مجلة الرسالة/العدد 403/في العقد

مجلة الرسالة/العدد 403/في العقد

ملاحظات: بتاريخ: 24 - 03 - 1941


4 - في العقد

لأستاذ جليل

25 - (145) كان بعض أهل التمرس (يعني التمرس) بالحرب يقول لأصحابه: شاوروا في حربكم الشجعان من أولي العزم، والجبناء من أولي الحزم، فأن الجبان لا يألو برأيه ما يبقى مهجكم، والشجاع لا يعدو ما يشد لنصرتكم، ثم خلصوا من بين الرأيين نتيجة تحمل عنكم معدة الجبان وتهور الشجعان، فتكون أنفذ من السهم الزالج والحسام الوالج

وجاء في تعليقه (ما يشد نصرتكم): كذا في ا. والذي في بقية الأصول: (بصائركم) وهو تحريف

قلت: النصرة تصحيف البصيرة أو تحريف البصائر، والشد يناسب البصيرة أو البصائر، فالبصيرة الحجة والاستبصار في الشيء، والبصيرة ما اعتقد في القلب من الدين وتحقيق الأمر. وليس أصل القول - كما أرى - (يشد نصرتكم أو يشد بصائركم) وإنما هو (يشيد ذكركم أو يشيد بذكركم) (كما جاء في هذه الوصية في زهر الآداب وثمر الألباب) وفي (غرر الخصائص الواضحة) و (الغرر) يروى عن (الزهر)

أصل الجملة كما ذكرنا ثم نسى ناسخ نقط الياء فصارت (يشد ذكركم) فاستركت واستبدلت بالذكر البصيرة أو البصائر أو النصرة حتى يجئ معنى مقبول

وقد يكون أصل (السهم الزالج والحسام الوالج) ما سطر في الزهر والغرر: (السهم الصائب والحسام الغاضب) والسهم الصائب أقعد في هذا المقام من السهم الزالج

في التاج: زلج السهم يزلج زلوجاً وزليجاً وقع على وجه الأرض ولم يقصد الرمية. وفي المخصص، وفي المثل: (لا خير في سهم زلج) وإذا وقع السهم بالأرض ولم يقصد الرمية قلت: أزلجت السهم

وقد يصوب (السهم الزالج) في قول القائل بعض التصويب ما ورد في اللسان: قال أبو الهيثم: الزالج من السهام إذا رماه الرامي فقصر عن الهدف، وأصاب صخرة إصابة صلبة، فاستقل من إصابة الصخرة إياه، فقوى وأرتفع إلى القرطاس فهو لا يعد مقرطساً

26 - (ص145). . . وانفسدت نياتهم

قلت: من يجد هذا الفعل في مثل هذا الكتاب دون تنبيه عليه يثق بصحته وما هو بالصحيح في الصحاح: لا يقال انفسد. ومثل ذلك في اللسان. وفي القاموس: لم يسمع عنهم انفسد. قال شارحه: في مطاوع فسد وإلا فالقياس لا يأباه

قلت: لم يحرك الفعل (فسد) في التاج، فأن قصد الثلاثي غير المضاعف فهي هفوة عالم

في ضياء اليازجي: رجل مفسود السيرة وقد انفسد، وكلاهما خطأ، لأن فسد لازم فلا يصاغ للمجهول ولا يبنى منه مطاوع

27 - (ص169). . . فدخلت في غمار الناس. . .

قلت: في غمار الناس أو غمار الناس بالضم أو الفتح كما قيد ذلك بصريح الكلام لا بتوشيح القلام - كما يقول المجد - في تهذيب الألفاظ، والصحاح واللسان، والمصباح، وحرك بالضم والفتح في الجمهرة والمخصص وغيرهما

والأصمعي يقول: دخل في خمار الناس. وغمار الناس خطأ ليس من كلام العرب. وقد نسب صاحب المخصص هذه التخطئة إلى ابن السكيت، وهذا وهم من ابن سيدة. وإنما ابن السكيت ناقل وقد قال بعد كلام الأصمعي: الكسائي: دخلت في غُمار الناس وغَمار الناس وخُمار الناس وخَمار الناس.

وأثبت الجوهري في الصحاح هذا القول إثبات الموافق عليه

والغِمار - بالكسر - جمع الغمر وجمع الغمرة ليس بحجة لمن كسر الغمار في (دخلت في غمار الناس أو خمارهم) في كلام القدماء. . .

