيتين:

(بذكر الله تزداد الذنوب ... وتحتجب البصائر والقلوب

وترك الذكر أفضل منه (حالاً) ... فأن الشمس ليس لها غروباً)

وقد مضى على طلب الأديب السوداني أسابيع ولم يستجب الأستاذ له، فكان لزاماً عليِّ أن أتقدم لشرح معناهما:

الشاعر يقول: بذكر الله تزداد الذنوب الخ. ويعني بذلك أن ذكر الله يوسع أفق المعرفة ويظهر عظمة الله وسطوته وفضله على أتم ما تكون، فيرى المرء ما كان يعده هيناً حقيراً من الذنوب حدثاً جللاً وأمراً عظيماً. . . وهذا يطرد مع قاعدتهم: حسنات الأبرار سيئات المقربين. . . ثم أراد أن يعرج في الشطر الأخير على الذين يذكرون الله بألسنتهم، تاركين قلوبهم مغلفة وبصائرهم مطموسة. . .

وفي البيت الثاني أراد الشاعر أن يشير إلى صفة معروفة عند الصوفية تسمى (الحال). وقال الدكتور زكي في (التصوف) نقلاً عن (أبن عربي في اصطلاحاته)

الحال: هو ما يرد على القلب من غير تعمد ولا اجتلاب اهـ فهو يقول:

إن المرء إذا ترك الذكر المجتلب والحديث المصطنع عن الذات العلية، وأمعن في الهيام الحقيقي، والحب الرباني، كان ذلك خيراً له وأجدى عليه. (فإن الحال إذا تمكنت لم تفترق الروحان ص 232 - التصوف)

ثم جاء الشطر الأخير تذييلاً لما قبله فقال: أن الشمس ليس لها غروب. وكذلك ذات الله تعالى لا تغيب ولا تحتجب ولا تفني ولا تحول، فلماذا إذن نذكرها؟ الواجب علينا أن نعبدها حق العباد، ونقدسها كل التقديس

وأدباء الصوفية هاموا باللغز والرمز. وما قول القائل: (معبودكم تحت قدمي) إلا من نوع (ما في الجبة غير الله). وهم يشيرون بمثل هذه الكلمات إلى مذهبهم في الحلول، وهو مذهب تحدث عنه المبارك في الصفحات 180 إلى الصفحات 210 وهو يتخلص في أن الله روح، والعالم جسمه

السعيد جمعة تاريخ الإنسانية العاشقة

جاء في مقال الأستاذ على الطنطاوي (القبر التائه) الفقرة (أما تاريخ الإنسانية العاشقة فإنهم (الناس) يزدرونه ويترفعون عن حفظه ويرون من الخطر على الأخلاق أن يدرس في المدارس - وكذلك أرى أنا -)

من ذلك عرفنا أن الأستاذ يتفق رأيه مع الناس في خطر دراسة تاريخ الإنسانية العاشقة على الأخلاق، غير أن الأستاذ عاد وقال: (ولنتخذ منه (الحب) سلاحاً نحارب به الفسوق والدعارة والغلظة والوحشية ولنستكمل به إنسانيتنا)

فالأستاذ بقوله هذا يدعوا إلى إصلاح الأخلاق واستكمال الإنسانية عن طريق الحب. فكيف يدعونا إلى هذا وقد رأى معنا أن في مجرد دراسة تاريخ الإنسانية العاشقة خطراً على الأخلاق؟ وكيف تكون أخلاقنا لو سلكنا هذا الطريق؟

هذا ما نسأل الأستاذ عنه وأنا في انتظار ما به يجيب وله مني أعظم شكر وأطيب تحية

عبد العظيم حسن زيد

في فلم دنانير

أبتدأ عرض (فلم دنانير) في سينما ستديو مصر، وانتقلت بنا الشاشة البيضاء إلى بغداد وإلى عصر الرشيد، فرأينا بيئة عربية وسمعنا حوراً عربياً، وغنت أم كلثوم (دنانير) في أول الأمر غناءً عربياً، وكان كل ما نرى ونسمع عربياً صريحاً، ثم إذا بنا نسمع دنانير تغني أمام الرشيد ووزيره جعفر باللهجة العامية الخالصة:

هلالك هل لعيننا ... فرحنا له وغنينا

وقلنا السعد حيجينا ... على قدومك يا ليلة العيد

فيتبدد الخيال المحبوك وتصدمنا الحقيقة الواقعة، وهي أن أغاني الرواية الواقعة حوادثها في عصر الرشيد، وذات الحوار العربي - معظمها عامي. . . ولعمري لقد أبدعت أم كلثوم في القصائد العربية التي غنتها أيما إبداع، فما الداعي لأن يتردد هذا الصوت الحنون في جنبات قصر جعفر بعاميتنا الحاضرة، فنسمع أمثال:

بكره سفر ويروق بالنا ... وأفرح بقربك واتهنى أم كلثوم تغني في عصرنا هذا كلاماً عربياً فصيحاً، أفلا تغني للرشيد غناءً عربياً؟ وكيف يكون حوار القصة بلغة والغناء بلغة أخرى؟

وشيء أخر يجب التنبيه إليه في هذا القلم وهو أن المعروف في العصور الإسلامية - أن الجواري مغنيات وغير مغنيات - كن رقيقات يأسرهن المسلمون في حروبهم مع الأعداء. ولكن دنانير فتاة عربية من قلب البادية وليست أخيذة حرب، فكيف تعيش في قصر جعفر وتعاشره - على حبها - كجارية من جواريه. . .؟ ثم كيف يطلب الرشيد ضمها إلى جواريه وهي تلك العربية الحرة. . .؟

ع. ح. خ

رأيان يتناقضان

حضرة الأستاذ الكبير صاحب الرسالة

تحيتي وإجلالي وبعد فقد قرأت بعدد (الرسالة) 381 مقالاً بعنوان (4500 ثانية في صحبة أم كلثوم) للدكتور زكي مبارك. ولكني عدت من جولتي مع الدكتور أتراوح بين الشك واليقين في روح أم كلثوم الذي وعدنا الدكتور أن يتحفه بصورة وصفية. فهو يقول في افتتاحية مقاله (مع العرفان بأني لم أقل غير الحق في ذلك الروح اللطيف) ثم يقول في ختاميته (فأين من يحول هذه الفتاة إلى روح لطيف يشيع في المجتمع معاني الأنس والانشراح؟)

فكيف يجوز لرجل أن يطلب خفة الروح لروح خفيف؟ اللهم إلا إذا طلب لذلك الروح المزيد من تلك الخفة.

يا دكتور هل أخذتك فتنة من إحدى (ذوات الخد الأسيل والطرف الغضيض) فاضطربت في مخيلتك الأفكار؟ ورحت تأخذ وتعطي من صفاتها؟

أم كانت خفيفة الروح حين أرضتك، عديمة الخفة حين أغضبتك؟

لعل القلم لم يند في هذه المرة، ولعل مدير المطبعة لم يصل مقالاً بمقال، ولعلني لا أهاجم من دكتورنا بامتحان ذي عشرة أسئلة. . .

وإليك تحية أحد أبناء الجيل الجديد.

(المحلة الكبرى)

حلمي إبراهيم النبوي