28 - (ص35)

جانيك من يجني عليك وقد ... تعدى الصحاحَ مبارك الجرب

ولرب مأخوذ بذنب عشيرةٍ ... ونجا المقارف صاحب الذنب

قلت: عشيرة. وقد روى الشريشي في الشرح الكبير هذين البيتين و (قرينة) فيهما مكان (عشيرة)

29 - (ص71). . . قال (الوليد بن عبد الملك للزهري): يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبداً رعيته كتب له حسنات ولم يكتب له السيآت، قال: باطل يا أمير المؤمنين. . . قال: إن الناس ليغووننا عن ديننا

وجاء في الشرح: في الأصول (ليغروننا) بالراء، وهو تحريف قلت: إغواء: أظله، أو دعاه إلى شيء غوى به أي ضل؛ وغره يغره: خدعه وأطعمه بالباطل؛ والقوم قصدوا خدع الخليفة وإطماعه بالباطل؛ والغر أو الغرور مثل الإغواء، وربما فضل الأول الثاني في هذا المقام

30 - (ص234). . . وإذا جرد الوالي لمن غمط أمره وسفه حقه اللين بحقاً والخير محضاً لمن يخلطهما بشدة تعطف القلوب على لينة ولا بشر يحيشهم إلى خيره، فقد ملكهم الخلع لعذرهم

وجاء في الشرح: كذا في 1؛ ويحيشهم أي يجعلهم يفزعون يقال: حاشه يحيشه إذا أفزعه؛ والذي في سائر الأصول: (يحبسهم)

قلت: الحيش: الفزع، والفزع هنا الخوف والذعر، لا الفزع إلى الشيء، أي اللجوء إليه؛ وفي حديث عمر إنه قال لأخيه زيد حين ندب لقتال أهل الردة فتثاقل: ما هذا الحيش والقل؟! أي ما هذا الفزع والرعدة؟ فاللفظة في (العقد) هي يحوشهم أو يحيشهم أي يسوقهم؛ ففي حديث عمر أن الرجلين أصابا صيدا قتلة أحدهما وأحاشه الأخر عليه؛ يقال: حشت عليه الصيد وأحشته إذا نفرته نحوه، وسقته إليه، وجمعته عليه كما في النهاية؛ وفي الصحاح: حشت الإبل: جمعتهما وسقتها، وحشت الصيد أحوشه إذا جئته من حواليه لتصرفه إلى الحبالة

31 - (ص178) قال كعب بن زهير:

بخلاً علينا وجبنا من عدوكم ... لبئست الخلتان البخل والجبن

قلت:. . . وجبنا عن عدوكم. وقد نسبه أبو تمام إلى قعنب بن ضمرة. وفي المبهج: قعنب بن أم صاحب وهي أمه، وهو أحد بني عبد الله بن عطفان، وكان في أيام الوليد ابن عبد الملك، والبيت ثالث ثلاثة في (الحماسة) شقيقاه هما:

إن يسمعوا ريبة طاروا بها فرحاً ... مني وما سمعوا من صالح دفنوا

صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... وإن ذكرت بشر عندهم أذنوا

وقد تمثل أبو جعفر المنصور بذلك البيت في مقامين في خطبتين ذكرهما الطبري في تاريخه في (الخبر فن بعض سيرة المنصور) والبيت فيهما كما روى ديوان الحماسة

احتلت هذه الضئيلة البئيلة (من) ذلك المكان من البيت - غير متحللة عنه - الدهر الأطول في طبعات (العقد) وقد لمحتها في ثلاث منها، ثم لم نتئب (لم تستح) الملعونة من ظهورها في طبعة اللجنة المبجلة. واليقين أنها من ميراث الناسخين، لكن لكل كتاب أجل ولكل كاتب ولكل كتابة ولكل شئ، فلن تكون (من) في البيت في العقد - إن شاء الله - بعد اليوم. . .

32 - (ص334) ورؤى حاتم يوماً يضرب ولده لما رآه يضرب كلبة كانت تدل عليه أضيافه وهو يقول:

أقول لابني وقد سُطْتُ يديه ... بكلبة لا يزال يجلدها

أوصيك خيراً بها فان لها ... عندي يداً لا أزال أحمدها

تدل ضيفي علي في غلس ال ... ليل إذا النار نام موقدها

قلت: أقول لابني وقد سطَتْ يدُهُ. . .

33 - (ص170) وقال بعض العراقيين فيه (أي في أكول جبان):

ضعيف القلب رعديدُ ... عظيم الخُلق والمنظرْ!

رأى في النوم عصفوراً ... فوارى نفسه أشهر!

قلت: رعديدٌ، إذ لا تصريع في البيت، ولا احتياج إلى كف، واللفظة مصروفه وهذا ظاهر

34 - (ص123) كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يخرج كل يوم بصفين حتى يقف بين الصفين ويقول:

أي يوميَّ من الموت أفرّ ... يوم لا يُقدر أو يوم قدرْ

يوم لا أقدره لا أرهبه ... ومن المقدور لا ينجي الحذر

قلت: أفرْ بالسكون بلا شدة حتى لا يختل الوزن

ذكرتني (صفين) في خبر (العقد) بيتين كانا يقالان في لياليها وهما هذان:

الليل داج والكباش تنتطح ... نطاح أسد ما أراها تصطلح!

فمن يقاتل في وغاها ما نجا ... ومن نجا برأسه فقد ربح!

وإن الدنيا لتتمثل في هذا الوقت بهذا القول. والمأمول - وقد استجبت الدعوة في الرسالة (259) ص (932) فعادت جذعة - أن يكون نفع الناس منها جسيماً عظيماً مثلها

فيحيى فياح. . .! * * *